الفصل الثالث: الروح القدس، قوة بلا روح أم روح يتّصف بالقوة؟
قالوا عن الروح القدس، بأنه "قوة الله الفعّالة"، قوة أو طاقة كالكهرباء والريح. وجلَّ غايتهم من هذا التعليم إنكار كونه شخص عاقل وبذلك استبعاده كأحد أقانيم الثالوث الأقدس. فنراه غالبا في ترجمتهم العربية بصيغة النكرة "روح قدسٍ"، وفي ترجماتهم إلى لغات أخرى تسبقه أداة تعريف حيادية تستخدم لغير العاقل.
تكوين 1 : 2
فندايك : "وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ".
الكاثوليكية : "ورُوحُ اللهِ يُرِفُّ".
المشتركة: "وروحُ اللهِ يَرِفُّ".
العالم الجديد : "وقوة الله الفعَّالة تروح وتجي على وجه المياه".
العبرية: מְרַחֶ֖פֶת אֱלֹהִ֔ים וְר֣וּחַ
(يرف) Merachefe (الله - إلوهيم)elohim (روح) rûach
اليونانية السبعينية:
πνεῦμα θεοῦ ἐπεφέρετο
pneuma (روح) theo (الله) epefereto (يرف)
لن يرى الباحث في الأصل العبراني للآية ما يدل على عبارة "قوة فعَّالة"، فهذا مصطلح ابتدعته جمعية برج المراقبة اعتراضاً منها على الإيمان المسيحي بشخصية الروح القدس والثالوث الأقدس. الكلمة المستخدمة هنا هي rûach وتفيد حرفيا "روح"، ولا يجوز أن تترجم بغير ذلك في هذا السياق. ولن نجد ضمن المعاني العديدة التي تعطيها القواميس لـ rûach ما يؤيد ترجمة العالم الجديد. لقد شُرحت الكلمة بمعنى: ريح، نفس، نفخة، حياه، غضب، سماء الروح، كيان عاقل كتعبير ووظيفة، عقل، روح"*. ليس
-------------------------------------------------
*
Strong: rûach From H7306; wind; by resemblance breath, that is, a sensible (or even violent) exhalation; figuratively life, anger, unsubstantiality; by extension a region of the sky; by resemblance spirit, but only of a rational being (including its expression and functions): - air, anger, blast, breath, X cool, courage, mind, X quarter, X side, spirit ([-ual]), tempest, X vain, ([whirl-]) wind (-y(
من معنى يعبر عن "قوة فعالة"، لكن معشر شهود يهوه يخالفون كل الترجمات ويضربون بعرض الحائط كل قاعدة لغوية.
حين أقدم سبعون عالماً يهودياً على ترجمة التوراة إلى اليونانية نقلوا العبارة إلىtheo epefereto pneuma ولم يستخدموا الكلمة dunamis التي تعبر عن "قوة" كما فعلوا في ترجمة القول "الله لنا ملجأ وقوة" (مزمور 46: 1). ولـمّا نقل متى كلام يسوع "لا تعرفون الكتب ولا قوة الله" استخدم dunamis ton theos (متى 22: 29)، ولم يستخدم pneuma . ليس من شك، الروح القدس ليس مجرد قوة، وإنما القوة هي صفة من صفاته.
1تيموثاوس 4 : 1
فندايك: "وَلَكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً".
الكاثوليكية: "والرُّوحُ يَقولُ صَريحًا".
المشتركة: "والرُّوحُ صَريحٌ في قَولِهِ".
العالم الجديد: "لكن الوحي يقول صريحا".
اليونانية:
το δε πνευμα ρητως λεγει
to (لكن) de pneuma (الروح) rētōs (صريحا، بصراحة) legei (يقول، يتكلم، يخبر، يعلن)
لقد استبدلوا "روح" pneuma بعبارة "وحي" مع أن "وحي" مشتقة من الفعل اليوناني chrēmatizō، كما في رومية 11: 4 "يقول له الروح" chrēmatismos o autō legei . الدافع خلف هذا التلاعب، إخفاء عمل الروح القدس الذي يعلم الغيب ويوحي بالمستقبل، فعندهم أنّ الآب وحده العليم بكل شيء. وما فعلوه مع الابن فعلوه أيضا مع الروح القدس، إذ أعطوه هو الآخر دوراً جانبيا وجعلوا منه مجرد طاقة يستخدمها الله وابنه. ولـمّا اعترضت عبارة "الروح يقول" معتقدهم توجب استبدالها بـ "يقول الوحي"، لكن شتان ما بين التعبيرين. التعبير الأول يعلن عن شخص عاقل ناطق وعليم بكل شيء، الثاني يعلن عن إيحاء إلهي.
