هادمين حصونا (2 كو 10)
يبني الشيطان الكثير من الحصون في عقول الملايين من البشر. وهذه الحصون هي بمثابة معاهدات واتفاقيات بين الشيطان والبشر تمتد احيانا الى سنين طويلة وعقود مديدة. وهدف ابليس هو هدم عمل الله من خلال غزو قلوبنا وعقولنا، والاحتفاظ بها تحت سلطته وتحكمه وابقائها بعيدة عن الرب.
كلنا نولد بطبيعة شريرة وخاطئة، مليئة بالحصون ضد معرفة الله، وهذه القلاع تتجسّم في جيوش الشكوك والارتياب بخصوص محبة الله وقدرته وصلاحه. ان بعض هذه الحصون الشيطانية قد انتقلت الينا عند ولادتنا. وبعضها من خلال تربيتنا في البيت ونحن بعد اطفال.. على سبيل المثال، قد يكون اهلنا علّمونا ان النجاح العلمي والمالي لهما اهم من الحياة الروحية.. والاهتمام بكل ما يتعلق بهذه الحياة اهم من الامور الابدية..
ثم نكتسب افكارا خاطئة جديدة في المدرسة، نتعلّم مثلا ان وجود الانسان في هذا العالم هو عن طريق الصدفة وان اصله انحدر من الحيوان غير العاقل. ونتعلم امورا كثيرة في المدارس تتناقض مع الفكر الالهي. وعندما نكبر، نجد من الصعوبة اكتشاف هذه الافكار والتنازل عنها. وهكذا بسبب هذه الافكار التي اكتسبناها من البشر، نرفض اعلان الله الواضح في الكلمة المقدسة. وحتى بعد التجديد والايمان، نبني حياتنا احيانا على افكار خاطئة، ونحن لا نعلم ونظن ان الله يريد ذلك . ربما تستغرب من هذا الكلام وتظنه مبالغة.. دعني اسألك على سبيل المثال وليس الحصر، لماذا يعاني كثيرون من اولاد الله في الكنيسة وفي الحياة الزوجية وفي حياتهم الشخصية حتى بعد سماع الكثير من الوعظ؟! أ لا يعتقدون في نفس الوقت، ان الله يريد تلك المعاناة لهم؟!. لكن الكتاب واضح في هذا الامر، لا تقل ان الله يجرّبك بالشرور، بل سبب معاناتنا كثيرا ما يكون الافكار الخاطئة المتأصّلة في اعماقنا والله براء منها.. لذلك يدعونا الرسول بولس الى هدم افكاراً قوية تتحكّم في حياتنا وتتسلّط على تصرفاتنا وردود فعلنا.. مثلا ربما لم ننتبه البتة ان تعامل الرجال مع نسائهم وتوجّه النساء الى رجالهم، كثيرا ما يكونان غير مسيحيين ومتناقضين مع الانجيل ونحن لا نعلم، نصلّي ونبكي ونتصادم ونيأس ونستغرب لماذا لا يساعدنا الله القدير الذي يستطيع كل شيء.. الجواب بكل بساطة ان الله العليّ يدعوك الى التنازل عن افكار اكتسبتها من العالم ومصدرها الشيطان وانت لا تعلم.. ويجدر ذكره هنا ان النوايا الحسنة لا تكفي.. في ذهني، تجول امثلة عملية كثيرة لافكار شيطانية عالمية واقتناعات لا نريد التنازل عنها ونحن نظنّها انجيلية والهية!.... وها نحن ندفع ثمنا باهظا لذلك كل يوم في كنائسنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا..
ان بعض هذه الحصون القوية المبنية على افكار خاطئة نكتسبها من الاصدقاء ومن المجتمع ومن العلماء والفلاسفة واحيانا من وعّاظ ومن اناس يريدون ان يكونوا معلّمين للكلمة الحية، فيزرعون الفوضى والتشويش. وعندما يرسل الله رجاله الحقيقيين ليهدموا هذه الحصون في محاولة لتغيير الاقتناعات الخاطئة واستبدالها بالحق الكتابي، نواجههم بالمقاومة والمعارضة والغضب احيانا.
