الفصل السابع: القصاص الأبدي والادعاء بملاشاة الأشرار
رأينا أن تعليم الرب يسوع فيما يختص بالنفس أنها لا تموت والذي يموت هو الجسد (وذلك وقتياً) إذ قال له المجد "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وأما النفس فلا يقدرون أن يقتلوها" (مت 10: 28). وفي قصة الغنى ولعازر (لوقا 16)، أن الغني مات ودفن جسده لكنه رفع عينيه وهو في هاوية العذاب ورأى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، لكن لنسمع ما تقوله "مسز هوايت" نبية السبتيين في كتابها (المعركة الفاصلة صفحة 22) تقول:
(بعد أن أسقط الشيطان آدم أمر ملائكته أن يضعوا في نفوس الناس الاعتقاد بخلود النفس، حتى إذا ما صدقوا هذا الأمر انقادوا إلى الاعتقاد بأن الخطاة سيخلدون في العذاب إلى أبد الآبدين؛ وهكذا يصورون الله بصورة الظالم المنتقم الذي يطرح الأثيم في نار جهنم ويصب عليه جام غضبه المتقد، وفيما يتمرغ الأثيم في هذا العذاب الأليم ترتاح نفس الله وترضى). ثم تقول أيضاً (أن التعليم القائل بعذاب الشرار بنار وكبريت عقابا لهم على خطاياهم إلى أبد الآبدين هو تعليم تأنفه نفس كل من يحس بالرحمة والمحبة، بل يناقض تعليم الكتاب المقدس)!!
فهل نصغي لأقوال الله الموحى بها أم تصغي إلى امرأة تدعم أقوالها بحجة عاطفية وكأنها هي أكثر إشفاقاً على الناس من الله. وكأن هناك تعارضاً بين محبة الله والعذاب الأبدي. وفي جرأة شديدة تجلس في منصة الحكم وتصدر حكماً ضد الله: أنه إما أن يعفو عن الناس المذنبين الذين استهانوا بالخلاص المقدم لهم، ويتغاضى عن قداسته وإما أن يكون الله ظالماً!! وكأنها توصلت للحل الأمثل وهو ملاشاة الشرار! لكن حاشا لله تعالى أن يظلم أحداً وهو المكتوب عنه "العدل والحق قاعدة كرسيه، الرحمة والأمانة تتقدمان أما وجهه" (مزمور 89: 14).
هل أمور الله وأمجاده وقداسته التي لا حد لها، وأحكام بره، وكذلك المصائر الأبدية للبشر هل تحكم فيه امرأة تدعى أنها رؤيا وحلمت أحلاماً وتلقت إعلاناً؟ ومن أين عرفت أن الشيطان أمر ملائكته أن يضعوا في نفوس الناس الاعتقاد بخلود النفس؟ من الذي أخبرنا بذلك؟ هل خلود النفس عقيدة شيطانية أم هو الحق الإلهي الذي يعلنه الله في كلمته؟ لكن ماذا يقول الرب للذين يقبلون الأوضاع؟ أنه يقول لهم "ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً، الجاعلين الظلام نوراً، والنور ظلاماً – الجاعلين المر حلواً والحلو مرّاً – ويل للحكماء في أعين أنفسهم والفهماء عند ذواتهم" (أشعياء 5: 20، 21).
أن الله لا يتصرف بطريقة استبدادية في معاقبة الأشرار ذلك أنهم يستهينون بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالمين أن لطف الله إنما يقتادهم للتوبة ولكن من أجل قساوتهم وقلبهم غير التائب يذخرون لأنفسهم غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رومية 2: 3 – 6).
إنها دعوى باطلة وخبيثة أن نتحدث عن الله كمن هو من كثرة الرحمة لا يبعث أحداً إلى هاوية العذاب. ذلك أن الناس لا يرحمون أنفسهم، هم الملومون عن القضاء الذي يحيق بهم. ومما يضاعف الأمر هذه الحقيقة الملموسة وهي أن محبة الله المطلقة قد هيأت علاجاً "بلا مقابل" رفضه الكثيرون. إن السم الذي يقتل الإنسان يأتيه من داخله.
أن آية واحدة من أقوال الله تكفي لدحض أكاذيبهم وادعاءاتهم أنهم يقولون أن الذي يموت في خطاياه مصيره الفناء أو الملاشاة لكن مكتوب في (يوحنا 3: 36) "الذي يؤمن بالابن فله حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن فلن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله – وكلمة يمكث معناها يبقى ونفس الكلمة اليونانية وردت أيضاً في (يو 4: 40) "سألوه أن يمكث عندهم فمكث هناك يومين". وطبقاً لشهادة الكتاب المقدس أن غير المؤمن "لن يرى حياة" ولا يمكن أن يتلاشى لأن أقوال الله الصادقة تشهد أنه "يمكث عليه غضب الله" فهل نصدق الله أم نصدق المعلمين الكذبة؟ الذين يعطون اطمئناناً كاذباً لأتباعهم أنهم أن لم يخلصوا فعلى أسوأ الفروض أنهم يتلاشون. لكن كلا! "إن أعمى يقود أعمى كلاهما يسقطان في حفرة". هم وأتباعهم سوف يسقطون في الحفرة الأبدية. وكلمة "أبدية" تنطبق على الحياة الأبدية أي السعادة الدائمة، وتنطبق على الموت الأبدي أي الشقاء الدائم. كما قيل في (رؤيا 14: 11) "ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين".
