إمتلؤا بالروح
إن نظرة صادقة الى تاريخ المسيحية والى ما تجتازه الكنائس في هذه الايام كافية أن تُقنع كل مؤمن حقيقي يحب الرب يسوع الذي أحبنا حتى أسلم نفسه لأجلنا، اننا في أشد الحاجة الى إتمام هذه الوصية "امتلئوا بالروح". ألم نقتنع بعد ايها الاحباء، بدمار الجسد وهدمه، كم من عثرات سبّب؟! وكم جدّف الناس على طريق الايمان بسبب تصرفات جسدية وكلمات هدّامة وسيرة حياة عالمية!.
ان هذه العبارة ليست نصيحة بل وصية، ولا يختلف اثنان في تفسيرها فهي واضحة بسيطة، ولكنها قاطعة ولا تقبل المساومة او التأجيل. أخي الغالي، هل أنت ممتلئ بالروح القدس الساكن فيك؟ هل يقود حياتك كلامك وتصرفاتك روح الله أم جسد الشهوات والاهواء؟ هل المسيح سيّد على حياتك، أم الذات والانا تسيطر على عرش قلبك؟، واذا كنت غير ممتلئ بالروح، ما هو عُذرك؟ ألست تعلم ان البديل لذلك هو الجسد الهدّام والانا المتعجرفة والاتّجاه العالمي المهين لله والعاثر للاخرين؟. ربما أكثرنا لا يعرف كيف يمتلئ بالروح القدس.!.لنبدأ منذ الان بالاهتمام بهذا الامر ليكون حقيقة عملية في حياتنا، لأن الامتلاء بالروح هو الحل لكنائسنا المهدومة أسوارها وهو الحاجة الماسّة لكل كنائس الله والنتيجة هي سلام وبنيان وتكاثر للعدد ايضا (أعمال9: 31).
شبّه الرب يسوع الامتلاء بالروح كينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية (يو4: 14) وأنهار ماء حيّ تجري من بطن المؤمن (يو7: 38) وبولس شبّهه بامتلاء الوعاء (افسس5: 18) وبشجرة مُثمرة (غلا5: 22) وبنار ملتهبة (1 تس5: 19)، وحزقيال شبّه الامر بنهر لا يُعبَر طمت مياهه، يغطي الكعبين والركبتين والحقوين وأخيراً كل كيان الانسان (حز47: 5)، ونحميا شبّهه بعين ماء (نح2: 14)، والرسول يعقوب بينبوع ماء عذب (يع3: 11). أما عن نتائج الامتلاء بروح الله فهي لا تُحصَى، ففي افسس يقول الرسول بولس ان مَن يمتلئ بالروح لا بد من نتائج حتمية لئلا يخدع احد نفسه، فهو يتكلم مع اخوته بتسابيح روحية لا بشكاوي وتذمرات، وبتشكرات على كل شيء ثم يكون خاضعاً لأخوته لا معانداً او مقاوماً (5: 19- 21). وفي سفر الاعمال، نقرأ عن نتائج الامتلاء بالروح: فالمؤمنون كانوا يعظمون الله (2: 11) ويواظبون على تعليم الرسل والشركة الاخوية وكسر الخبز والصلوات (2: 42) وكان كل شيء مشترَكاً فاختبروا الابتهاج الروحي وبساطة القلب، وكانوا بنفس واحدة وقلب واحد وبقوة عظيمة، كانوا يؤدّون الشهادة(4: 32)، وكان مؤمنون ينضمون للرب أكثر (5: 14)، وفرحوا حتى عندما جُلدوا وأُهينوا لأجل اسم الرب يسوع (5: 41). وعندما امتلأ استفانوس من الروح القدس، شخصَ الى السماء ورأى مجد الله ويسوع قائماُ عن يمين الله وغفر لراجميه!. وفي غلاطية يعدّد الرسول بولس، ثمر الروح القدس عندما يمتلكنا إذ يقول واما ثمر الروح فهو محبة لجميع الناس ولا سيما للمؤمنين بلا استثناء، وفرح في كل الظروف أي اكتفاء وقناعة، وسلام أي طمأنينة وهدوء وتسليم في