الكتاب المقدس لا يخلط بين الأيام والسنين
إن ملّر اعتبر ال 2300 محرقة، اعتبرها أياماً ثم حولها إلى سنين، ومن الذي قال أن الأيام تتحول إلى سنسن؟ فإنه لا يوجد شيء مثل ذلك في كلمة الله. أما ما جاء في سفر حزقيال (ص4) فإن الرب كان يعطي دروساً إيضاحية بها يؤثر على قلوب شعبه الذين ابتعدوا عنه وهو مزمع أن يدينهم إن لم يرجعوا ويتوبوا. فصوّر لهم أن الأعداء سوف يحاصرون أورشليم وهم في داخلها يقاسون الجوع الشديد. فقال لحزقيال أن يتكىء على جنبه اليسار ويضع عليه إثم بيت اسرائيل وقال له "أنا قد جعلت لك كل يوم عوضاً عن سنة فثبت وجهك على حصار أورشليم...الخ" ولم تكن هذه نبوة ولا يمكن أن يقال أن اليوم صار سنة.
والكتاب المقدس لا يخلط بين الأيام والسنين، ولا يخلط بين أسابيع الأيام وأسابيع السنين. ففي (تكوين 29) يقول يعقوب للابان "أخدمك سبع سنين براحيل ابنتك الصغرى. ولما خدعه لابان وأعطاه ليئة احتجّ يعقوب فقال له لابان "أكمل أسبوع هذه فنعطيك تلك أيضاً ... ففعل يعقوب هكذا فأكمل أسبوع هذه" (ع 27، 28) أي خدم سبع سنين وواضح هنا أن الأسبوع سبع سنين ولما جاء الناموس أعطى وصيته بحفظ يوم السبت كل أسبوع أيام: ستة أيام تعمل عملك وأما اليوم السابع ففيه تستريح. وكذلك كل أسبوع سنين تكون السنة السابعة سنة سبتية لراحة الأرض. إذ قال لهم: "ست سنين تزرع حقلك وأما السنة السابعة ففيها يكون للأرض سبت عطلة. لا تزرع حقلك ولا تقضب كرمك" (لاويين 25: 3، 4). ففي كل أسبوع أيام هناك يوم راحة للإنسان والحيوان وفي كل أسبوع سنين هناك سنة سبتية راحة للأرض.
وفي سفر دانيال يتكلم عن أسابيع أيام تمييزاً عن أسابيع سنين ففي (دانيال 10: 2) يتكلم عن أسابيع أيام وفي (دانيال 9: 24) يتكلم عن أسابيع سنين بدون خلط بينهما. واضح أن ما جاء في (دا 9: 24) عن سبعين أسبوعاً هي أسابيع سنين قضى بها الله على شعب دانيال (اليهود) بقوله "سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة (أورشليم فلا علاقة لذلك بالكنيسة أو المسيحية)، لتكميل المعصية وتتميم الخطايا (أي وضع حد لإنهاء الخطايا) وعمل كفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي" أي أن الله سيضع حداً لكل تاريخ الفشل والإثم بالنسبة للأمة الإسرائيلية وسوف يؤتى بالبر الأبدي في النهاية (أي المسيح الذي سوف يملك بالبر في الملك الألفي قارن أشعيا 32: 1 – 4، إرميا 23: 5، 6) لأن الجميع من الكبير إلى الصغير سوف يعرفون الرب (إرميا 31: 34) "فأعلم وأفهم...أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع، واثنان وستون أسبوعاً يعود ويبني سوق وخليج (خندق مائي) في ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح ( يقطع من أرض الأحياء) وليس له" (أي يموت ولا يملك ) (دا 9: 24 – 26) أي أن ال 70 أسبوعاً قسمت ثلاثة أقسام 7+62+1=70 أسبوعاً ومجموع القسمين الأولين 69 أسبوعاً أي 483 سنة. بدايتها منذ صدور الأمر لبناء أورشليم. وقد صدر هذا الأمر من أرتحشستا ملك فارس إلى نحميا في السنة العشرين من ملكه أي سنة 455 ق.م. في شهر نيسان (شهر الفصح ويقابل شهر أبريل) لكي يقوم نحميا ويذهب إلى أورشليم لبنائها (نحميا 2: 1، 5) وأما النهاية ال 69 أسبوعاً أي بعد 483 سنة فتأتي بنا إلى سنة (29 ب.م.) حيث يقول "يقطع المسيح وليس له" أي يموت المسيح ولا يملك. موته طبقاً لمشورة الله المحتومة وعلمه السابق (أعمال 2: 23) وكلمة "يقطع" أي يموت لأجل آخرين أي أن موته كفاري لأجل آخرين كما جاء في (إشعياء 53: 8) "أنه قطع من أرض الأحياء. أنه ضرب من أجل ذنب شعبي" والمسيح مات على الصليب سنة (29 ب.م.) في ذات يوم الفصح. هذه حقائق تاريخية. وقد ذكر كل من "كليمنت" (150 – 215) وأوريجانس (185 – 254) أن خراب أورشليم كان بعد حادثة صلب المسيح ب 42 سنة والثابت تاريخياً أن خراب أورشليم كان سنة (70 م).
