Skip to main content

"كنتُ يسوعيّاً ثُمَّ صرتُ ولداً من أولاد الله"

شهادة شخصيَّة من الكاهن المولود ثانيةً

"بوب بُش"

 

بدأتُ رحلتي الكاثوليكيَّة في بلدةٍ ريفيَّة في شمال كاليفورنيا بالولايات المتّحدة الأميركيَّة. وقد كانت بلدتنا صغيرة جدّاً بحيث لم يكن يُقام فيها قُدّاسٌ كلَّ يومِ أحد. إذ اعتاد كاهنٌ أن يأتي إلى بلدتنا مرَّةً كلَّ شهرٍ، إذا استطاع، ويُقيم قُدّاساً في قاعةٍ عامَّة كبيرة.

لي أخَوان، واحدٌ أصغر منِّي والاخرُ أكبر. وقد تلقّى والدي دراسته في جامعة "سانتا كلارا" الكاثوليكيَّة. من جرّاء ذلك استحسن والِداي فكرةَ إرسالي إلى مدرسة كاثوليكيَّة داخليَّة، يديرها اليسوعيُّون، وفيها أمضيتُ ثلاثَ سنين. كانتِ المدرسة ممتازةً أكاديميّاً، ولكنَّ المفاهيم الدينيَّة الوحيدة التي تلقَّيناها كانت متعلِّقةً باللاَّهوت والتقليد الكاثوليكيَّين من دون أيّ تشديد على الكتاب المقدَّس.

لمّا اقترب موعدُ تخرُّجي، كنتُ أفكِّر في ما ينبغي لي أن أفعله بحياتي. وخُيِّل إليَّ أنَّها فكرةٌ جيِّدةٌ أن أُكرِم الله وأخدمه، وأُساعدَ الناس، بصيرورتي كاهِناً يسوعيّاً. ذلك كلُّ ما عرفتُه. فحتّى عندما تركتُ الثانوية في ذلك الحين، كان في قلبي شوقٌ وجوعٌ لملاقاة الله ومعرفته. وبالحقيقة أنَّني ما زلتُ أذكر، وأنا في الصفوف الأخيرة من المرحلة الثانويَّة، ذهابي مرَّةً إلى ملعب كرة القدم وركوعي في قلب الظلمة رافعاً ذراعيَّ، حيث صرختُ قائلاً: "أللهمَّ، أين أنت؟" فقد كان في قلبي جوعٌ حقيقيٌّ لِلَّه.

دخلتُ الرهبنةَ اليسوعيَّة عام 1953، بعد تخرجُّي في الثانوية. ولكنْ عند دخولي الرهبنة، كان أول ما قيل لي أنَّ من واجبي مراعاة النُّظُم والقوانين، لكون ذلك مُرضِياً لِلَّه ومطلوباً منّي أمامه. وهناك علَّمونا الشعار: "احفظِ القانونَ يحفظْك القانون!"

قرأنا الكثير من سِيَر القدِّيسين. ومنذ البداية عُلِّمتُ أن أنظر إليهم باعتبارهم أمثلةً أقتدي بها، غيرَ عالمٍ بأنَّهم صاروا قدِّيسين لأنَّهم خدموا الكنيسة الكاثوليكيَّة الرومانيَّة. وقد تلقَّيتُ دروساً في اللاهوت طيلةَ ثلاث عشرة سنة، حتّى رُسِمتُ عام 1966، دارساً مادَّةً بعد مادّة، وموضوعاً بعد موضوع. ثمّ أفضى بي الأمر إلى دراسةٍ تخصُّصيَّة في اللاهوت تُوِّجت برسامتي سنة 1966، ومازال في قلبي ذانك الجوعُ والاشتياق إلى الله. لم أكُن قد قابلتُ الربَّ شخصيّاً بعد، ولا اختبرتُ السلام. بل إنِّي حينذاك كنتُ أُدخِّن كثيراً من فرط التوتُّر. إذ اعتدتُ أن أذرع أرض الغرفة ذهاباً وإياباً وأنا أنفثُ السيكارة في أعقاب الأخرى، لأنَّ كثيراً من القلق والاضطراب كان يعتمل في داخلي.

ثمّ تسجَّلتُ في منهج دراساتٍ عُليا في روما، ظنَّاً منِّي بأنِّي سأبلغُ القِمَّة، ولكنْ ما زال في قلبي الاشتياقُ والجوع عينُهما. حتّى إنِّي حادثتُ في ذلك كاهِناً مسؤولاً عن المرسلين العاملين في أفريقيا، رغبةً منّي في الذهاب إلى هُناك مرسلاً. على أنِّي كنتُ أعي أنَّني إذا ذهبتُ إلى أفريقيا فالأمر الوحيد الذي كان في وسعي القيام به هو أن أُخبر الناس بما تعلَّمتُه عن العقائد الكاثوليكيَّة، وبما كان في حوزة الكنيسة الكاثوليكيَّة وفي وسعِها أن تقدِّمه، مع أنَّ ذلك كُلَّه لم يُشبِعني؛ وما كنتُ لأرى كيف يُمكن أن يُشبِع الناس أيضاً.

