الإصحاح الخامس والثلاثون: امتحان الله للإنسان - صراخ المظلومين لماذا لا يُجاب
(ع 9- 13) صراخ المظلومين لماذا لا يُجاب.
وبعد أن أوضح أليهو أن رأيه فيما يتصل باستقلال الله عن الإنسان إنما كان رداً على اتهامات أيوب. فإنه يتقدم من فوره ليعلن أن هناك اهتماماً إلهياً بطرق الإنسان، لأنه تعالى لا ينعس، هو يرى ويسمع، ويحزن في قلبه عندما يخطئ الناس. كمالات مطلقة يثيرها الشر. ومن أجل ذلك فإنه تعالى في أمانته – لا يجيب ولا يستطيع أن يجيب على صراخ المظلومين للاستغاثة. وأليهو لا يتحدث هنا عن أيوب بطريقة مباشرة بل عن جميع المذلين وهو منهم. وهنالك سبب في أنهم لا يفوزون من القدير بالإغاثة.
هذا هو السبب: فإذ هم مشغولون بتعاستهم، ولا يطلبون الإغاثة إلا لأجل ذواتهم، فإنهم لا يفكرون في مشيئة الله أو مجده، هم لا يسألون قائلين: "أين الله صانعي؟" ما الذي أتعلمه من هذه الأشياء عنه؟ أوليس هذا يكاد يكون عاماً شاملاً؟ أين نجد الناس يتحولون إلى الله في ذلهم؟ فالجياع يطلبون خبزاً، ولكنهم لا يحتاجون إلى الله، أعطهم خبزاً، يكتفون به ويقنعون أن يواصلوا طريقهم في جهل مطلق به تعالى. "أنتم تطلبونني.. لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم. اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية"، "هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت". فهل الناس شاكرون الله من أجل بركاته؟ أم أنهم يطلبون من أجل من هو في ذاته؟
ومع ذلك ألسنا أسمى بما لا يقاس من الوحوش؟ فإنه تعالى يعلمنا أكثر مما تعرفه تلك. نعم، فهو يؤتينا الأغاني في أحلك ساعات ليالي التجربة. إن عدم المبالاة بهذا جميعه أدى إلى تلك الحقيقة الكاسرة للقلب "لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه كإله ولا كانوا شاكرين". فهل من عجب أن يترك الله الفقير يحس ثقل آلامه لعله يطلب ذاك الذي يستطيع وحده، لا أن يغيث فقط بل أن يكون هو النصيب المشبع؟
إن الكبرياء والبطل والإرادة الذاتية هي التي تقلب السماء نحاساً. لأن الرب قريب من المنكسري القلوب. وهذا هو فحوى ما يسمى "الصلاة الربانية" أن يكون مجد الله في الطليعة. فإن تجاهل الناس ذلك، فليس لهم أن يستغربوا من إغفال صلاتهم اليومية طلباً للخبز اليومي.
ولاحظ أن أليهو يتناول المبادئ، ومن تحصيل الحاصل أن نقول أنه إنما كان يفسر سكوت الله عن صراخ الناس، دون إشارة إلى عطفه أو اهتمامه بمخلوقاته. "الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله" أو ما كان في استطاعة أيوب أن يتعلم الدرس اللازم. لو أنه انتبه؟ إذاً لتقبل الوفير من مراحم الله، أوليس من سبب لسكوته الواضح تعالى في الموقف الآن؟.
- عدد الزيارات: 12274