الفصل الخامس التحذيرات في رسالة كولوسي من المعلمين الكذبة
في الأقوال السابقة ومعظمها سرد من رسالة رومية أي الرسالة التي تتكلم عن الإنجيل الكامل وموضوعها أن "الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس" (رو 3: 28) وقبلها أتينا بسرد من رسالة غلاطية التي هي مكملة لرسالة رومية، وفيها يجاهد الرسول بولس مع الغلاطيين الذين ظهر بينهم قوم يزعجونهم ويريدون أن يحولوا "انجيل المسيح" إلى انجيل آخر مع أنه لا يوجد انجيل آخر (غلا 1: 7 – 9) ويقول لهم أنه ذهب إلى أورشليم آخذاً معه تيطس (الغير مختتن) وعرض على الرسل والأخوة المشايخ الإنجيل الذي يكرز به بين الأمم (أع 15) ويقول أيضاً للغلاطيين أنه لم يخضع ولا ساعة واحدة للأخوة الكذبة أو المعلمين الكذبة "لكي يبقى عندهم حق الإنجيل" (غلا 2: 5).
بالرغم من هذه الحقائق الثابتة تاريخياًً في سفر الأعمال (ص 15) وثابتة تعليمياً في رسالتي رومية وغلاطية وغيرهما، فإن المعلمين الكذبة لم يكفوا عن تعليمهم لذلك يعطى الرسول بولس في رسالة كولوسي وهي الرسالة التي كتبت بعد رسالتي رومية وغلاطية والتي كتبها الرسول بولس من سجن روما حوالي سنة 62م، يعطى تحذيرات من المعلمين الكذبة وكأنها تحذيرات أخيرة لكنائس الأمم. فنجده في مقدمة الرسالة يذكر لهم أمجاد المسيح في الخليقة التي خلقها لأجل مجده كما يذكر لهم أمجاده في الكنيسة باعتباره رأس الجسد. وأمجاده هذه هي بمثابة ترياق لسموم المعلمين الكذبة. فكان عليهم أن يتذكروا دائماً أن المسيح هو "الرجاء الموضوع لهم في السموات" (ص 1: 5) وأن يكونوا شاكرين باستمرار لله الآب "الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور" لا يقول أنه مزمع أن يؤهلنا لأن العمل قد تم. "الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته" (ع 13). والمقصود بملكوت ابن محبته أي جميع ما حصل عليه المسيح نفسه في السماء والأرض. الله أدخلنا إلى دائرة سلطان "ابن محبته" الذي صرنا متحدين معه في موته وقيامته، كما سبقت الإشارة في رسالة رومية (ص 6: 5) أن الرب يسوع هنا يقال عنه "ابن محبته" ويقابل هذا الاسم المجيد في رسالة أفسس اسم "المحبوب" أن الله "أنعم علينا في المحبوب" وفي كلتا الرسالتين وبعد هذين اللفظين مباشرة ترد العبارة "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا" أي أن صانع الفداء هو "المحبوب" أو "ابن محبته" وليس هو أقل من ذلك. وبعد ذلك مباشرة يقول "الذي هو صورة الله غير المنظورة"وسبق توضيح معنى صورة الله أي أنه هو الله الحقيقي".
والآن نتقدم لكي نرى ما يقوله الروح القدس عن أمجاد المسيح في الخليقة وفي الفداء. فإن هذه الأمجاد مذكورة في هذه الرسالة كمقدمة لما هو مزمع أن يقوله في مواجهة المعلمين الكذبة الذين أرادوا أن يخدعوا المؤمنين في كولوسي. يقول في (ع 16) "فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما في الأرض (أكبر الأشياء وأصغرها) الكل به وله قد خلق" أي أنه ليس فقط خلق جميع الأشياء بكلمة قدرته بل أيضاً قد خلقها لأجل مجده. وبعد أن يتكلم عن أمجاده في الخليقة الولى يتكلم عن أمجاده في الخليقة الجديدة المتعلقة بموته وقيامته. وإن كان عمله في الأولى عظيماً، فإن عمله في الخليقة الجديدة أعظم بما لا يقاس.
