يهوه - يسوع الخالق
في بكور تاريخ كنيسة الله المعترفة ثارت اعتراضات ومباحثات وتساؤلات كثيرة حول شخص المسيح. وفي بداية القرن الرابع الميلادي قام الإمبراطور قسطنطين بعقد مجمع في مدينة نيقية بولاية بيثينية سنة 325م، وتمثلت قوة الدفاع عن الإيمان في شخص أثناسيوس العظيم والذي أصبح فيما بعد أسقفاً لمدينة الإسكندرية. وقد استخدمه الله في تحويل تيار المجمع لصالح الدفاع بصلابة وبدون مساومة وبصورة مطلقة عن لاهوت المسيح إزاء خصمه آريوس الذي كان قساً بالإسكندرية. وقد أصر آريوس على إنكاره للاهوت الرب يسوع وأصبحت كلمة الآريوسية مرادفة للتجديف وللتقليل من قيمة المسيح ووضعه في مرتبة المخلوقات واعتباره "أعظم المخلوقات جميعاً ولكن ليس مساوياً للآب" (2).
وعلى مر العصور وُجد آباء أفاضل ومشهورين في الكنيسة بالإضافة إلى القديس أثناسيوس الذين حافظوا وتمسكوا بلاهوت المسيح وعلّموا به، منهم إيريناوس ويوحنا فم الذهب وأغسطينوس (3).
وعلى مر تاريخ الكنيسة ظهرت بعض البدع والأحزاب والطوائف الذين اتبعوا تعليم آريوس مخالفين الاتجاه الأرثوذكسي ونقصد "بالأرثوذكس"
معنى "الاعتقاد الصحيح". واليوم نجد أنه على رأس الطوائف أو المنظمات التي تعتبر في أشد العداء للاهوت المسيح وتسير على المنهاج الآريوسي تلك التي تسمي نفسها "شهود يهوه" وهذه المنظمة امتداد للحركة التي بدأت منذ حوالي 90 سنة أُسست بواسطة س. ت.رسل C.T Russel والذي أتى بعده رذر فورد J.T.Rutherord ويتـزعم منظمة شهود يهوه حالياً N.H.Knorr.
والدستور الذي تسير عليه جماعة "شهود يهوه" يركز على فقرتين إختارتهما- الفقرة الأولى من العهد القديم والأخرى من العهد الجديد. وهي دائماً ترجع إليهما في مناقشاتها وتبشيرها ودعايتها.
وتأتي أول فقرة في سفر اشعياء (43: 10- 12) بالعهد القديم والثانية في إنجيل يوحنا (1: 1- 13) بالعهد الجديد. وقبل أن نناقش هاتين الفقرتين أريد أن أوجه الانتباه إلى نقطة مفيدة ومساعدة وهي التي استخدمت في الترجمة المعروفةKing James وعندما تُرجم الكتاب المقدس من اللغة العبرية كانت الكلمة العبرانية يهوه Jehovah تُترجم إلى كلمة Lord سواء بالحروف الكبيرة أو بالحروف الصغيرة. ولذلك كلما قرأنا لفظة "الرب" نعرف أنها في العبرية "يهوه" والتي تعني"الكائن بنفسه" أو "الواجب الوجود" أو "ذاتي الوجود". أما كلمة "ألوهيم" في اللغة العبرية فتترجم دائماً أنها "الله" وتعني "السلطة أو القوة العليا" بالارتباط بالخليقة. ومن المهم أن نراعي هذا التمييز في المعنى، ولنقرأ ما جاء في اشعياء (43: 10- 12).
"أنتم شهودي يقول الرب (يهوه) وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا إني أنا هو. قبلي لم يُصور إله وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب (يهوه) وليس غيري مخلص أنا أخبرت وخلّصت وأعلمت وليس بينكم غريب وأنتم شهودي يقول الرب (يهوه) وأنا الله".
وعلى نفس النمط نجد قرينة أخرى ترد في اشعياء (44: 6).
"هكذا يقول الرب (يهوه) ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود (يهوه) أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري".
وتتلوها آية 8 "لا ترتعبوا ولا ترتاعوا. أما أعلمتك منذ القديم وأخبرتك فأنتم شهودي هل يوجد إله غيري ولا صخرة. لا أعلم بها".