درستُ في تلك الأثناء عن المجمع الفاتيكاني الثاني، ورُسِمتُ بعد انتهاء أعماله بسنةٍ واحدة. وإذ كانت وثائق المجمع المذكور تصدر عن الفاتيكان، تصوَّرتُ أنَّ كلَّ شيء سوف يتغيَّر. وقد كنتُ فعلاً أمرُّ في فترةِ استكشاف، وخُيِّل إليَّ أنِّي سأصلُ إلى الحقِّ الخالص، الأمرُ الذي من شأنِه أن يُغيِّر وجه العالم. تلك كانتِ القوَّة الدافعة التي حرَّكتني.

لم تستوقِفْني أيَّةُ تعديلاتٍ تُذكَر، لكونِ التعاليم الكاثوليكيَّة القديمة منذ مجمع "اترانت" ما تزال ماثلةً هناك. وعلى ذلك لم أذهب إلى أفريقيا، بل رجعتُ إلى كاليفورنيا، حيث كان الله قد خبّأ لي مفاجأة.

فإذ كُنت مرَّةً في مركزِ رياضةٍ روحيَّة، سألتني امرأةٌ هل أتولَّى قيادة مجموعة صلاةٍ بيتيَّة. وما كنتُ قد قدتُ اجتماع صلاة في حياتي، ولا عرفتُ كيف يجري ذلك؛ ولكنَّني ظننتُ أنَّني قادرٌ على تدبُّر الأمر ما دمتُ قد درستُ طيلة تلك السنين. ومن ثَمَّ أجبتُ تلك السيِّدة بأنَّني سأتولّى قيادة اجتماع الصلاة في منـزلها. وكان ذلك الاجتماع يُقام كلَّ خميس، من العاشرة صباحاً حتّى الظهر، حيث تجتمع مجموعةٌ من الناس، فنقرأ الكتاب المقدَّس فقط، ونسبِّح الربَّ معاً، ونُصلِّي بعضنا لأجل بعض. كنتُ ما أزال أُدخِّن حينذاك؛ وفي الصباح الباكر، قبل موعد الاجتماع، رحتُ أذرع أرض الغُرفة وأقول: "لِماذا قلتُ إنِّي سأذهب إلى هناك؟" لم أكُن مَعنيَّاً بالأمر حقاً، ولكن لمَّا ذهبتُ أول مرَّة، وحلَّ الظُّهر، لم أرغب في مغادرة المكان. فإنَّ قوَّة كلمة الله كانت قد بدأت تلمس قلبي وحياتي.

أجل، إنَّ المفاجأة الكبيرة التي خبّأها لي الربّ حدثت على هذا النحو. ذاتَ ليلةٍ ذهبنا إلى مركز الرياضة الروحيَّة من اجتماع الصلاة البيتيّ. وعند فراغِ المتكلِّم من مخاطبة الحُضور، قال: "إن كان هنا مَن به جوعٌ إلى الله، ولم يمسَّ الله حياتَه بعد، ويرغبُ حقاً في أن يُولدَ من جديد، وأن يلمس الروحُ القُدس حياته ويُغيِّرها، فليتقدَّم إلى الأمام ونحنُ نُصلِّي لأجله". فإذا بتلك السيِّدة، صونيا، تتوجَّه إليَّ وتقول لي: "هلاَّ تطلب إلى زوجي هو أن يتقدَّم ليُصلَّى عليه ويلمسه الروح القدس!" قلتُ لها: "لا يمكنني ذلك يا صونيا. فليس ذلك من الصِّدق في الواقع، لأنّي أنا نفسي لم يُصَلَّ عليَّ، فكيف أطلب إليه أن يفعل ذلك؟" كان طولي يناهز المترين، وكانت هيَ امرأةً قصيرة جدّاً. ولن أنسى نظرتها إذ رفعت عينيها إلى وجهي وهزَّت بإصبعها قائلةً: "أعتقد أنّكَ في حاجةٍ لأن يُصلَّى عليك أنت أيضاً". فما كان منِّي إلاَّ أن ضحكتُ وقلت: "صحيح، أنا في حاجةٍ إلى ذلك!" وما لم تُدرِكْه أنَّ ذلك الجوع الشديد كان في قلبي. فبعد كلِّ سِني الدراسة، لم أكُن قدِ التقيتُ الله. وكنتُ قد قرأتُ في الكتاب، باجتماعِ الصلاة، ما جرى لبطرس وكيف تغيَّر لمّا قابلَ الربَّ وامتلأ بالروح القُدس، وما إلى ذلك. غير أنَّ تلك القوّة -أو تلك الحياة- لم تكن في داخلي.

في تلك اللحظة بالذات صلَّيتُ طالباً أن يُغيَّر الله حياتي. ثُمَّ تقدَّمتُ إلى الأمام فوضعوا الأيدي عليَّ وصلَّوا لأجلي. وهكذا وُلِدتُ ثانيةً، لا بسبب أيِّ عمل عملوه هُم أو قُمتُ به أنا، بل بفضل افتقاد الله لقلبي. إذ ذاك صار الربُّ يسوع حقيقياً في نظري، وكذلك صار الكتاب المقدَّس حقيقياً أيضاً؛ وهكذا صرتُ ناراً في محبَّة الله، كما يُقال. لقد غيَّر الربُّ حياتي. وأوكِّد لكلِّ من يقرأ هذه السطور أنَّ الأمر كان حقيقياً ومغيِّراً للحياة. الربّ يسوع المسيح قد غيَّر حياتي!

