Skip to main content

التقديس الإلهي

هذا كله صحيح بموجب كلمة الله والمؤمن مهما كانت اختباراته ناقصة فهو "طاهر كله" ليس من جهة إدراكه بل من جهة وجوده في المسيح بالضرورة "فنحن في الحق في ابنه يسوع المسيح" (1يو5) وهل يمكن لواحد أن يكون في المسيح ويكون في الوقت نفسه حائزاً على نصف تقديس؟ بدون شك لا. صحيح أنه لا بد أن ينمو في النعمة والمعرفة واختبار ماهية التقديس فيتعمق في اختبار قوة التقديس العملي من جهة تأثيره على العادات والأفكار والحاسيات والعواطف والمعاشرات والمعاملات وبالاختصار فإنه ينمو في إدراك وإظهار تأثير التقديس الإلهي على أخلاقه وصفاته وتصرفاته ولكنه في نظر الله كان تقديسه كاملاً عند الإيمان باتحاده بيسوع المسيح ولم يزد مثقال ذرة عندما ازداد اختباره وشعر بقوته في حضرة الله متمتعاً بنور طلعته تعالى في بهاء مجد عرش الله والخروف, فهو في المسيح الآن وسيبقى في المسيح إلى ما شاء الله. نعم إن دائرة وجوده وظروفه تتغير وبدلاً من مروره في قفر الحياة الحاضرة على رمال البرية المحرقة ستمشي أقدامه على ذهب نقي داخل الأقداس السماوية وعوضاً عن جسد التواضع سيلبس جسد المجد. أما من جهة مقامه وقبوله وكماله وتبريره وتقيسه فهو من حين آمن باسم ابن الله الوحيد حاصل عليها بدون نقص لأن الله هو الذي صنعه لهذا بعينه هذا كله واضح من (1كو6: 11).

ومن الضروري جداً أن نفهم ونميز جلياً الفرق بين الحق وتطبيقه أو نتيجة الحق. وهذا الفرق واضح في كلمة الله "تقدستم" هذا هو الحق الصريح من جهة المؤمن باعتباره في المسيح كثمر عمله الكامل. ولكن إذ "أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها" (1تس5: 23) هذا من جهة تطبيق الحق عملياً في المؤمن ونتائجه.

ولكن لنسأل كيف يمكن تطبيق هذا الحق وكيف يتأتى لنا الوصول إلى هذه النتائج؟ فالجواب بالروح القدس بواسطة الكلمة المكتوبة, كما يقول المسيح "قدسهم في حقك" (يو17) وأيضاً "إن الله اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق" ( 2تس2: 13) وكذلك في (1بط1: 2) "المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق بتقديس الروح" والروح القدس إنما ينشئ التقديس العملي في المؤمن على أساس عمل المسيح الكامل والواسطة في ذلك كلمة الحق التي يؤثر بها على القلب والضمير كما هو في يسوع. فيعلن لنا الحق من جهة كمالنا ومركزنا أمام الله في المسيح وإذ يؤيد بالقوة بروحه في الإنسان الباطن الذي فينا يقوينا على طرح ما لا ينطبق على مقامنا. لأن الذي قد "اغتسل وتقدس وتبرر" لا يليق أن يتصرف في النجاسة أو يتوغل في الشهوة بل "يطهر ذاته من كل دنس الجسد والروح" لأن أشواق قلبه بالنظر لامتيازه هي أن يستنشق هواء جو القداسة الصافي وحقيقة كونه قد "تقدس وتبرر واغتسل" تؤثر على قلبه وطباعه فيخضع لقوة ذلك الحق.

هذا هو سر القداسة العملية لا في محاولة إصلاح طبيعة فاسدة أو تحسين ما خرب. لا بل بالروح القدس وبقوة تطبيق الحق يتقوى الإنسان الجديد لكي يحيا ويتحرك ويوجد في الدائرة التي يتعلق بها. وبهذه الطريقة لا ريب أنه ينمو في قوة الحق الثمين العملية. ينمو في الإدراك والكفاءة الروحية فيُخضع كل ما يتعلق بالطبيعة العتيقة- وهي قوة للانفصال عن الشر. ونمو في إدراك استعدادنا للسماء التي نحن مسافرون إليها ونمو في الاختبارات المسيحية. هذه كلها خدمة الروح القدس الذي يستخدم كلمة الله لكي تنكشف لنفوسنا حقيقة مقامنا في المسيح لكي نسلك كما يحق لمقامنا.

  • عدد الزيارات: 2547