Skip to main content

الدرس الثاني: كيفية الوصول إلى غاية الحياة العظمى

إن غاية الإنسان العظمى هي معرفة الله كما كشف عن ذاته في الكتاب المقدس وبواسطة السيد المسيح. وهذه الغاية العظمى هي سعادة الإنسان الحقيقية وإنه إذا ما تسلَّح الإنسان بالمعرفة الحقيقية لله فإنه يحصل على تعزية قوية تصاحبه في هذه الحياة وتساعده على العيش بدون خوف أو وجل من الحاضر أو المستقبل. وقد أتينا على ذكر بعض الآيات الكتابية التي تعَّلم هذا التعليم لنتأكد أنه ليس عبارة عن فلسفة شخصية بل تعليم كلمة الله المنـزهة عن الخطأ.

أما الآن فإننا سنبحث في موضوع: كيفية الوصول إلى غاية الحياة العظمى لأنه لا يكفي مطلقا للإنسان بأن يأتي إلى معرفة عقلية مجردة عن أمور الحياة الهامة بل عليه أن يستفيد منها بشكل شخصي واختباري. وقبل كل شيء علينا أن نذكر إنه إن كانت غاية الحياة العظمى هي معرفة الله بواسطة المسيح يسوع فإن الشقاء الأعظم هو عدم الحصول على هكذا معرفة. وقد يتوصل الإنسان إلى ربح العالم بأسره ولكنه إن لم يكن من المؤمنين الحقيقيين فإن ذلك الربح لن يمكِّنه من إنقاذ نفسه. وقد قال النبي أرميا بهذا الصدد:

" هكذا قال الرب: ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يَحيد قلبه. ويكون مثل العَرعَر في البادية لا يرى إذا جاء الخير، بل يسكن الحَرَّة في البرية، أرضا سَبَخَة وغير مسكونة. مبارك الرجل الذي يتكل على الرب، وكان الرب متَّكله، فإنه يكون كشجرة مغروسة على مياه، وعلى نهر، تمدُّ أصولها ولا ترى إذا جاء الحرّ ويكون ورقها أخضر وفي سنة القَحط لا تخاف ولا تًكُّف عن الأثمار"

(17: 5- 8).

للوصول إلى غاية الحياة العظمى يجدر بكل إنسان أن يَعلَم وإن يَختَبر في حياته الأمور التالية:

أولاً: وجوب معرفة واختبار كِبَر وفداحة خطية كل إنسان والشقاء الذي تجلبه هذه الخطية. لا بد أن كل إنسان يشعر بنقص في حياته أو بنوع من الفراغ إذ أنه كل إنسان يشعر بنقص في حياته أو بنوع من الفراغ إذ أنه مهما اختلف الناس في ميولهم الشخصية وفي آرائهم الخاصة فإن الأكثرية الساحقة منهم تُقِربان حياة الإنسان ليست على ما يرام وإن كل بشري يفشل في الانتصار على الشر في حياته وفي العيش بتناسق تام مع قوانين الحياة. ولكن الناس لا يتفقون في تشخيص المرض الروحي والنفسي المحيق بهم. فالبعض يلومون المحيط والآخرون يلومون الجسد أو المادة وآخرون يُقِرُّون بوجود ميل نحو الشر ضمن حياة الإنسان ولكنهم لا يَرَون فداحة هذا الميل ولا طُغيانه التام. ولذلك نرى أن الإنسان يحتاج إلى تشخيص إلهي لحالته التعيسة الحاضرة. وهذا بالفعل ما نراه في كلمة الله التي لا تَطلي حالتنا بطلاء يُقَلِّل من فداحة خطيتنا بل على العكس تقوم هذه الكلمة بوظيفة المرآة وتُرينا أنفسنا كما نحن بالحقيقة.