شهادتـي

هذا الأمرُ العجيب حدث في آب (أُغسطس) 1970. ومن ثَمَّ شرعتُ أعمل في الحركة الكارزماتيَّة، وقد كانت آنذاك حركةً جديدة في الكنيسة الكاثوليكيَّة. وبينما كانت تأتي من روما مراسيمُ ومُقرَّراتٌ من كلِّ نوع، لم يكن للحركة الكارزماتيَّة سوى دليل واحدٍ، ألا وهو الكتاب المقدَّس.

بدأنا مجموعة صلاة في مدرسة ثانويَّة، وتضاعف العدد كثيراً حتّى اضطُرِرنا للانتقال إلى قاعة ألعابٍ رياضية كبيرة. ولم يلبث عدد المجتمعين أن راوح بين ثمانماية وألف نسمة. كان كثيرون يخلصون، وكُنّا نُشدِّد على تسبيح الله والتعبُّد له وتمجيده. وإذ كانت قاعدتنا ذلك الملعب الرياضيّ، حيث لا صُوَرَ ولا تماثيل ولا ما شابه، حاولنا أن نُحافِظ على حُسن التصرُّف، راسخين على أساس كلمة الله وحدها.

في تلك الأثناء أطلَّ الخِلاف برأسه، وعندئذٍ أخذت أمور حياتي تتغيَّر. فقد كان روح الله يلمسني ويُقنِعني أكثر فأكثر بواقع الحقِّ الكتابيِّ، وجعلتُ أعِظُ بأمور اكتشفتُها في الكتاب المقدَّس إذ قرأتُه من أوله إلى آخِره. فبدأتُ أعظ بأنَّ علينا أن نُصلِّي إلى الربِّ يسوع مباشرة، وإلى الآب، لا إلى مريم ولا إلى القدِّيسين. وقد أثار ذلك مقاومةً لا بأس بها، على حدِّ ما يُمكِن أن يتصوَّر القارئ الكريم. ولم أعرف ماذا أفعل وكيف أواجه المقاومة.

كنتُ قد تعرَّفتُ بكاهنٍ آخر تركَ الكثلكة منذئذٍ. كان يَعِظ بما أعظ، مُقيماً نصفَ سنة في الهند ونصفاً في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة. وقد كان هذا الكاهن "فيكتور أفُّونصو، يسوعيّاً أيضاً، وعرضتُ عليه أن أُرافقه إلى الهند للقيام ببعض العمل المرسليِّ هناك، إذ راقني الأمرُ كثيراً. وهناك يتسنّى لنا أن نبحث في عقائد الكنيسة الكاثوليكيَّة وتعاليمها. ومن ثَمَّ ذهبتُ إلى الهند عام 1986، حيث قضيتُ ستَّةَ أشهُر قائماً بالعمل الإرساليِّ ومبشِّراً بيسوع. وقد شهدنا تغييراً جذريّاً وعجائبَ في حياة الكثيرين، ولكنْ تسنَّى لنا أيضاً أن نُمضي شهراً مع مجموعةٍ من الأشخاص تدرس العقيدة الكاثوليكيَّة في ضوء الكتاب المقدَّس. وكنّا عاقدين العزم على اتِّباع ما يقوله الكتاب، فإذا ناقضتِ العقيدةُ الكاثوليكيَّةُ ذلك رفضناها.

تبيَّن لنا أنَّ الربَّ قال: "تعالَوا إليَّ"، وتقول لنا الأناجيل إنَّ علينا أن نصلِّي إلى الآب باسم يسوع، وألاَّ نصلِّي البتَّة إلى أيّ قدِّيس أو إلى مريم العذراء. فالتلاميذ الأولون لم يُصلُّوا إلى استفانوس الذي تُوفِّيَ في أوائل الأحداث المذكورة في سفر أعمال الرسل، ولا إلى يعقوب الذي قُتِل باكراً بعدَه. ولماذا يفعلون ذلك وعندهم يسوع المُقام حاضراً في وسطهم، كقوله: "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (متّى 20:18). فقد صلَّى التلاميذ إلى الربِّ يسوع، وصلَّوا إلى الآب، وكانت لهم مسحةُ الروح القدس، وأطاعوا وصايا الله.

وقد اكتشفنا، في الهند أيضاً، أنَّ كُتُب التعليم الدينيِّ الكاثوليكيَّة قد غيَّرت الوصايا العشر عمَّا هي عليه في الكتاب المقدَّس. ففي التعليم المسيحيِّ الكاثوليكيّ، تَرِد الوصيَّة الأولى على ما هي عليه في الأسفار المقدَّسة. أما الوصيَّة الثانية في التعليم الديني فهي: "لا تَّتخذِ اسم الربِّ إلهك باطلاً". فهذا تغييرٌ كليٌّ لِما هو في الكتاب المقدَّس. إذ إنَّ الوصيَّة الثانية الأصليَّة كما ترد في الكلمة المقدَّسة فقد أُسقِطت نهائيّاً. وبالحقيقة أنَّ جميع كتب التعليم الديني عند الكاثوليك تُسقِط الوصيَّة الثانية كما ترد في الكتاب المقدَّس. فمثلاً، جاء في جواب السؤال 195 من كتاب التعليم الدينيّ الجديد المُنجَز في "بَلْطيمور": "وصايا الله عشرٌ، وهي:

(1) أنا الربُّ إلهُك، لا يكُن لك آلهةٌ غريبةٌ معي؛ (2) لا تتخَّذِ اسم الربِّ إلهك باطلاً،" إلخ...

