Skip to main content

احترزوا من الأنبياء الكذبة

متى 7: 15- 19 : "احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً. هكذا، كل شجرة جيّدة تصنع أثماراً جيدة. وأما الشجرة الرديّة فتصنع أثماراً ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمراً جيّداً تقطع وتلقى في النار. فإذاً من ثمارهم تعرفونهم.

"ليس كل من يقول لي: يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذٍ أُصرّح لهم: إنّي لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم.

"فكل من يسمع أقوالي ويعمل بها أُشبّهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح ووقعت على ذلك البيت، فلم يسقط. لأنه كان مؤسساً على الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يُشبّه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح وصدمت ذلك البيت، فسقط. وكان سقوطه عظيماً.

"فلمّا أكمل يسوع هذه الأقوال بُهِتت الجموع من تعليمه. لأنّه كان يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة".

في الموعظة على الجبل (إنجيل متى5- 7) حذّر المسيح سامعيه من عدة أخطاء وأخطار، أبرزها: الرياء والأنبياء الكذبة.

في ما يتعلق بخطية الرياء صرّح بأنّ للرياء دوراً كبيراً في حياة الكثيرين من الناس على صعيد الصدقة والصلاة والصوم. ولهذا قال محذّراً في متى6: 1و 2: "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم. وإلاّ فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السمّوات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قُدّامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمجّدوا من الناس..."

وفي متى6: 5 تابع الربُّ تحذيره قائلاً: "ومتى صلَّيت فلا تكن كالمرائين. فإنّهم يُحبُّون أن يُصلُّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس..."

وفي متى6: 16 قال الرب: "ومتى صمْتُم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين..."

هذا من جهة الرياء. وأما من جهة الأنبياء الكذبة، فقد كرّس الرب القسم الأخير من موعظته لهذا الموضوع الخطير لكي يبقى راسخاً في الأذهان والقلوب. وقبل الخوض في الموضوع أَلفِتُ الانتباه هنا إلى أنه لما قال يسوع "احترزوا من الأنبياء الكذبة" (متى7: 15) فهو لم يقصد أن كل الأنبياء كذبة. وهذا واضح من كلامه إلى تلاميذه في فاتحة العظة في متى5: 11و 12 حيث قال السيّد: "طوبى لكم إذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات". ثم ختم قائلاً: "فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم". أي الأنبياء العهد القديم الذين أرسلهم الله لا الناس. وقد أشار المسيح أيضاً إلى أنبياء الله الحقيقيين في رثائه لمدينة أورشليم حين قال بحزن: "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء..." (متى23: 37).

أجل، هناك أنبياء صادقون وآخرون مزيّفون. ومن هؤلاء المزيّفين حذّرنا المسيح قائلاً: "احترزوا من الأنبياء الكذبة". وبعد ذلك حدّثنا عنهم من أربع نواحٍ: أولاً، مظهرهم؛ ثانياً، وجوههم؛ ثالثاً، ثمرهم؛ رابعاً، مصيرهم.

أولاً، مظهرهم. قال المسيح: "يأتونكم بثياب الحملان" (متى7: 15)، أي بشكل غير شكلهم الحقيقي. فالحملان هم خراف المسيح، والأنبياء الكذبة ليسوا من خراف المسيح. ولذلك يحاولون أن يظهروا بمظهر غير مظهرهم الحقيقي. والسبب في ذلك هو أن أباهم إبليس يحب التقليد، وهم لا يختلفون عنه من هذه الناحية.

يقول الرسول بولس في هذا الموضوع، في 2كورنثوس 11: 13- 15: "لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فَعَلة ماكرون، مغيّرون شكلهم (مظهرهم) إلى شبه رسل المسيح". ثم يتابع- وأرجو الانتباه- "ولا عجب، لأن الشيطان نفسه يغيِّر شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيماً إن كان خدامه أيضاً يغيّرون شكلهم كخدام للبِّر، الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم".

فقول المسيح "يأتونكم" معناه أن هؤلاء المضلّين يأتون إليكم- إلى بيوتكم ومكاتبكم ومتاجركم ويقرعون أبوابكم أو يستوقفونكم في الشوارع والساحات والمطارات والأماكن العامة لكي يعرضوا عليكم سمومهم المقولة والمنقولة. هذا لا يعني أن كل من كلّمنا في أمر ديني صار منهم، بل يعني أن هؤلاء منتشرون في كل مكان تحت أسماء كثيرة مثل "شهود يهوه" (شهود الزور)، أو كنيسة المورمون (كنيسة آخر زمان) أو "الكنيسة التوحيدية" وسوى ذلك من أتباع الضلالات والبدع والهرطقات والتعاليم الغريبة والعجيبة في الأيام الأخيرة.