كيف يمكننا اكتشاف هذه الحصون الشيطانية في حياتنا؟ وكيف نواجهها ونحطّمها ونهدمها؟ وماذا يحدث اذا تركناها كما هي ولم نهدمها؟.. لكي نجيب على هذه التساؤلات، لا نحتاج الى اللجوء الى كتب لفلاسفة وعلماء هذا العالم، بل علينا البحث عن الاجوبة فقط في الكتاب المقدس، كلمة الله الحية الفعالة وطلب ارشاد الروح القدس. ونحتاج الى رجال الله الذين يبثّون فكر الله الحقيقي. ويعلّمنا الانجيل ان الحق ينير اذهاننا ويصحّح افكارنا الخاطئة ويقوّم سلوكنا الاعوج. تكشف كلمة الله كل خداع ابليس التي من المستحيل اكتشافها بدون انارة روحية الهية. لكن علينا ان نتضّع لكي نكون مستعدين للتعلّم وليس ان نعلّم الله، بل نأتي الى الرب كاطفال مطيعين ولا نتذمر ونشتكي. ينبغي ان نكون مستعدين لتقبّل كل ما يعلّمه الانجيل، حتى ولو تعارض مع التقليد الكنسي والاجتماعي وافكار المجتمع ومعتقدات الاهل ورأي العلم وحتى ولو تناقض مع المنطق البشري. كان يسوع مهاجما للتقليد الاجتماعي وقد ادان التقليد الديني ايضا(مت 23). ان الكتاب المقدس هو الاداة الوحيدة والمرشد الوحيد لحياتنا. وهو يعلن الحق ويساعدنا على التخلّص من الافكار الهدامة التي غرسها الشيطان عميقا في اذهاننا.
اذا تابعنا حياتنا بدون نزع هذه الافكار الخاطئة واستبدالها بالحق الكتابي، نجلب الاهانة لمخلّصنا، والحزن واللعنة لحياتنا وحياة اولادنا واحفادنا وكل مَن حولنا. وبهذا نعطّل مجيء الكثيرين للرب ونسبب العثرات امام الناس. ان هذه الحصون تحرمنا من التمتع بالشركة مع الله ومع اخوتنا في الكنيسة، وبسببها، نفضّل الحفاظ على البعد والحواجز بيننا وبين باقي اعضاء جسد المسيح. احيانا لا نرى ايّة نتائج لتعبنا وخدمتنا وتضحيتنا، فنصاب بالاحباط والوحدة واليأس. ولا نعلم لماذا. اما نصيحة الكتاب فهي:"لا تشاكلوا هذا العالم بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم، فتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة والكاملة" (رو 12: 2).
كثيرا ما يكون من الصعب علينا ان نفحص افكارنا ونواجه انفسنا بنقد ذاتي امام النور الالهي الساطع بدون اي تأثير بشري، نحن نحتاج ان نفحص بموضوعية ونزاهة كل ما يجول في افكارنا، لان الفكر هو الموجّه لكل سلوكنا وكلامنا، فاذا اردنا ان نغيّر تصرّفنا وكلامنا، علينا ان نغيّر اولا تفكيرنا وعقليتنا واقتناعاتنا. لنطلب كداود من الرب ان يمتحننا ويفحص دواخلنا، وان كان فينا طريق باطل، يهدينا طريقا ابديا (مز 139/ اعمال 17: 11).
لنتذكر ان عمل كل واحد منا سيُكشَف ويُعلّن امام كرسي المسيح، لان اليوم سيبينه والنار الالهية ستفحص كل فكر لدينا، لذا فمن الحكمة ان تكون لنا الشجاعة والجرأة لنواجه انفسنا ونصلح طرقنا وافكارنا (1 كو 3: 13/ 2 كو 5: 10). وهل نحن الانجيليين، مستعدّون ان نفحص من جديد مفاهيمنا عن الايمان، وهل هي مستقاة من الانجيل بدون اي تأثير بشري!.... ام ان معتقادتنا معصومة وممنوع فحصها!.... ان الحق الانجيلي معصوم وكامل، اما مفهومنا للحق فهذا امر آخر.. آن الاوان لحركة انجيلية اصلاحية جريئة..... نحتاج الى اللبن العقلي عديم الغش اي كلمة الرب بدون اي توابل جميلة من هذا العالم الهالك. ربما تكون معتقادتنا هي مجرّد خليط من التعاليم الانجيلية والافكار اجتماعية ودينية عالمية...
لنفحص علاقتنا مع اخوتنا واخواتنا في المسيح، ولنفحص شركتنا مع الرب، ولنفحص افكارنا واقتناعاتنا المختصة بالزواج والعائلة (افسس 5) والكنيسة والمستقبل والسياسة (رو 13) والجنس (1 كو 7) والخدمة والبنيان (1 كو 14) والتبشير والعلاقات الاجتماعية.. اخشى ان نكون مشبعين بأفكار ليست من الانجيل، بل من البشر ومن الصعب مواجهتها، لان مَن يواجهها، سيكون مصيره الصليب كيسوع، عندما واجه التقليد الاعمى والعادات الاجتماعية الباطلة، والديانة التي لا تفيد شيئا....
ان الكتاب المقدس لواضح وبسيط حول كل امور حياتنا، والرب يريد ان يحرّرنا من كل تأثير شيطاني على حياتنا. وفي المسيح، نستطيع كل شيء (فيلبي 4) نستطيع ان نهدم كل الحصون الشيطانية فنكون اعظم من منتصرين (رو 8: 37/ 2 كو 2: 14)....
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
- عدد الزيارات: 5435