المحبّة لا تصدّق كلَّ شيء
1يوحنا4: 1 "أيها الأحباء لا تصدّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم".
متى24: 23و 24 "إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدّقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلّوا لو أمكن المختارين أيضاً".
2تسالونيكي2: 11و 12 "لأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدّقوا الكذب، لكي يدان جميع الذين لم يصدّقوا الحق بل سرّوا بالإثم".
1كورنثوس13: 4و 6و 7 "المحبة... تفرح بالحق. وتتحمّل كل شيء وتصدّق كل شيء..".
أمثال14: 15 "الغبي يصدّق كلَّ كلمة".
أوّلَ وهلة، تبدو الآيتان الأخيرتان أعلاه متناقضتين. ولكن التناقض هو مجرَّد تناقض ظاهري ليس إلاّ. فعندما يقول الرسول بولس: "المحبة... تصدّق كل شيء"، فهو لا يقصد أنّها تصدّق كل شيء مطلقاً وبلا تحديد، بل بالحريّ أنّ المحبة تصدّق كل ما هو صادق وصالح وطاهر وحق، ولهذا ذكر قبل ذلك مباشرةً: "المحبة... تفرح بالحق". ولماذا تفرح بالحق؟ لأنّها تحبُّ الحق وتصدّق الحق. عدا ذلك فالمحبة لا تصدّق كل شيء. فمن يصدّق كل شيء مطلقاً هو ساذج و "غبيّ" كما يقول سليمان الحكيم في الآية الأخيرة من لائحة الآيات المذكورة سابقاً. من يصدّق كل شيء بدون تحديد يجهل الطبيعة البشرية. ومن يصدّق كل شيء دون تمييز يشجّع الآخرين على الكذب.
فالمحبة إذاً لا تصدّق إلاّ الحقّ والحقيقة. وما دامت لا تصدّق إلاّ الحق والحقيقة فمن اللازم أن تحذَرَ الباطل وتُحذّر منه. وهذا يعني:
أولاً، أنّ المحبة لا تصدّق كل التعاليم والمعتقدات.
يقول الرسول يوحنا في الآية الأولى المذكورة في بداية هذا الفصل: "أيها الأحباء لا تصدّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم". ولماذا يستعمل اللفظة "روح" في المفرد والجمع؟ هذا لأنّ وراء كل تعليم، وكل معلم، روحاً ما. وهذا الروح هو إمّا روح الحق وإمّا روح الضلال، كما يقول يوحنا في 1يوحنا4: 6. روح الحق هو روح الله، وروح الضلال هو روح إبليس الذي يقتاد الأنبياء الكذبة والمعلمين الكذبة. وما أكثرهم في أيامنا!
أمّا كيف نميّز بين روح الحق وروح الضلال، فذلك واضح من كلام الرسول يوحنا في الفصلين الرابع والخامس من رسالته الأولى. ففي 1يوحنا4: 2و 3 يقول رسول المسيح: "بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح". قال الرسول هذا في عصر انتشرت فيه الفلسفة المُنكرِة لناسوت المسيح. وبعد ذلك قدّم لنا في 1يوحنا4: 15 المحكّ الثاني لروح الحق وروح الضلال، فقال: "من اعترف أن يسوع المسيح هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو في الله". فالمحكُّ الأوّل هو الاعتراف بناسوت المسيح، والثاني هو الاعتراف بلاهوت المسيح. وأمام هذين المحكّين تسقط بدَعٌ وضلالات وهرطقات كثيرة في الشرق والغرب ومن بينها بدعة شهود يهوه (شهود الزور) وخدعة المورمون (كنيسة آخر زمان) وجماعة مون التي تسمّي نفسها "الكنيسة التوحيدية"، وجمعية العلم المسيحي، وسوى ذلك من أضاليل الشيطان قديماً وحديثاً.
بعد الحديث عن ناسوت المسيح ولاهوته يتحدّث يوحنا عن علامة أخرى من علامات روح الله فيقول في 1يوحنا5: 1: "كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد وُلد من الله". فالشهادة بدون ولادة لا تكفي، لأنه "إن كان أحد لا يُولد من فوق (من الله) لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا3: 3). والولادة الروحية هذه تتمّ بالتوبة القلبية عن الخطية والإيمان بالمسيح (الكلمة الذي صار جسداً) وبعمله الكفاري على الصليب. والولادة الروحية هي بعمل الروح القدس لا بعمل إنسان لأن "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" (يوحنا3: 6).
