شهود يهوه أم شهود زور؟ - لاهوت المسيح
لاهوت المسيح
هذه الجماعة مصابة بعقدة نفسية مُحكمة بسبب عقيدة التثليث الكتابية، ولذلك لم تجد منفذاً لها إلاّ الإنكار- إنكار لاهوت المسيح والقول بأنّه إله صغير مخلوق. ولم يَدْرُوا أنّهم بهذا الإنكار وقعوا في فخ الوثنية. فالقول بأنّ المسيح إله صغير معناه أن هناك إلهاً آخر كبيراً، وبالتالي أنّ هناك إلهين في الكون على الأقل، مِمّا يجعل شهود يهوه وثنيين يؤمنون بتعدُّد الآلهة. فمن جهة يعتبرون تحيّة العلم وثنية، ومن جهة أخرى يؤمنون بإلَهين في آنٍ واحد. فتأمّل التناقض!
بالإضافة إلى هذا، يقول أصحاب هذه البدعة أن المسيح هو "ابن الله" وليس الله. وقد نسوا أن للمسيح لقباً آخر هو "ابن الإنسان". فإن كان ابن الإنسان هو إنساناً فالنتيجة هي أن ابن الله هو الله. حتى خصوم المسيح فهموا هذه الحقيقة وبرهنوا أنهم أذكى من شهود يهوه. ففي إنجيل يوحنا5: 18 يقول الرسول إنّهم كانوا يطلبون أن يقتلوه "لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً إنّ الله أبوه معادلاً نفسه بالله". فإنّ اللفظة "ابن" تشير إلى الطبيعة والجوهر. فكما أنّ ابن الإنسان هو من طبيعة الإنسان وجوهره، هكذا ابن الله هو من نفس طبيعة الله وجوهره. ابن الإنسان هو إنسان وابن الله هو الله.
لننظر الآن في مزيد من البراهين على لاهوت المسيح. ولكي لا أطيل الشرح سأقتصر على مُقتطفات من إنجيل يوحنا بهذا الخصوص. كلُّنا نعلم أنّ شهود يهوه يعتمدون كثيراً على إنجيل يوحنا، ظناً منهم أنّ أقوال الرسول تدعم آراءهم في حين أن العكس هو الصحيح. كل ما في الأمر هو أنّهم يتلاعبون بترجمة الآيات وتفسيرها لتوافق آراءهم وأذواقهم الركيكة.
كتب يوحنا الإنجيلَ المعروف باسْمه لغرضٍ معيّن، ألا وهو دَحْض الآراء والضلالات التي أنكرت لاهوت المسيح وناسوته في تلك الأيام. وقد بيّن غرضه هذا في الإصحاح 20: 30و 31 إذ قال: "وآيات أُخَر كثيرة صنعها يسوع قدام تلاميذه لم تُكتب في هذا الكتاب. وأما هذه (الآيات) فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع (الإنسان) هو المسيح ابن الله (الله) ولكي تكون لكم، إذا آمنتم، حياة باسمه". ولهذا افتتح إنجيله بهذه الكلمات: "في البدء (لما خلق السموات والأرض بحسب تكوين 1: 1) كان الكلمة". لم يقل "صار الكلمة"، بل "كان الكلمة" أي كان موجوداً من قبل. فهو ليس جزءاً من الخليقة ولا بدأ مع الخليقة بل هو الخالق: "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (1: 3). "كان في العالم وكُوّن العالم به ولم يعرفه العالم" (1: 10). أضِف إلى هذا أن المسيح هو الكلمة (كلمة الله)، وإن كان المسيح هو كلمة الله فمعنى ذلك أن المسيح أزلي لأن الله لم يكن في أي وقت من الأوقات بلا كلمة. فقول شهود يهوه بأنّ المسيح مخلوق وله بداية معناه أنّ الله، قبل خلقه المسيح، كان بلا كلمة، أي أنّه كان أخرس لا يتكلّم. وشهود يهوه الذين يعبدون إلهاً أخرس هم أنفسهم سيخرسون. أما نحن فنعبد إلهاً أزلياً ناطقاً كان (وما يزال) يتكلم. إلهنا الإله الحقيقي، يختلف كلياً عن إلههم.
يتابع يوحنا قائلاً: "والكلمة كان عند الله"، أي مواجهاً له، وذلك إشارةً إلى أقنوميّته المستقلة وشركته الدائمة مع الآب ومساواته له في الطبيعة والجوهر. ولهذا يَخْلص يوحنا إلى النتيجة الحتمية وهي: "وكان الكلمة الله"، مِمّا يعني أن يسوع الجديد هو نفسه يهوه العهد القديم. أمّا قول المُضِلّين بأنّ ترجمة هذه الآية مغلوطة فهو دليل جهلهم للغة اليونانية الأصلية ونيّاتهم السيّئة ضدّ شخص المسيح المُبارَك إلى أبد الآبدين.