إن الحياة الأبدية قد أنيرت فقط في العهد الجديد إذ قيل عن المسيح أنه "أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2 تي 1: 10). لكن العهد القديم لا يتكلم عن الأمور الأبدية، سواء كانت الحياة الأبدية أو الموت الأبدي – وقد وردت "حياة للأبد" في العهد القديم مرتين، المرة الأولى في (مزمور 133: 3) والمرة الثانية في (دانيال 12: 2) ويقصد بها الحيلة السعيدة في الملك الألفي وذلك للتائبين الراجعين للرب من الشعب اليهودي في آخر الأيام – أما الحياة الأبدية التي يتمتع بها المؤمنون ويمتلكونها امتلاكاً حاضراً الآن فهذه تكلمنا عنها في نهاية الفصل السادس.
في (دانيال 12: 1) يتكلم عن ضيق عظيم لم يكن منذ كانت أمّة إلى ذلك الوقت. ضيقة سوف تحدث لشعب دانيال (اليهود) في المستقبل – وهذه الضيقة العظيمة أنبأ عنها إرميا النبي (ص 30: 7) ويسميها "ضيقة يعقوب" كما أنبأ أيضاً الرب يسوع في (متى 24: 21) كما تكلم عن رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي (متى 24: 15) – هذه الضيقة سوف تحدث بعد اختطاف الكنيسة وقبل مجيء المسيح مستعلناً للعالم كله عندما تراه كل عين، لكي يقيم ملكوته الألفي على الأرض (متى 24: 30؛ رؤيا 1: 7) وهذه الضيقة تكلم عنها أيضاً سفر الرؤيا (ص 7: 14).
يجب أن نقرن هذه الشواهد الكتابية الأربعة معاً لكي نعرف توقيت حدوث هذه الضيقة – في (دانيال 12: 1، 2) يقول "في ذلك الوقت ينجي شعبك (اليهود) التائبين الراجعين للرب بعد اختطاف الكنيسة، كل من يوجد مكتوباً في السفر وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون – ليست هذه قيامة أجساد لكن المقصود هو إحياء قومي للشعب اليهودي الذي ظل مدفوناً في التراب متفرقاً بين الأمم لمدة تقرب من 1900 سنة وكأنهم أموات في القبور كما قال حزقيال النبي عن هذا الإحياء "هكذا قال الرب هاأنذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي وآتي بكم إلى أرض اسرائيل... وداود عبدي (المسيح ابن داود) يكون ملكاً عليهم... " (حزقيال 37: 12، 13 – 28) – قارن أيضاً (هوشع 6: 1، 2) وسبق الكلام عن رجوع بقية من الشعب اليهودي وتوبتهم عند الكلام عن "أعياد الشهر السابع" (الفصل الخامس).
أما عن وقت حدوث هذه الضيقة العظيمة فسوف يكون في النصف الأخير من الأسبوع السبعين من أسابيع دانيال. نلاحظ أن الأسبوع التاسع والستين انتهى بصلب المسيح. وبصلب المسيح انتهى تعامل الله مع اليهود وبدأ يتعامل مع العالم أجمع بالنعمة "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس 16: 15) وبعد أن تنتهي فترة انجيل النعمة باختطاف الكنيسة ويغلق باب النعمة كما قيل في مثل العذارى "وأغلق الباب" (متى 25: 10) بعد ذلك يتعامل الله مع اليهود مرة ثانية ويبدأ الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال كما سبق الكلام عن معاملات الله مع الأمة الإسرائيلية وكذلك سبق الكلام عن أسابيع دانيال السبعين عند الكلام على "الكتاب المقدس لا يخلط بين الأيام والسنين" 0 الفصل الأول. أن الأسبوع الأخير أي السبع سنين الأخيرة التي تبدأ بعد اختطاف الكنيسة تنقسم إلى قسمين" 2/1 3 سنة + 2/1 3 سنة. النصف الأول هو مبتدأ الأوجاع (متى 24: 8) والنصف الثاني هو الضيقة العظيمة (متى 24: 21) وذلك لأن حادثاً عظيماً ورهيباً سوف يحدث في منتصف الأسبوع وهو "استعلان انسان الخطية" (2 تس 2: 4).
- عدد الزيارات: 10430