Skip to main content

الدرس الخامس: سقوط الإنسان

لقد رأينا حتى الآن أن الإنسان هو في حالة الشقاء والتعاسة نظرا لوجود عصيان وتمرد في حياته، ذلك التمرد يدفع به للعيش بطريقة غير متجانسة مع قانون الكون والوجود والحياة. وكذلك تعلمنا من الكتاب المقدس أن التشخيص الحقيقي لحالة الإنسان الشقية يتم التأمل في الشريعة الإلهية وبصفات الله الكاملة وبحياة يسوع المسيح. يشعر الإنسان إذ ذاك بأنه يخطئ ويذنب في سائر نواحي حياته: بالفكر والقول والأعمال. ولكن كلمة الله تعلمنا أيضا أن الإنسان خلق في البدء على صورة الله وشبهه وأن الله قال بعد خليقة الإنسان أن كل شيء كان حسنا جدا. لا بد إذن من السؤال: كيف وصل الإنسان إلى حالته الحاضرة إن كان الخالق عزَّ وجل قد خلقه بدون نقص أو عيب؟

وهنا علينا أن نرجع إلى كلمة الله المقدسة لأننا إذا ما تبعنا فلسفات الناس فإن ذلك يقودنا إلى صحاري أفكار البشرية القاحلة التي ليس فيها ماء لعطشنا الروحي الشديد والتي تنتهي بالذين يتبعونها بشكل مستمر إلى الموت الروحي والانفصال عن الله وعن تدبيره العجيب والفعال للتحرر من الشر العالق بالإنسان. فلقد حاول الكثيرون تعليل سبب وجود الشر والخطية بواسطة نظريات لا تعد ولا تحصى ولكننا نُحْجِم عن ذكرها لأن غايتنا هي البنيان الروحي ولأن دروسنا هذه هي دروس في تعاليم الكتاب المقدس لا دروس في علم الفلسفة البشرية المستقلة عن الوحي الإلهي.

خلاصة التعليم الكتابي عن سبب وجود الشر في حياة الإنسان هو أن الإنسان الأول(أي آدم وحواء) سقط في الخطية أثناء وجوده في الجنة الأرضية التي كان الله الخالق قد أعدها كمسكن للإنسان. وهذا السقوط في الخطية إنما أثر في الجنس البشري بأسره وهكذا نحن جميعا ساقطون في الخطية منذ ولادتنا. وقد قال عن موضوعنا الرسول بولس بالهام الروح القدس في رسالته إلى رومية: " بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ قد أخطأ الجميع" (5: 2 آب).

وبدون معونة الله الخاصة التي ندعوها بلغة الكتاب باسم نعمة الله، نرى أن الإنسان يُحب الخطية والمعصية ولا يود بأن يتوب عنهما ويعود إلى الله خالقه. وكما ذكر الرسول يوحنا في نهابة رسالته الأولى: " نَعْلَم أن العالم كلَّه قد وُضِعَ تحت سلطان الشرير" أي مآربه المهلكة.وقد حفظ الله لنا حادثة سقوط الإنسان في الفصل الثالث من سفر التكوين وهو أول سفر من أسفار الكتاب المقدس:

" وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله. فقالت للمرأة: أحقا قال الله: لا تأكلان من شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلان منه ولا تمساه لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر. فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل. فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر"(3: 1- 7).

ومن جراء معصية آدم وحواء صار الجنس البشري بأسره واقعا تحت سطوة الخطية وصرنا جميعا حسب طبيعتنا أو جُبلتنا البشرية الموروثة تائهين في هذه الحياة وغير قادرين أن نرجع إلى الرب بأنفسنا وغير راغبين في العيش حسب إرادته المقدسة. والهلاك الروحي الذي وصلنا إليه كبني آدم إنما يظهر بشكل واضح لأننا بالرغم من جميع نوايانا الحسنة وتصميمنا على انتهاج طرق جديدة لا نستطيع بفضل قوانا الخاصة- أن نحب وأن نخدمه وأن نُسِرَّه بحياة فاضلة، وقد قال النبي أرميا عن عدم مقدرة الإنسان على تغيير حالته بنفسه: " هل يُغير الكوشي جِلده أو النمر رقطه؟ فأنتم أيضا تقدرون أن تصنعوا خيرا أيها المتعلمون الشر"(13: 23) وبعد مرور الأيام والسنين العديدة أخذت معرفة الله الحقيقية تختفي وأخذ الناس من نسل آدم يعبدون المخلوقات عوضا عن الخالق تعالى اسمه. وقد عاقب الله العالم القديم أثناء أيام نوح وإبراهيم ولكن البشرية ظلت مثابرة على سيرها في سبل الهلاك. وهذه كلمات الرسول بولس التي تصف بشكل واقعي حالة البشرية في أيامه أي منذ نحو 1900 سنة، تلك البشرية التي كانت في سوادها الأعظم منغمسة في حمأة الوثنية:

" فإن غضب الله معلن من السماء ضد كل كفر الناس وإثمهم، الناس الذين يُعَوقون الحق بالإثم. لأن ما يُعرف عن الله ظاهر فيهم لأن الله أظهر لهم. لأن أموره غير المنظورة أي قدرته السرمدية ولاهوته، تُرى منذ خلق العالم، مُدْرِكة في المخلوقات، فلذلك هم بلا عذر. فمع أنهم عرفوا الله، فإنهم لم يُمجدوه كإله ولم يشكروه، بل سفهوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي. وبينما يزعمون أنهم حكماء صاروا أغبياء واستبدلوا مجد الله الخالد بشبه صورة إنسان فانٍ وطيورٍ وحيوانات وزواحف. " لذلك أسلَمَهم الله في شهوات قلوبهم، إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بينهم، لأنهم أبدلوا حق الله بالكذب واتَّقوا المخلوق وعبدوه دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد آمين" (رومية 1: 18- 25).

وهنا قد نتساءل قائلين: هل الله عادل عندما يطلب من الإنسان ما لا يقدر أن يقوم به؟ والجواب هو أن الله عادل وأنه لا يجوز لنا أن نتساءل عن عدالة الله في معاملته لبني البشر لأنه من المستحيل له تعالى أن ينكر نفسه وأن يكون غير عادل. وكذلك علينا أن نذكر أن الله خلق الإنسان وصنعه قادرا على القيام بكل ما يطلبه منه في شريعته. فإذا كان الإنسان الآن غير قادر على العيش حسب متطلبات الشريعة فإن ذلك لا يعود إلى الله بل إلى الإنسان الذي صدق الشيطان وانحاز إلى جانبه في البدء. فعدم مقدرة الإنسان أو ضعفه الروحي يعود إلى ثورته في البدء لا إلى نقص في خليقة الله. والله لا ينكر نفسه وهو قدوس ولا بد له من أن يُعاقب كل ثورة يقوم بها المخلوق إن كان ملاكا أو إنسانا. وفي سفر التثنية يقول الله بواسطة عبده موسى النبي: " ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها: (27: 26) وفي رسالته إلى مؤمني غلاطية كتب الرسول قائلا عن موضوعنا:

" لا تُضلُّوا فإن الله لا يُسْتَهزأُ به، والإنسان إنما يحصد ما قد زرع. لأن من يزرع لجسده يحصد فسادا ومن يزرع للروح فمِنَ الروح يحصد الحياة الأبدية" (6: 7و 8).

  • عدد الزيارات: 6714