في الإصحاح الثاني يروي لنا الرسول يوحنا قصّة العرس الذي دُعي إليه يسوع في قانا الجليل، ويقول إنّ المسيح أجرى آية في تلك المناسبة، إذ حوّل الماء خمراً. وقد انفرد يوحنا برواية ما جرى، لا لسبب إلاّ ليؤكّد لنا أن يسوع الذي حوّل الماء خمراً، هو نفسه يهوه الذي حوّل الماء دماً في أرض مصر. وليس صدفةً أن يكون تحويل الماء خمراً هو الآية الأولى كما أن تحويل الماء دماً كان الضربة الأولى. وليس صدفةً أيضاً أن يكون غرض الآيتين واحداً: ففي سفر الخروج 7: 17، نقرأ أقوال الرب لفرعون على لسان موسى: "هكذا يقول الرب (يهوه) بهذا تعرف أني أنا الرب". ثم أضاف: "ها أنا أضرب بالعصا التي في يدي على الماء الذي في النهر فيتحوّل دماً". وهنا في عرس قانا الجليل نقرأ قول يوحنا في 2: 11: "هذه بداءة الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده (مجد اللاهوت) فآمن به تلاميذه". وهكذا عرفوا أنّه هو يهوه الرب.
أنتقل الآن إلى الإصحاح السادس حيث تقع عيوننا على قصة إشباع المسيح لبضعة آلاف من البشر من خمس خبزات وسمكتين. لماذا أتى يوحنا على ذكر هذه الحادثة؟ أليس لكي يقول لنا إن الذي أشبع الآلاف هنا هو نفسه الذي أشبع الآلاف المؤلّفة من العبرانيين لمّا أعطاهم المنّ والسلوى في بريّة سيناء؟
وحين نأتي إلى الإصحاح الثامن نجد برهاناً ساطعاً آخر على لاهوت المسيح. ففي فاتحة الفصل يخبرنا يوحنا قصة المرأة التي أمسكت بخطيتها وجيء بها إلى يسوع. ولمّا أقاموها في الوسط، قال الكتبة والفريسيون: "موسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم. فماذا تقول أنت؟" فماذا كان ردّ المسيح عليهم؟ يقول العدد السادس: "أما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض". والغرض من هذا القول هو تذكيرنا بأنّ الذي كتب بإصبعه على الأرض هو نفسه الذي كتب بإصبعه الوصايا العشر في العهد القديم وأعطاها لموسى. ففي سفر الخروج 31: 18و 32: 16 نقع على الآيتين التاليتين: "ثم أعطى (الله) موسى عند فراغه من الكلام معه في جبل سيناء لوحي الشهادة، لوحَي حجر مكتوبَين بإصبع الله. واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين". ولمّا نزل موسى من الجبل ورأى أن الشعب كان فسد وعبد العجل الذهبي، حميَ غضبه "وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل" (خروج32: 19). فصار لازماً أن يكتب الربُّ الناموس مرة أخرى. ولهذا نقرأ في خروج34: 1: "ثم قال الرب لموسى انحت لك لوحين من حجر مثل الأوّليْن فأكتبَ أنا على اللوحَيْن الكلمات التي كانت على اللوحَيْن الأوّليْن اللذَيْن كسرتهما". وهنا في الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا نقرأ أن المسيح لم يكتب مرة واحدة على الأرض بل مرّتين. فبعدما كتب في المرة الأولى انتصب وقال للمشتكين على المرأة الخاطئة: "من كان منكم بلا خطية فليرمِها أولاً بحجر" وبعد ذلك مباشرة نقرأ قول يوحنا: "ثم انحنى أيضاً (أي مرة ثانية) إلى أسفل وكان يكتب على الأرض". فهل هذه صدفة أم أن يسوع هو نفسه يهوه الذي يجهله شهود يهوه؟
والآن إلى الإصحاح التاسع من إنجيل يوحنا وإلى قصة الرجل الأعمى منذ ولادته. يقول الرسول يوحنا إنّه لما أراد المسيح أن يعيد إليه بصره "تفل على الأرض وصنع من التفل طيناً وطلى بالطين عيني الأعمى" وهنا لا بد من السؤال: لماذا لجأ المسيح إلى هذه الوسيلة لشفاء هذا المسكين؟ الجواب هو أنّ البشير أراد أن يقول لقرّائه (ونحن منهم) إنّ الذي جبل طيناً في هذه المناسبة وخلق للأعمى بصراً جديداً هو نفسه الرب الذي جبل آدم تراباً من الأرض. هنا خلق عَيْنين جديدتين، وهناك خلق الإنسان كله. فهلاّ يفهم شهود يهوه؟
والإصحاح العاشر لا يقل أهميّة عمّا سبقه. ففي العدد الحادي عشر يقول يسوع: "أنا هو الراعي الصالح". وفي سفر المزامير يقول داود في المزمور23: "الرب (يهوه) راعيّ فلا يعوزني شيء.." وبالمقارنة يفهم كل ذي عين بصيرة أن الراعي الصالح في كلا العهدين هو يسوع المسيح بالذات، سواءً اقتنع المضلّلون أو لم يقتنعوا.
