الفصل السادس: النفس البشرية، خلودها وأبديّتها
من ضلالات شهود يهوه الجوهرية، التي تدلّ على إيمانهم المادي وجهلهم الكتابي، إنكارهم لخلود النفس البشرية وحقيقة استمرارها في حياة ما بعد الموت. كذلك لم يستطيعوا تمييز هذه النفس عن الأنفس الحيوانية بشيء إذ صنّفها زعيمهم رصل في مرتبة واحدة. فهم لم يضلّوا في مفهومهم لذات الله وحسب، بل أيضاً في تفسيراتهم لذات الإنسان المخلوق على صورة الله.
يزعم الشهود بأن رصل توصل إلى استنتاجه حول النفس البشرية نتيجة بحث ودراسة في الكتاب المقدس.[80]وهو زعم لا يرتكز على أساس حق، لأن مجمل ما نادى به رصل من تعاليم تتعلق بمصير النفس وأبديتها هو من مخلفات هرطقة السبتيين الذين لقنوه البدعة وشبعوه بالفساد الفكري.
هل للإنسان نفس أم أنّه نفس حية؟
بالاستناد إلى كلمة الله تؤمن الكنيسة بأن الإنسان مكوّن من ثلاث عناصر، روح ونفس وجسد، بينما يعترف شهود يهوه بعنصرين هما الروح والجسد؛ أما الثالث، الذي هو النفس فينكرون إمكانية وجوده. وفي تعريفهم لذات الإنسان خلطوا بين جسده ونفسه ولم يميّزوا الواحد عن الآخر، وأقرّوا بأن الإنسان يتكون من روح وجسد، وهذان يؤلفان النفس البشرية أو الكائن الحي.
قالوا: "لا يقول الكتاب المقدس إن الإنسان يملك نفساً. بل يقول: "وجبل (يهوه الله) آدم تراباً من الأرض. ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية" (تكوين 2: 7). فالنفس هي الشخص المادي الحي ذاته، لا مجرد جزء روحي منه".[81]
الرد: قولهم لا يتعدّى من الحق نصفه، أمّا الحق الكامل فهو أن الإنسان نفس حية لأنّه يملك نفساً محيية هي التي نفخها الله في أنفه، التي من دونها يكون تراباً لا حياة فيه. فالآية التي اقتبسوها آنفاً تأكد، أنّ آدم كان هيكلاً طبيعياً لا حياة فيه إلى أن حلّت فيه نسمة الله فأحيته.
وقد خلطوا بين الجسد والنفس زاعمين أنّ الكتاب لا يشير إلى وجود عنصر النفس في الإنسان. هذا الادّعاء ليس في محلّه لأنّ الكتاب يميّز بين الاثنين، فيقول: "ولتُحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة" (1تسالونيكي 5: 23)، و"لأن كلمة الله...خارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ (التي هي أعضاء الجسد...)" (عبرانيين 4: 12)، و"تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس" (1 بطرس 2: 11). فكيف يحارب الجسد النفس إن كان الاثنان واحداً؟ أما الدليل القاطع على وجود النفس فهو في قول الرب: "ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكنّ النفس لا يقدرون أن يقتلوها" (متى 10: 28). فهل يعقل بعد، أن يقال إنّ النفس هي الجسد أو العكس؟
اعتراض: "الحيوانات والبشر تدعى جميعاً أنفساً في الكتاب لمقدس. فهي لا تملك نفساً- وكانت الأنفس الحية البشرية مصنوعة من الأرض ذاتها التي كانت هذه المخلوقات (الحيوانية) مصنوعة منها".[82]
الرد: لا يجوز أن يعتبر الإنسان مجرّد نفس حية كسائر المخلوقات الأرضية، وذلك لأنه يمتاز عنها بعدّة أمور:
1 - يمتاز في كيفية خلقه. فقد خُلقت الحيوانات بفعل أمر صدر عن الله: "وقال الله لتُخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها...وكان كذلك" (تكوين 1: 24). بينما الإنسان أبدعته يدا الله مباشرة (تكوين 2: 7)، وبذلك يكون الله قد خصّه بمركز أسمى من الحيوانات.
