الفصل السادس: النهاية والأبدية المنتظرة
لا نهاية للعالم عند شهود يهوه كما بالمفهوم المسيحي. العالم باقٍ، ما يذهب هو"نظام الأشياء الحاضر"، أي الأنظمة والحكومات. أما تعابير مثل "انقضاء الدهر" و "انقضاء العالم" فقد أوجدوا لها حلول ترجمية.
متى 24 : 3
فندايك: "قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟".
الكاثوليكية: "وما عَلامَةُ مَجيئِكَ ونِهايةِ العالَم؟".
المشتركة: "ما هي علامَةُ مَجيئِكَ واَنقِضاءِ الدَّهرِ؟".
العالم الجديد: "وماذا تكون علامة حضورك واختتام نظام الأشياء؟".
اليونانية:
σημεῖον τῆς σῆς παρουσίας και της συντελειας του αιωνος
sēmeion (علامة)tēs sēs parousias(مجيئك) kai (و) tēs sunteleias (نهاية، انقضاء) tou aiōnos (العالم،الدهر)
ترجمتهم للآية هي ترجمة تفسيرية بامتياز، وكل ما فيها يشهد لعقيدة برج المراقبة. أولاً في كلمة "حضورك"، وثانيا في تعبير "اختتام نظام الأشياء". هذه مصطلحات اشتهروا باستخدامها، وهي لا تعكس المعاني الحقيقية للنص اليوناني. فالكلمة parousia في السياق تعني مجيء حرفي وليس حضور، كما أنّ aiōn تفيد العالم بما فيه وليس فقط نظامه وحكوماته.
أما السبب في خروجهم عن الأصل اليوناني فهو مجدداً العام 1914، الذي فيه توقعوا مجيء المسيح ونهاية العالم استنادا إلى حسابات زعيمهم رصل. لكن لا المسيح أتى ولا العالم انتهى، مما اضطرهم للخروج بفتوى مفادها، أنّ المسيح لا يأتي إلى الأرض، بل قد حضر في السماء واستلم الملك، وعليه فالعالم باق ونظامه فقط سيزول قريبا.
توجد في اليونانية كلمتان للتعبير عن المجيء، الأولى erchomai ويترجمونها "مجيء"، أما الثانية فهي parousia ويترجمونها "حضور"، لكن الترجمة إلى حضور، كما في الآية أعلاه، لا تصح للتالي:
1 – إنّ الكلمة إضافة إلى معناها "حضور" تعني في الأساس "مجيء" جسدي حرفي. يشرحها القاموس بأنها "مشتقّة من اسم الفاعل pareimi وتعني في سياق الكلام عن المجيء الثاني للمسيح للدينونة: حضور قريب، وصول مرتقب، مجيء جسدي*.
2- السياق يشهد انه مجيء حرفي مرتبط بنهاية العالم، وليس مجرد حضور، فحضور المسيح مع الكنيسة حالة دائمة مستمرة منذ صعوده إلى الآن.
3 – القرائن تؤكد انه مجيء، وعشرات الآيات تدل على ذلك. والغريب أنهم ترجموها أيضا مجيء، منها:
العالم الجديد: "يأتي ابن الإنسان في مجد أبيه" (متى 16: 27 ).
العالم الجديد: "ابن الإنسان حين يجيء في مجده" (لوقا 9: 26 ).
ترجمتهم قمة في التشويش، تارة "يأتي" وتارة أخرى "يحضر". تقول كلمة الله "وتنتظروا ابنه من السماء، الذي أقامه من الأموات، يسوع، الذي ينقذنا من الغضب الآتي" (1 تسالونيكي 1 : 10). استنادا على هذا الحق، ننتظر مسيحاً آتياً من السماء وليس مسيحا يحضر في السماء.
4 – أما مصطلح "نظام الأشياء الحاضر" فهو مخترع ولا ينتمي للكتاب بصلة. والكلمة aiōn وردت في الكتاب بمعنى العالم بما فيه، وليس فقط نظامه أو حكوماته، لكنهم نقلوها إلى "نظام" في كل الأماكن، مما يفقد النص معانيه الحقيقية، مثالا على ذلك (عبرانيين 9 : 26 ):
فندايك: "فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَاراً كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ".
العالم الجديد: "منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أظهر نفسه مرة لا غير عند اختتام أنظمة الأشياء ليزيل الخطية بذبيحة نفسه".
العالم هنا يقابلها في الأصل اليوناني kosmos، أما "الدهور" فيقابلها aiōn وتنقلها ترجمات أخرى إلى "أزمنة". ترجمتهم غير متوافقة مع الأصل وقد خلقت تناقضا واضحا في السياق. الهدف منها بالدرجة الأولى، الإشارة إلى تعليمهم حول نهاية الأنظمة البشرية أو "أزمنة الأمم" وإقامة ملكوت المسيا سنة 1914. بهذا الصدد قالوا: "سنة ١٩١٤ أصبح المسيح ملكا ... هذا ما ذكره يسوع المسيح في نبوته حول "اختتام نظام الأشياء"( متى 24 : 3 ، 14 )... إننا نعيش في الأيام الأخيرة... ستأتي"النهاية" لا محالة ... الأشخاص الذين يحظون برضى يهوه الله و "ابن الانسان"، يسوع المسيح، هم الذين لديهم أمل النجاة من نهاية نظام الأشياء". [29]
---------------------------------------------------
*
Strong : “From the present participle of pareimi; a being near, i.e. Advent (often, return; specially, of Christ to punish Jerusalem, or finally the wicked); (by implication) physically, aspect -- coming, presence.