كل الاوضاع، وطول اناة أي احتمال للاخرين بدون ايّ غضب، ولطف أي لطافة المعاملة والكلام، وصلاح أي الخير للجميع، وايمان أي ثقة عملية في الرب دون خوف او تزعزع مهما اجتزنا من ظروف لا نتوقعها، ووداعة أي عدم الانتقام وعدم المقاومة، نسلّم لخالق امين يقضي بعدل، واخيراً تعفّف أي ضبط نفس ضبط الافكار والمشاعر ضبط اللسان والاموال. وفي رسالة كورنثوس الاولى نقرأ ان مَن امتلأ بالروح، يمتلئ بالمحبة الالهية التي تتأنّى مع الاخرين ولا يحسد نجاح الغير بل يحسبه نجاحا له لان كليهما اعضاء بعضهما البعض ولا تتفاخر على الاخرين ولا تنتفخ ولا تقبّح وتذم الاخرين لكي ترفع من ذاتها ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتدّ او تغضب عندما يتجاهلها الاخرون ولا تظن السوء في نوايا الاخرين ولا تفرح بالاثم بل بالحق وتحتمل وتصدق. ايها الاحباء، لماذا يعيش الكثيرون بالاوهام! لنكن ابطالاً ونواجه انفسنا بشجاعة، معترفين اننا عشنا وسلكنا وفكّرنا بالجسد وقد اهين اسم الرب بسببنا (اش52: 5/ رو2: 24) لماذا نفتخر بما لا نمتلك، مدّعون؟!. ان اليوم لا بدّ آتٍ عندما يقف كل واحد ويعطي حساب عن نفسه عندها سينير الرب خفايا قلوبنا المختفية واراءنا المخجلة (1 كو4: 5) عندها سيدين الرب سرائر الناس أي اسرارهم (رو2: 16). يقول بولس الرسول ايضاً “لأنه لا بدّ أننا نُظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شرّاً" (1 كو5: 10) عندها سيكتشف الملايين انهم تعبوا للباطل وللنار (ارميا50: 58) وانهم جمّعوا خشباً وعشباً وقشاً أي امور عالمية وشهوات جسدية ومظاهر لها حكاية حكمة لكنها ستحترق عند مجيء الرب (1 كو3: 12). كان ينبغي ان نكتشف الروح القدس الساكن فينا ونمتلئ به من خلال الامتلاء بكلمة الله (كو3: 16)، عندها نجمع ذهباً وفضة وحجارة كريمة أي تعبنا لاجل شخص الرب وبسبب فدائه، ولانشغلنا وتكلّمنا عن كمالات وفضائل ربنا يسوع الذي بذل نفسه لأجلنا، هل نستيقظ الان ونرجع الى الرب ونقبله سيداً على حياتنا وفي عائلاتنا وفي اجتماعتنا؟. ليتنا نفعل ذلك الآن ولا ننتظر الى مجئ الرب، عندها نخجل في مجيئه ولا ينفع الندم(1 يو2: 28)، لئلا نكون كلوط الذي خلص كما بنار او يعقوب الذي لم يسجد الا في آخر لحظات عمره فلم يستطيعا ان يدخلا الى محضر الرب!! مع ان الجسد لا يحرمنا فقط من البركات الابدية والمكافأة والتمتع بالرب، بل ايضاً بسببه تضيع اموالنا ومجهوداتنا واوقاتنا الثمينة ويقضي اولادنا وبناتنا حياتهم عبيدا لاهوائهم وشهوات العالم بسبب تربيتنا الجسدية فيبقى أثر ذلك الى الابد! (1 صم8: 11- 17). ليت الرب يتحنّن علينا ويوقظنا الان، ويقنعنا ان نقصد من كل قلوبنا ونجتهد لنمتلئ بالروح ولا يهدأ لنا بال(راعوث3: 18) حتى نُخضِع ارادتنا لقيادة الروح في حياتنا "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله” (رو8: 14) ولا يمكننا ان نميت اعمال الجسد ونبطل مفعوله الا بالروح(رو8: 13).