ثم يقول في (ع 18) "وهو رأس الجسد (أي) الكنيسة. الذي هو البداءة بكر من الأموات لكي يكون هو متقدماً في كل شيء" أي أن خالق جميع الأشياء، صار بعد موته وقيامته رأساً للجسد (أي الكنيسة) الذي هو "البداءة" يعنى رأس الخليقة الجديدة. هو الأول والآخر.
ثم في (ع 19) "لأن فيه سر أن يحل كل الملء" كما قيل عنه في (ص 2: 9) "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً". كان المسيح هو الله منذ الأزل ولما تجسد حل فيه كل ملء اللاهوت (الآب والابن والروح القدس). لا يوجد استقلال بين أقانيم اللاهوت. فما ينسب للآب ينسب للابن وينسب للروح القدس لكن الابن فقط هو الذي تجسد أي صار جسداً (يو 1: 14). في أمر قيامته من بين الأموات. تارة تنسب القيامة للآب "أقيم بمجد الآب" (رو 6: 4) وتارة تنسب القيامة للروح القدس (رو 8: 11) وتارة تنسب للابن. فالابن أقام نفسه من الأموات، إذ قال لليهود "أنقضوا عن هيكل جسده. لقد مات بإرادته كما قال "ليس أحد يأخذها مني (أي حياته) بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها (أي بالموت) ولي سلطان أن آخذها أيضاً (بالقيامة) هذه الوصية قبلتها من أبي" (يو 10: 18).
إن الروح القدس الذي يمجد المسيح (يو 16: 14) يعطى مقدمة مناسبة في هذه الرسالة لأن هناك مبادىء فاسدة أراد المعلمون الكذبة أن يدخلوها في المسيحية من شأنها أن تحجب مجد المسيح ويتكلم عن هذه المبادىء في (ص 2) وأساسها الفلسفة والتقليد (ع 8) ثم الفرائض الناموسية (ع 16) ثم تصورات وانتفاخ الذهن البشري الفاسد الذي لا تحكمه كلمة الله (ع 18) هذه الأشياء الثلاثة كانت ولا زالت هي أسلحة الشيطان لإفساد الحق الإلهي. والآن دعنا نتأملها في نور كلمة الله.
أولاً: "انظروا أن لا يكون أحد (أحد المعلمين الكذبة) يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل... وليس حسب المسيح" (ع 8) إن الفلسفة هي السم الذي يضعه العدو في القدر. هي تعاليم سامة تقود الناس للهلاك. والعلاج: وضع الدقيق (أي المسيح) في القدر (قارن 2 مل 4: 41) العلاج هو المسيح وحده كما تعلنه كلمة الله. كما يقول في (ع 9) "فإنه فيه (في المسيح) يحل كل ملء اللاهوت جسدياً".
ومن أمثلة الفلسفة ما تقوله "مسز هوايت" نبية السبتيين في كتابها المسمى (يسوع وانتظار الإنسانية صفحة 54) ما نصه كالآتي:
"يقول البعض أن المسيح ما كان ممكناً أن تغلبه التجربة. فلو صح هذا (أي أنها تكذب هذا) لكان المعنى عدم استطاعته أن يشغل مركز آدم وينال النصرة في حين أن آدم قد سقط. والحق أن يسوع قد لبس انسانيتنا في كل أخطارها وبذلك كان غرضه للانهزام أمام التجربة".