2 - يمتاز في طبيعته. فالله خلق الإنسان على صورته كشبهه مخالفاً لكلّ الخلائق الأخرى، ووضع فيه من صفاته وطبائعه السامية. فهو شخصية مستقلة خالدة، له القدرة والحرية المطلقة على تقرير مصيره، ويملك الإرادة والوعي الذاتي. لذلك حين بحث آدم عن معين له نظيره بين الخلائق الأخرى لم يجد، لأنّه يمتاز عنها (تكوين 2: 20).
3 - يمتاز في نسمة حياته. فبينما البهائم خرجت من التراب أنفساً حية، صار الإنسان نفساً حية بفضل نسمة القدير. وإلى هذه النسمة يعود الفضل في تعقيله (أيوب 32: 8). لهذا فإن حياة الإنسان هي أثمن بما لا يقاس من حياة الحيوان كونها شطراً من كيان الله. وللسبب عينه يُعتبر قتل الإنسان جرماً موجّهاً ضد قداسة الله، كما ويُعتبر الانتحار عمل ازدراء وتحقير وتدمير لأفضل ما صنعه. فلا يسوغ للمسيحي إذاً أن يقبل اعتقاد شهود يهوه هذا، لأنّه تحقير للنفس البشرية التي أكرمها المسيح بمجيئه إلى العالم لفدائها.
خلود النفس
قالوا: "يذكر الكتاب المقدس بوضوح أن النفس هي عرضة للموت: "النفس التي تخطئ هي تموت" (حزقيال 18: 4 و20)..."ويكون أن كلّ نفس لا تسمع لذلك النبي تُباد من الشعب" (أعمال 3: 23)...إذاً نرى أن النفس البشرية هي الشخص ذاته، وعندما يموت الشخص، فإنّ النفس البشرية هي التي تموت". [83]
نقول: ويذكر الكتاب المقدس بكل وضوح أن هناك حياة بعد الموت. وأن الله لم يخلق الإنسان ليعيش عشرات السنين ثم يتلاشى، بل خلقه للخلود. ويتجاهل الشهود أن النفس قد وردت بأكثر من معنى واحد في الكتاب المقدس وهي:
1 - النفس بمعنى شخص أو فرد أو كائن حي (تكوين 36: 6؛ لاويين:23: 30).
2 - النفس بمعنى حياة (لاويين 17: 11؛ أرميا 22: 25).
3 - النفس بمعنى ذات (أمثال 21: 10؛ لوقا 9: 23).
4 - وفي المعنى الربع للنفس يظهر خلودها. فهي كالروح تُفتدى (مزمور 71: 23). وتخلّص (يعقوب 5: 20) ولا تباد عند الموت، (متى 10: 28). بل تسلّم لله الذي أعطاها ليرسلها إلى أبديتها.
إنّ النفس في الآيات التي يقتبسونها تعني الشخص أو الحياة التي يشترك فيها كلّ من الإنسان والحيوان، وليست هي المشار إليها في قول أيوب "نسمة القدير أحيتني" (33: 4)، فهذه الأخيرة قد اتسمت بالخلود لأنها نفخة من الخالق.
اعتراض: "إنّ الموتى هم في حالة عدم الوعي- يعلّم الكتاب المقدس بوضوح أن الشخص عندما يموت يزول عن الوجود. فالموت نقيض الحياة، والميت لا يرى ولا يسمع ولا يفكر. وما من جزء منا يبقى حيا بعد الموت. فنحن لا نملك روحا خالدة أو نفسا خالدة."[84]
الرد: وفي هذا أيضاً لم يصدُقوا، لأنّ الكتاب المقدس هو الذي يؤكّد لنا استمرار الحياة بعد الموت، وهو الذي يبعث الأمل والشوق في قلب المؤمن بالمسيح، لرؤية وجه سيده في الابدية، حيث مع القديسين يسبح الرب إلى الدهر. وفي ما يلي بعض النصوص التي تبيّن بطلان مزاعمهم:
1 - (متى 17: 3) "وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه". نحن نسلّم بأن إيليا صعد حياً إلى السماء، لكننا نعلم يقيناً بأنّ موسى مات ودفنه الله، فكيف به يظهر ويتكلّم مع المسيح إن كانت نفسه قد تلاشت بالموت كما يزعمون؟
2 - (لوقا 20: 38) "وليس هو إله أموات بل إله أحياء لأن الجميع عنده أحياء".