والان يأتي السؤال كيف نمتلئ بالروح القدس؟. تعلّمنا الكلمة ان الامتلاء هو وصية لا خيار لنا، وهي معطاة لكل واحد دون استثناء، ولا طعم او معنى للحياة الا بالخضوع لهذه الوصية. والان كيف يمتلئ المؤمن بروح الله وكيف يفيض فيه الروح وكيف يحل المسيح عملياً بالايمان في قلوبنا ونتأيّد بالقوة بالروح (افسس3: 17)، وكيف نستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّينا(في4: 13)؟. أولاً علينا ان نعلم ان الروح القدس أي روح الله الذي هو الله ذاته، ويسكن فينا عندما قبلنا الرب يسوع مخلّصاً شخصياً لنا(افسس1: 13) أي ان الرب يسوع يسكن في قلوبنا بالروح ونحن هيكل يسكن فيه (1 كو3: 17/6: 9) فنحن لا نحتاج ان نُنزل الروح من السماء الينا (رو10: 6) لانه حل في يوم الخمسين(اع2) وسيبقى في المؤمنين الى مجيء الرب يسوع. لكن الروح قدوس ومقدس، فلكي يفيض فينا، مسؤوليتنا ان نتقدّس أي ان ننقي قلوبنا وافكارنا من كل اثم، وذلك من خلال الاعتراف بكل خطأ يكشفه لنا الرب بروحه، لان الخطية تطفئ الروح وتحزنه وتحد عملة وتعطل فيضانه. فلكي يفيض النهر بقوة علينا، ان نزيل الحجارة والاوساخ من امام المياه، فتتدفّق، أي علينا أي نزيل المعطلات بالاعتراف والحكم بحزم على كل شر في حياتنا كأفراد او كجماعة. ولا احد يملأ كأس ماء نقي وفي الكأس امور اخرى، نقّ اولاً الكأس من كل شيء اخر، ثم يمكن ان يمتلئ الكأس ويفيض على الاخرين. وعلينا ايضا ان نسلّم الرب قيادة حياتنا ودفّة السفينة، فنقول للرب بكل جدية "يا رب استلم حياتي وكل كياني، وليكن ما تريد انت، لانك اله تحبني وارادتك هي الافضل". بعد ذلك، علينا ان نؤمن ان روح الله فاض في قلبي والرب امتلكني، اما الشعور بذلك، فيأتي كنتيجة للتسليم والثقة الكاملة ان الرب غفر كل اثم وهو استلم حياتي. هل اشعر بفرح او بشعور خاص؟ مع ان المشاعر ليست هي الاعتماد، فهي تأتي وتزول، لكن بالتأكيد اشعر بشعور خاص من الفرح والسلام والراحة كل مرة تأتي الخطية وارفضها. لماذا لا تجرب ذالك؟! ان نمط حياتك الماضية ليس مقياسا لحقائق الانجيل، بل يجب ان تصدّق الله حتى ولو حاولت وفشلت في التطبيق. حاول مرة اخرة وتعلّم من النملة الكائن الصغير الذي لا ييأس ولا يملّ(امثال6: 6). ان الامتلاء بالروح ليس حادثة لمرة واحدة بل هي هي قرار يومي في كل صباح، عليك ان تبقى مصمّماً على الخضوح لروح الله والتنازل عن ارادتك الذاتية. وايضاً الامتلاء بالروح ليس هو هيجانا عاطفيا وحماسا جسديا، بالعكس هو هدوء وسلام وفرح داخلي واكتفاء ووداعة وتواضع ونكران كامل للذات.
