Skip to main content

الإصحاح الثالث والثلاثون: هدف الله في التأديب - تفنيد اتهام أيوب لعدالة الله

الصفحة 3 من 7: تفنيد اتهام أيوب لعدالة الله

(ع 8- 13) تفنيد اتهام أيوب لعدالة الله.

إن مهمة أليهو الرئيسية هي تبرير صفات وأخلاق الله من الاتهامات التي وجهها أيوب. وهو ليس يعنيه في كثير، ما هدف أيوب أو ما كانه أيوب – ولو أنه لا يحتضن أي شكوك غير لائقة، لكن أيوب كان قد تفوه في مسامعه بما لا يصح، إن أليهو يتركه يمضي دون توبيخ. وهذا ما يجب أن يكون فينبغي أن يكون الله أولاً وجلال مجده المهمة الرئيسية لكل الذين يعرفونه وفي هذا الميدان تجلت خيبة أيوب في صورة محزنة.

يشير أليهو إلى كثير من أقوال أيوب للتدليل على ما لحق بالله من هوان. ويقتبس بعضاً منها بالتمام ويقدم كثيراً مما قاله أيوب. فيقتبس قوله: "أنا بريء بلا ذنب، زكيٌّ أنا ولا إثم لي" (ع 9) بالمقارنة مع هذه الأقوال: "في علمك أني لست مذنباً" (ص 10: 7).

"مع أنه لا ظلم في يدي وصلاتي خالصة" (ص 16: 17). "حتى أسلم الروح لا أعزل كمالي عني. تمسكت ببري ولا أرخيه. قلبي لا يعيّر يوماً من أيامي" (ص 27: 5-6).

قد يقال إن أيوب إنما كان يفند اتهامات الشر التي حاول أن يلصقها به أصحابه. لكنه كان أيضاً يتهم الله بمعاملته الظالمة إياه، إذ يعاقب إنساناً بريئاً.

وهذا واضح من الاقتباس التالي: "هوذا يطلب عليّ علل عداوة يحسبني عدواً له" (ص 33: 10). وهكذا كان قد أعلن: "لكنك كتمت هذه في قلبك... تصطادني كأسد... نوب وجيش ضدي" (ص 10: 13-17). "لماذا تحجب وجهك وتحسبني عدواً لك" (ص 13: 42). هكذا تنجلي إهانته للجلال الإلهي فأيوب بريء، زكيٌّ، لكن الله عامله كمتهم: "وضع رجلي في المقطرة يراقب كل طرقي" (ص 33:11). وهذا اقتباس حرفي من قول أيوب: "فجعلت رجلي في المقطرة ولاحظت جميع مسالكي" (ص 13: 27).

فأليه إذاً لا يتجنى على أيوب ولا يتصيًّد أقواله. والواقع أن الحزن الغالب الذي كان يسيطر على أيوب هو أنه يبدو وكأنه قد خسر ذلك الإله المحسن الذي مرة وجد فيه مسرته. وليس يكفي أن نقول أنه برغم هذه الشكوك فإن أيوب كان يعرف ويسلم بقوة الله ومعرفته. وأنه كذلك كان يفصح عن ثقته بالله وعن رغبة جامحة في نفسه في أن يدافع قدامه عن دعواه. ولكن كيف ينسجم هذا مع مثل الأقوال التي كان يقتبسها أليهو؟ مثل هذه الاتهامات يجب مواجهتها، وأيوب لابد من إقناعه ببطلانها. وإلا فإنه لن يتمتع بالسلام في نفسه، وإلا فإن وصمة قائمة تستقر على كرامة الله.

فكيف إذاً يرد أليهو؟ هل يقلد الأصحاب في الدخول في بيانات معقدة؟ هل يعتذر عن التناقض الواضح في طرق الله ويحاول تفصيل كلامه، وفي عبارة واحدة موجزة يلغي كل حجة بشرية: "الله أعظم من الإنسان وبعبارة أخرى: الله هو الله. وإذا شئنا أن نجادل فلا نبدأ من الأدنى إلى الأعظم، بل من الأعظم إلى الأدنى. فنقول: كيف يتأتى للإله القدير، الكلي الكمال، أن يجري عملاً ظالماً؟ "أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً" وهكذا أجاب بولس على من أراد أن يناقش بر الله أو يجادل في أمره.

"من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟" بل والأعظم من بولس وجد راحته في عصمة الله المطلقة "نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك".

وطالما ارتاب الإنسان في صفات الله، فإنه لا يكون في الحالة التي يجد فيها تسوية لمشكلاته. لتتخاصم كل شقفات الأرض معاً ولينازع أحدها الآخر، فإن الله لن يتنازل لمثل هذا الصراع. "لماذا تخاصمه؟ لأن كل أموره لا يجاوب عنها" (ع 13). هذا هو مفهوم الفقرة العام الواضح. هناك تغيرات هينة في ترجمة العددين (12،13). فإحدى التراجم تقول: "الله مترفع جداً إزاء الإنسان"، هو أرفع بكثير من أن يدخل في مخاصمة مع الإنسان (أنوس، أي الإنسان الزائل). ثم تقول عن (ع 13): "لماذا تخاصمه لأنه لا يجاوب عن كل أموره؟" أي لماذا يشكو أيوب من أنه لا يحصل على ردود كاملة للحجج التي يدلي بها؟ لكن يجب أن تجد النفس راحتها في الله. لا فيما لدينا من مناقشات وبراهين. "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء؟"           (رومية 11: 33).

لقد قصر أيوب في تقدير الوقار اللائق بالله، ونسي كلية المسافة اللانهائية التي بين الله والإنسان. نسي جلال الله. ولذلك فبدلاً من تخطئة نفسه ولومها على هذا التقصير فإنه استخطأ الله. لم يفهم طرق الله تماماً، وكان الواجب عليه الآن أن يخضع لها ويثق بها وإن لم يفهمها.

معاملة الله المزدوجة وأطرافها
الصفحة
  • عدد الزيارات: 15297