أمّا الكتاب المقدَّس فيُورِد الوصيَّة الثانية على هذا الوجه: "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورةً ما ممّا في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهنَّ ولا تعبدهن، لأنِّي أنا الربُّ إلهك إلهٌ غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الابناء، في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ، وأصنع إحساناً إلى أُلوفٍ من مُحبيَّ وحافظي وصاياي" (خروج 4:20-6). فالله يأمُرنا بألاَّ ننحني أمام هذه وبألاَّ نعبدها. ولكنَّ عندنا صُوَراً للبابا وهو ساجدٌ لها ومُقبِّلٌ. وقدِ انـزعجْنا جدّاً من إسقاط كتب التعليم الدينيِّ لهذه الوصيَّة. والانَ يحسنُ بنا أن نسأل: "فكيفَ صارَ عندنا عشرُ وصايا إذاً؟" إنَّ ما تفعله كُتبُ الدين هو قسمة الوصيَّة الأخيرة (العاشرة أصلاً هي عندهم التاسعة والعاشرة). إذ إنَّ النَّهيَ عن اشتهاء زوجة القريب مُدرَجٌ كوصيَّة مستقلَّة عن الوصيَّة بعدم اشتهاء ممتلكاته. وإنَّ هذه لتَشويهٌ فاضحٌ مُلحَقٌ بكلمة الله. على هذا النحو أخذتُ أكشتف تعاليم وعقائد مناقضة للكتاب المقدَّس مباشرةً.

فقد فحصْنا أيضاً عقيدة "الحبل بلا دنس"، وتحديدها: "عقيدةُ الحَبَلِ بمريم بِلا خطيئة، ففي لحظة الحَبَل بها لم تكُن هنالك خطيئة". وفي هذا ما يُناقِض رومية 23:3: "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجدُ الله". فها هُنا عقيدةٌ عبارةٌ عن تقليدٍ مُتوارَث ومُحدَّد بوصفه حقاً معصوماً، على الرغم من كونه مُناقِضاً لِما هوَ في الكتاب المقدَّس.

ثُمَّ وصلنا إلى واحدٍ من أكبر ميادين النـزاع، وهو ذاك المتعلِّق بذبيحة القُدّاس. فالموقف الكاثوليكيُّ الرسميُّ من ذبيحة القدَّاس يعتبرها استمراراً لذبيحة الجلجثة. على هذه الصُّورة حدَّدها مجمع "اترانت". فقد ورد في وثائق ذلك المجمع ما يلي: "وبما أنَّ هذه الذبيحة الإلهيَّة، التي يُحتفَل بها في القُدّاس، تشتمل على المسيح نفسه الذي يُقدَّم قُرباناً بطريقة غير دمويَّة، والذي على مذبح الصليب قدَّم نفسه مرّةً واحدة بطريقة دمويَّة (عبرانيين 26:9)، فإنَّ المجمع المقدَّس يُعلِّم أنَّ هذه الذبيحة تكفيريَّةٌ حقاً. وذلك لأنَّ الضحيَّة هو هو بنفسِه مَن يُقدَّم الآن في خدمة الكهنة بعدما قدَّم نفسه على الصليب، إلاَّ أنَّ طريقة التقديم وحدها مختلفة". ورُبَّ قائلٍ إنّ مجمع "اترانت" لم يعُد ساريَ المفعول، وإنَّ الأمور قد تغيَّرت. إلاَّ أنَّ الكاردينال "راتْزِنْغَر"، رئيسَ لجنة عقيدة الإيمان، وهي عينُها محكمة التفتيش قديماً، قالَ في كتابٍ يُدعى "تقرير راتْزِنْغَر": "كذلك يستحيل أن يقبل المرء مُقرّرات المجمع الفاتيكاني الثاني فيما يرفض مُقرّرات مجمع اترانت والمجمع الفاتيكاني الثاني. ومَن يُنكر المجمع الفاتيكاني الثاني فإنَّما يُنكر السلطة الداعمة لذينك المجمعَين ومن ثَمَّ يفصلهما عن أساسهما". وتقولُ كتب التعليم المسيحيِّ القول عينه، مؤكِّدةً أنَّ القُدّاس هو الذبيحةُ عينُها التي قُدِّمت على الصليب. فكتاب بلطيمور الجديد للتعليم الديني يقول: "إنَّ القدّاس هو الذبيحة نفسُها التي قُدِّمت على الصليب، لأنَّ الضحيَّة في القدّاس هو نفسُه، والكاهنُ الرئيسُ هو هو يسوع المسيح". ولكنْ جاء في عبرانيِّين 18:10 "وإنَّما حيثُ تكون مغفرةٌ لهذه، لا يكونُ بعد قربانٌ عن الخطيَّة". فالكلمة المقدَّسة توضح المسألة بكلِّ جلاء. ففي الواقع أنَّه في أربعة أصحاحات يُشار ثماني مرّات إلى تقديم المسيح نفسه، مرّةً واحدة وإلى الأبد!