وقد وصف النبي أشعياء حالة البشر قائلا:

" من أجل ذلك ابتعد الحق عنَّا ولم يُدركنا العدل، ننتظر نورا فإذا ظلام. ضياء، فنسير في ظلام دامس. نتلمس الحائط كعمي وكالذي بلا لأعين نتجسس. قد عثرنا في الظهر كما في العتمة، في الضباب كموتى... لأن معاصينا كثرت أمامك وخطايانا تشهد علينا، لأن معاصينا معنا وآثامنا نعرفها. تَعَدَّينا وكذبنا على الرب، وحدنا من وراء إلهنا، تكلمنا بالظلم والمعصية، حَبِلنا ولَهَجْنا من القلب بكلام الكذب... فرأى الرب وساء في عينيه أنه ليس عدل" (59: 9- 10و 12- 13و 15)

ثانياً: يتوجب علينا معرفة كيفية الخلاص والنجاة من خطايانا وذلك بوضع ثقتنا بالله وبالمخلص الوحيد يسوع المسيح.

لم يترك الله البشرية على حالتها الشقية التعيسة بل قام بكل ما يلزم من أجل إنقاذ الإنسان من خطيته وشرِّه. وإذ لم يعد باستطاعة الإنسان أن ينال رضى الله بواسطة أعماله نظرا لعبوديته للخطية والشر فإن الله جاء بطريقة أخرى للخلاص تتفق مع حالة الإنسان الحاضرة. أرسل الله المسيح إلى العالم بمهمة خاصة ألا وهي التفكير عن خطايا العالم بموته النيابي على الصليب. وإذا ما وصل الإنسان إلى الإقرار بأن خلاصه ونجاته من الخطية ومن الموت إنما يَتِمان بواسطة الله وبما قام به السيد المسيح فموضوع الخلاص يُصبح أمرا واقعيا واختباريا ويقدر إذ ذاك إن يقول من أعماق قلبه: " انتظارا انتظرت الرب فمال إلي وسمع صراخي واصْعَدَني مِن جُب الهلاك، مِن طين الحمأة وأقام على صخرةٍ رجلي، ثَبَّتَ خطواتي وجعل في فمي ترنيمة جديدة، تسبيحة لإلهنا،كثيرون يَرَون ويخافون ويتوكلون على الرب. طوبى للرجل الذي جعل الله متّكله" (المزمور 40: 1- 4).

ثالثاً: بعد أن يحصل الإنسان على معرفة الله الخلاصية أي تلك المعرفة القلبية، يتوجب عليه بأن يصل إلى معرفة مقدار دينه الذي قد ترتب عليه لله وإن يسعى من كل قلبه بأن يحيا حياة الشكر لربه وذلك بخدمته خدمة صالحة وبالسير حسب وصاياه وأحكامه. لأن الله لا يُنقذ الإنسان ليعيش حياة الخطية والانكسار بل يود من مخلوقاته العاقلة التي تصل إلى معرفة الخلاص واختباره بأن تسعى سعيا حثيثا للعيش حسب غاية الله الأولى التي تتعلق بخليقة الإنسان في البدء. فقد خلق الله الإنسان ليعمل على تمجيده بعبادته لله وبخدمته له في هذا العالم. وإن كانت الخطية التي سقط الإنسان فيها قد جعلت ذلك أمرا مستحيلا فإن إنقاذ الإنسان من براثنها إنما يعيد إليه المقدرة والرغبة للعيش حسب مشيئة الله المقدسة والطاهرة.

وقد كتب الرسول بولس عن هذا الموضوع في رسالته إلى المؤمنين في أفسس قائلا:

" فإنكم كنتم مرة ظلمة، أما الآن فأنتم نور في الرب، فاسلكوا كأبناء نور. فإن ثمر النور هو في كل صلاح وبر وحق. فاختبروا ما هو مَرْضِي لدى الرب. ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري اكشفوها" (5: 8- 11)

وكذلك كتب الرسول إلى أهل الإيمان في رومية وقال:

" فكذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتا للخطية. ولكن أحياء لله في المسيح يسوع ربنا" (6: 11).

  • عدد الزيارات: 4671