النشيد 6
إنتصار المحبة
بنات أورشليم
"8: 5مَنْ هَذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ، مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟"
انتهى النشيد السابق برغبة العروس في أن تعبر عن حبها للعريس أمام كل العالم دون أن ينتقد الآخرون سلوكها أو يزدروا بها. في هذا النشيد الآن تتحقق رغبتها. فالعروس تُرى خارجةً إلى البرية وهي تتكيء على ذراع حبيبها، وبنات أورشليم تتساءلن: "من هذه الفتاة؟" في النشيد الرابع رأينا العروس تطلب العريس وتجده، وفي النشيد الخامس أقامت علاقة سرية جميلة معه، والآن، أخيراً، تظهر أمام العالم مصحوبة به، ولكن في اتكال عليه. لقد صارت تعرجات البرية خلف ظهرهما، والمجد يشرق أمامهما. وهكذا سيكون الحال مع شعب إسرائيل، العروس الأرضية. فالرب سوف يتملقها ويفتنها ويخرج بها إلى البرية. وهناك سيخاطب قلبها، وسيقول الرب، عندما يستعيدها: "أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ" (هوشع 2: 14- 23).
وعلى منوال ذلك، فإن الكنيسة، مع انقضاء رحلة بريتها وحلول عرس الحمل، ستظهر مع المسيح في المجد كعروسِ قد تزينت لأجل خطيبها، كما يسرنا أن نرنم قائلين:
"يا له من يوم موعود وعجيب! فالعريس والعروس، سيظهران بالمجد إلى الأبد، وسيلقى الحب رضاه"
هذا الموقف عند الرب نجده أيضاً في تعامله مع القديسين المؤمنين المتجددين. إننا نعرج ونتعثر، ولكن النعمة تقيمنا من سقطاتنا مستندين إلى المسيح، تماماً كما تُرى العروس "مستندة على حبيبها". إننا نخفق، مثل بطرس، من جراء اتكالنا على محبتنا للمسيح، إلا أنه ينهضنا بنعمته الحانية ويعلمنا أن نتكل على محبته العظيمة لنا. كانت هذه خبرةً جميلةً عاشها يوحنا، الذي نقرأ عنه في (يو 13: 23) بأنه "كَانَ مُتَّكِئاً فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ". كم نحن بطيئي الفهم عن إدراك هذا الدرس في الاتكال على المسيح. الكبرياء تجعلنا نرفض الإقرار بتفاهتنا وبملئه، وبضعفنا وبقوته، ولولا ذلك لأمكننا أن نعول عليه في كل شيء. ليس من السهل أن نتعلم أننا كخطاة عاجزون عن أن نقدم للمسيح أي شيء، بل علينا أن نستمد منه كل شيء. فهذا ما تقوله لنا كلمات الرب ذاته أن "بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً". إن "الاتكالية" هي أن يتعلق الضعيف بالقوي. و"الاتكاء على صدر يسوع" يعني الاتكال على محبة ذاك الذي فيه كل الملء.
العريس
"5تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ، شَوَّقْتُكَ هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ."
وإذ أتت إلى اتكال سعيد على حب العريس، تتذكر العروس أن كل البركات التي تتمتع بها، من اللحظة التي أيقظها بها، إنما هي بفضل المحبوب. علينا ألا ننسى بأننا مدينون للنعمة على كل ما لدينا وكل ما نحن عليه. سواء كان المؤمن من القديسين الفاترين المتجددين أو من من بني إسرائيل المتجددين، فإنه يتجلى بالمجد السماوي بعد تعثر وتبعثر، وذلك كله بفضل نعمة الرب الجليلة المطلقة التي توقظنا وتخرجنا من حالتنا المتردية وتقيم علاقة بيننا وبينه.
العروس
"6اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ".
