يوم الكذب العالمي
قال أحد الملحدين لأحد المسيحيين لماذا لديكم الكثير من الأعياد، أما نحن فليس لنا أي عيد، فأجاب المسيحي وقال أنتم لكم عيد أول نيسان أي عيد الكذب!... واليوم الأول من شهر نيسان مخصّص
للكذب في كل العالم، ويقولون لكي يبرروا الكذب، انها اكاذيب بيضاء وطاهرة اي على سبيل المرح!... وفي اللغة الانجليزية يسمى عيد الحمقى او يوم الاغبياء....
ويوم الكذب هو تعبير رمزي صحيح عن البشر، لان من اكثر الصفات السيئة المنتشرة في كل مكان وزمان هي الميل الى الكذب، اي عدم قول الحقيقة او قول انصاف الحقيقة.... والنفاق او الرياء الذي انتقده يسوع، هما نوع من الحياة المشحونة بالاكاذيب... والكتاب المقدس يسمّي الشيطان او ابليس، الكذاب وابو الكذاب (يوحنا 8)، لانه يكذب على البشر، ويخبرهم بأنصاف الحقائق، كالذي يضع 99% من اللبن و 1% من السموم، فهذا يكفي لقتل البشر... وكثيرا ما يصدّق البشر اكاذيب ابليس.... والكذب يدل على ضعف الناس، وعجزهم لمواجهة وقول الحقيقة، فيلجأون الى الاكاذيب وتشويه الحقائق...
منذ ان كان الانسان في الجنة، اي في افضل واجمل واروع مكان، اتاه ابليس بجسم حية، ونجح باسقاط الانسان، واخراجه من الفردوس عن طريق الكذب.. في البداية، زرع العدو التشكيك في كلام الله، اذ قال "أ حقا قال الله"... ثم قال "لا لن تموتا"، اذ قال لابوينا ان ما قاله الله، هو غير صحيح،فكذّب الله!.. وما زال ابليس يهلك الناس ويدمّر العائلات عن طريق التشكيك فيما قاله الله في الكتاب المقدس، ثم ينتقل بسرعة الى انكار ما قاله الله، واقناع البشر ان كلام الرب للبشر هو اكاذيب. والمسيح في انجيل يوحنا 8 جمع الصفتين معا، اذ قال عن الشيطان انه الكذّاب والقتّال. فمن خلال اكاذيبه، يُهلك الناس فيعيشون كذبة، وعندما يموتون، يكتشفون ان العمر كله كان كذبة كبيرة، ابتلعوها من جيل الى جيل. فعند الوفاة، تنفتح عقول الناس على الحقيقة، فيكتشفون ان كل حياتهم كانت عبارة عن الاول من نيسان، كان يوم واحد من الاكاذيب. لان العمر سريع وينتهي بسرعة فائقة، فيُصاب البشر بالصدمة، اذ ظنوا ان عمرهم طويل وان لديهم متسع من الوقت، ويكتشفون ان في عمرهم على الارض، ابتلعوا اكاذيب متنوعة من ابليس، اذ اقنعهم ان ما قاله الله ان هناك ابدية ودينونة ومواجهة مع الله، وان العمر هو مجرد مرحلة انتقالية، كلّه اكاذيب...
والانسان يميل الى تصديق الاكاذيب، ويهرب من الحقيقة.. مع ان الله اكثر صفة يحبها هي الصدق ... فالانسان لا يمكن ان يتعرف على الله، الا عن طريق الحقيقة والصدق... فكلمة صِدّيق تعني في العبرية صادق... فيمكن للقدير ان يعذرك، لأي ضعف او زلة، لكن لن يتفهم اذا اتجهت الى الله، وانت غير صادق. فاني لعلى يقين ان في النهاية، الذين يخلصون والذين يقبلهم الله، هم فقط الصادقون، مهما كان سقوطهم، ومهما اسودّت خطاياهم. وسيرفض الله حتما المرائين والمنافقين، حتى ولو كانوا من الوعّاظ ومن حافظي الكتاب المقدس...