ولا بُدَّ لكلِّ مَن حضر القُدّاس في الكنيسة الكاثوليكيَّة أن يتذكَّر الصلاة التي يرفعها الكاهن قائلاً: "لنُصَلِّ، يا أخوتي، كي تكون ذبيحتُنا مقبولةً عند الله، الآب القادر على كل شيء". وفي الواقع أنَّ هذه الصلاة خطيرة جدّاً. وعليها يردُّ الحُضور قائلين القول عينه، سائلين أن تكون الذبيحة مقبولة عند الله. غير أنَّ هذا مناقضٌ لكلمة الله، لأنَّ الذبيحة قد قُبِلَت فعلاً. فحين كان المسيح على الصليب، بحسب يوحنّا 30:19، قال "قد أُكمِل". ونحن نعلم أنَّ المهمَّة قدِ انتهت لأنَّ يسوع قُبِل عند الآب وقام من الموت وهو الآنَ إلى يمين الآب. كما نعلم أنَّ البشارة التي نكرز بها تؤكِّد أنَّ المسيح قد قام من بين الأموات، وأنَّ ذبيحتَه قد قُبِلت، وأنَّه أدّى عقوبة الخطيَّة كاملةً. وعندما نقبل هذه الذبيحة بنعمة الله باعتبارها الذبيحة الكاملة والحاسمة عن خطايانا، نخلص وتكونُ لنا الحياةُ الأبدية.

قال الربُّ يسوع: "اصنعوا هذا لذكري". ويحصل التذكار عندما نتذكَّر أمراً فعلُه أحدُهم لنا. إذاً، أيُّ شخصٍ يقرأ هذا، بل أيُّ كاهنٍ يُجري القداس، ينبغي أن يفكِّر جدياً في الضلال الذي تنطوي عليه العبارة: "لنُصَلِّ يا إخوتي، كي تكون ذبيحتُنا مقبولةً..". فقد قُبِلت الذبيحةُ الحقيقيَّةُ، واكتمل العمل. وما يُفترَض فينا أن نعمله عند خدمة الاشتراك هو أن نقوم بها تذكاراً لِما قد فعله المسيح. هكذا نرى إذا أنَّ الذبيحة قدَّمها المسيح على الصليب كانت كافيةً لإزالة كلِّ خطيَّة، ولا حاجةَ إلى زيادةِ أيِّ شيء عليها!

تزعم الكنيسة الكاثوليكيَّة أنَّ القُدّاس ذبيحةٌ استرضائيَّة ذاتُ فاعليَّة لمغفرة خطايا الذين على الأرض والذين ماتوا أيضاً. لهذا السبب، وحتَّى هذا اليوم بالذات، ولئن قال بعضُهم إنَّ الكنيسة في بعض الأماكن لا تؤمن بالمطهر، فإنَّ كلَّ قُدّاسٍ يُجرى ما زال يُقامُ فعلاً لأجل واحدٍ من الموتى. إذ يسود إعتقاد أنَّ القُدّاس يُقصِّر مكوث الموتى في المطهر، ولذلك يقام "على نيَّتهم". ولكنَّ هذا ليس بصحيح. فحين يموتُ أحدٌ من الناس، تأتي الدينونة في أعقابِ ذلك: "وُضِع للناس أن يموتوا مرّةً ثُمَّ بعد ذلك الدينونة" (عبرانيين 27:9). فإن كان الإنسان مخلصاً يذهب فوراً إلى السماء؛ وإن كان ما يزال في خطاياه، يكونُ مصيره الجحيم. وعلى الرُّغم من هذا، تؤمن الكنيسة الكاثوليكيَّة بأنَّ القُدّاس، لكونه ذبيحةً استرضائيَّة، يُقصِّر فترة الإقامة في المطهر. ولكنَّ كلَّ الآلام التي جرى احتمالُها، وكلَّ الكفّارة التي تمّت عن الخطايا،كُلَّ ذلك فعله يسوعُ وحده على الصليب، وما علينا إلاَّ قبول عمله الكامل. فينبغي لنا أن نقبل الحياة الأبدية ونحصل على الولادة الثانية ونحنُ بعدُ على قيد الحياة. وبعدَ الموت، ليس من بيِّنةٍ كتابيَّة، مهما كان نوعُها، على إمكانيَّة حدوث أيِّ تغييرٍ في حالة أيِّ إنسان.

ومِن ثَمَّ عكفْنا على دراسة ما تُعلِّمه الكنيسة الكاثوليكيَّة عن كيفيّة خلاص الإنسان، فوجدنا لديها تلك العقيدة القائلة بقدرتنا على أن نخلص بأن نعتمد ونحن أطفال، إذ ورد في القانون العامّ، البند 849 من طبعة 1983: "المعمودية هي البابُ المُفضي إلى السرِّ المقدَّس، وهي ضروريَّة للخلاص إذ تُجرى في الواقع أو في النيَّة على الأقلّ، بها يُعتَق الناسُ من خطاياهم ويولَدون ثانيةً أولاداً لله مخلوقين على صورة المسيح".

