ينكر شهود يهوه الثالوث الأقدس
يشتهر شهود يهوه باقتباس آيات الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله الحيّة، ولكن استعمالهم لهذا الكتاب المبارك هو بصورة جزئية ومشوّهة، وجميع تفاسيرهم التعليمية هي من اجتهادهم الخاص لتلائم عقائدهم البائدة الباطلة...
إن شهود يهوه، أعداء لدودون لعقيدة الثالوث، وقد ركّزوا عليها حملات عنيفة، فيها الكثير من الكلام الجارح للمسيحيين... ومما تجدر ملاحظته هو: أن السواد الأعظم من المسيحيين يسودهم الجهل في موضوع عقيدة الثالوث وألوهية المسيح وألوهية الروح القدس.... فهذه العقائد الثلاث هي أهم العقائد في كنيسة المسيح منذ تأسيسها على الإطلاق.
يدّعي شهود يهوه أن إبليس هو منبع هذا التعليم، ومصدره خرافات تعود إلى البابليين والمصريين القدماء، وقد أدخلت في الديانة المسيحية. يقولون: لا وجود لكلمة ثالوث في كل الكتاب المقدس، من أول سفر التكوين إلى آخر سفر الرؤيا، وإن كلمة ثالوث لم تتسرب إلى الكتابات والمؤلفات الدينية إلا في أواخر القرن الثاني ميلادي، وفي مجمع نيقية بالذات، المنعقد سنة (325)، جعل الثالوث العقيدة المركزية للديانة المسيحية، التي اعتُرف بها يومئذ ديانة رسمية للحكومة، وأيد عقيدة الثالوث، الإمبراطور الوثني قسطنطين، الذي كان رئيساً لذلك المجمع، وعلاوة على الاعتبارات السياسية التي حدت بالإمبراطور إلى مناصرة عقيدة الثالوث، فإنه استسهل أمر تأييدها لأنها جزء من فلسفة أفلاطون الوثنية المنتشرة في ذلك الحين... الخ...
إن أول شخص صاغ هذه العبارة (ثالوث) هو: (ترتليانس) الذي عاش في القرن الثاني ميلادي. ثم أن هناك مصدر آخر يقول أن أول من استعمل كلمة ثالوث ومشتقاتها هو: (تاوفيلوس الأنطاكي) سنة (181) ميلادية، بمعنى آخر، أن هذين الشخصين كانا معاصرين للكنيسة التي أتت مباشرة بعد الكنيسة الرسولية الأولى التي تعاليمها تعتبر ركيزة إيماننا المسيحي. والسؤال هنا: أين كان الله عز وجل، كي يسمح أن تضل كنيسته التي اقتناها بدمه وهي في المهد...؟ ولماذا لم يتدخل لكبح جماح المضلين...؟
لنسمع رأي الكتاب المقدس في هذا الأمر، حين ألقي القبض على بعض الرسل بتهمة أنهم يروّجون بدعة جديدة بين اليهود: (فقام في المجمع رجل فرّيسي اسمه غمالائيل معلم للناموس مكرّم عند جميع الشعب وأمر أن يخرج الرسل قليلاً ثم قال لهم: أيها الرجال الإسرائيليون احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس في ما أنتم مزمعون أن تفعلوا لأنه قبل هذه الأيام قام ثوداس قائلاً عن نفسه أنه شيء الذي التصق به عدد من الرجال نحو أربعمئة الذي قتل وجميع الذين انقادوا إليه تبدّدوا وصاروا لا شيء بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب وأزاغ وراءه شعباً غفيراً فذاك أيضاً هلك وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا والآن أقول لكم تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم لأنه إن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف يُنتقض وإن كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه لئلا توجدوا محاربين لله...) (أعمال 5: 34- 39).
ونسأل أيضاً: هل المسيحيون الذين اتخذوا قانون مجمع نيقية دستوراً لهم، جميع المسيحيين من أرثوذكس وكاثوليك وإنجيليين، هل هؤلاء كانوا على ضلال طوال (17 قرناً) وما زالوا، وشهود يهوه الذين ظهروا على مسرح التاريخ المسيحي منذ حوالي الـ (120 سنة) هم على حق....؟
إن عدم وجود كلمة ثالوث في الكتاب المقدس، أمر لا يطعن في صحته أبداً. ولكن بالرغم من ذلك، هناك آيات ومقاطع عديدة تشهد لصحة هذه العقيدة ولوجود الثالوث وإن بصورة مبطّنة شبه مستورة... ومن هذا المنطلق نسأل شهود يهوه، لماذا إذن بعد اعتناقهم البدعة يعتمدون (باسم الآب والابن والروح القدس)...؟ إنه لمن الواضح تماماً لأي شخص، ولو كانت ثقافته بسيطة، أن يلاحظ بأن (واو العطف) في هذه الآية، تعطف الكلمة اللاحقة على سابقتها دون أي تمييز أو تفريق، واضعة بذلك الأسماء الثلاثة في مرتبة واحدة يستحيل تفريقها...
(عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) يدل هذا القول على حقيقة التوحيد، كما يدل على تثليث الأقانيم، لأنه قال: (باسم) أي بصيغة المفرد لا الجمع، مع أنه ذكر الأقانيم الثلاثة كلاً على حدة، ومن هذه العبارة نفهم أنه لا يمكن أن يكون الابن والروح القدس مخلوقين، بدليل أنهما مقرونان باسم الآب كشيء واحد، بخلاف عدم ملاءمة الاسم نفسه لما يكون مخلوقاً، فإن كلمة (ابن الله) و (الروح القدس) لا يصح أن يسمى بهما الشيء المخلوق... هذه حقيقة ظاهرة لمن يتأمل...
عند التدقيق جيداً، نرى الثالوث متجلٍ بكل عظمة في الكتاب المقدس: (فلمَّا اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه وصوت من السموات قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت...) (متى 3: 16- 17) الأقنوم الثالث (أي الروح القدس) نزل على الأقنوم الثاني (أي الابن)، في حين صرّح الأقنوم الأول (أي الآب) قائلاً: (هذا هو ابني الحبيب...).
(هذا هو الذي أتى بماء ودم يسوع المسيح لا بالماء فقط بل بالماء والدم والروح هو الذي يشهد لأن الروح هو الحق فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد...) (1يوحنا 5: 6- 8).
إن شهود يهوه يعترضون على المقطع الموضوع تحته خط، بحجة أنه لم يرد في الأصل اليوناني... فيقولون: إنها الآية أي (1يوحنا 5: 6- 8) المحببة إلى الثالوثيين، والمستخدمة منهم أكثر من غيرها من الآيات لدعم عقيدتهم، وذلك لأنها الآية الوحيدة التي تورد (الآب والكلمة والروح القدس) ثم تقول: و (هؤلاء الثلاثة هم واحد)، لكن هذه الآية قد ثبت أنها مضافة ومدسوسة إلى الأصل كما يشهد بذلك جميع علماء الكتاب المقدس المحدثين...
إن اعتراضهم هذا غير مقبول البتة، لأن الآية الأخيرة من المقطع تكون مبهمة في حال غياب الآية المعترض عليها، فـ (واو) العطف في بداية الآية الأخيرة، يجب أن يكون لها سابق، وإلا كانت بلا معنى، فمن هنا أدخلت الآية من قبل المجامع الكنسية للتوضيح والتسهيل في فهم كنه هذا المقطع الجوهري والحسّاس.
إن مجمع (كارتاج) الذي انعقد سنة (397) ميلادية، أقر قانونية كل الأسفار المتداولة آنذاك في كنيسة المسيح، وما زالت حتى يومنا هذا، هي نفسها المتداولة بين أيدينا... والسؤال هنا: إن كان الكتاب المقدس بترجمته المتداولة اليوم في جميع الكنائس، غير أمين للنص الأصلي، فلماذا يعتمده الشهود ويقتبسون من آياته...؟ وما موقف الذين يسمعونهم، إذ أنهم يبشرونهم من كتاب مليء بالدسائس والتناقضات...؟
لا يخفى أن حقيقة الثالوث ترى أيضاً من أول وهلة في الكتاب المقدس، وفي أول فصل فيه بقوله: (نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا...) (تكوين 1: 26)، وإن قال شهود يهوه، إن هذا القول هو من قبيل التعظيم، يدحض ادّعاؤهم بقوله تعالى: (هوذا الإنسان قد صار كواحد منا، عارفاً الخير والشر...) (تكوين 3: 22)، ففي ذلك كما لا يخفي أكبر دليل على وجود أقانيم في ذاته تعالى... إن العبارة (كواحد منا) تدل على أن الكائن المتكلم، كان يخاطب كائناً أو أكثر من نوعه، وإلا لكان الأصح أن يقول: (هوذا الإنسان صار مثلي...).
(هلمّ ننزل ونبلبل هناك لسانهم، حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض...) (تكوين 11: 7) فلفظة (هلمّ) تتضمن نوعاً من الدعوة، يفرض وجود متكلم ومخاطب. ونفهم من القالب التي صيغت فيه العبارة، أن الآب الخالق، دعا الابن والروح القدس، لمرافقته إلى الأرض لكي يبلبل الألسن.
نعم إن تعليم عقيدة الثالوث وارد بكثرة في صفحات الكتاب المقدس، وإن كان بصورة مبطّنة، وهذا ما لا يروق لشهود يهوه...
- عدد الزيارات: 5326