يسوع والتقديس
وأول عبارة نستلفت إليها نظر القارئ واردة في 1كو1: 30 "ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا من الله حكمة وبراً وقداسة وفداء" ومن هذه الجملة نتعلم أن المسيح "صار لنا" هذه الإمتيازات الأربعة جميعها. كأن الله أعطانا في المسيح خزانة ثمينة إذا فتحناها بمفتاح الإيمان نجد أول جواهرها "حكمة" ثم "براً" ثم "قداسة" ثم "فداء". وهذه كلها لنا في المسيح وكما لنا الحق في إحداها فلنا الحق في الكل, وكيف نحصل عليها كلها أو على كل واحدة منها بالإيمان. ولكن لماذا يذكر الرسول "فداء" آخر الكل؟ ذلك لأن الفداء يتضمن افتداء جسد المؤمن أخيراً من تحت سلطان الموت عندما يهتف رئيس الملائكة ويبوق ببوق الله الأخير فيقوم الأموات الراقدون في الرب ويتغير الأحياء في طرفة عين, فهل هذا العمل يتم تدريجياً؟ واضح غير ذلك من قوله "في طرفة عين" فالجسد يكون في حالة ثم في "لحظة" يصبح في حالة أخرى. فينتقل الجسم من فساد إلى عدم فساد في برهة وجيزة جداً معبر عنها بغمضة هدب العين فمن هوان إلى مجد, ومن ضعف إلة قوة وهو تغيير كامل سريع أبدي إلهي.
وماذا نتعلم من ذكر القداسة (أعني تكريس النفس وإفرازها لله) مع الفداء؟ نتعلم من ذلك أنه كما سيكون الفداء للجسد هكذا التقديس للنفس. أي أن التقديس بالاختصار هو كامل وإلهي وأبدي دفعة واحدة. وكما أن الفداء لا يكون تدريجياً هكذا التقديس أيضاً, وكما يتم الفداء في طرفة عين هكذا التقديس أيضاً. وكما أن أحدهما كامل ومستقل عن الإنسان هكذا ثانيهما. صحيح بعد تغيير الجسد يبقى أمام الإنسان درجات مجد تطأها بطون أقدامه وأعماق مجد يجوز فيها ومتسع مجد يجول فيه, هذا ما لا بد أن يكون في الأبدية, ولكن العمل الذي يؤهلنا لولوج باب هذه الاختبارات سيكمل في لحظة واحدة. وهكذا بالنسبة إلى التقديس فإن نتائجه العملية تبقى مستمرة ونامية فينا, ولكن الامتياز نفسه المذكور في هذه العبارة إنما يتم دفعة واحدة.
ومتى أدرك كثيرون من المسيحيين الذين تجاهد نفوسهم وراء الحصول على القداسة أن المسيح هو قداستهم فيالها من راحة. إذ كم منهم يحاولون الحصول على بر عملي بسعيهم الذاتي وبعد مجاهدات مستطيلة عساهم ينالون البر يرون التعب باطلاً فيلتجئون أن ينالوا التقديس بغير ذلك الطريق. ولو أنهم حصلوا على البر بدون أعمال إلا أنهم يتصورون أن الحصول على التقديس هو بالأعمال. نعم إنهم أدركوا البر بالإيمان ولكنهم يظنون أن إدراك القداسة بالسعي فيخسرون سلامهم غير حاسبين أنهم إنما ينالون التقديس بنفس الواسطة التي نالوا بها البر إذ أن المسيح الذي صار لنا براً صار لنا أيضاً قداسة. فهل المسيح الذي صار بسعي منا؟ حاشا بل بالإيمان للذي "لا يعمل" (رو4: 5) ولا يجوز لنا أن نستثني إحدى الإمتيازات التي صارت لنا بالمسيح مثل القداسة ونعلّق الحصول عليها على أساس آخر غير الأساس الذي وُضعت عليه كل بركاتنا. فنحن ليس لنا حكمة ولا بر ولا قداسة ولا فداء وغير ممكن لنا في حد ذواتنا أن ننال شيئاً منها بأعمالنا ولكن الله قد جعل المسيح لنا هذه جميعها. وإذ وُهب لنا المسيح وُهب لنا فيه كل شيء. فملء المسيح لنا والمسيح هو ملء الله.
- عدد الزيارات: 3023