معنى ذلك أنَّ الكنيسة الكاثوليكيَّة تقول إنَّه حينَ يُعمَّد الطفلُ الصغير يخلُص، وتكون له الحياة الأبدية، بفعل المعموديَّة التي أجرَوها له، غير أنَّ هذا ليس بصحيح. فالربُّ يسوع لم يقُل قطُّ قولاً كهذا، وليس في الكتاب المقدَّس كلِّه كلمةٌ واحدة عن إمكانيَّة حصول أمرٍ كهذا. ولا وجودَ لمكانٍ اسمه اليمبوس أو المطهر! فقد قال المسيح: "دعوا الأولاد يأتون إليَّ". ويقول الكتابُ المقدَّس دائماً إنَّنا نخلُص حين نقبلُ أنَّ الربَّ يسوع قد دفع ثمن خطايانا حتّى آخِر فلس، بحيثُ يصيرُ لنَا أمامَ الله مقامُه الشرعيُّ بالذات: "لأنَّه جعل الذي لم يعرف خطيَّة، خطيَّة لأجلنا، لنصير نحنُ برَّ الله فيه" (2كورنثوس 21:5).

ثُمَّ تمضي الكنيسة الكاثوليكيَّة فتقول إنَّ عليك، لكي تخلص، أن تحفظ قوانينها وشرائعها ونُظُمَها. وإن خالفْتَ هذه، مثلاً قانون ضبط النَّسل، أوالصوم، أو حضور القُدَّاس كلَّ يومِ أحد، ترتكبُ خطيئة. وتقول الكنيسة الكاثوليكيَّة في القانون العامّ الساري مفعولُه في أيامنا، إنَّ الخطيئة الخطيرة التي ترتكبُها ينبغي أن تعترف بها للكاهن حتّى تُغفر لك. فالقانون 960 يقول: "إنَّ الاعتراف الفرديَّ الكاملَ والغُفران يُشكِّلان الطريقَ السويَّ الوحيد الذي به يتسنَّى للمؤمن الذي يُدرِك الخطيئة الخطيرة أن يتصالح مع الله ومع الكنيسة". هكذا إذا تُغفَر الخطيَّة، بواسطة هذا الطريق السويِّ الوحيد، في الكنيسة الكاثوليكيَّة. غير أنَّ الكتاب المقدَّس يقول إنَّنا إن تُبنا من القلب وآمنّا بذبيحة المسيح الكاملة فعندئذٍ نخلُص. ونحنُ مُخلَّصون بالنعمة، لا بأعمالنا. أمّا الكنيسة الكاثوليكيَّة فتُضيفُ الأعمال إذ توجب عليك أن تقوم بأعمال معيَّنة حتّى تخلص. غير أنَّ الكتاب المقدَّس يقول إنَّنا إنَّما نخلص بالنعمة، لا بالأعمال. ذلك هـو ما يقوله الكتاب في أفسس 8:2و9، وأيضاً في رومية 6:11. فالكتاب يوضح بكلِّ جلاءٍ أنَّنا بالنعمة مُخلَّصون، وإنَّ ذلك عطيَّة مجّانيَّة من عند الله، ولا دخْلَ لأيِّ عملٍ صالحٍ نعمله: "لأنّكم بالنعمة مخلَّصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطيَّة الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أفسس 8:2و9). "فإن كان بالنعمة، فليس بعدُ بالأعمال. وإلاَّ فليستِ النعمةُ بعدُ نعمة. وإن كان بالأعمال، فليس بعدُ نعمة. وإلاَّ فالعمل لا يكون بعدُ عملاً" (رومية 6:11).

ومن الأعمال التي أزعجتني أكثر من سواها، ونحن نفحص العقائد والممارسات في الهند، ما يحدث عند احتضار أحدهم. إذ يُستدعى كاهنٌ إلى بيت المُحتضَر، أو إلى غرفته في المستشفى، فيُمسَح المريض المائت بالزيت "المقدَّس"، وهو يعتقد أنَّه يخلص ويذهب إلى السماء بفضل فعّاليَّة تلك المسحة. وقد أزعجني ذلك أيَّ إزعاج، حتّى إنّني كنتُ -رُغمَ كوني كاهناً- أُكلِّم المُحتضَر، إن كان قادراً أن يسمع، هامساً في أُذنه بأن يُكرِّر قولي: "أيُّها الربُّ يسوع، إنَّني أُحِبُّك. اغفرْ لي خطاياي، يا يسوع. ادخلْ قلبي وغيِّر حياتي. شكراً لك يا ربُّ على تخليصك لنفسي". هكذا كُنتُ أهمِس في آذان المرضى المائتين، وكنت أرى بالفعل وجوهَهم تنفرجُ أساريرُها، لأنَّ هذا حقُّ الأمور الروحية. ولكنَّ المؤسِف أنَّ الكنيسة الكاثوليكيَّة جعلتها أموراً مادِّيَّة. بيد أنّ الأمور الروحية الحقّ تحدث في القلب.

هكذا فحصنا هذه الأمور، وسواها من المعتقدات، لمَّا كُنَّا في الهند. وحينما غادرتُ الهند تأكَّد لي أنَّني لم أعُد أستطيع أن أُمثِّل الكنيسة الكاثوليكيَّة، ولا سيَّما لأنَّني حاولتُ تغييرها في الحركة الكارزماتيَّة. فقد بدأ يتبيَّن لي أنَّ تلك المعتقدات المُناقِضة للكتاب المقدَّس عميقةُ الجُذور بحيث أعجز عن تغييرها.

