الإصحاح الرابع والثلاثون: الدفاع عن صفات الله
بعدما وقف أليهو منتظراً من أيوب استجابة، أخذ يواصل دعواه، والفكرة الرئيسية في إصحاحنا هي الدفاع عن صفات الله وتبريرها من مطاعن أيوب. ذلك أنه كان، ضمناً، يتهم الله بالظلم. وهذا ما كان يعنى به أليهو بصفة رئيسية. فلا تعنيه المجادلات المتعلقة بالجرائم الخطيرة التي ينسبها إلى أيوب أصحابه، ولا يتدخل في الظنون أو الغمزات أو المطاعن. إنما هو يناقش رأي الإنسان. هو يقرر حقائقه، ويستلفت أيوب إلى ضرورة الاعتراف بصفات الله التي يدافع عنها ويبررها من بضعة وجوه، ويختم هذا الجزء بتحريض رزين لطيف، ليأخذ أيوب مكان التلميذ المتواضع لكي يستفيد من التأديب الذي اجتازه. إذ تجلّت خيبته في احتلال هذا المكان، فلا شيء بعد ذلك إلا تكرار الامتحان حتى يتعلم درسه. والواقع أن الأسلوب الذي عالج به أليهو هذا الموضوع، كان معتدلاً وموضعاً للإعجاب، مشابهاً لأسلوب الأصحاب ظاهرياً فقط، والاتجاه إلى مخاطبة العقل، وإلى جانبه إبراز الحق الخاص بطبيعة الله. يقود إلى الاستنتاج الرشيد بأن أيوب هو المخطئ وليس الله. وقد أيدت حقيقة هذا الخطأ من شفتي المتألم نفسه، ومن فكرته نحو الله.
في هذا الإصحاح يضطر أليهو أن يتكلم بطريقة قاسية. لأن أيوب وهو يبرر نفسه اتهم الله بالظلم (ص 32: 2) وهذا كان أمراً خطيراً لأنه بذلك ضم نفسه لعديمي الإيمان والأشرار وكان يجب أن يوبّخ صراحة (رومية 9: 14).
لا يمكن لإنسان أن يكوّن حكماً عن الله من أفكاره الشخصية. لأنه سيضطر إلى مقارنته بالإنسان نظيره. إن الله كان يجب أن يعلن ذاته حتى تتمكن خليقته من معرفته، أضف إلى ذلك أن فهمنا بالرغم من ذلك لا يمكننا من استيعاب هذه المعرفة لكن الإيمان وحده هو الذي يستطيع ذلك، إن الله يظهر ذاته الآن بروحه لأن أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله (1 كورنثوس 2: 11). وهو يقود المؤمن إلى كل الحق (يوحنا 16: 13). وأليهو وهو يعلم أيوب مثال لذلك. لقد بين له أن أبعاد معرفة الله عن اختباراته تقوده إلى الضلال! ألم يستذنب الله "البار الكبير" (ع 17)؟.
ماذا كان يجب أن يفعله أيوب عوضاً عن التعبير عن كل هذه الأفكار الخاطئة عن الله؟ كان يجب أن يسأل بتواضع "ما لم أبصره فأرينه أنت" (ع 32) إنها صلاة قصيرة نحتاج كلنا أن نوجهها إلى الرب في كل لحظة من اليوم. ولاسيما ونحن نعلم أن الناس في عماهم وجهلهم صلبوا الرب يسوع المسيح وهو الشخص البار الوحيد "حكمتم على البار. فقتلتموه، لا يقاومكم" (يعقوب 5: 6).
* * *
ويمكن تقسيم الخطاب إلى أربعة أقسام رئيسية، ثالثها يمكن تجزئته طبقاً لموضوعاته:
1- (ع 1-4) مخاطبة الحكماء.
2- (ع 5-9) اتهام أيوب لله بالظلم.
3- (ع 10-30) تفنيد الاتهام، ويقسم إلى:
أ- (ع 10-12) لأنه الله.
ب- (ع 13-15) بسبب عنايته المحسنة.
ج- (ع 16-20) بسبب عظمته.
د- (ع 21-25) بسبب علمه الكلي.
هـ- (ع 26-30) بسبب أحكامه.
4- (ع 31-37) حاجة أيوب إلى امتحان آخر.
- عدد الزيارات: 13399