3 - ( رومية 14: 8-9 ) "لأننا إن عشنا فللرب نعيش وان متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن. لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات". وهنا تأكيد للآية السابقة، ومنها نفهم أن الله لا يسود على أموات أبيدوا، بل على أرواح تستمر في حياة ما بعد الموت.
4 - ( رومية 8 : 38 ) "فإني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة… ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا". الآية تنفي حالة اللاوعي وتؤكد أن الموت لايمكنه فصل المؤمن عن حياة المسيح.
5 - (أعمال 7: 59) "فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول أيها الرب يسوع اقبل روحي". وفي القول دليل على استمرار الروح في الحياة.
6 - (لوقا 23: 43) "فقال له يسوع الحقّ أقول لك إنّك اليوم تكون معي في الفردوس". كلمات المسيح هي من أوضح ما جاء في كتاب الله عن حقيقة استمرار الحياة بعد الموت، وإذ صارت مصدر قلق لهم حاولوا بجسارة طمس الحقائق في ترجمتهم لها.
7 - (2 كورنثوس 5 : 8 ) "فنثق ونسرّ بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب". وهل الاستيطان عند الرب يعني حالة اللاوعي؟
8 - ( 2كورنثوس 12 : 2 ) "أعرف إنسانا في المسيح قبل أربع عشرة سنة. أفي الجسد؟ لست أعلم، أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله يعلم. اختطف هذا إلى السماء الثالثة". كان لبولس شوق بالانتقال إلى عالم الأبدية مع المسيح فيقول:
9 - (فيلبي 1: 23) "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً". الانطلاق، أو الموت الجسدي يعقبه لقاء فوري مع المسيح، وإلى هذا اللقاء يشتاق كل مؤمن.
10 - (رؤيا 6: 9 و10) "رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله...وصرخوا بصوت عظيم". ليقل لنا معشر شهود يهوه، كيف تصرخ نفوس غير واعية أبيدت على حد قولهم بالموت؟
11 - ( يوحنا 5 : 24 و 11 : 26 ) "من كان حيّا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد". وهذا تأكيد من الرب باستمرارية حياة المؤمنين به بعد مفارقة الحياة الجسدية .
واضح وضوح الشمس في وسط النهار، أنّ في الإنسان عنصراً خالداً يستمر في الحياة بعد الموت، وتبقى كل المحاولات لإنكار هذه الحقيقة غير مجدية.
اعتراض: "إن رجاء القيامة بحدّ ذاته يبرهن أنّ الموتى لا يمكن أن يكونوا أحياء. فإذا كان الناس سيُقامون يجب أن يصيروا أولاً بلا حياة."[85]
الرد: إن المفاد بالقيامة في الكتاب المقدس هو قيامة الجسد الترابي وليس قيامة النفس أو الروح. فقد تبرهن لنا في ما سلف خلود نفس الإنسان وعدم تلاشيها بالموت.
قالوا: "تكلّم يسوع المسيح عن حالة الموتى عندما مات رجل يعرفه جيدا اسمه لعازر. فقال لتلاميذه: «لعازر صديقنا راقد»... كان راقد رقاد الموت...فعندما قام لعازر، هل أدهش الناس بأخبار مشوِّقة عن السماء؟ ... فخلال الأيام الأربعة التي قضاها لعازر في القبر، ‹لم يكن يعلم شيئا". [86]
نقول: مما سلف يتبين لنا استمرار الحياة بعد الموت؛ وعليه فإن الرقاد هنا يفيد رقاد الجسد وليس رقاد الروح. وكل ما يقال في شأن لعازر بعد موته يبقى ضمن إطار الظن والتخمين، لأن الكتاب لا يكشف في موضع ما تفاصيل ما بعد الموت. كل ما نعرفه، أن أمور الأبدية لا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها (2 كورنثوس 12 : 4 )، ولو سمح الله للعازر أو غيره بكشف أسرار العالم الآخر لرخص الإيمان وفقد معناه الحقيقي .