وتلك هي مشكلة الحركة الكارزماتيَّة اليوم، حتّى إنَّها قدِ انكفأت إلى هذه التعاليم والعقائد الأساسيَّة في الكثلكة، وعادت تمارسُها وتتمسَّك بها، بحيثُ إنَّ الحركةَ بمُجملِها أخذت تتداعى كليّاً. فلم تعُد نسمةَ هواءٍ منعشةً تهبُّ في أنحاء الكنيسة لتغيِّر كلَّ شيء وتردَّها إلى كلمة الله. إذ ليس في وسع الحركة الكارزماتيَّة أن تعود إلى كلمة الله، لأنَّ الكنيسة لن تسمح لها ببلوغ هذا الحدِّ، ولن تتخلَّى عن القُدّاس جاعلةً إيّاه مجرَّد ذِكرى بموجب قول المسيح. ولسوف تُصرُّ الكنيسة على أنَّ القُدّاس استِكمالٌ دائم لذبيحة المسيح. ولن تتخلّى عن العقيدة القائلة بأنَّ الأطفال يُولَدون ثانيةً ويقتبلون الحياة الأبدية، ولو كان ذلك أمراً لم تُمارِسه الكنيسةُ الأولى، إذ لم يبدأ قبل القرن الثالث، ولم يشهَد ممارسةً عامَّة إلاَّ بعد حلول القرن الخامس. أجل، إنَّها لن تتخلَّى البتَّة عن هذه العقيدة ولا عن سواها من المطالب التي تفرضها على الكاثوليكيِّين.

إنَّني، بكلِّ إخلاص، أُحِبُّ الكاثوليك وأُريد أن أُساعدهم. أُريد لهم أن يهتدوا إلى حريَّة الخلاص و إلى الحياة والبركات الناجمة عن العمل بكلمة الله. وليس عندي شيءٌ ضدَّ أيِّ كاثوليكي، ولا ضدَّ أيِّ كاهن. فإنَّما هُم مُقيَّدون بفعل تلك العقائد والتعاليم. غير أنَّ الله بالذات يُريد أن يُحرِّرهم منها. وقد قال المسيح في الأصحاح السابع من إنجيل مرقس: "لأنّكم تركتم وصيَّة الله وتتمسَّكون بتقليد الناس" (عدد 8). فهذه هي بعينها المشكلة التي نواجهها هنا، إذ إنَّ هذه التقاليد تُدمِّر كلمة الله، لكونها مُناقِضةً لها.

ومِن ثَمَّ، فلَّما غادرتُ الهندَ ورجعتُ إلى الوطن، واجهتُ تحوُّلاً كبيراً في حياتي. وكان ذلك لي زمانَ ضيقٍ شديدٍ ومعاناةٍ عميقة، لأنَّي كنتُ قد وضعتُ كلَّ ثقتي في الكنيسة الكاثوليكيَّة وقد خدمتُها زمناً طويلاً من حياتي. فما إن عُدتُ حتّى تأكَّد عندي أنْ لا بُدَّ من الخروج.

أنا إنسان حُرٌّ لأنَّ حقَّ الله قد حرَّرني. وما عُدتُ أسيرُ بموجب الكتاب المقدَّس برِجلٍ واحدة، بل صرتُ أسيرُ بِكِلتا رجليَّ وكلامُ الله يُنير لي السبيل. فأنا أتبع الكتاب المقدَّس بوصفه المصدرَ الوحيد ذا السُّلطان للحقِّ الذي أعلنه الله. أمَا قال المسيح: "قدِّسْهم في حقّك؛ كلامك هو حقّ"؟ (يوحنّا 17:17).

كنتُ في ذلك الحين فريسةَ مُعاناةٍ شديدة. وذهبتُ إلى البيت، إلى والِدَيَّ، وكِلاهُما قد جاوز الثمانين؛ وذاتَ ليلةٍ تجاذبْنا أطرافَ محادثةٍ خطيرة، وقلتُ لهما ما كُنتُ أنويه. فقد أطلعتُهما على قراري تركَ الكنيسة الكاثوليكيَّة لأسبابٍ تعليميَّة، وأوقفتُهما على أسباب ذلك القرار وأهمِّيَّته عندي. وبعد فترةِ صمتٍ طويلة، تكلَّم أبي ببطءٍ شديد قائلاً: "يا بوب، أنت تعلم أنَّ والدتك وأنا كُنَّا نُفكِّر في القيام بهذه الخطوة عينها". ثُمَّ ذهبا إلى قُدّاسٍ واحدٍ فقط، وعندما رجعا قالا لي: "تَعرِفُ أنَّ المذبح قائمٌ في مُقدَّمة الكنيسة، والمذبحُ مكانٌ تُقدَّم عليه الذبائح". وقال والدي: "أنا مُدرِكٌ الآن بكلِّ جلاء أنْ لا داعيَ إلى أيَّةِ ذبيحةٍ أُخرى!" ثمَّ بدأ أبي وأُمِّي كلاهما يقرأان الكتاب المقدَّس ويتبعان تعليمه. وعامَ 1989 تُوفِّيت والدتي وهي تقرأ الكلمة المقدَّسة، ولديها السلامُ واليقين بأنَّ لها حياةً أبدية وأنَّها ستكونُ عند الربِّ إلى الأبد. وفي السنة 1992 أعطاني الله أعظم هديَّة يُعطيها إنساناً، فضلاً عن خلاص النفس، ألا وهي زوجتي الجميلة "جُوان" التي تزوَّجتُ بها في السادس من حزيران (يونيو) 1992. ثُمَّ رحل والدي عام 1993 وعلى شفتيه صلاةٌ لأجل الأحبّاء الذين رحل عنهم.