والكذب هو شائع بشتى الطرق والاساليب والاشكال، وهو ليس يوما واحدا، بل هو كل يوم من ايام السنة.. وهو طريقة للتغطية على اخطاء الانسان، التي هي اكثر من شعر رأسه. فالانسان يخجل من الظهور على عيوبه، فيلجأ الى تغطيتها بالاكاذيب، فيميل الى الظهور بعكس ما هو. فالناس يدفعون ملايين الدولارات لاجل شراء مواد التجميل والعطور والملابس الفاخرة، بهدف التغطية على الحقيقة، والتظاهر بالكمال والجمال.... لكن الانسان عاري امام الله، ومع الانسان ينظر الى المظهر الا ان الله لن تخدعه المظاهر، بل يرى الحقيقة، فلا يرى الثياب ولا يشم العطور ولا يرى المساحيق، بل يرى الانسان على حقيقته الكاملة، وكل شيء مكشوف امام الله القدير. لذلك فمن الحكمة، ان يكون الانسان صادقا امام الله..
ويحذرنا الكتاب المقدس من ان نكذب بعضنا على بعض، ولا يقصد فقط عدم قول الحقيقة، بل ايضا الادّعاء والتمثيل والتعامل بعضنا مع بعضنا، ونحن نتظاهر بما ليس حقيقتنا، بل نتقمّص شخصية اخرى، ويظننا الاخرون بما لسنا عليه... ومن اكثر انواع الكذب الذي يعيشه البشر، هو تشويه سمعة الاخرين، وتضخيم الامور المتعلقة بالشائعات، لذلك يحذرنا الانجيل من ادانة الآخرين، وتصديق كل شي يشوه صورة الاخرين، بل يدعونا اذا سمعنا خبرا، ان نفحص جيدا ونمتحن الامور ونسأل ونتأكد من الخبر قبل تصديقه، وعدم تشويه سمعة الاخرين... بل المحبة تستر الكثير من الخطايا، فمحبتنا للاخرين تدعونا الى ان نستر اخطاء الاخرين، لا ان نفضحهم، اي ان نقبل الاخرين، ولا ننقل الاخبار المشوهة عن الاخرين من مكان الى آخر، وكثيرا ما يكون كذبا... يبدو ان الناس يتمتّعون بتشويه وتحقير الاخرين، حتى ولو كان كذبا، لان متعتهم احيانا تكون في تصغير الاخرين، لان عن طريق ذلك، يغطّون عن اخطائهم هم...
وفي الانجيل في بداية الكنيسة الاولى في سفر الاعمال، عندما كانت الكنيسة في اوج قوتها وحيوتها، نقرأ عن حادثة غريبة عن زوجين اي رجل وامرأة، واجههم الرسول بطرس، وماتا في الحال، فقط بسبب كذبة واحدة.... ونستغرب كيف ان الله اماتهما مجرد لسبب كذبة، ربما ندعوها كذبة اول نيسان او كذبة بيضاء.... لكن عندما نفهم ان احيانا امرا يبدو بسيطا وتافها يعكس كل حقيقتنا، ويُظهر ما نحن عليه. ففي هذه الحالة لم يموتا، لانهما تفوها بكذبة واحدة، بل لان حياتهما كانت عبارة عن كذبة، فهم اعتادوا التمثيل في كنيسة الله واعتادوا التظاهر والظهور بالمظهر الذي يمدحه الجميع، مع انها ليست الحقيقة، فالله محبة، لكنه يبغض الرياء. ويدعوه خمير الرياء، لانه ينتشر بسرعة فائقة، وهو التظاهر بغير الحقيقة والتظاهر بالمظهر الجميل الذي يمدحه الاخرون، ويكون تغطية للحقيقة، وهذا يكون اشر وابشع اذا حدث في كنيسة الله، حيث يكون الرب في وسطها... ولعل هذا اشر الامور.. مع انه من الطبيعي ان البشر يخطئون، والله يعلم ذلك، ولم يخلق الانسان كاملا، لكن الله لن يتقبل التمثيل والادعاء والرياء والنفاق خاصة في كنيسته، وكثيرون في مكان متعددة، تتلخّص حياتهم، بأنها عبارة عن كذبة كبيرة، تبدو بيضاء، لكنها سوداء وبشعة، وتبدو بريئة لكنها مهلكة وبغيضة.. كل عام والجميع بدون الكذب، بخير....
الله, المسيح, الكذب, يوم الكذب العالمي
- عدد الزيارات: 7710