يقول الرسول بولس في الفصل الأول من رسالته إلى غلاطية: "يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشّرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشّرناكم فليكن أناثيما". ثم يضيف: "إن كان أحد يبشّركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما" (غلاطية1: 8و 9). واللفظة "أناثيما" تعني "مرفوضاً" أو "ملعوناً" وقد كرّرها مرتين للدلالة على تشدّده في ضرورة الحذر من كل تعليم غريب وكل روح مضاد لروح الحق. ولا يكفي أن نرفضه بل يجب أن نبغضه كما كان الرب يسوع يبغض "بدعة النقولاويين" الوارد ذكرها في الفصل الثاني من سفر الرؤيا إذ قال الرب لملاك (راعي) كنيسة أفسس: "إنك تبغض أعمال النقولاويين التي أبغضها أنا أيضاً" (رؤيا2: 6). وعندما يتحدث الكتاب المقدس عن بغض الضلالات فهو لا يقصد بغض الضالّين أنفسهم، بل بالحريّ بغض التعاليم الضالّة ورفض السموم التي ينشرونها. من جهة أخرى، يعلّم الكتاب المقدس بضرورة الصلاة من أجل الضالّين وإرجاعهم إلى جادّة الصواب. يقول يعقوب بهذا الصدد في رسالته 5: 19و 20: "إن ضلّ أحد بينكم عن الحق فردّه أحد، فليعلم أن من ردّ خاطئاً عن ضلال طريقه يخلّص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا".
ثانياً، أنّ المحبة لا تصدّق كل الشائعات.
عندما تحدّث الرب يسوع عن خراب أورشليم والضيقة العظيمة في الفصل الرابع والعشرين من بشارة متى قال لتلاميذه: "إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدّقوا". وفي الفصل الحادي والعشرين من بشارة لوقا قال لهم: "انظروا ولا تضلّوا. فإنّ كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إني أنا هو، وأنّ الزمان قد قرب فلا تذهبوا وراءهم" (لوقا21: 8). وبكلام آخر، وضّح المسيح لتلاميذه أنه ستكثر الشائعات والتكهّنات والادّعاءات كما هي الحال في أيامنا الحاضرة. فقد نشرت إحدى الصحف المشهورة في الغرب مقالاً كبيراً أكّدت فيه أنّ ظهور المسيح قريب جداً لا يتجاوز الأشهر القليلة. ولكن مرت الشهور ولم يتم الظهور، وبَانَ كل شيء على حقيقته. هذا لأن "ذلك اليوم وتلك الساعة (كما قال المسيح) لا يعلم بهما أحد إلاّ أبي وحده" (متى24: 36).
ادّعى أحدهم أنه المسيح وجمع حوله عدداً كبيراً من المخدوعين، ولكن بعد مدة يسيرة بأن بطلان ادّعائه إذ أقدم على الانتحار هو وألْف من أتباعه. وزعم آخر أنه ابن الله، فذهب إليه أحد خدام الرب وقال له: "أرني يديك". ففعل. وعندئذٍ قال له خادم الرب: "أنت مزيّف ودجّال، فإنّ آثار المسامير ليست في يديك".
وفي المدة الأخيرة أثيرت ضجة حول طبيب فرنسي اسمه نوسترادامُس (Nostradamus) عاش في القرن السادس عشر. وقد أُطلِق عليه اسم "الرجل الذي رأى المستقبل". ولكن أقوال نوسترادامُس لم تكن صنعه بل كانت مأخوذة من الكتاب المقدس. فهو من أصل يهودي ولكنه اهتدى إلى الإيمان المسيحي وإلى محبة الله متأثراً من أمّه المسيحية. وقد استقى معلوماته من التوراة والإنجيل، ولذلك لا غرابة إن صحّت أقواله. والمهم في الأمر أنّ هذا الطبيب لم يدّعِ النبوة في يوم من الأيام ولا زعم أنه المسيح بل تحدّث عمّا قاله الأنبياء والرسل في العهدين القديم والجديد.
ثالثاً، أنّ المحبة لا تصدّق كل الناس.
فهناك كَذَبة كثيرون في هذا العالم، حتّى أن كثيرين يؤمنون بفلسفة الكذب على كل صعيد. ولكن كلمة الله لا تشجّعنا على تصديق الكذب لأن الكذب هو من إبليس. قال المسيح في الفصل الثامن من إنجيل يوحنا عن إبليس إنّه "كذّاب وأبو الكذّاب" (يوحنا8: 44). وقد نصح موسى الشعب قديماً في الفصل الثالث والعشرين من سفر الخروج قائلاً: "لا تقبل خبراً كاذباً ولا تضع يدك مع المنافق". وفي العهد الجديد يخبرنا الطبيب لوقا في الفصل الخامس من سفر أعمال الرسل عن رجل وامرأته حاولا التظاهر بالصدق والإخلاص أمام الرسول بطرس ولكن روح الله فضح أمرهما وإذا ببطرس يقول للرجل: "يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟" ثم قال للمرأة: "ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب؟" من هنا نرى أن رسل المسيح أنفسهم لم يصدّقوا كل الناس ولا صدّقوا كل روح رغم أنّهم كانوا مملوئين بمحبة الله.