قالوا: "هل يعني ذلك أننا نحن البشر نموت كالحيوانات؟ لا شيء أفضل من كلمة الله الموحى بها للإجابة عن هذا السؤال. فهي تقول في الجامعة 3: 19–21: "لأن ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة وحادثة واحدة لهم. موت هذا كموت ذاك ونسمة واحدة للكل...كان كلاهما من التراب وإلى التراب يعود كلاهما." فهنالك روح واحدة أو قوة فعّالة غير منظورة تعمل في كلا الإنسان والحيوانات الدنيا".[87]
الرد: لا شك أن اقتباسهم لقول الجامعة هو تمويه وتشويش للحقائق الكتابية النقية. فعلى الرغم من وجود أوجه شبه بين الإنسان والحيوان في الموت فإنّ مصيرهما يختلف بعد الموت. وإنّ الشبه القائم بينهما هو في عودة الجسد إلى التراب بدليل قول الجامعة: "كان كلاهما من التراب وإلى التراب يعود كلاهما". لذلك لا غرابة في قوله "موت هذا كموت ذاك" لأنه يقصد، أ- الموت بانتهاء الحياة الكامنة في الدم. ب - عدم مقدرة كليهما على التحكّم في تعيين ساعة الموت. ثم لا يمكن إلاّ لمن بلغ به الشطط أوجه أن يعتقد بأنّ للحيوانات والبشر روحاً واحدة يقال لها قوة فعّالة، لأنّ الاعتقاد بهذا يعني أنّ المسيح بموته على الصليب لم يفتدي البشر فحسب، بل والحيوانات أيضاً، التي بالتالي قد تخلص أو تهلك في يوم الرب تماماً كالأرواح البشرية. أإلى هنا وصلت الهرطقة بمعشر الشهود؟!
العذاب الأبدي، حقيقة أم وهم؟
أنكر زعيمهم رصل فكرة العذاب الأبدي، ليس لأنه اكتشف زيفها وعدم انتماءها للكتاب المقدس، بل لأن الفكرة كانت تخيفه وتقض مضجعه. وبحسب وصفهم: "كانت تقلقه تعاليم كالقضاء والقدر والعذاب الأبدي في نار الهاوية"[88]
قالوا: "كعقيدة خلود النفس فإنّ عقيدة هاوية العذاب مؤسسة على الكذبة البابلية –وهذه الكذبة مصدرها الشيطان أبو الكذّاب- ولكنّ الكتاب المقدس، يقابلنا بالتعليم البسيط الواقعي وهو أنّ الجميع أنفساً قابلة للموت...والموت هو نهاية الطريق..."أجرة الخطية هي موت" (لا نيران العذاب) (رومية 6: 23)." [89]
الرد: تبيّن لنا ممّا سلف، أنّ النفس البشرية خالدة وعديمة الفناء ولا بد أنها تذهب إلى موضع ما بعد الموت. فإنّها تذهب إمّا إلى النعيم والراحة الأبدية، وإمّا إلى الجحيم والعذاب الأبدي، إذ لا موضع ثالث غيرهما. وعبثاً يحاول الشهود تخدير ضمائرهم بتفسير كلمة الله على هواهم.
إنّ الآية "أجرة الخطية هي موت" لا تفيد الموت الجسدي فحسب، بل أيضاً الموت الروحي، أي الانفصال عن حياة الله، الأمر الذي يبدأ بفعل الخطية (تكوين 2: 17) لينتهي بهلاك النفس في النار الأبدية. ولذلك يقول الرب عن المؤمن به "قد انتقل من الموت إلى الحياة" (يوحنا 5: 24). فلا شك أنّه يوجد نوعان من الموت، أحدهما يصيب الجسد دون النفس والآخر يصيب الاثنين معاً ويسمّى "الموت الثاني"، أي الهلاك في البحيرة المتّقدة بالنار (رؤيا 20: 12-15) والمشار إليها أيضا بجهنم النار "حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ" (مرقس 9: 43-48).
اعتراض: "بحيرة النار... لا تعني العذاب الواعي بل الموت أو الهلاك الأبدي - والأشرار طبعاً لا يعذّبون حرفياً- وجهنم... تشير إلى وادي هنوم وهو رمز للإبادة التامة وليس للعذاب الأبدي".[90]
الرد: إنّ الرب لم ينطق قط بكلمات مجرّدة وفارغة من المعاني. فخلف كلماته تكمن حقائق وتعابير لن يقوى شهود يهوه على تحويرها، مهما بذلوا من جهد وبراعة في تفاسيرهم. وإن سلّمنا جدلاً بأن كلماته عن الدود الذي لا يموت والنار التي لا تُطفأ هي رموز وصور لحالة الشرير بعد الموت، فلا شكّ أنها تصف حالة العذاب والمرارة إذ ليس فيها ما يدل على الملاشاة أو الفناء. ولو أراد الرب أن يصف حالة من عدم الشعور عند الذين ماتوا، لما اقتضى الأمر أن يستخدم تعابير محدّدة كالألم، والبكاء، والنار، والخوف، والظلمة، والهلاك، واللهيب، والعذاب، إذ ليس في هذه ما يدلّ أو يشير إلى حالة عدم الوعي. ولنلاحظ جيداً أنه في كل وصف في الإنجيل لحالة الأشرار في الأبدية ترد عبارات تؤكد مصيرهم المؤلم. وهنا بعض النصوص التي لا تقبل الشك:
- "فيجمعون ... فاعلي الإثم. ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (متى 13: 41 و42).