نفهم من قولهم، أنّ "نظام الأشياء" لازال قائماً، لكن الملفت أن ترجمتهم لنص العبرانيين تنهي هذا النظام في مجيء المسيح الأول وبظهوره متجسدا ليبطل الخطية، وهذا تناقض مفضوح. ترجمتهم لا تتفق مع الأصل ولا مع روح الكتاب، الذي ينبئ بمجيء حرفي للمسيح، كما أنّ النهاية فيه تفيد نهاية العالم بعناصره "وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها"( 2 بطرس 3 : 10).
فيلبي 3 : 11
فندايك: "لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ".
الكاثوليكية: "لَعَلي أَبلُغُ القِيامةَ مِن بَينِ الأَموات".
المشتركة: "على رَجاءِ قِيامَتي مِنْ بَينِ الأمواتِ".
العالم الجديد: "لعلي أبلغ بطريقة ما القيامة الأبكر من الأموات".
اليونانية:
την εξαναστασιν την εκ νεκρων
tēn exanastasin (القيامة) tēn (من) ek nekrōn (الأموات)
لا قيامة مبكرة ولا قيامة متأخرة في النص، فمن أين أتوا بالتعبير "القيامة الأبكر"؟! استنادا إلى نبوءة أطلقها زعيمهم رصل ثم عدل فيها خلفه رذرفورد، اعتقدوا أنّ المسيح حضر سنة 1914 إلى السماء وتسلًم الحكم على الملكوت. يحسبون ثلاث سنوات ونصف من 1914، وهي نصف الأزمنة السبعة لسنوات الضيق في سفر الرؤيا، فيصلون إلى 1918، قيامة القديسين. تسمى أيضا "القيامة السماوية"، وهي من نصيب فريق خاص قوامه 144 ألف شخص ويسمونه "القطيع الصغير". ينتمي لهذا القطيع رسل المسيح، وأنبياء يهوه، وقادة جمعية برج المراقبة للمنشورات والكراريس في بروكلين – نيويورك. ولذا استلزم تمييز قيامة هذا القطيع عن القيامة العامة للأموات بـ "القيامة الأبكر"، وإذ لا شاهد كتابي لهذا التعليم الهش، خلقوه في الترجمة.
نتابع مع آية أخرى كنا قد تأملنا فيها قبلا من منظور آخر:
عبرانيين 12 : 22 و 23
فندايك: "بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ".
العالم الجديد: "ولكنكم اقتربتم إلى جبل صهيون ومدينةٍ لله الحي، أورشليم السماوية، وربوات من الملائكة في محفل عام، وإلى جماعة الأبكار المسجّلين في السموات، وإلى الله ديان الجميع، وإلى الحياة الروحية لأبرار مكمّلين".
اليونانية:
και πνευμασιν δικαιων τετελειωμενων
kai (و) pneumasin (أرواح) dikaiōn (أبرار) teteleiōmenōn (مكمّلين)
نادوا، بأنّ الأموات، من مؤمنين وخلافهم، هم في حالة اللاوعي، وأن القيامة لم يختبرها سوى بعض الاتقياء وللمرة الأولى سنة 1918 فيما يعرف عندهم بـ "القيامة الأبكر". لكن النص من رسالة العبرانيين يعترض تعليمهم فيعلن بأن المؤمنين أحياء عند الله وهم "أرواح" حية واعية. مما اضطرهم إلى التعديل في النص، فجعلوا من الأرواح مجرد "حياة روحية".
ولترجمتهم ثلاثة أغراض:
1 – إنكار الخلود.
2 – تدعيم نظرية "القيامة الأبكر".
3 – تثبيت نظرية "فريقين من المؤمنين"، * فالذين "اقتربوا" إلى جبل صهيون هم الفريق الأرضي ويتميزون عن الأبكار.
إعلانات الكتاب المقدس هي سلسلة كاملة متصلة ببعضها البعض والتلاعب في إحدى حلقاتها يخل بالسلسلة كلها. لقد أنكروا خلود النفس البشرية، فاضطروا إلى تعويج أمر العقاب والخلاص والمجيء الثاني، وأُرغموا على قسم المؤمنين إلى فريقين، لكل منهم رجاء مختلف. وبناءا على ذلك ألغوا فريضة العشاء الرباني لأنها لا تحق إلا للفريق السماوي.
رؤيا 7 : 9 – 10
فندايك: "وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ... وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: الْخَلاَصُ لإِلَهِنَا".