قلت قبلاً إنني لن أطيل الشرح، ولهذا سأكتفي بثلاث نقاط أخرى من بشارة يوحنا. الأولى من الإصحاح الثاني عشر، والثانية من الإصحاح العشرين، والثالثة من مقاطع متفرّقة. ففي إنجيل يوحنا12: 37- 41، نقرأ قول البشير: "ومع أنه (أي يسوع) كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به. لِيَتم قول إشعياء النبي الذي قاله "يا رب من صدّق خبرنا؟... لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا. لأن إشعياء قال أيضاً: قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا..." ثم أضاف الرسول (وهنا أرجو الانتباه جيداً): "قال إشعياء هذا حين رأى مجده (أي مجد المسيح) وتكلم عنه". ومتى رأى إشعياء مجد المسيح؟رآه عندما ظهر له يهوه الرب في الإصحاح السادس من نبوته. وهذا يعني أنّ يوحنا كان يؤمن أن يهوه هو نفسه يسوع المسيح.
أمّ الإصحاح العشرون من إنجيل يوحنا ففيه خبَرُ ظهور المسيح لتلاميذه بعد قيامته من الأموات في الجسد. (بالمناسبة، يُنكر شهود يهوه قيامة المسيح في الجسد، لأنهم لم يتركوا شيئاً لم ينكروه.)فلمّا ظهر الرب لتلاميذه "قال لهم: سلام لكم. ولما قال لهم هذا، أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ إذْ رأوا الرب. فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا". ثم تابع يوحنا قائلاً: "ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس". والسؤال الآن هو: لماذا نفخ يسوع في التلاميذ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس؟ الجواب نجده في سفر التكوين2: 7 حيث تقول كلمة الله: "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حيةً". فالله الذي نفخ في آدم وأعطاه حياة جسدية هو نفسه الذي نفخ في التلاميذ وأعطاهم حياة أبدية بواسطة الروح القدس.
وهنا نأتي إلى البرهان الأخير على لاهوت المسيح. وعندما أقول "البرهان الأخير" لا أقصد أنّنا قد استنفذنا كل ما في الكتاب المقدس بهذا الصدد. وبالعكس، ما زلت في أوّل الطريق. ولكني قصَرْت كلامي على مقتطفات من أقوال يوحنا بغية الإيجاز.
والبرهان الأخير، كما قلت، هو اللقب الذي استعمله المسيح نفسه مراراً وتكراراً في هذا الإنجيل. واللقب هو "أنا هو...". ولعلك تقول يا عزيزي: "وهل هذا لقب؟" الجواب هو "نعم"، وما عليك إلاّ أن تتابع القراءة حتى تفهم السبب.
في سفر الخروج3: 10- 14 نجد الحوار التالي الذي دار بين الله وموسى: "هلّم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي... من مصر". فقال موسى لله (في العدد الثالث عشر): "ها أنا آتي على بني إسرائيل وأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي: ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟" فأجابه الله: "أهْيَهْ الذي أهْيَهْ... هكذا تقول لبني إسرائيل أهْيَهْ أرسلني إليكم". واللفظة "اهيه" تعني "الكائن". فالله هو "الكائن" الحيّ على الدوام. وقد استعمل يوحنا هذا اللقب ليهوه والمسيح في سفر الرؤيا1: 4و 8 فدعا كلاً منهما "الكائن والذي كان والذي يأتي". لاحظ أنه قال "الذي يأتي" وليس "الذي يكون". لماذا؟ لأن الذي يأتي ثانيةً هو يسوع المسيح بالذات. ولذلك لا غرابة إن قال المسيح عن نفسه في إنجيل يوحنا "أنا هو" أو "أنا كائن" ما لا يقل عن ثماني عشرة مرة. وإليك بعضاً منها:
ففي يوحنا 8: 58 قال: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن".
وفي6: 35و 48و 51 قال: "أنا هو خبز الحياة".
وفي8: 12، 9: 5قال: "أنا هو نور العالم".
وفي10: 9 قال: "أنا هو الباب".
وفي10: 11و 14 قال: "أنا هو الراعي الصالح".
وفي11: 25 قال: "أنا هو القيامة والحياة".
وفي14: 6 قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة".
وفي15: 1 قال: "أنا هو الكرمة الحقيقية".
وفي4: 26 قال للمرأة السامرية: "أنا الذي أكلّمك هو".
وفي8: 24 قال لسامعيه: "إن لم تؤمنوا أنّي أنا هو تموتون في خطاياكم".
وفي6: 20 قال لتلاميذه الخائفين من العاصفة في البحر: "أنا هو، لا تخافوا".
وفي18: 5و 6 سأل يسوع الآتين عليه ليمسكوه: "من تطلبون؟" أجابوه: "يسوع الناصري". قال لهم يسوع: "أنا هو... فلّما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض".
أكتفي بهذا المقدار من الكلام عن لاهوت المسيح، وعسى أن نشترك مع توما قائلين ليسوع: "ربي وإلهي".
- عدد الزيارات: 23452