- "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته... فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي" (متى 25: 41و46).
- "ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين ولا تكون راحة نهاراً وليلاً" (رؤيا 14: 11).
- "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون...فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثاني"(رؤيا21: 8).
ولعلّ أوضح ما جاء في كلمة الله عن حقيقة العذاب الأبدي، رواية المسيح عن لعازر المسكين والغني المتنّعم المستبد، إذ يقول: "ومات الغني أيضاً ودفن. فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب... فنادى وقال يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبلّ طرف إصبعه بماء ويبرّد لساني لأنّي معذّب في هذا اللهيب" (لوقا 16: 19-31).
اعتراض: "هل يُعقل أو ينسجم مع الأسفار المقدسة أن يتعذّب الإنسان لمجرّد كونه غنياً؟ في مثل هذا المثل يرمز الإنسان الغني إلى صف القادة الدينيين الذين رفضوا يسوع وقتلوه".[91]
الرد: طبعاً لا يعقل أن يعذّب الله إنساناً بسبب غناه. لكنّ هذا الغني وصل إلى ما وصل إليه بسبب أنانيته وقساوة قلبه وعدم رحمته وشفقته على لعازر المسكين. والله ينظر إلى الامتناع عن مساعدة الغير جرم موجّه ضد شخصه و يستحق العقاب (متى 25: 41-46). ثم لنسلم جدلاً بأنّ الغني يرمز إلى القادة الدينيين، فماذا يغيّر هذا في الحقيقة؟ هل يلغي تفسيرهم حالة العذاب التي وُجد فيها الغني؟
قالوا: "وإذ جرى رفضهم، أي القادة الدينيين، اختبروا العذاب بعد يوم الخمسين، عندما شهّر أتباع المسيح أعمالهم الشريرة (أعمال 7: 51-57)". [92]
نقول: هذا الجواب غير مستحق عناء الردّ عليه لسخافته. فلا يعقل أبداً أن نتعامل مع العذاب، الذي وصفه المسيح بما يقارب 180 كلمة، بهذه الخفّة والبساطة. فكلماته تعلن على الأقل ثلاث حقائق تتعلّق بالأبدية:
1 - وجود عقاب وثواب بعد الموت.
2 - عذاب الأشرار في الهاوية.
3 - عدم القدرة على تقرير المصير بعد الموت ولا مجال للتبديل أو للتغيير.
اعتراض: "في الأسفار العبرانيّة للكتاب المقدس تجري ترجمة الكلمة "هاوية" من الكلمة العبريّة "شيول" ... أما في الأسفار اليونانيّة فإن الكلمة "هادس" يجري نقلها غالباً إلى "هاوية" أو "جحيم"... وهاوية الكتاب المقدس أو جحيم الكتاب المقدس هو في الواقع مدفن للجنس البشري". [93]
الرد: وإن كانت الهاوية قد اسُتعملت في الكتاب المقدس بمعنى مدفن، فإنّها تشير إلى عالم الأموات وليس إلى القبر الترابي. ويعلن العهد القديم، أنّ الأموات يذهبون إلى الهاوية ليكونوا فيها ضيوفاً إلى الموعد المعيّن لإقامتهم منها (أمثال 9: 18؛ أيوب 14: 13؛ 17: 13)؛ وهم هنالك في حالة الوعي التام (حزقيال 32: 18- 21). فالهاوية أشبه بسجن يُسجن فيه الأبالسة والشياطين والأشرار الذين اتّحدوا بهم (اشعياء 14: 9-15؛ 2بطرس 2: 4). وفي العهد الجديد يؤكّد لنا الوحي أنّ أرواح المؤمنين لا تذهب إلى الهاوية، بل إلى حضرة المسيح (فيلبي 1: 23؛ 2 كورنثوس 5: 8). هذا لأن المسيح قد أعدّ لنا، بدمائه الكريمة، الطريق إلى السماء. كذلك نفهم من قول المسيح عن كنيسته "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 18)، أن في الجحيم قوات شريرة هي الشياطين والأبالسة التي تقاوم الكنيسة وعمل الله، ولذا لا يمكن أن تكون الهاوية التي ترجمت إلى جحيم وجهنم مجرّد قبر ترابي.