الكاثوليكية: "الخَلاصُ لإِلهِنا".
المشتركة: "النَّصرُ لإلهِنا".
العالم الجديد: "نحن مدينون بالخلاص لإلهنا".
اليونانية:
η σωτηρια τω θεω ημων
ē sōtēria (الخلاص) tō (ل) theō ēmōn (إلهنا)
الكلمة "مدينون" أوقعت الكثيرين في حيرة وتساؤل حول الأسباب التي دفعت بالشهود إلى زجها في النص، ولا نصل إلى جواب شافي إلا بالبحث الدقيق. والتفصيل في الآتي:
---------------------------------------------------
* راجع "الرد على شهود يهوه"، الجزء الأول، فصل "نهاية العالم بلا نهاية".
إنّ النص أعلاه يعلن تجمهر المؤمنين بالمسيح أمام عرش الحمل. يقابله نص شبيه في رؤيا 19: 1 يوضح بلا منازع، أن هذا الحدث العظيم سوف يكون في السماء. فيقول: "وبعد هذا سمعت صوتا عظيما من جمع كثير في السماء قائلا: هللويا! الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا".
هذا الإعلان ينفي تعليمهم القائل، أن السماء لا يدخلها إلا جمع صغير يتألف من 144 ألفاً من المؤمنين، وأن "الجمع الكثير"، هو فريق أرضي من المؤمنين لن يرى السماء أبداً. لذلك خرجوا بفتوى تقول، أنّ "الجمع الكثير" في رؤيا 19: 1 هو جمع ملائكة لا علاقة له بالجمع البشري في رؤيا 7. والدليل المزعوم، أن الجمع البشري الأرضي يتميزون عن جمع الملائكة بقولهم "نحن مدينون بالخلاص لإلهنا". أما الملائكة فتنادي فقط "الخلاص لإلهنا" لأنها لا تحتاج للخلاص.
لقد خلقوا اختلافاً بين النداءين، مع أنّ الأصل اليوناني يستخدم الكلمة ذاتها في الموضعين sōtēria. وبالرجوع إلى رؤيا 19 يتضح أنّ كلمة "جمع" ochlos تعني جمعاً بشرياً، وحالها كحال الجمع في أصحاح 7، الذي سيكون في السماء بتأكيد القول من ذات الأصحاح ""هم أمام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلا في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم". ومن المتعارف عليه، أن الخدمة في هيكل الله لا تحق إلا لمن صيَّره يسوع كاهنا لله أبيه. بهذا أيضا يبطل زعمهم، أنّ الجمع الأرضي ليسوا ممن جعلهم المسيح ملوكا وكهنة لله أبيه.
ونادوا أن ممارسة كسر الخبز والاشتراك في مائدة الرب أمر لا يجوز إلا لـ "سكان السماء، صف الـ 144000"، وفقط لمرة واحدة في السنة. قالوا: "من ينبغي أن يتناولوا من هذين الرمزين؟ طبعا، الأشخاص الذين ادخلوا في العهد الجديد". وكيف يعرف الإنسان بحقيقة انتماءه لفريق السماء؟ "روح الله القدوس يقنعهم بأنهم اختيروا ليكونوا ملوكا في السماء". وماذا عن الفريق الأرضي؟ "لا يشاركون في العشاء، بل يكتفون بمشاهدة ما يحدث باحترام". [30]
عملت الكنيسة الأولى بكل أعضاءها بمأمورية الرب ومارست التناول بدون تمييز. وقد حذت الأجيال المسيحية اللاحقة في خطاها. ولـمّا كان هذا الحق لا يروق لجمعية برج المراقبة لأنه يجعل المشتركين في كسر الخبز يفوق العدد 144 ألفاً، تطلب الأمر تحريف الفريضة وطمس الحقائق المتعلقة بها، بالتالي حصرها في بعض الأشخاص القلائل.
أعمال 2: 42
فندايك: "وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ".
الكاثوليكية: "وكَسْرِ الخُبزِ والصلوات".
المشتركة: "وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلاةِ والصلوات".
العالم الجديد: "وتناول الطعام والصلوات".
اليونانية:
και τη κλασει του αρτου
tē klasei (كسر) tou artou (الخبز)
فرغوا عبارة "كسر الخبز" من معانيها الحقيقية وجعلوا منها "تناول الطعام". فالشهود يمارسون التناول، لكن بشكل مشبوه وغريب يختلف عما هو معروف عند شتى الطوائف المسيحية. تقول كلمة الله: "فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" ( 1كورنثوس 11 : 26 ). واستنباعا من هذا القول نؤمن بأنّه يحق لكل من يؤمن بفداء المسيح أن يمارس فريضة كسر الخبز وتناول كأس الرب. وإننا نسأل معشر شهود يهوه بناءاً على الآية السالفة: إن كان المسيح قد أتى ثانية سنة 1914 ينبغي أن تنتهي فريضة التناول، فلماذا يستمرون في الاحتفال بذكرى موته؟
- عدد الزيارات: 3679