ألسنا نسمع همس الحية في هذه الأقوال "يقول البعض" على مثال ما قالته الحية قديماً "أحقاً قال الله" (تك 3: 1) وذلك بغرض التشكيك في ما يقوله البعض مع انه الصواب المؤسس على كلمة الله التي تقول "أنه جرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. أما الضلالة الثانية فهي تقول "والحق" أن يسوع كان عرضة للانهزام أمام التجربة إن ما تقوله هذه النبية هو "الكذب" وليس الحق على مثال ما قالته الحية "لن تموتا". وقد سبق الرد على هذه الافتراءات فيما يختص بإنسانية يسوع المسيح (راجع الرد الوارد في الفصل الثاني).
ثانياً: "فلا يحكم عليكم أحد (أحد المعلمين الكذبة) في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور العتيدة وأما الجسد فللمسيح" (ع 16، 17).
في هذه الرسالة نجد تحذيراً للمسيحيين من أنهم يتمسكون بالضلال اليهودية "أكل أو شرب أو عيد أو هلال أو سبت" التي هي ظل وليست أشياء حقيقية. فإن كان هذه الأشياء ظلاً فما هي الحقيقية التي تبنى عنها هذه الظلال؟ الإجابة: وأما الجسد (أو الجسم) جسم الحقيقة فللمسيح أو "أما الحقيقة فالمسيح is of christ" أي نحن المسيحيين نمتلك حقيقة وجسم البركات التي لم يكن لإسرائيل قديماً سوى ظلها.
المسيح أعطى نورا وتفسيراً لهذه الظلال والروح القدس أعطى إيضاحاً عنها. هذه الأشياء عند معرفتها نجدها تلفت الأنظار على المسيح. لأن من هو المسيحي؟ الإجابة: هو الذي وجد أن المسيح هو كل شيء.
كما أن الرسالة إلى العبرانيين التي كتبت لليهود الذين آمنوا بالمسيح وكثيرون منهم كانوا غيورين للناموس (قارن أعمال 21: 20) هي أيضاً تحذير لهم من الرجوع على الظلال الناموسية. نجده يقول لهم "لأن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء ..." (عبرانيين 10: 1) وظل الخيرات العتيدة هنا هو ظل الأمور العتيدة في رسالة كولوسي لا نفس صورة الأشياء أي لا نفس حقيقة الأشياء.
ربما يسأل سائل: لماذا هذا النزاع الطويل بخصوص هذه الأشياء؟ هذا النزاع بدأ في كنيسة أنطاكية (التي دُعى فيها التلاميذ مسيحيين أولاً) بدأ لأن معلمين كذبة كانوا قادمين من اليهودية جعلوا يعلمون الأخوة "أنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا" (أعمال 15: 1) لذا حدث نزاع بينهم من جهة وبولس وبرنابا من جهة أخرى. ومع أن هذا الموضوع صار البت فيه في مجمع أورشليم (أع 15). لكن بالأسف فإن تعليم المعلمين الكذبة انتشر جداً خصوصاً في كنائس غلاطية كما سبقت الإشارة. وذلك بسبب ميل الإنسان الطبيعي للأمور التي تلّذ للجسد ولأنه "لا يقبل ما لروح الله" (1كو 2: 14) وبسبب أن الأشخاص الروحانيين قليلون جداً وأصواتهم وسط ضجيج الأشخاص الجسديين الذين أصواتهم نحاس يطن وصنج يرن وطبول جوفاء تعطي أصواتاً عالية.
فالشخص الجسدي يتمسك بالختان الحرفي أما الشخص الروحي فيعرف معناه في نور العهد الجديد. هو رمز لخلع جسم البشرية (كو 2: 11) بالنسبة للذين قبلوا صليب المسيح. الصليب يثبت عدم صلاحيتنا لشيء ويقودنا لنزع ثقتنا من أنفسنا على مثال نزع الغرلة من الجسد. ومعنى الختان كما سبق في (فيلبي 3: 3) هو أن المؤمنين لسان حالهم
"نحن الختان الذين نعبد الله وبروح الله ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد".