وإذ تستند على حبيبها، من جراء إدراكها للنعمة التي يعود لها فضل وجودها بالأصل، وأن راحتها لن تكون إلا في المحبوب، فإنها تهتف قائلة: "اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ". إنها لا تشكُّ في حبه لها، ولكنها تدرك أن كل بركتها تستند إلى حبه، وليس حبها. ولذلك فإنها تبحث دائماً وإلى الأبد عن مساحة في عواطفه، لكي تبقى ذراعه القوية ساندةً ومؤيدةً لها. وبالفعل إن له مكانة في قلبها، ولكن ثقتها واطمئنانها يأتي من إحساسها بأن لها مكانة في قلبه. ومن هنا فإن الروح المتجددة تُسر بأن تقول للمسيح: "إن ثقتي هو أن اسمي على قلبه- فلي مكانة في عواطف قلبه؛ واسمي على ذراعه- فأحتمي وأتأيد بساعده القوية". يمكننا أن نثق بمحبة قلبه وقوة ذراعه، رغم أننا لا نستطيع أن نثق بقلبنا وذراعنا أنفسنا. لا يمكننا أن نستنفد محبة قلبه، ولا نستطيع أن نحد من قوة ذراعه.
"6لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ. الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ".
إن محبة العريس هي أساس ثقة العروس، كما أن محبة المسيح هي أساس ثقتنا. فهذه محبةٌ قد بُرهنت لنا، ووجدنا أنها قوية كالموت. الموت يحصد البشر بقبضته القوية. الموت يسخر من كل قوة الإنسان الضئيلة الهزيلة. من السقوط وصاعداً دخل الناس مع الموت في صراع قتَّالٍ، إلا أن الغلبة كانت للموت على الدوام، إلى أن حدث في النهاية أن الحب- الحب الإلهي- قد دخل في صراع مع الموت. فعلى الصليب تصارع الحب مع الموت وانتصر الحب. لم يستطع الموت أن يمنع محبة المسيح؛ لم يستطع الموت أن يهزم محبة المسيح. لقد نال الموتُ من حياته ولكنه لم يمس محبته. لقد ساد الحب وانتصر، إذ أن الحب تنازل للموت لكيما ينتصر الحب على الموت. "لقد لسع الموت نفسه حتى الموت عندما أماته".
الغيرة قاسية كالقبر. كم هو عديم الشفقة ذلك القبر. إنه يبتلع الصبا، والمحبوب، والأجمل، والأكثر إشراقاً. لا يعرف القبر الشفقة، ولذلك فإن الغيرة سوف تواجه بقسوة متناهية كل ما قد يحول بين العريس وعروسه. لا بد أن يكون المسيح الأسمى والأعلى منـزلةً: "مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي". ولذلك يمكن للرب أن يقول: "«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً". كلمة "يبغض" تحمل معنى سلبياً يوحي بالقسوة، إلا أنها قسوة الحب الغيور الذي لا يطيق وجود أي منافس. عادةً ما يتكلم الناس في العالم عن الغيرة بمعنى الشر. ولكن الكتاب المقدس قلما يربط الغيرة بهذا المعنى. بل إنه حتى يتحدث عن "غيرة لله". ومن هنا نفهم ما يقوله بولس الرسول للمؤمنين: "إِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ" (2 كور 11: 2). إن محبته للمسيح وللقديسين جعلته يغار على ألا يعيق أي أحد أو أي شيء علاقتهم مع المسيح. إنه لا يشفق أبداً على أي شخص يمكن، بتعاليمه العقائدية المغلوطة، أن يضل القديسين عن المسيح. فإِنْ بَشَّر أي رسول أو مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بأي إنجيل مخالف، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا». هكذا كانت قسوة الحب الغيور.
إن الحب القوي كالموت، والغيرة القاسية كالقبر يتواجدان معاً. أحدهما هو نتيجة الآخر. إن الحب والغيرة توجدان بنسبة ما معينة عند كل البشر. ولكن الحب القوي كقوة الموت هو وحده الذي يولّد الغيرة القاسية كالموت.
"6الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ".
