الله في الوسط
"ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشّون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة" (دانيال 25: 3). إنه الملك نبوخذنصّر الذي جعل نفسه جبارا وعظيما، وكان يأمر الجميع بالسجود لتمثال الذهب الذي صنعه بطاعته وعبادته فهو الرئيس والملك الذي يملك على نفوس الجميع كما كان يظن. وفي تلك الحقبة كان دانيال وأصدقائه الثلاثة شدرخ وميشخ وعبد نغو يعيشون تحت سلطة هذا الملك.
فوشا عليهم بعض الرجال الكلدانيون على هؤلاء الأشخاص الأمناء الذين يحيون حياة القداسة والعفة أمام الله والناس. وقالوا للملك "يوجد رجال يهود الذين وكّلتهم على أعمال ولاية بابل شدرخ وميشخ وعبد نغو، هؤلاء لم يجعلوا لك أيها الملك اعتبارا. آلهتك لا يعبدون ولتمثال الذهب الذي نصبت لا يسجدون" (دانيال 12: 3). فبدأ قلب الملك يغلي من الغضب الشديد وأخذت الأفكار تدور في رأسه "هل أنا شخص ضعيف عظمتي أصبحت تتضائل شيئا فشيئا، لماذا لم يسجد هؤلاء الأشخاص لهذا التمثال المهيب والجبار" ولم يجد جوابا لهذه الأسئلة التي حيرت قلبه وفكره، "حينئذ أمر نبوخذنصر بغضب وغيظ بإحضار شردخ وميشخ وعبد نغو. فأتوا بهؤلاء الرجال قدّام الملك" (دانيال 13 : 3).
الجميع حاضر يتأملون ملامح وجوه الأشخاص الثلاثة وهم واقفون بثقة وعدم خوف فإله ابراهيم واسحق ويعقوب يشدّ عزمهم ويقف إلى جانبهم. وبدأ التحقيق الجدي والقوي وبكل وضوح تقدم الملك وهو يتمشى بين الحضور بسؤالهم "تعمدا يا شدرخ وميشخ وعبد نغو لا تعبدون آلهتي ولا تسجدون لتمثال الذهب الذي نصبت" (دانيال 14:3)، لم يتوانوا ولم يتأخروا بالجواب فوقفوا بكل شجاعة وبفعل إرادي كبير نظروا إلى كل الجمهور الواقف مترقبا وكانت قلوبهم شاخصة إلى السماء يتذكرون كل الإختبارات والمدهشة الرائعة مع إلههم وكل العناية والتعزية التي حصلوا عليها، ففتحوا أفواههم بقوّة "يا نبوخذنصر لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر. هوذا إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقّدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك" (دانيال 16:13).
فبدا كل شيء غريب في تلك الساعة، الملك في غضب شديد والشعب ينتظر الحكم الكبير والإصدقاء الثلاثة الأمناء ينتظرون مصيرهم الحتمي، فأمر الملك أن يحمّى أتون النار ثلاث أضعاف لعل هذا الأمر يريح قلبه وذهنه فألقوا بالثلاثة رجال في سراويلهم وأقمصتهم وأرديتهم ولباسهم في أتون النار المتقدّة. ومن شدة اللهيب العظيم الذي وصل شهبه إلى السماء قتل الرجال الذين رفعوا شردخ وميشخ وعبد نغو.
وفي وسط هذا المنظر الذي لا مثيل له تدخل الله بسرعة تفوق سرعة البرق وجاء في الوسط واقفا يدافع عن أولاده وعن اتقيائه الذين يحبونه، فهو وعد وفعل وقال ونفذ، هذا هو إلهنا المهيب والصادق الأمين الذي يعزي وسط الأحزان وينقذ وسط المشاكل. فلم يصب أحد من الثلاثة من وهج النار بأذى، فتعجب الجميع وناداهم الملك أن يخرجوا من النار، فتحيّر كثيرا اذا رأى أجسادهم باقية كما هي ولم تمس شعرة من رؤوسهم. فعلم الملك أن قوّة الله الحي قد ظهرت وأن يد الله الواضحة تدخلت في الوسط لإنقاذهم. فأمر الجميع أن يحترم إله ابراهيم واسحق ويعقوب وأعاد الرجال الثلاثة إلى مراكزهم.
نعم الله جاء من عرشه وتدخل مباشرة ولمس وأنقذ ورفّع أحبائه، أيها الصديق العزيز، إذا كنت بعد في خطاياك تعال إلى المسيح بالتوبة والإيمان فهو مستعد أن يتدخل أيضا ليحضر في وسط حياتك ليعطيك الغفران والخلاص. فهل أنت مستعد لهذه الخطوة الجريئة؟
- عدد الزيارات: 5375