إن الرسول كلّم العبرانيين الذين كانوا غيورين للناموس قائلاً لهم في (عب 10: 1) "لأن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة، لا نفس صورة الأشياء ( أي الظل وليس الحقيقة ) لا يقدر أبداً بنفس الذبائح ... أن يكمل الذين يتقدمون (يسجدون ) ".
سبق الكلام في (رومية 7 ) أن المؤمن مات للناموس وصار مقترناً بالذي أقيم من الأموات (المسيح ) أي مات لكل فرائض الناموس. وفي رسالة كولوسي يقول للمؤمنين " إن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم (أي الناموس بفرائضه ) فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض " (ع 20 ) إن الناموس لا يتكلم عن السماء والسماويات إطلاقاً ولكن يكلم الذين هم تحته عن الأرض والأرضيات في شرائعه وطقوسه ومواعيده . وإذ يقول الرسول " فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض " أي أن الفرائض لا تتفق والمسيحية .
والآن نأتي إلى تفصيلات (ع 16 ):
( أ ) أكل أو شرب ( ب ) عيد أو هلال ( ج ) أو سبت
( أ ) أكل أو شرب
أي موضوع الأطعمة، وهو خاص بالأطعمة الطاهرة والنجسة. طبقاً للناموس توجد أطعمة طاهرة وتوجد أطعمة نجسة (لاويين 11، تث 14) فالحيوان الطاهر الذي يؤكل لحمه هو الذي يجمع بين الصفتين: يجتر ويشق الظلف. وهو في ذلك رمز للمؤمن الذي يجتر على كلمة الله ويلهج في كلمة الله باستمرار وتسكن فيه كلمة المسيح بغنى ويقرن درس كلمة الله بالصلاة (الله يسمع صوت المؤمن في الصلاة والمؤمن يسمع صوت الله في الكلمة) وتظهر ثمرة دراسة كلمة الله في سلوكه العملي. وهذا هو المعنى المقصود بشق الظلف أي يسير طبقاً لكلمة الله. ولابد من الشرطين. فإذا وجدنا شخصاً يدقق في السلوك، وفي البر الذي بالناموس بلا لوم إلاّ أنه سلوكه ليس نتيجة غذاء نفسه بكلمة وعمل الروح القدس، فإن تدقيقة في السلوك لا يفيد شيئاً، كما أن الخنزير يشق الظلف لكنه لا يجتر فهو نجس. ومثال لذلك شاول الطرسوسي قبل إيمانه بالمسيح لم يكن سالكاً بالنعمة أي نتيجة عمل نعمة الله بالروح القدس ويقول عن نفسه أنه قبل إيمانه "من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم" (في 3: 6) وهذا يختلف تماماً عن السلوك المسيحي بالنور في المحبة (أفسس 5: 1، 2، 8).
وكذلك الأسماك، ماله زعانف وحرشف فهو السمك الطاهر الذي يؤكل: لا بدمن الصفتين. والمقصود بالزعانف هو للمساعدة في سرعة الهروب من الأعداء والمؤمن شخص يهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة (2 بط 1: 4) وكما قيل عن يوسف أنه "ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارج" (تك 39: 4). وأما الحرشف فهو سلاح الدفاع ويقول الرسول في (أفسس 6) "من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير... حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة" (أف 6: 13 – 19).
