Skip to main content

تمهيد

 يؤمن المسيحيون بعصمة الوحي الإلهي في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وبسلطان الكلمة المطلق في كافة المسائل المتعلقة بإيمان وحياة الإنسان. كما ويقرون بصعوبة ومشقة ترجمة كلمة الله من اللغات الأصلية وعدم تمتع أية من الترجمات، مهما بلغت من دقة، بالمستوى الذي للمخطوطة الأصلية، لأنّ لكل ترجمة نواحي ضعف تميزها، ويندر وجود ترجمة كاملة تحظى برضا عالمي أو بإجماع كنسي عام.

ويتطلب عمل الترجمة من المترجم مؤهلات عالية، أقلها أن يكون متمكنا في علوم اللغات والترجمة، وله إطّلاع على البيئة والخلفية الثقافية والأدبية والدينية والتاريخية لكل سفر وكاتبه، ويمتلك بالدرجة الأولى المعرفة والخبرة الروحية، إضافة إلى الضمير الحي والأمانة العلمية. فلا يستنبط من كلام الله ما تمليه عليه عقيدته وإنما يعكس الحق كما أعلنه الله. آخذاً بالاعتبار أنّ كلام الله في الكتاب المقدس جاء بلغات بشرية عدة، ووسم بتراث جغرافي وتاريخي وفكري وأدبي عمره آلاف السنين. فكل سفر فيه هو ابن بيئته، وتفصلنا عنه مئات السنين، مما يجعل ترجمته غاية في الصعوبة.

مع ذلك تدعي منظمة برج المراقبة أنها أخرجت إلى الوجود ترجمة غاية في الدقة والجودة، ترجمة تعكس المعاني الحقيقية لفكر الله وتستحق أن يضع البشر فيها كامل الثقة، وأن كل الترجمات على مر العصور السالفة لا يتجلى فيها الحق الإلهي نقياً كما في ترجمتهم المسمّاة "ترجمة العالم الجديد".

في السنة 1946 اقترح الرئيس الثالث لجمعية برج المراقبة ناثان كنور العمل على إخراج ترجمة جديدة يعتمدها شهود يهوه بدلاً من ترجمة "الملك جيمس" أو "الترجمة الأميركية المشتركة". واستناداً إلى تصريحات برج المراقبة، نشأت الترجمة الإنكليزية للعالم الجديد عن النسخ الأصلية، العبرية واليونانية والآرامية. أما الترجمة العربية وغيرها من ترجمات ظهرت لاحقاً، فقد نقلت عن الطبعة الإنكليزية. فقالوا:"تعتمد هذه الترجمة العربية الجديدة للكتاب المقدس على الطبعة الإنكليزية للكتاب المقدس – ترجمة العالم الجديد". [1]

ومع ظهور ترجمة "العالم الجديد" شجبت جمعية برج المراقبة مجمل الترجمات التي اعتمدت عليها لعشرات السنين بحجة أنها:
- ترجمات طائفية تخدم أفكار بعض الفرق المسيحية.
- ترجمات متأثرة بفلسفة هذا العالم.
- ترجمات لا تنسجم مع الحقائق الإلهية.
- ترجمات تعّوج القواعد "لتأييد غاية الثالوثيين". [2]

اتهامات كبيرة تُكال لمترجمي الكتاب المقدس، بالتآمر على تشويه الحق الإلهي وعدم إظهاره للناس نقياً صافياً. وإذ استحال علينا إبطال تلك التهم بتقديم الأدلة العلمية على صحة الترجمات الكثيرة ومقارنة كل منها مع الأصل، نفعل أمرين اثنين:
1 – نعرض بعض الترجمات العربية لمختلف الطوائف المسيحية لمقارنة نصوصها. وهي، كما سنتحقق لاحقاً، ترجمات متوافقة، رغم أنّ العلماء القائمين عليها توزعوا في انتمائهم الطائفي واختلفوا في اتجاههم الفكري والعقائدي. هذا التوافق يدل على أمانة علمية عالية تمتع بها هؤلاء، وهو حجة دامغة ضد من اعتقد بغايات دفينة في قلوب المترجمين.

2 – نضع ترجمة "العالم الجديد" على مائدة التشريح ونعرّض نصوصها لضوء المقارنة مع الأصل اليوناني ومع الترجمات العربية الأخرى، ثم نترك الفصل فيها للسياق والقرينة.

يجمع العلماء، أنّ التقييم الصحيح لترجمة ما لابد أن يأخذ بالاعتبار مؤهلات المترجم العلمية وخبراته في اللغات الأصلية والمخطوطات القديمة. لكن جمعية برج المراقبة ترفض الكشف عن هوية المترجمين *، فتقول: "عملنا على عدم كشف هويتهم بناءاً على رغبتهم وحرصهم بأن يعطوا المجد ليهوه وحده... لذلك يتعسّر علينا إثبات قدراتهم العلمية، وعليه يجب أنّ الترجمة تقيـًّم نظراً لمزاياها وخصائصها". [3] "إنّ مترجمي هذا العمل، الذين يحبون الله مؤلف الأسفار المقدسة، يحسّون بمسؤولية خصوصية تجاهه تحتـٍّم عليهم أن ينقلوا أفكاره وإعلاناته أدق نقل ممكن. كما أنهم يحسّون بالمسؤولية تجاه القراء الدقيقين". [4]

ادعاء مثير للجدل وزعم بالدقة يستدعي منا الدقة في البحث. وفي بحثنا نوظف كامل الجهد على ترجمتهم لأسفار العهد الجديد اليونانية، ونصب اهتمامنا على النصوص التي استنبطوا منها عقائدهم الأساسية. ملاحظين في عملنا العلامات الأساسية التي تميز كل ترجمة تجنبت الصواب وانحرفت عن مسار الفكر الإلهي. من هذه العلامات:

1 – غض النظر عن كلمات و عبارات وردت في النص الأصلي وتجنب ترجمتها.
2 - إضافة كلمات و عبارات لا وجود لها في النص الأصلي لإظهار إتجاهات فكرية ترسخت في ذهن المترجم.
3 - تحوير الكلمة الأصلية وإعطاءها معانٍ آخرى ليست لها.
4 - الكلمة التي تشير إلى أكثر من معنى يتم اختيار ما يتناسب مع فكر المترجم.
5 – عند مواجهة نصوص عسرة الفهم والتفسير يتم اختيار مالا يتعارض مع هيكلية التعليم الذي للمترجم.

لقد أرادوا أن تُقيَّم الترجمة بالنظر إلى فحواها وميزاتها، ونحن قبلنا بعرضهم؛ سنفحص ونحكم في النهاية، إما بسلامتها أو بفسادها وعدم نفعها.
-----------------------------------------------
* تدرك جمعية برج المراقبة، أنّ إخفاء شخصية المترجمين وقدراتهم يضعف من موقفها ويشكك الخبراء في ترجمتها، مع ذلك امتنعت عن تقديم هذا الدليل الهام آخذة في الاعتبار احتمال إثارة الشبهات. لكن بعد صدور ترجمتهم بسنوات كشف الانفصالي رايموند فرانس في كتابه "صراع الضمير" عن العاملين في لجنة الترجمة، وأعلن أسماء كلٍ من الرئيس ناثان كنور، ونائبه فريدريك فرانس، ورئيس مجلس الإدارة البرت شرودر، وجورج غانغاس، وميلتون هِنشل، لكن لا أحد من هؤلاء امتلك المؤهلات العلمية للقيام بمثل هذا العمل الضخم.

  • عدد الزيارات: 3266