أما قول المسيح "بثياب الحملان"، فمعناه أن المعلمين الكذبة يستعملون اللطف والنعومة في أقوالهم وأعمالهم، ويتظاهرون بالوداعة والتواضع ليخدعوا قلوب البُسطاء والسُّلماء. فمن جهةٍ تراهم يحملون الكتاب المقدس ويستعملون كلماته وعباراته، ومن جهة أخرى يخلطون الحق بالباطل كما فعل الشيطان قديماً عندما خدع حواء في جنة عدن. صحيح أنّهم يُصلُّون ويقولون: "يا رب يا رب"، ولكن الرب يسوع صرّح قائلاً في متى7: 21: "ليس كل من يقول لي "يا رب يا رب" يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات". فالرب لا يُخدع بالأقوال. ولا يُخدع أيضاً بالأعمال. فبالرغم من كل النشاط الذي يبذله أصحاب البدع، وبالرغم من كل الأموال التي ينفقونها في سبيل نشر الضلال، فإنهم سيُفاجأون في النهاية- في يوم الدين. قال يسوع: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا؟ (لاحظ الفعل "تنبّأنا" ) وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة" (متى7: 22)؟ يقولون هذا بكثير من الطمأنينة ظنّاً منهم أن الرب سيوافق عليهم وعلى أعمالهم. ولكن طمأنينتهم الزائفة لن تجديهم نفعاً، لأن الرب يصرّح لهم قائلاً: "إني لم أعرفكم قط". وهناك ستكون المفاجأة والخيبة الكبرى.

بعد الحديث عن مظهرهم نأتي، ثانياً، إلى جوهرهم- إلى حقيقتهم. قال المسيح: "ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة". بكلمة أخرى، تحتَ جلدِ الضأنِ قلبُ الأذْؤُبِ (أي الذئاب). فإن قولهم عسل، وفعلهم أسَل (أي رمح). هؤلاء المتسربلون بثوب المبشّرين يتحولون إلى مكشّرين بين لحظة وأخرى. فلا نظنُّ أنّ كل من يلبس صوفاً صار خروفاً؛ فالثياب لا تغيّر الذئاب. أما الذئاب فتغيّر الثياب وتخلعها بسهولة بعكس الخروف الحقيقي الذي لا يخلع صوفه إطلاقاً.

يذكّرني وصف المسيح للأنبياء هنا بالوصف المعطى للوحش الثاني في سفر الرؤيا 13: 11. يقول يوحنا هناك: "ثم رأيت وحشاً آخر طالعاً من الأرض وكان له قرنان شبه خروف وكان يتكلم كتنّين". لنلاحظ أن مظهره يشبه الخروف، أمّا جوهره فهو وحش هائل. وهذا الوصف المشترك بين الوحش والأنبياء الكذبة هو دليل انتمائهم إلى مرجع واحد هو الشيطان.

وصف الرب هؤلاء الذئاب بأنّهم "ذئاب خاطفة" لأنهم ماهرون في خطف النفوس وخطف الفلوس. فبالنسبة إلى خطف النفوس، يقول الرسول بولس في أعمال الرسل20: 29و 30: "بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم". ويؤيّد هذا الكلام بطرسُ الرسول في رسالته الثانية2: 1و 2 فيقول: "... سيكون فيكم أيضاً معلّمون كذبة، الذين يدسّون بدع هلاك... وسيتبع كثيرون تهلكاتهم...".

أما عن خطف الفلوس فيقول بطرس في الإصحاح نفسه: "وهم في الطمع يتّجرون بكم بأقوال مصنّعة... آخذين أجرة الإثم.. لهم قلب متدرّب في الطمع" (2بطرس2: 3و 13و 14). ويقول الرسول يهوذا بالمعنى نفسه في العدد 11 من رسالته: "ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين، وانصبّوا إلى ضلالة بلعام لأجل أجرة..." وبلعام هذا كان واحد من الأنبياء الكذبة في العهد القديم. ويقول الرسول بولس في رسالته رومية16: 18: "لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيّب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء".