عام 1987 خرجتُ مقدَّماً كتابَ استقالة، ثُمَّ عكفتُ على مُراسلة رؤسائي رغبةً منِّي في أن أشهد للربِّ أمامهم جميعاً. وانتهي بي المطاف إلى مُراسلة روما أخيراً قبل خروجي. فعلتُ ذلك لأنِّي أردتُ إن أشهد أمامهم جميعاً وأعرِض أسبابَ تَرْكي. لقد رغبتُ في اتِّباع كلمة الله، ولكنَّ المؤسف أنَّ البابا الذي يُجَلُّ باعتباره قائد العالم المسيحيِّ يتمسَّك بأشياءَ تُناقض كلمة الله. ومن المُهِمِّ أن يعرف كلُّ امرئ أنَّ البند 333 من القانون العامِّ الجديد يقول: "لا استئنافَ ولا نقضَ لأيِّ قرارٍ أو مرسوم يُصدِره الحبرُ الأعظم". وقد صدر القانون العامُّ الجديد عام 1983. ومعنى ذلك أنَّ للبابا السلطةَ المُطلَقة والسُّلطانَ الشامل بموجب الكُتُب القانونيَّة عندهم، ولا يخفى على أحدٍ المرسومُ الذي يؤكِّد العصمة البابويَّة.

لكنَّه -واأسفاه!- ينتصر لأمور تُناقض كلمة الله، وهو في هذه الأثناء يتكلَّم كلاماً قاسياً بحقِّ الإنجيليّين في أميركا الجنوبيَّة كما لو كانوا أعداءً لكلمة الله. إنَّه يتشكَّى منهم ويزعم أنَّهم يقوِّضون أركان الكنيسة، ولكنَّ سبب مناهضته لهم هو أنَّهم يُدافِعون عن سلطانِ كلمة الله الحاسم، وأنَّهم لا يريدون أن يكونوا خاضعين لسلطته.

إنَّما موقفُ البابا بمجمله يَصدر أساساً عن سوء فهم لكلمة الله بالذات. فقد قال المسيح: "أنت بطرس، وعلى هذه الصَّخرة ابني كنيستي". وعلينا أن ننظر بتدقيقٍ في هذه القضيَّة. فعن أيَّة صخرة يتكلَّم المسيح؟ كان الربُّ يسوع، قُبيل ذلك، قد سأل تلاميذه: "مَن أنا؟" فتكلَّم بطرس صريحاً وقال: "أنت هو المسيحُ ابن الله الحيِّ!" فقال المسيح له: "إنَّ لحماً ودماً لم يُعلِن لك، لكن أبي الذي في السماوات". ثُمَّ أردف قائلاً: "أنتَ بطرس، وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي". فإنَّ كنيسة يسوع المسيح مبنيَّةٌ على صخرة إعلان حقيقةِ يسوعَ المسيح. وقد آتى اللهُ بطرس هذا الإعلان مِن لَدُنْهُ. وكلُّ مؤمنٍ حقيقيّ وُلِد ثانيةً يؤتى إعلاناً مختصّاً بحقيقةِ المسيح. فموتُه على الصليب أبعد عنّا خطايانا، وعندما نتوب إليه ونضع فيه ثقتنا، تكونُ لنا فيه حياةٌ أبدية، وسوف نحيا ونملك معه إلى أبد الأبدين. تلك هي الصخرة. وليستِ الصخرة بإنسان؛ ولا هي "بطرس الأول" الذي اختاره المسيح تلميذاً له رُغم كُلِّ سقطاته وما إليها؛ ولا هي أيضاً البابا في أيامنا. فتلك الصخرة هي الإعلان عن حقيقةِ يسوع المسيح. كما قال بطرس نفسُه في رسالته الأولى (6:2): "هنذا أضع في صهيون حجرَ زاويةٍ مختاراً كريماً؛ والذي يؤمن به لن يُخزى!" والله بنعمته أعلن ذلك لي، وأنا أقفُ وابني إيماني كُلَّه على هذه الصخرة الممثِّلة في إعلان حقيقة المسيح، وعلى حقيقةِ كونه قد مات لينـزع عنِّي خطاياي ويُعطيَني الحياةَ الأبدية.

أنا الآن خادمٌ مرسومٌ، على شركة مع ألفٍ وخمس مئة من المؤمنين المبشِّرين بالإنجيل والمملوئين بالروح القُدُس. وهذه هي البُشرى التي أُريد أن أزفَّها إلى كلِّ قارئ: أنَّ المسيح قد ماتَ عوضاً عنّا. فعندما نتوبُ ونقتبل تلك الحياة في أعماق قلوبنا تكونُ الحياة الأبدية لنا أجمعين، وسوف نعيش ونملك مع الربِّ يسوع المسيح إلى أبد الأبدين؛ آمين.

(الكاهن المولود ثانيةً: بوب بُش)

  • عدد الزيارات: 2870