التقديس والسلام
ونحن يعسر علينا أن نتصور كيف يمكن للإنسان الذي يتوقع إصلاح طبيعته تدريجياً أن يتمتع بالسلام ساعة واحدة مادام لا يسعه إلا أن يرى (هذا إذا كان يرى ذاته في نور كلمة الله المقدسة) قلبه لم يتغير قط بل إنه خدَّاع ونجيس ولا يختلف عن حالته لما كان سالكاً ببطل ذهنه في ظلمة أعماله الشريرة. نعم إن أخلاقه وأحواله قد تغيرت تغيراً جوهرياً نظراً إلى "الطبيعة الإلهية" الجديدة التي نالها وسكنى الروح القدس فيه الذي يوِلّد فيه آمالاً ورغائب جديدة, ولكن متى تحرك الجسد فعداوته لله لا تختلف في شيء ما عن حالته الأولى, ولا ريب أن معظم الشقاء واليأس المستوليين على أذهان كثيرين من المؤمنين إنما منشأه سوء فهم حقيقة ماهية التقديس, إذ هم يطلبون ما لا يمكن نواله- إذ تراهم مشغولين في البحث على أساس سلامهم في الطبيعة المقدسة عوضاً عن البحث عليه في ذبيحة المسيح الكاملة- أي في قداسة عملية تدريجية لا في عمل فدائي كامل. ويعتقدون أن الإيمان بغفران الخطايا هو مجرد ادعاء وتصلف ما دامت الطبيعة الشريرة لم تتقدس بالتمام, وحيث أنه غير ممكن لهم الوصول إلى هذه النتيجة فلا يؤمنون بالغفران, ولذلك لا يكون لهم سلام مع الله. وبالاختصار هم يطلبون "أساساً" آخر خلاف الذي وضعه الله, ولذلك لا يستقرون على شيء. ومتى لاح لهم أنهم ظفروا ببعض الشيء من القداسة الشخصية يتوهمون في أنفسهم النجاح فتطمئن نفوسهم كما لو قضوا يومهم في عمل الخير أو أصابوا شيئاً من التعزية أو تمتعوا بقليل من الهدوء والسلام حينئذ يهتفون "قلت في طمأنينتي لا أتزعزع إلى الأبد... ثبّت لجبلي عزاً" (مز30: 6, 7)
ولكن هذه كلها أساسات واهية إذا بنت عليها النفس سلامها. لأنها ليست المسيح ومادام ليس لنا المسيح فليس لنا شيء. أما إذا أخذنا المسيح فقد أخذنا معه كل شيء. لا شك أن النفس التي تتمتع بالمسيح ترغب في القداسة ولكنها إذا لم تدرك ما صاره المسيح لها تصبح مشغوليتها في تقديس الطبيعة أما إذا وجدت كفايتها في المسيح فجلّ رغبتها أن تكون مثله وهذا هو سر التقديس العملي الصحيح.
قد يحدث أحياناً أن الناس عند كلامهم على القداسة تكون تعبيراتهم ضد كلمة الله وإن كان قصدهم حسناً لأنهم ينظرون إلى القضية من وجه واحد ومع أننا لا نريد أن نُعثر مثل هؤلاء ولكن استيفاء البحث في قضية مهمة كقضية التقديس العملي تستدعي دقة المحافظة على نص كلمة الله والتعبير بألفاظ صحيحة صريحة ولذلك فلا نرى بداً من اقتباس بعض آيات من العهد الجديد شُرحت فيها القضية شرحاً وافياً. ومن هذه الشواهد سنتعلم ماهية التقديس وكيفيته.
- عدد الزيارات: 3044