محبة الله وعدله
قالوا: "إذا كانت فكرة شيّ الناس بالنار لم تخطر ببال الله، فهل يبدو معقولاً أن يخلق الله هاوية نارية لأولئك الذين لا يخدمونه؟ يقول الكتاب المقدس، "الله محبة"(1يوحنا4: 8)، فهل يعذّب الإله المحب الناس فعلاً إلى الأبد؟".[94]
نقول: إنّه أمر معقول جداً، لأنّ الله علاوة على كونه محبّاً، فهو أيضاً قدوس وعادل، ومحبته لا تُنقص شيئاً من قداسته وعدله. فهو وإن كان يحبّ الخطاة ويرفق بهم إنّما يكره الخطية ويدينها. ومع أنه لا يرضى بتقديم محرقة بشرية، نجده بالمقابل يمطر على مدينة سدوم وعمورة ناراً وكبريتاً، غيرةً منه على قداسته، "واضعاً عبرة للعتيدين أن يفجروا" (2بطرس 2: 6). وكما يعجز العقل البشري عن استيعاب مقدار محبة الله وطول أناته، هكذا يعجز عن تصوّر غضبه المقدس وعدله الكامل اللذين يتطلّبان منه أن يقتصّ من الخطية على أكمل وجه. والنار هي الوسيلة الملائمة التي بها ينفّذ الله غضبه على أبناء المعصية "لأنّ إلهنا نار آكلة" (عبرانيين 12: 29). كما أن "غيظه ينسكب كالنار" (ناحوم 1: 6).
شهود يهوه يروّجون فكرة أن الله محبة وبالتالي يتساهل مع الخطية ولا يعاقب فاعليها. وهم بذلك يضربون صفحاً عن قداسته وعدله. وبتعبير آخر، إنّهم يبيحون الخطية ويشيعون الطمأنينة في نفوس مقترفيها، إذ يشغلونهم عن النار الأبدية بتوافه الحجج وسخافة التفاسير، وبذلك يغرّرون ويطوّحون بهم في مهاوي الهلاك. "لا يغركم أحد بكلام باطل لأنّه بسبب هذه الأمور (الخطية والفجور) يأتي غضب الله على المعصية" (أفسس 5: 6).
قالوا: "تعذيب الشخص إلى الأبد بسبب ارتكابه الخطأ على الأرض لسنوات قليلة إنما يخالف العدل". [95]
نقول: إنّ عقوبة الخطية لا تقاس بالنسبة إلى مدّتها، وإنما بالنسبة إلى شناعتها وقباحتها باعتبارها إساءة إلى قداسة الله. فإن كانت الجريمة الواحدة تعاقب بالإعدام في القانون البشري، فلا غرابة، إذاً، إن كان عقاب الخطية عذاباً أبدياً في قانون الله.
يا حبّذا لو أنّ معشر شهود يهوه وجّهوا أنظارهم إلى صليب المسيح وتأمّلوا في محبته للخطاة بدلاً من اللغو الفارغ. إنّ تضحية المسيح لهي خير دليل على وجود عذاب أبدي لغير التائبين، إذ لو لم يوجد عذاب لما اقتضى الحال أن يتجسّد المسيح ويموت. ونظراً لذلك تُعتبر خطية رفض محبة ابن الله أشرّ الخطايا ولها أشرّ عقاب، لأن "من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقاباً أشرّ تظنون أنّه يحسب مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قُدّس به دنساً وازدرى بروح النعمة ... مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عبرانيين 10: 28- 31). ما هو العقاب الأشرّ من الموت إن كان الموت نهاية المطاف؟ سؤال، على شهود يهوه أن يتأملوا به.
- عدد الزيارات: 10496