وعند قراءة هذه الأجزاء من سفر اشعياء النبي لا نجد تقسيماً إلى إصحاحات في النسخة الأصلية، ويركز النبي اشعياء هنا على توجيه بني إسرائيل إلى حماقة العبادة الوثنية. فإذا ما أكملنا القراءة إلى إصحاح 45 وعددي11و 12 لوجدنا ما يأتي:
"هكذا يقول الرب (يهوه) قدوس إسرائيل وجابله. اسألوني عن الآتيات. من جهة بني إسرائيل ومن جهة عمل يدي أوصوني. أنا صنعت الأرض وخلقت الإنسان عليها. يداي أنا نشرتا السموات وكل جندها أنا أمرت". وإذا أضفنا ما جاء بسفر اشعياء (37: 16) إلى ما سبق "يا رب الجنود (يهوه) إسرائيل الجالس فوق الكروبيم أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض أنت صنعت السموات والأرض".
واضح جداً لغوياً أن ذاك الذي قال عن نفسه الرب (يهوه) والذي لا يوجد إله غيره أنه هو ذاك الذي صنع الأرض وخلق الإنسان عليها. إنه هو "الذي نشر السموات وكل جندها".
ولنرجع الآن إلى العهد الجديد لكي يزداد الوضوح عن من هو الرب (يهوه) الذي "صنع الأرض وخلق الإنسان عليها.. ونشر السموات".
في إنجيل يوحنا والإصحاح الأول والأعداد من 1- 3 نجد أنفسنا أمام النقطة المركزية الثانية لدى شهود يهوه والتي يحاولون بها إنزال شخص المسيح من مرتبة الله إلى مرتبة مخلوق عادي. فنقرأ الآتي:
"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان".
ونضع الأجزاء الواردة في سفر اشعياء مع تلك الواردة في إنجيل يوحنا في شكل متوازي أمام القارئ."هكذا يقول الرب (يهوه)... أنا صنعت الأرض، وخلقت الإنسان عليها.. يداي أنا نشرتا السموات وكل جندها أنا أمرت" (اشعياء45: 11و 12).
"كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا1: 3)
لا شك أن أي قارئ غير متحيز سوف يضطر- بعد قراءة هذه الشواهد- للتوصل إلى الحق الواضح أن "يسوع هو يهوه".
لهذا نرى أن الفقرتين اللتين تقتبسهما جماعة "شهود يهوه" من النص الكتابي، تقتبسهما بغرض مدمر وهو الهجوم الآريوسي على شخص المسيح. هذا هو خالق الأرض والإنسان الذي عليها. أليس هو عمل "اللوغوس" أو "الكلمة" مسيح الله ومن لا يرى ذلك بكل وضوح أليس هو العمى تحت تأثير الأفكار الآريوسية للتهرب من الرؤية والاعتراف الحقيقي به، وللتأكيد على حقيقة يسوع الخالق ولنلاحظ النصوص الآتية إذ نقارن بين (ارميا10: 10- 16) مع كولوسي (1: 12- 17).
"أما الرب (يهوه) الإله فحق (أو الإله الحقيقي)، هو إله حي وملك أبدي (تُقرأ في الحاشية ملك الأبدية)... صانع الأرض بقوته، مؤسس المسكونة بحكمته، وبفهمه بسط السموات... رب (يهوه) الجنود اسمه. |
"شاكرين الآب... الذي... نقلنا إلى ملكوت ابن محبته (أو ابنه العزيز) الذي هو صورة الله... فإنه فيه خُلِق الكل (أو كل شيء) ما في السموات وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى... الكل (أو كل شيء) به وله قد خُلق: الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل (4) |
ويتكلم بطرس عن هؤلاء فقال: "يُحرّفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب لهلاك أنفسهم" (2بط 3: 16).
وأفضل مثال نستشهد به عن تحريف شهود يهوه لهذه الكتب في ترجمتهم المنحرفة لما جاء في يوحنا1: 1 إذ ترجموها كالآتي "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة إلهاً".
وإدخال أداة التنكير قبل كلمة "الله" في الجزء الثالث من الجملة، إنما هو غير جائز وبلا مبرر، لأنه لا يتفق مع محتوى الجملة، كما أن أفضل الدارسين في كافة العصور المسيحية سواء الكاثوليكية أو البروتستانتية مع اختلافهم في أشياء كثيرة ولكن ولا واحدة من تلك الترجمات المشهورة التي ظهرت خلال المائة سنة الأخيرة تجاسرت على مثل هذه الوقاحة لتترجمها "إلهاً" بدلاً من "الله".
وبذلك أبطلوا المعنى أن المسيح هو الله وأنزلوه إلى مستوى "إله" وصار اعتراف شهود يهوه به أنه "إله" خلق كل شيء. ولكن سنرى في دراستنا أن هذه النظرة مضادة تماماً لكثير من النصوص الكتابية بالنسبة لشخص ربنا المعبود.
يا قارئي، إن كلمة الله ساطعة في وضوحها بأن:
- عدد الزيارات: 7320