ثمة حرارة ونار ملتهبة في الحب. ألا نرى لهيباً في نار محبة الرب المتقدة، تلك التي لم ترضَ بأي إهانة توجه إلى الله الآب، في حادثة طرده للصرّافين من الهيكل، تلك الحادثة التي جعلت التلاميذ يتذكرون ما كتب عنه: "غيرةُ بيتِكَ أكلتْني". ونرى أيضاً لهيب المحبة المتقدة قد حمل بولس على عيش تلك الحياة الرائعة، واضعاً نفسه في خدمة القديسين، تاركاً المسكن والراحة، مواجهاً الجوع والعطش، البرد والعري، والأخطار، والاضطهادات والموت، مدفوعاً إلى كل ذلك بالمحبة نحو المسيح. ونجد هذا اللهيب المضطرم أيضاً في السلسلة الطويلة للشهداء والمسيحيين المضطهدين. فشعلة المحبة التي كانت تتوهج في قلوبهم غلبت القضبان الحديدية المحماة التي كانت تحرق أجسادهم خلال التعذيبات.
"7مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا."
ما من شيء يمكن أن يطفيء لهيب المحبة الإلهية. لقد واجه الرب يسوع "مياهاً كثيرةً"، ولكنها لم تستطع أن تخمد محبته. لقد اعترضته "السيول" ولكنها لم تستطع أن تغمر محبته. وعند الصليب "رفعت السيول أصواتها"، ولكنها اكتشفت أن المحبة الإلهية أعظم وأقدر من ضجيج المياه الكثيرة. هناك أحاطت به آلام الموت، وسيول الفُجّار. ولكنها لم تستطع أن تجعله يتراجع عن محبته (مز 18: 4). وأمكنه أن يقول: "إنَّ الْمِيَاهَ قَدْ دَخَلَتْ إِلَى نَفْسِي" (مز 69: 1)، ولكنها لم تستطع أن تغرق المحبة التي كان يمتلئ بها قلبه. لقد جازت عليه كل تيارات وأمواج الله (يونان 2: 3)، ولكن المحبة لم تفارقه. فـ "التيارات الكثيرة" لم تَنَلْ من محبته للعروس، ولم تستطع السيول غمرها. فمحبته انتصرت، ومحبته تثبت إلى المنتهى. ومن هنا يمكننا أن ننشد هاتفين لذاك "الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ... لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ".
"7إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ تُحْتَقَرُ احْتِقَاراً".
لا يمكن للحب أن يُشرى. صحيحٌ أن المسيح قد أعطى "كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ"، فتخلى عن ممالك وعروش وتيجان، إلا أنه أعطى أكثر من ذلك، فلقد "أعطى ذاته". وفي بذله لنفسه برهن محبته، لأنه "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِه"ِ. واستجابةً لهذا الحب فإنه يبحث عن الحب. وما من شيء سوى الحب من أعماقنا يشبع محبة قلبه نحونا. قد نقدم أعمال أيدينا، وفضتنا، وذهبنا، وأعمال المحبة والإحسان، وأجسادنا لتُحرقَ، ولكن إن لم تكن هناك محبة فهذا كله سيكون بلا جدوى.
إن محبة المسيح تولّد محبة. نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً. هكذا هي المحبة التي بها نحُب. محبةٌ أعطتنا مكانة في قلب المسيح. محبةٌ وضعتنا في ظل حماية ذراعه القوية. محبةٌ قويةٌ كالموت. محبة غيورة تمتزج بغيرة إلهية. محبة تشتعل بلهيب متقد. محبةٌ لا تنطفئ أبداً، وهي محبةٌ لا يمكن أن تُشرى.
