سليمان بين الشباب والمشيب
قبل أن يموت داود النبي سلّم الملك لإبنه سليمان بعدما دخلت بثشبع إليه وأخبرته عن نية أدونيا بنتصيب نفسه ملكا على كل إسرائيل فقال لها داود ".. حي هو الرب الذي فدى نفسي من كل ضيقة، إنه كما حلفت لك بالرب إله اسرائيل قائلا إن سليمان ابنك يملك بعدي وهو يجلس على كرسيّ عوضا عني كذلك أفعل هذا اليوم" (الملوك الأول 29:1).
وأتمّ داود بقسمه أمام الله والناس فجلس سليمان على كرسي العرش وهو شاب صغير مملوء بالقوّة والعنفوان الجسدي والفكري معا. ولم يطلب من الله المال أو التوسّع في المملكة أو الجبروت بل طلب أن يعطيه الحكمة لكي يستطيع أن يحكم بين الشعب الكثير الذي لا يحصى ولا يعد" والآن أيها الرب إلهي أنت ملكّت عبدك مكان داود ابي وأنا فتى صغير لا أعلم الخروج والدخول.. فأعط عبدك قلبا فهيما لأحكم على شعبك وأميز بين الخير والشر لأنه من يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا " (الملوك الأول 7:3).
فباركه الله وأعطاه الحكمة بل وزاد عليه كل ما يطلبه إنسان في حياته، حتى ذاع صيته في كل الجوار، وكان سليمان في شبابه صاحب همّة ونخوة على تميم ارادة الله في حياته حيث كان يحكم بالعدل والحكمة معا وكان كل الشعب راض عن هذا الملك الشاب الذي ينبض بالحياة فشدّ العزم لكي يبني بيتا لله وهكذا حصل، وبعد أن انهى كل البناء بعد جهد كبير وقف سليمان أمام مذبح الرب تجاه كل الجماعة وبسط يديه إلى السماء وقال "والآن يا إله اسرائيل فليتحقق كلامك الذي كلمت به عبدك دواد أبي. لأنه هل يسكن الله حقا على الأرض. هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (الملوك الأول 27:8).
وهكذا استمر سليمان في قيادة الشعب بقوّة الله في حياته فكان شبابه مثالا يقتدى لرجالات الله الأمناء، ولكنه ومع الأسف عندما انحدرت معه الأيام ودخل في نفق الشيخوخة ابتعد عن الله بسبب نساءه الأجنبيات ولأنه شعر بالذنب الكبير في نهاية أيامه وعلم بأنه اغضب الله الحي، كتب سفر الجامعة ممزوج باختبارات عظيمة وأحيانا مؤلمة حيث ابتدأ حياته طائعا وخاضعا للجالس على العرش وانتهى به المسار إلى عابد أوثان فكانت عصارة هذا المشهد المهيب أعداد خرجت من قلب محروق وحزن على التقهقر الروحي الذي حصل في حياته فقال "فاذكر خالقك في أيام شبابك قبل أن تأتي أيام الشر او تجيء السنون اذ تقول ليس لي فيها سرور" (جامعة 1:12).
عزيزي القارىء: نتعلم من سليمان أن الله يريدنا أن نحيا له كل أيام حياتنا حتى آخر لحظة لنقول كما قال بولس الرسول "لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرّب نحن" (رومية 8:14).
- عدد الزيارات: 5230