أما الأسبوع الأخير أي السبع سنين الأخيرة من السبعين أسبوعاً المقضى بها على شعب دانيال (اليهود) وعلى مدينته (أورشليم) فقد تأجل هذا الأسبوع بسبب دخول الكنيسة كتدبير جديد بعد موت المسيح. وبداية الكنيسة هي يوم الخمسين (أعمال 2) ونهايتها يوم اختطافها (1 تس 4، 1 كو 15: 51 – 58). وفترة الكنيسة على الأرض لا يدخل فيها حساب الأزمنة والأوقات الخاصة بالأرض أي الأمة اليهودية أو الشعب الأرضي. لأن الكنيسة طابعها سماوي نظير رأسها السماوي "وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً" (1 كو 15: 48) لكن بعد اختطاف الكنيسة ينتهي تدبير النعمة الحاضر ويعود الله ويتعامل مع شعبه القديم مرة أخرى كما قيل في رسالة رومية (ص 11: 25 – 35) "...أن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل (أي قساوة قلوبهم وعمى بصيرتهم) إلى أن يدخل ملئ الأمم (أي يكمل عدد المؤمنين من الأمم). وهكذا سيخلص جميع اسرائيل (أي البقية التي ستخلص أما الأغلبية اليهودية فسوف ترتد وتهلك بسبب إتباعهم النبي الكذاب)... لأنه كما كنتم أنتم (الأمم) مرة لا تطبعون الله ولكن الآن (في زمن النعمة) رحمتم بعصبان هؤلاء. هكذا هؤلاء أيضاً الآن لم يطبعوا لكي يرحموا هم أيضاً في المستقبل برحمتكم (أي على مبدأ النعمة أيضاً) لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة" (ع 29) (سوف نعود لهذا الموضوع: خلاص اسرائيل عند الكلام عن عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور العتيدة" (كولوسي 2: 16، 17).
نعم سيعود الله بعد اختطاف الكنيسة ويتعامل مع شعبه القديم (اسرائيل) في الأسبوع الأخير – وهذا الأسبوع قسم إلى نصفين – النصف الأول هو مبتدأ الأوجاع والنصف الأخير هو الضيقة العظيمة التي أنبأ عنها إرميا النبي (إر 30: 7) المسماة ضيقة يعقوب (انظر متى 24: 21). في بداية الأسبوع سيصير تحالف الشعب اليهودي بزعامة النبي الكذاب اليهودي (أي الوحش الطالع من الأرض) مع الإمبراطور الغربي (الوحش الطالع من البحر) (انظر رؤ 13). وفي منتصف الأسبوع ينقض العهد كما جاء في نبوة دانيال عينها (ص 9: 24 – 27) "يثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد (الأسبوع الأخير). وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة (لأنه سيصبح هو غرض العبادة)" ونصف الأسبوع هذا نجد تفصيلات كثيرة عنه في سفر الرؤيا فيقال عنه 42 شهراً (رؤ 11: 2، 13: 5) وتارة يقال عنه 1260 يوماً (رؤ 12: 6) وتارة يقال عنه "زماناً وزمانين ونصف زمان" (رؤ 12: 14، دا 7: 25) لأن الزمان هو سنة (تك 18: 10، دا 4: 25، 32) ومن هنا نفهم أن نصف الأسبوع مذكور بالسنين والشهور والأيام ولا يوجد شيء على الإطلاق لكي يقال أن الأيام تحولت إلى سنين.
والعجيب أن ال 1260 يوماً التي هي ثلاث سنين ونصف أي الضيقة العظيمة التي أنبأ عنها دانيال (ص 12:1) وكذلك الرب يسوع "ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون. ولو لم تقصّر تلك الأيام لم يخلص جسد ولكن لأجل المختارين (أي البقية اليهودية الرافضة عبادة الوحش) تقصّر تلك الأيام" (متى 24: 21، 22)، هذه الأيام المقصرة حولوها إلى سنين فجعلوها 1260 سنة ادّعوا أنها زمن تسلط بابا روما من سنة 538م إلى سنة 1798م عندما أخذ نابليون بونابرت بابا روما أسيراً. وهذا التلفيق في السنين واضح لأن أول بابا لروما هو جريجوري الأول الملقب بالكبير كان سنة 590م وليس سنة 538 كما أن بونابرت لم يسقط البابوية ولكنه هو الذي مات في المنفى لكن هذه عيّنة من تفاسيرها العجيبة التي هي تزوير مبنى على تلفيق.
وثمة خطأ آخر جسيم، فقد جعل ملّر بداية ال 2300 سنة كما ادّعى هي سنة 457 ق.م. وهذا التاريخ هو بداية السبعين أسبوعاً أي التاريخ الذي فيه أصدر أرتحشستا ملك فارس الأمر لنحميا ببناء أورشليم (نح 2: 1،5) وكان هذا الملك صديقاً لليهود وليس عدواً لهم ولم يبطل المحرقة الدائمة إطلاقاً. أما الملك الذي فعل ذلك فهو ملك سوريا أنطيوخوس الرابع (أبيفانوس) كما سبقت الإشارة وذلك سنة 168 ق.م. أي أن خطأ ملّر ليس خطأ بسيطاً مركب وفوضى أرقام. والشيطان يعتمد على جهل الناس بالمكتوب (وهو سبب للضلال مت 22: 29) واستعدادهم لقبول أية أكاذيب بدون الرجوع لكلمة الله الصادقة الأمينة. وليت الأمر وقف عند هذا الحد لكننا سوف نرى ما هو أعجب من ذلك.
- عدد الزيارات: 5133