فاقتدِ إذاً بِرُسل المسيح أيها القارئ الكريم "وعلى فهمك لا تعتمد" (أمثال3: 5). فالشيطان ماهر في خداع الناس. وفي الأيام الأخيرة سيعمل كل ما في وسعه "ليضل الساكنين على الأرض" (رؤيا13: 14)- فحذارِ!
رابعاً، أنّ المحبة لا تصدّق كل الآيات والعجائب.
فالعجائب لها مصدران: الله والشيطان، ومن الواجب التأكّد من المصدر قبل اتّخاذ أيّ موقف. تقول كلمة الله إنّ العجائب الشيطانية تكثر جداً في الأيام الأخيرة. ففي رسالة تسالونيكي الثانية يتحدّث الرسول بولس في الفصل الثاني عن ظهور "إنسان الخطية ابن الهلاك" أي ضد المسيح، ويقول إن مجيئه سيكون "بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة. وبكل خديعة الإثم في الهالكين لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدّقوا الكذب، لكي يدان جميع الذين لم يصدّقوا الحق بل سُرُّوا بالإثم" (2تسالونيكي2: 9- 12).
نعم، يستطيع الشيطان أن يخدع الناس بالعجائب والآيات لأنهم لم يصدّقوا كلمة الله التي هي حق. قال موسى لشعب الله قديماً في الفصل الثالث عشر من سفر التثنية: "إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلماً وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلّمك عنها... فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم". لماذا؟ "لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم" (تثنية13: 1- 3)- أي لكي يعلم هل تصدّقونه (هو) أكثر من الأمور المنظورة، أم بالعكس؟
فهل أنت تصدّق الله غير المنظور أم تصدّق الآيات المنظورة؟ هل تصدّق كلام الله أم كلام الناس؟
خامساً، أنّ المحبة لا تصدّق كلّ مدّعٍ بالإيمان.
قال الرب يسوع: "ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السموات"(متى7: 21). فالمدّعون والمتظاهِرون بالإيمان يملأون الأرض، ولكن الله لا تخدعه الأقوال لأنّه يعرف قلوب البشر. وقد أعطانا المسيح تعليمات كافية من جهة هؤلاء فقال في الفصل السابع من بشارة متى أنهم "يأتونكم بثياب الحملان وهم من داخل ذئاب خاطفة". ثم قال عبارته المشهورة والمشكورة: "من ثمارهم تعرفونهم". فالحياة والتصرُّفات هي خير حَكَم على هؤلاء. هل صدّق الرسول بطرس سيمون الساحر الذي تظاهر بالإيمان؟ لا، بل وبّخه قائلاً: "إن قلبك ليس مستقيماً أمام الله". ثم أضاف: "فتُبْ من شرّك هذا واطلب إلى الله عسى أن يُغفَر لك فكر قلبك" (أعمال8: 21و 22). فلو كان سيمون مؤمناً حقيقياً لسلك في طاعة الرب، ولكنه كالكثيرين في كلّ عصر وجيل مِمّن يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر. قال يوحنا في الفصل الثاني من رسالته الأولى: "من قال قد عرفته، وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه. من قال إنّه ثابت فيه ينبغي أنّه سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضاً" (1يوحنا2: 4و 6).
عزيزي القارئ:
قال الرب يسوع: "من له أذنان للسمع فليسمع". وقال أيضاً: "احترزوا من الأنبياء الكذبة". وما عليك إلاّ أن تفتح أذنيك وعينيك وقلبك لئلا تساق بالتعاليم الغريبة وتتأثر بالضلالات والشائعات والأمور المنظورة فتصير كَريشةٍ في مهب الريح.
أنصحك، أولاً، أن تدرس الكتاب المقدس جيداً وتتعمّق في معرفته لأن كلمة الله ثابتة إلى الأبد. قال المسيح: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" ثانياً، أنصحك أن تقابل كل ما تسمعه وتقرأه في المجلات والكتب بما تقوله كلمة الله. فالكتاب المقدس يكشف كل شيء على حقيقته لأنّه المحكُّ الوحيد لمعرفة الحق والباطل. ثالثاً، أنصحك أن تصلي وتطلب إرشاد الروح القدس لكي تفهم الحق، وإلاّ تورّطت في ما أنت بغنى عنه. رابعاً وأخيراً، سلّم قلبك وحياتك للرب يسوع لكي تخلص وتنال الحياة الأبدية. حذارِ أن تعيش على الهامش وتهمل خلاص نفسك التي مات المسيح لأجلها. واذكر أن الخلاص هو عطيّة الله المجانية لكل من يؤمن بالمسيح وحده ويضع ثقته في عمله الكامل على الصليب وقيامته من بين الأموات (أفسس2: 8و 9).
- عدد الزيارات: 8676