Skip to main content

الدرس السادس: عدالة الله

سنبحث الآن موضوع عدالة الله وموقفه من الإنسان الخاطئ. ولا بد لنا من فهم هذا الموضوع فهما جيدا لنقدر أن نفهم جميع المواضيع المتعلقة بأمر خلاصنا من الخطية والتي سنبدأ بدراستها في الدروس المقبلة. لا نقدر أن نفهم موضوع الخلاص إن لم نعطِ موضوع عدالة الله المكان اللائق بها، لو لم نكن تحت لعنة الله كخطاة لما صار من اللازم إنقاذنا بواسطة نوم المسيح وقيامته من الأموات. وهنا نرى أيضا أهمية قبول جميع التعاليم المعلنة في الكتاب لأنها تشكل وحدة لا تتجزأ ولأنها ضرورية جدا لنظام الإيمان المسيحي المبني على وحي الله الخاص في كتابه المقدس.

لا يستطيع المرء إنكار هذه الحقيقة المختصة بالله تعالى: إنه له المجد عادل وقدوس وهو لا يترك الخطية(التي هي تمرد وعصيان على جلاله) بدون عقاب. هذا التعليم موجود في نواح عديدة من الكتاب وسنأتي الآن على ذكر بعضها لكي نتأكد في قرارة نفوسنا أن الخطية لا بد من أن تأتي بعقاب أو إن هذا العقاب لا يأتي بصورة آلية بل حسب مشيئة الله ومعرفته وقصده. و الطريقة الوحيدة للخلاص من عقاب الخطية هي في قبول دواء الله لمعالجتها وللتغلب عليها.

نقرأ في سفر الخروج (34: 5- 7) ما يلي: " فنـزل الرب في السحاب، فوقف عنده(أي عند موسى النبي) هناك ونادى باسم الرب: فاجتاز الرب قدامه ونادى الرب: الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء، حافظ الإحسان إلى ألوف، غافر الإثم والمعصية والخطية، ولكنه لن يُبرئ الأبناء في الجيل الثالث و الرابع"

لا ينكر الله ذاته ولا يتخلى عن صفاته الكاملة المقدسة ولذلك لا ينظر على المجرم ويعده بريئا. إن عدالته تتطلب قصاص ومعاقبة كل ثائر على إرادته السنية.

وقال النبي داود في المزمور الخامس عن هذا الموضوع:

" لأنك أنت لست إلها يُسرّ بالشر. لا يساكنك الشرير، لا يقف المفتخرون قدام عينيك. أَبْغَضْت كل فاعلي الإثم، تهلك المتكلمين بالكذب، رجل الدماء والغش يَكْرَهُه الرب" (4- 6)

وهذه كلمات الرب يسوع المسيح عن الخطاة الذين يستمرون في حياة الخطية ولا يقبلونه مخلصا لهم:

" وإن كان أحد يسمع كلماتي، ولا يحفظها فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم. من ر ذلني ولم يقبل كلماتي فإن له من يدينه: الكلمة التي نطقت بها هي تدينه في اليوم الأخير" (12: 47و 48).

وفي سفر أيوب نقرأ بعض الآيات الكتابية التي تعلمنا أن حتى إنسان كأيوب الصديق كان يشعر في قراره في نفسه بأنه مذنب تجاه الله وبأنه هالك لا محالة إن لم يأت الله إلى معونته وانقاذه:

" فأجاب أيوب وقال: قد علمت أنه كذا. فكيف يتبرر الإنسان عند الله؟ إن شاء أن يُحاجَّه لا يجيبه عن واحد من ألف. هو حكيم القلب وشديد القوة. من تصلَّب عليه فَسَلِم؟ المُزحزح الجبال ول تعلم، الذي يقلبها في غضبه. المزعزع الأرض من مقرها فتتزلزل أعمدتها. الآمر الشمس فلا تشرق ويَختم على النجوم، الباسط السموات وحده والماشي على أعالي البحر. صانع النعش الجبار والثريا ومخادع الجنوب. فاعل عظائم لا تُفحص وعجائب لا تعد.

" هو ذا يَمُرُّ عليَّ ولا أراه ويجتاز فلا أشعر به. إذا خطف فمن يردّ ومن يقول له: ماذا تفعل؟ الله لا يرد غضبه، ينحني تحت أعوان رَهَب. كم بالأقل أنا أجاوبه واختار كلامي معه. لأني وإن تبررت لا أجاوب بل استرحم دَيَّاني. لم دعوت فاستجاب لي لما آمنت بأنه سمع صوتي. ذاك الذي يسحقني بالعاصفة ويُكثِر جروحي بلا سبب. لا يدعني آخذ نفسي ولكن يُشبعني مرائر. إن كان من جهة قوة القوي هاأنذا. وإن كان من جهة القضاء يقول من يحاكمني؟ إن تبررت يُحكم علي فمي وإن كنت كاملا يستذنبني" (9: 1- 20).

" أنا مستذنب فلماذا أتعب عبثا؟ ولو اغتسلت في الثلج ونظفت يدي بالأشنان فإنك في النقع تَغْمِسُني حتى تكرهني ثيابي. لأنه ليس هو إنسانا مثلي فأجاوبه فنأتي جميعا إلى المحاكمة، ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا. ليرفع عني عصاه ولا يبغتني رُعبه. إذا تكلم ولا أخافه لأني لست هكذا عند نفسي" (9: 29- 35).

هذا ما اختبره أيوب أثناء محنته التي ألمت به بعدما خسر ثروته وأولاده وصحته ولكنه علم في النهاية أن الله كان يمتحنه ويبرهن للشيطان أن الإنسان المؤمن بالله لا يقوم بذلك في سبيل الربح المادي بل لأنه يحب الله وينتظر المعونة إلا منه. وبرهن اختبار أيوب أن الإنسان مهما عمل وجاهد لا يقدر أن يبرر نفسه بنفسه وهذا هو أيضا اختبار كل مؤمن بالله. لا يقدر الإنسان أن يبرر نفسه لأنه مهما عمل يبقى في حمأة الخطية وفي جُب الهلاك. ولكننا نعلم أيضا من كلمة الله أن الخالق تعالى اسمه كان عالما منذ الأزل بما سيحل بالإنسان من دمار روحي ولذلك أعد العدة منذ الأزل ورسم خطة انقاذ البشرية من الخطية والموت وذلك بواسطة الابن الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس. ولكن إن شئنا أن نقدر ما قام به الابن في ملء الزمن أو أردنا أن نستفيد من هذا الخلاص العظيم الذي أتمه علينا قبل كل شيء أن نعرف عظم خطايانا وآثامنا العديدة. وفي القسم الثاني من دراستنا في تعاليم الكتاب سندرس كل ما يتعلق بموضوع خلاصنا من الخطية بواسطة المسيح.

  • عدد الزيارات: 4209