وبصفة عامة فإن العهد الأول أي عهد الناموس "كانت له فرائض خدمة" (عبرانيين 9: 1) قائمة بأطعمة وأشربة... وفرائض جسدية فقط موضوعة إلى وقت الإصلاح (أي إلى مجيء المسيح)... (عب 9: 9 – 11) ولا يجوز أن تستمر بعد مجيء المسيح. هذا هو المعنى الروحي المقصود "لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب" "لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً. بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس" (رو 14: 17) ولكن بالأسف فإن السبتيين وهم كما سبق وذكرنا أنهم تحولوا عن المسيحية إلى اليهودية (الفصل الرابع) فإنهم ميزوا بين أطعمة وأطعمة، واعتبروا بعض الأطعمة نجسة مثل لحم الخنزير وكل اللحوم غير الطاهرة بحسب شريعة موسى وزادوا على ذلك بعض المشروبات مثل الشاي والقهوة (كتاب قاعدة الكنيسة صفحة 80). أما كلمة الله في العهد الجديد فتعتبر ذلك تعاليم متنوعة وغريبة كما قال الرسول للعبرانيين محذراً لهم من الارتداد إلى العبادة الناموسية والرجوع للظلال. إذ كتب لهم قائلاً "لا تساقوا (بواسطة المعلمين الذين يريدون تهويد المسيحية بتعاليم متنوعة وغريبة) لأنه حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة لم ينتفع بها الذين تعاطوها" (عب 13: 9). فلا يوجد شيء يثبت قلوب المؤمنين أمام الله إلا معرفة نعمته الظاهرة بالمسيح.
(ب) عيد أو هلال
قال موسى وهرون لفرعون مرة "هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعيدوا لي في البرية" (خروج 5: 1) ومرة أخرى قال موسى لفرعون "هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعبدوني" (خروج 8: 20) ومن هنا نفهم أن الأعياد تعبّر عن العبادة المقترنة بالفرح. وفي سفر اللاويين أي سفر السجود الروحي يعطي لنا سبعة أعياد في إصحاح (23) وهي التي أمر بها الرب شعبه قديماً أن يحفظوها في أرض كنعان. وفي تلك الأعياد نرى صورة كاملة لطرق ومعاملات الله مع الإنسان بداية من موت المسيح على الصليب (وهو الأساس لكل بركة) إلى أن نصل إلى الأبدية السعيدة أو راحة الله. إنها تحدثنا عن مشورات نعمته على مدى الأجيال. في الأعياد نرى مشورات نعمته من نحو الكنيسة بداية من موت المسيح حتى اختطاف الكنيسة للسماء ثم مشورات نعمته من نحو شعبه القديم (إسرائيل) بعد اختطاف الكنيسة حتى آخر العصر الألفي ثم مقاصد نعمته في الراحة الأبدية.
الأعياد السبعة في (لاويين 23) وهي مرتبة في قسمين أربعة ثم ثلاثة، هذه الأعياد وهي ظلال نبوية للأمور العتيدة (كولوسي 2: 17) أو البركات العتيدة تأتي مرتبة كما يلي:
القسم الأول:
1- عيد الفصح ثم
2- عيد الفطير ويرتبطان معاً (لاويين 23: 4 – 8)
3- عيد الباكورة ثم
4- عيد الخمسين ويرتبطان معاً (لاويين 23: 9 – 22).
هذه الأعياد الأربعة تأتي في الشهر الأول والثالث من السنة المقدسة (العبرية) وهي رموز نبوية خاصة بالمسيحية وقد تمت دلالتها بكل دقة. ولم نزل للآن في الفترة التي أعقبت يوم الخمسين إذ يكرز بالإنجيل. انجيل نعمة الله إلى أن يجيء الرب لاختطاف الكنيسة ثم الأعياد الثلاثة الباقية وهي رموز نبوية خاصة بالأمة الإسرائيلية وسيبدأ الرب في التعامل مع بقية من الأمة الإسرائيلية بعد اختطاف الكنيسة ولا بد أن تتم زهي كما يلي:
القسم الثاني:
5- عيد الأبواق في أول الشهر السابع (لاويين 23: 23 – 25).
6- عيد الكفارة في اليوم العاشر من الشهر السابع (لاويين 23: 26 – 32).
7- عيد المظال في الخامس عشر من الشهر السابع (لاويين 23: 33 – 36).
القسم الأول:
(1)، (2) عيد الفصح وعيد الفطير (لا 23: 4 – 8).