ومن الملاحظ أنهم لم يستبدلوا pneuma في أعمال 8 "فقال الروح"، ولا حتى في أعمال 10 "قال له الروح"، أو أعمال 13 "قال الروح القدس"، ولهم في ذلك أسباب عدة: أ - كما سلف، الأسلوب المتبع لديهم عند وجود أكثر من آية بذات المعنى، تُحرّف واحدة وتُفسّر الأخرى على ضوءها. ب - ليست لهذه النصوص الأهمية التي في تيموثاوس، حيث الحديث في الغيبيات.
عبارة "قال الروح" كانت وستبقى أحدى العوائق التي تعترضهم. وفي محاولة للتخفيف من وقعها قالوا: "بينما تقول بعض آيات الكتاب المقدس أنّ الروح يتكلم تُظهر آيات أخرى أنّ ذلك كان يجري فعلا بواسطة البشر أو الملائكة... وعمل الروح في مثل هذه الحالات يشبه ذاك الذي لموجات الراديو التي تنقل الرسائل من شخص إلى آخر بعيد". [20]
هذا التكلف الشديد في شرح "قال الروح" لا يغير من إعلانات الكتاب التي تدل بشكل صريح، أنّ الروح القدس شخص عاقل ناطق. والقول بأنه كان يتكلم بواسطة البشر والملائكة لا ينفي قطعا تكلمه شخصياً إلينا، وقد ساق لنا الكتاب المقدس من الأدلة ما يؤكد ذلك.
قالوا: "فماذا عن الروح القدس؟ لو كان الروح القدس جزءا من الإله نفسه تماما كالآب، فلمَ لم يقل يسوع أن الروح يعرف ما يعرفه الآب؟" [21]
نقول: لا يصح القول، أنّ الروح القدس جزءاً من الإله، لأنّ الله لا تركيب فيه. القول السليم، أنّ الروح القدس هو أقنوم من أقانيم الله، وهو بذات القدرة التي للآب وابنه، ومع أنّ المسيح لم يعلن شخصيا عن قدرة الروح القدس ومساواته للآب في العلم والمعرفة، إلا انه صرح عن هذا الحق بلسان رسله، فقيل: "الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ ... أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ" (1 كورنثوس2: 10و11). فليس من شك أنّ الروح القدس أقنوم حي وشخص عاقل ينتمي إلى الذات الإلهية ويعرف كيانها وأسرارها، والذي يعرف أعماق الله وأموره يعرف كالله.
يقول الكتاب أنّ "الله روح" ( يوحنا 4 : 24)، "وأما الرب فهو الروح" ( 2 كورنثوس 3 : 17)، التي ترجموها "أنّ يهوه هو الروح". وقالوا: "لا يمكنك رؤية الله لأنه روح غير منظور". [22] وعليه نسألهم، إن كان يهوه هو الروح كما يقرؤون وإن كان الروح مجرد قوة فعالة كما يقرّون، فإنّ التسلسل المنطقي يقود إلى نتيجة واحدة هي، أنّ يهوه مجرد قوة فعالة لا أكثر، فهل يؤمنون حقاً بذلك؟
أكدنا في الجزء الأول من هذا الكتاب، أنّ نفي الشخصية عن الروح القدس يدخلنا في مشاكل لاهوتية لا حل لها، وأنّ الإيمان السليم هو التسليم بكون الروح القدس أحد أقانيم الذات الإلهية. من لا يقبل بهذا الحق سيضطر إلى إتباع طرق ملتوية تدخله أغوار بحور الشطط.
هناك آية أخرى تعلن بوضوح أنّ الروح القدس، المسمى أيضا روح الآب وروح المسيح، هو مصدر الوحي والإعلان:
1 بطرس 1 : 11
فندايك: "بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ".
الكاثوليكية: "الَّتي أَشارَ إِلَيها رُوحُ المسيحِ الَّذي فيهِم".
المشتركة: "الّتي دَلَّ علَيها رُوحُ المَسيحِ فيهِم".
العالم الجديد: "الزمان الذي اشار اليه الروح الذي فيهم عن المسيح".
اليونانية:
πνευμα χριστου
pneuma (روح) christou (المسيح)
وهنا نلحظ الجهد في تحريف معاني الآية التي تدل بوضوح على سلطان الروح القدس، روح الله وروح المسيح العامل في الوحي والنبوّة.
- عدد الزيارات: 4760