"8لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لِأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟"
إن العروس، وقد تجددت وسُرّتْ بحب العريس، تجد نفسها قادرة على التفكير بحرية في بركة الآخرين. وإن كان التفسير الدقيق لنشيد الأنشاد يقدم العروس كممثلة عن شعب الله على الأرض- ألا وهم شعب إسرائيل- وقد تجددوا ونالوا بركة المسيح، فإن "الأخت الصغرى" ترمز، على الأرجح، إلى أفرايمَ، أو الأسباط العشرة. فنعرف أنهم سينالون البركة، ولكن ليس من خلال خبراتهم القديمة في العلاقة مع المسيح، بل بفضل محبتهم للمسيح وممارساتهم وخبراتهم التي يطورونها أو يمرون خلالها. ولكن ستسنح فرصة لأفرايم- يوم تُخطب. وما الذي يمكن القيام به لأجلها يومذاك؟
العريس
"9إِنْ تَكُنْ سُوراً، فَنَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ. وَإِنْ تَكُنْ بَاباً، فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ."
هنا نجد الجواب. عندما يقيم شعب إسرائيل علاقة راسخة كالسور مع الله من جديد، وذلك بفضل نعمة الله المجددة الافتدائية: "نَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ". وعندما يصبح باباً- بأن يفتح قلبه للمسيح- فسينعم بحمايته وعنايته: "فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ".
في حين أن التفسير الدقيق يشير إلى أفرايم، أفلا نستطيع تطبيق هذا المبدأ على الجماعة الأكبر التي تعترف حقاً بالمسيح وعواطف قلبها تتجه نحوه؟ كم هم كثيرون أولئك الذين يشبهون هذه "الأخت الصغرى" في نشيد الأنشاد. قد تكون حياتهم صحيحة في الظاهر. وما من انحراف عن الطريق المستقيم قد أصابهم، ولم يضلوا سواء السبيل، ولم يتعرضوا للضرب والتجريح على يد الْحَرَس الطَّائِفُ فِي الْمَدِينَةِ، ولم يرفع حَفَظَةُ الأَسْوَارِ إِزَارهم عنهم. ولعلهم لم ينـزلوا إلى وادي الظلمة ليعرفوا قلوبهم، ولعلهم لم يصعدوا إلى جبل حرمون ليعرفوا مدى المحبة في قلب المسيح. لم تسنح لهم فرصة تطوير خبرة علاقة عميقة مع المسيح. ما الذي يمكن عمله لهم؟ ما يحتاجون إليه هو ترسيخ علاقتهم بالمسيح- أن يصبحوا سوراً. وأن يفتحوا قلوبهم للمسيح- ويصبحوا باباً. وعندها يصبحون فعلاً شهوداً لنعمته التجديدية الافتدائية أمام الآخرين، وتصبح قلوبهم حصناً مسيجاً مكرساً للمسيح.
العروس
"10أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلاَمَةً."
يمكن للعروس أن تقول بالنعمة: "أنا سورٌ". وباستنادها على علاقتها الراسخة مع العريس، فإن مشاعرها هي سر قوتها ومعيار مصداقية شهادتها أمام الآخرين. إن البرج هو مكان الأمن والأمان وأيضاً نقطة علام للآخرين. إن المؤمن الذي تتجه عواطفه إلى المسيح هو الذي وجد فعلاً السلام في عيني المسيح. إن مريم، التي دفعتها عواطفها للارتماء على أقدام المسيح، كانت، في نظره، مثالاً عن الإنسان الذي وجد السلام، وهذا السلام لن يتزعزع. لقد "اخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنـزعَ مِنْهَا»".
"11كَانَ لِسُلَيْمَانَ كَرْمٌ فِي بَعْلَ هَامُونَ. دَفَعَ الْكَرْمَ إِلَى نَوَاطِيرَ، كُلُّ وَاحِدٍ يُؤَدِّي عَنْ ثَمَرِهِ أَلْفاً مِنَ الْفِضَّةِ".
إن "بَعْلَ هَامُونَ" تعني "سيد الجماهير". فالمقطع يصف الزمن الذي سيملك فيه المسيح- سليمان الحقيقي- على كل أمم الأرض. وتصبح الأرض كلها كرماً مثمراً. سيكون هناك ملوك على الأرض- وهم نواطير الكرم- وسيستمتعون بثمار الأرض، إلا أنهم سيكونون خاضعين للمسيح. سيدفعون له جزيةً. سيقدمون له ألفاً من الفضة.