نقرأ في سفر نحميا عن النبي انه عندما رأى اسوار المدينة مهدومة ومحطمة(يمكن ان تكون رمز لكنيسة غير منفصلة عن العالم) اتى ليلاً (فهو اختبار فردي هادئ بين الانسان وبين الرب) وخرج من باب الوادي (اي التواضع والتذلل امام الرب) امام عين التنين (اي واعٍ للشيطان خصم المؤمن) واتى الى باب الدِّمن (اي النفايات والاقذار) وتفرّس في اسوار المدينة المهدمة(اي فكّر وانشغل في حالة الكنيسة المحزِنة بسبب عدم الانفصال عن الشرور والعالمية والشهوات) ثم أتى الى باب العين(رمز لينبوع الروح القدس) وأخيراً رجع الى باب الوادي ثانية (اي عاد الى حالة التواضع) (نحميا2: 12- 15)، متذكراً كلام سليمان الذي قال له الرب "إذا تواضع شعبي الذي دعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فانني اسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأُبرِئ أرضهم" (2 أخبار7: 14). نفهم ان الامتلاء بالروح القدس هو خطوة نتيجة للامانة الفردية والشعور بالحاجة الى الله، وليس تسلية، بل كما فعل نحميا: اولاً الذهاب الى باب الوادي أي التواضع الانكسار والتذلل امام الرب بسبب التثقل بالمسؤؤلية وليس للتباهي، ثم الحكم على الذات (باب الدمن) وإخراج كل ما يحزن الرب من قلبي ومن جماعة الله والاعتراف بكل اثم والتنازل وترك الخطية من حياتنا (ان طبيعة الخطية ستبقى ساكنة فينا لكن المشكلة هي ليست بقاؤها بل التمسّك والانشغال بها) عندها نصل الى العين أي يفيض فينا روح الله ويبقى عاملاً فينا ما دمنا نُسرع بالاعتراف بكل خطية، منكسرين امام الرب. حتى بعد فيض الروح وامتلائنا به، علينا ان نبقى متّضعين لا نحسب انفسنا ثمينة عندنا (اع20: 24).
ايها الاحباء - كنيسة الله التي فداها بدمه (اع20: 28)، لنرجع الى الرب بكل قلوبنا بالصوم والبكاء والنوح لنمزِّق قلوبنا لا ثيابنا ونرجع الى الرب الهنا لأنه رؤوف رحيم بطيئ الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشرّ...ليبكِ الكهنة خدام الرب..ويقولوا اشفق يا رب على شعبك..”.18فَيَغَارُ الرَّبُّ لأَرْضِهِ وَيَرِقُّ لِشَعْبِهِ. 19وَيُجِيبُ الرَّبُّ وَيَقُولُ لِشَعْبِهِ: «هأَنَذَا مُرْسِلٌ لَكُمْ قَمْحًا وَمِسْطَارًا وَزَيْتًا لِتَشْبَعُوا مِنْهَا، وَلاَ أَجْعَلُكُمْ أَيْضًا عَارًا بَيْنَ الأُمَ نحميا …ابْتَهِجُوا وَافْرَحُوا بِالرَّبِّ إِلهِكُمْ، لأَنَّهُ يُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ عَلَى حَقِّهِ…،فَتُمْلأُ الْبَيَادِرُ حِنْطَةً، وَتَفِيضُ حِيَاضُ الْمَعَاصِرِ خَمْرًا وَزَيْتًا. «وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ، الْغَوْغَاءُ وَالطَّيَّارُ وَالْقَمَصُ، جَيْشِي الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ. 26فَتَأْكُلُونَ أَكْلاً وَتَشْبَعُونَ وَتُسَبِّحُونَ اسْمَ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي صَنَعَ مَعَكُمْ عَجَبًا، وَلاَ يَخْزَى شَعْبِي إِلَى الأَبَدِ. 27وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي وَسْطِ إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ وَلَيْسَ غَيْرِي. وَلاَ يَخْزَى شَعْبِي إِلَى الأَبَدِ (يوئيل2: 12-27).
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
- عدد الزيارات: 6754