الأصحاح التاسع والعشرون
كانت رحمة الله ومحبته ترفرفان فوق حياة داود في فترة انحرافه، وعندما يضعف إيماننا، نكون غير أمناء فهو يبقى أميناً لن يقدر أن ينكر نفسه، إذ لا بد أن يرد نفوسنا، وهذا ما يتجلى لنا بوضوح في هذه الفترة من حياة داود ولا بد أن تتحقق معنا أيضاً كلمات داود التي نطق بها فيما بعد إذ تطلع إلى تلك الفترة من حياته حيث رفعه الله بصلاحه ووصل إلى ما جاء في 2 صموئيل 22: 36 ومزمور 18: 35 وقال "لطفك يُعظمني" ولقد تجلّت رحمة الله الهادية لداود في دفع العظماء والأقوياء للدفاع عن قضية داود إذ جاء في أخبار أيام الأول 12: 1 "وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ إِلَى صِقْلَغَ وَهُوَ بَعْدُ مَحْجُوزٌ عَنْ وَجْهِ شَاوُلَ بْنِ قَيْسَ، وَهُمْ مِنَ الأَبْطَالِ مُسَاعِدُونَ فِي الْحَرْبِ". وحين نتأمل في أسمائهم نجد البعض من نفس السبط الذي ينتمي إليه شاول الملك نفسه، وهم ماهرون في الفنون الحربية يستطيعون باليد اليسار كما باليمين أن يرموا بالمقلاع أو بالقوس، والآخرون أتوا من شرق الأردن، عبروه عائمين في وقت الفيضان وهو ممتلئ إلى جميع شطوطه رجال بأس متمرنون على الحرب وجوههم تشبه الأسود سريعو الحركة كالأيائل فوق الجبال وأتى غيرهم من بنيامين ويهوذا مؤكدين لداود أنه لا مبرر أن يشك في ولائهم له- قالوا له "لك نحن يا داود ومعك نحن يا ابن يسى. سلام سلام لك. وسلام لمساعديك لأن إلهك معينك" (1 أخ 12: 18).
كانت روح التذمر بدأت تتفشى في كل الشعب إذا أعيا من سوء إدراك شاول وبدأ يدرك أن رجاء إسرائيل الوحيد معقود على داود، لذلك خرجوا إليه خارج المحلة حاملين عاره وهكذا صاروا يتوافدون إليه يوماً فيوماً حتى صاروا جيشاً عظيماً كجيش الله (1 أخ 12: 22).
وبغتة اعتزم الفلسطينيون محاربة إسرائيل إذ لاحظوا الانحلال الذي بدأ في مملكة شاول فجمعوا جيوشهم إلى أفيق، وكان الإسرائيليون نازلين على العين التي في يزرعيل (1 صم 29: 1).
وأكد ملك جت لداود من ضرورة مرافقته له علامة على ثقة الملك فيه إذ لم يرَ فيه أي لوم منذ أن التجأ إليه، وكان ينظر إليه كملاك الله وجعله حارساً لرأسه كل الأيام (1 صم 28: 2) ولم يكن أمام داود إلا أن يرافق سيده في الحرب، كان الموقف حرجاً إذ بأي قلب يستطيع داود أن يفعل عذا، كان يبدو أنه يتحتم عليه محاربة شاول ويوناثان صديقه الحميم، والشعب المختار الذي كان يرجو أن يملك عليه يوماً من الأيام، ولم يستطع أن يجيب الملك إلا بمراوغة إذ قال "ستعلم ما يفعل عبدك " كان قد جاز مع الملك مسافة طويلة كان يشعر فيها بانقباض قلبه، لم يكن يرجو معونة من أي إنسان ولعل قلبه كان مشغولاً بصلاة حارة إلى الله لكي ينقذه من الشباك التي أوقع نفسه فيها. ومن إجابته إلى أخيش نرى رجاءه أن الله لا بد أن يتنازل إليه بالخلاص.
وبغتة على غير انتظار فُتح باب الرجاء في وادي عخور عندما استعرض الملك جيشه في أفيق وعبر الفلسطينيون مئات وألوف وعبر داود ورجاله في الساقة مع أخيش واعترض أقطاب الفلسطينيين على خروج داود معهم مشككين في إخلاصه وقالوا للملك "أرجع الرجل فيرجع إلى موضعه الذي عينت له". كانوا خائفين أن ينتهز داود الفرصة ويصطلح مع شاول وينقلب محارباً لهم. لم يدركوا أنهم آلة في يد الله لكي ينقذ عبده داود من موقفه الحرج.
أما كلمات التي عبّر بها عن رغبته الشديدة للبقاء بين صفوف أعداء الرب فتوضح لنا عمق الهوة السحيقة التي يمكن أن ينحدر إليها المؤمن في شروره بعيداً عن الله. فنرى داود يُلقب أخيش الشرير بقوله "سيدي الملك" ثم يصف شعبه إسرائيل الذي كان هو ملكه الممسوح من الرب ملكاً عليهم إنهم "أعداء" لكن رحمة الله حفظت داود من التردي إلى ما هو أعمق من ذلك.
وطلب الملك من داود أن يرجع، ورجع داود وانطبق ما قاله في مزمور 124: 7 "الفخ انكسر نحن انفلتنا".
- عدد الزيارات: 1901