"12كَرْمِي الَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي. الأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ، وَمِئَتَانِ لِنَوَاطِيرِ الثَّمَرِ."
إلا أن العروس لديها كرمها الخاص. إن شعب إسرائيل عندما يتجدد سيحظى بمكانه الخاص، وسيكون خاضعاً للمسيح، مثله في ذلك مثل العروس. ولكن عندما تقدم العروس كل ما لها للعريس، فإن البركة ستعم الآخرين. وإن كان سليمان سيأخذ ألف قطعة من الفضة، فإن الآخرين سينالون مئتين. إن قَارُورَة الطِيب كَثِيرِ الثَّمَنِ سَكَبَتْهُ مريم عَلَى رَأْسِ المسيح، إلا أن الآخرين استفادوا من ذلك إذ "امتلأ البيت برائحة عطر هذا الطيب".
وهكذا إذاً، في نهاية الأمر، إن النفس التي اختبرت ظلمات الأودية، وارتفاعات الجبال، والضلال في المدينة، ومسرات الجنة، تأتي إلى الاستقرار والراحة في محبة المسيح الأبدية (الآية 5)، بعرضها وطولها وعمقها وارتفاعها (6، 7)، وإلى التفكير في الآخرين (8، 9). فيعترف الجميع بأنه سيأتي يومٌ يملك فيه المسيح على الكون بأسره (10، 11). وخلال هذا الزمان يمتلك كل شيء (12). هكذا هو انتصار المحبة في المسيح.
العريس
"13أَيَّتُهَا الْجَالِسَةُ فِي الْجَنَّاتِ، الأَصْحَابُ يَسْمَعُونَ صَوْتَكِ، فَأَسْمِعِينِي."
يُسمع صوت العريس هنا لآخر مرة. إنه يُسر بامتلاك ما أنجزه الحب. لقد انتهى تيهان وضلال العروس: فقد جاء بها الحب للسكنى في الجنة. يا لسعادتنا عندما تجتذبنا محبة المسيح بقوة إذ نجد نصيبنا هناك خارج هذا العالم البائس في صحبةٍ مع شعبه- في جنات الرب. وفقط من موقعنا ضمن الشركة معه يمكننا أن نكون شهوداً حقيقيين للآخرين. إلا أن الرب لا يرضيه أن يسمع الآخرون صوت شهادتنا من خلال طريقة شهادتنا، بل إنه يُسر بسماع صوت شهادتنا عن طريق العبادة، واستجابتنا لصوته. وسرعان ما نجد العروس تستجيب:
العروس
"14اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَالظَّبْيِ أَوْ كَغُفْرِ الأَيَائِلِ، عَلَى جِبَالِ الأَطْيَابِ."
إن جواب العروس يعبّر عن توق قلبها للعريس. وتُشبع رغبة قلبها، ويسمع صوتها وهي تقول: "اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي"، هذه الكلمات التي تقع على مسمعه بعذوبة وتبهج قلبه، إذ تكشف له أن محبته قد فعلت فعلها في قلب العروس. فالحب يملأ قلبها وسوف لن يجد رضاه بعيداً عنه، بل بعودته إليها. وهكذا ففي يومنا يأخذنا الحب معه، ويصبر علينا في اعوجاجاتنا، ويسترجع أرواحنا، وينعش عواطفنا المتقاعسة، ويأتي بنا إلى الشركة مع المسيح في جنة الرب، وهناك يكشف كل كنوز محبته، ويخبرنا بأن محبوبنا آتٍ لأجلنا. ويكون الحب قد أنجز عمله في قلوبنا، عندما يسمع الرب شعبه، واستجابة لقوله أن: "هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً"، حين يردد له الهتاف أن "آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ".
- عدد الزيارات: 1823