وهما مرتبطان معاً ولا يوجد فاصل بينهما لأننا في الفصح نرى الفداء بالدم وفي الفطير نرى قداسة حياة المفديين المترتبة على المركز الجديد الذي أصبحوا فيه ويذكرهما لوقا في انجيله بقوله "وقرب عيد الفطير الذي يقال له الفصح" (ص 22: 1) فالفصح رمز لبركة المؤمنين المسيحيين والتي يقول عنها بولس للكورنثيين "لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا، إذاً لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق" (1 كو 5: 7، 8). وكان على الشعب أن يصنع الفصح في أرض مصر قبل أن يسيروا خطوة وحدة وراء الرب الذي يقودهم في البرية نحو أرض الموعد. والمؤمنون الذين آمنوا بالرب يسوع هم الذين تيقنوا فداءهم ويتبعون الرب في عالم رافض للمسيح لذا أصبح العالم بالنسبة لهم برية. الفصح رمز للمسيح في موته. وقد مات المسيح فعلاً في ذات يوم الفصح كما قال له المجد لتلاميذه "تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يسلم ليصلب" (مت 26: 2) وذلك طبقاً لمشورة الله المحتومة وعلمه السابق. المؤمنون بالمسيح تيقنوا أن المسيح هو فصحهم وبفضل ذبيحته عبرت الدينونة عنهم (الفصح معناه عبور) والذين تيقنوا ذلك تصبح حياتهم عيد فطير أي حياة خالية من الشر والخبث كما أن الفطير ليس به خمير. وعيد الفطير ابتدأ حالاً من العشية التي هي بداية اليوم الخامس عشر. لم يكن هناك فاصل بين الفصح وعيد الفطير الذي هو رمز سلوك المؤمنين. ليس هناك فاصل بين خلاص النفس ودخولها في الحياة المقدسة والسلوك الخالي من خمير الشر. والسبعة الأيام تشير إلى سلوك حياة المؤمنين كلها بعد الإيمان.
(3) أما عيد الباكورة أو حزمة الترديد وهي حزمة أول الحصيد فتردد في غد السبت (لاويين 23: 11) أي يوم الأحد. وهي رمز قيامة المسيح من الأموات يوم الأحد كما جاء في (1 كو 15: 20) "ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين".
(4) وبعد عيد الباكورة بسبعة أسابيع يأتي يوم الخمسين. وعيد الباكورة وعيد الخمسين مرتبطان معاً وإن كان يفصل بينهما سبعة أسابيع. ففي الباكورة نرى قيامة المسيح وفي الخمسين نرى تكوين الكنيسة التي هي جسد المسيح. والمسيح مات في ذات يوم الفصح وقام يوم الأحد الذي يلي الفصح كما أن حزمة الباكورة كانت تردد يوم الأحد بعد الفصح. والكنيسة تكونت يوم نزول الروح القدس في يوم الخمسين بعد ترديد حزمة الباكورة وكان ذلك في غد السبت السابع أي يوم الأحد.
كان نزول الروح القدس متوقفاً على قيامة الرب يسوع وتمجيده كما نقرأ في (يو 7: 39) "لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد لأن يسوع لم يكد قد مجد بعد.
في هذه الأعياد الربعة نرى رموزاً تخص المسيحية وقد تحققت فعلاً. إن عيد الخمسين كان يقع في الشهر الثالث وبعد ذلك لا توجد أعياد من الشهر الثالث حتى نصل إلى الشهر السابع. وفي الشهر السابع تأتي ثلاثة أعياد تنبيء عن بركات خاصة بالبقية الإسرائيلية التي حسب اختيار النعمة (رو 11: 5). لكن قبل أن نتأمل في الأعياد الثلاثة وما تدل عليه نبوياً عن رجوع اسرائيل وتوبتهم في الأيام الأخيرة بعد اختطاف الكنيسة، نرجو أن نتأمل أولاً باختصار شديد في معاملات الله مع شعبه القديم.
- عدد الزيارات: 15670