الإصحاح الثالث والثلاثون: هدف الله في التأديب - المصالح
(ع 1- 7) المصالح.
تقسيم الإصحاح غير مناسب هنا. فأعداد الافتتاحية تخص الإصحاح السابق إلى حد بعيد. يا له من اختلاف في كلام أليهو هادئ ومهذب وطيب ويؤكد بأن قوله يأتي من القدير والآن أيوب إذا لم يستطع أن يجيبه يرتب كلامه "هاأنذا حسب قولك وعوضاً عن الله" نؤمن بهذا أن أليهو يشير إلى رغبة أيوب للمصالح، الآن أتى في شخص أليهو يشجع أيوب ألا يخلف "أنا أيضاً من الطين" كم يكون استخدام كل هذه للمصالح الحقيقي ربنا يسوع المسيح.
يتجه أليهو إلى يعقوب ليس في غضب بل في هدوء وعطف وهو يرجو أيوب أن يصغي إليه لأنه سيكون عادلاً. فإن حكمته لم تصدر من المعرفة البشرية أو الاختبار بل من القدير. ولأيوب الحرية في مجاوبته إذا لم يقبل كلامه، لأن له كما لأليهو صلة بالله. وهذه على ما يبدو فكرة الجزء الأول من العدد السادس. فهذا القول يذكر أيوب بأن الله قد أوضح فكرة بطريقة لطيفة حتى يتسنى لأيوب أن يتعلم ذلك الفكر. على أن يذكرنا بالسلطان الإلهي الذي عرف لماذا تكلم هكذا. ثم أن أليهو إنسان، فلا داعي يحمل أيوب على الرهبة. وكان في مقدوره أن يقول، كما قال بطرس: "أنا أيضاً إنسان" (أعمال 10: 26).
نلاحظ أن الإصحاح السابق (ص32) لم يكن إلا مقدمة، فيها تحدث أليهو عن قصوره، كما تحدث في الوقت نفسه عن يقينه الكامل بأنه كان يرى حقاً ما لم يره أيوب ولا أصحابه الثلاثة. وهذا ما لابد أن يتقدم ليعبر عنه.
"ولكن اسمع الآن يا أيوب أقوالي... هاأنذا قد فتحت فمي" وقد كان متباطئاً جداً قبل أن يفعل ذلك. "لساني نطق في حنكي... استقامة قلبي كلامي". كلمات كلها إخلاص وحق مهما قال أولئك الأدعياء من أصحاب النقد العالي. "ومعرفة هما تنطقان بها خالصة". وهكذا فعلت شفتاه "روح الله صنعني. ونسمة القدير أحيتني... هاأنذا حسب قولك عوضاً عن الله" لقد تمنى أيوب أن يسمع الله متكلماً إليه. ومع أنه في شوقه هذا كان قلبه يتجه نحو الله، إلا أنه كان يخشى أن تكون المواجهة أرهب من أن يتحملها. ومع ذلك فقد اشتاق أن يجد الله.
غير أن الخوف كان لازال يملأ جوانحه فاشتاق وتمنى أن يجد شخصاً يستطيع أن يتكلم إليه بلسان بشري وفي الوقت نفسه يتكلم عوضاً عن الله تماماً. وهذا ما يفعله أليهو بحسب مقياسه: إن أليهو وسيط، واحد من ألف، ولذلك هو يتكلم عوض الله. وهذا عين ما كان يطلبه أيوب ويتمناه، مع الفارق الهائل بين هذا الوسيط الرمزي والوسيط الحقيقي العظيم – رئيس الأنبياء، الرب إله الأنبياء، الذي هو في الوقت نفسه نبي، نعم. فرق هائل بين أليهو والمسيح. ومع ذلك فإن وجود أليهو شهادة عظيمة للنعمة المطلقة. أنه من أندر الأشياء في الدنيا أن نجد إنساناً عرف عن الله ما عرف أليهو. وقد كان المقصود به كسر كبرياء الرجال الأكبر منه سناً. وقد عرف أليهو ذلك وشعر به، ومع ذلك، فهو يتقدم إليهم باعتذاراته لأنه في الحقيقة لم يكن راغباً أبداً في الظهور كمن يريد أن يردهم عن خطئهم أو أن يصحح الحماقة التي خرجت من أفواههم وإنما كانت مشغوليته الكبرى هي في أيوب أكثر من أي شيء آخر. وذلك جميل منه للغاية، فلم يتعرض لأليفاز أو بلدد أو صوفر ليبين كم كانوا مخطئين. ولكن بقيت النقطة المهمة التي تتطلب توضيحاً.
إن اللغز لم يحل بعد. وقد أسهم أليهو في الحل لأول مرة، ولكنه لم يحل اللغز حلاً كاملاً. كان الأمر يتطلب الله ليفعل ذلك. وقد ظهر الله فعلاً. ولسنا نقول كيف ظهر، هل اتخذ صورة إنسان كما فعل مراراً في العهد القديم. نحن لا نقرأ شيئاً عن ذلك هنا. لربما اقتصر الأمر على مجرد صوت في هذا الموضوع، ولكننا سنرى عندما نأتي إلى ذلك الجزء من السفر إنه كان صوتاً إلهياً، فليس هناك من شك في ذلك. أما هنا فالذي أمامنا إنسان كما يقول عن نفسه، وإنسان شاب. "أنا أيضاً من الطين تقرصت هوذا هيبتي لا ترهبك وجلالي لا يثقل عليك".
لقد اشتكى أيوب من ثقل يد الله عليه، وكانت هناك غلطتان كبيرتان فيما قاله أيوب. ظن في نفسه حسناً أكثر من اللازم واستغلظ الله. وهذا ما يبينه هنا أليهو بصورة واضحة.
- عدد الزيارات: 15299