لذلك لا غرابة إن دعاهم المسيح "فاعلي الإثم" وشبّههم بالشوك والحسك والأشجار البرية.

بعد مظهرهم وجوهرهم، تحدّث الرب، ثالثاً، عن ثمرهم، وقال في متى7: 16- 20: "من ثمارهم تعرفونهم". ثم سأل: "هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك (أي العوسج) تيناً؟" فالشوك لا يثمر إلاّ شوكاً، والحسك لا ينتج إلاّ حسكاً. وكلاهما لا يؤكل. وفوق ذلك فإن الشوك والحسك يُؤلمان ويُدميان كل من يمسّهما، بالإضافة إلى كونهما من عمل الشيطان ومن نتائج الخطية. ففي العهد القديم قال الله لمّا لعن الأرض على أثر سقوط الإنسان: "شوكاً وحسكاً تنبت لك" (تكوين3: 18). وفي العهد الجديد قال الرسول بولس لمّا لطمه الشيطان في جسده: "أُعطيت شوكة في الجسد" (2كورنثوس12: 7).

بعد هذا شبّه الرب الأنبياء الكذبة بالشجرة البريّة التي وإن أثمرت فإن ثمرها لا نفع منه يُرتجى، فقال: "كل شجرة جيّدة تصنع أثماراً جيدة؛ أما الشجرة الرديّة فتصنع أثماراً ردية". فإذا شئت أن تعرف المعلّمين الكذبة فاسألهم قبل أن تستقبلهم في بيتك، عن عقيدتهم في الثالوث الأقدس (الآب والابن والروح القدس) وعن موقفهم من الكتاب المقدس والصليب والقيامة ولاهوت المسيح. فإن قالوا لك إنّ هناك مراجع أخرى أو كتباً أخرى موحى بها (غير الكتاب المقدس) فاعلم أنهم معلّمون كذبة. وإن أنكروا الصليب أو لاهوت المسيح فاعلم أنهم خدّاعون دجّالون. قال المسيح: "لا تقدر شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيّدة".

يضاف إلى هذا كله السمعة الملوّثة عند مؤسسي الضلالات وحياتهم الأخلاقية، ومعاملاتهم التجارية، وعلاقاتهم الاجتماعية، ونهايتهم الزريّة (أي الذميمة). فإن كان النور الذي فيهم ظلاماً، فالظلام كم يكون؟

نأتي أخيراً إلى ما تقوله كلمة الله عن مصيرهم. قال المسيح في متى7: 19: "كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار". (إذاً مصيرهم البُوار والنار).

وفي متى 7: 22و 23 قال الرب: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم (يوم الدين) يا رب، يا رب أليس باسمك تنبأنا... فحينئذ أُصرّح لهم: إنّي لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم". (وهكذا يتبيّن أن مصيرهم هو أيضاً الإنكار والعار).

وفي متى 7: 27 ختم يسوع عظته قائلاً: "فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط، وكان سقوطه عظيماً" (فمصيرهم إذاً هو الدمار). ليس المهم منظر البيت عندما يكون الطقس جميلاً والظروف مؤاتية، بل عندما تأتي ساعة الامتحان. وعند الامتحان يُكرم المرء أو يهان. ليس المهم ما يقوله الأنبياء الكذبة هنا بل المهم ما يقوله الله هناك في يوم الدين. فالكلمة الأخيرة هي لله لا للإنسان.

السؤال الآن هو: ما هو الموقف الذي يجب أن نقفه منهم؟ وجواب الكتاب المقدس هو: أولاً، لا تصدِّقونهم؛ وثانياً، لا تُصادقوهم.

لا تصدّقوهم، لأنهم ذؤبان في ثياب حملان، كما قال الرب.

ولا تصادقوهم، لأن من يسلّم عليهم يشترك في أعمالهم الشريرة، على حد قول يوحنا الرسول (2يوحنا11). ويقول الرسول بولس بالمعنى نفسه: "فاعرض عن هؤلاء" (2تيموثاوس3: 15).

وهنا يقول الرب: "احترزوا من الأنبياء الكذبة". وخير وسيلة للاحتراز هي العمل بنصيحة المسيح. أولاً، أن نبني حياتنا على صخر كلمة الله. ثانياً: أن نعمل إرادة الآب الذي في السموات. قال يسوع: "كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبّهه برجل بنى بيته على الصخر". وقال أيضاً: "ليس كل من يقول لي يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات".

  • عدد الزيارات: 57675