الأصحاح الثامن
لا شك انه أمر محزن أن نكتشف فشلاً في رجل الله صموئيل، خاصة ونحن نذكر الدرس الخطير الذي رآه في عالي وبنيه، ولكن أين لا نجد فشلاً في البشر المساكين؟ لقد وجد الله في المسيح وحده ما أبهج وأشبع قلبه، وجد فيه كل ما كان يجب أن يكون عليه آدم ونوح وموسى وهرون وداود، وما لم يجده الله منهم سوف يتحقق فيه آخر المطاف.
فلما بدأ صموئيل يحس بثقل سنى حياته- جعل بنيه قضاة لإسرائيل، وهذا خبر موجز خلا من أية إشارة لكلمة من الرب او من أية إشارة لصلاة من جانب النبي. ولكن هكذا كان الإنسان الذي كان مشهوراً في يومه بصلاته المقتدرة، ولكن لماذا عيّن بنيه وهو كان يعرف أنه لا توجد خلافات للقضاء؟ إن موسى لم يفعل هكذا، إذ حين أحس بأن دور خدمته شارف على النهاية قال "ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة يخرج امامهم ويدخل أمامهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها" (عد 27: 16، 17) وكان ذلك شيئاً جميلاً نرى من خلاله كيف كان موسى راعياً صادقاً مخلصاً حقيقياً على أنه لم يجسر أن يقيم أو يعين أحداً، كلا، ولا اقترح إدخال ولديه غي ميدان الخدمة، وفي الواقع نراه يسلّم باختيار الرب ليشوع. ولكن لماذا تسللت فكرة الخلافة العائلية لصموئيل؟ ألم تتجل نعمة الله وسلطانه المطلق أمامه حين أخذت الخلافة الكهنوتية تنهار؟ إن سفر الأعمال يطالعنا بسمو الحرية الإلهية في عهدنا، لقد وقع اختيار الجماعة في أورشليم على استفانوس وفيلبس للعناية بالأرامل، وكذلك وقع اختيار الروح القدس على برنابا وشاول من وسط مجموعة الأنبياء والمعلمين في انطاكية ليذهبا ويكرزا للعالم الأممي، وفجأة أدخل أبلوس في المشهد من جميع العاملين، كان هذا هو سبيل الروح القدس. ولكن ما أضعف إدراك المسيحية الاسمية لهذا السبيل! ذلك ان النظام الخلافي طالما كان ولا يزال المبدأ الكنسي المقرر، الأمر الذي سبب ضرراً لقديسي الله وأعاق عمل الله.
كانت إقامة صموئيل لبنيه في مركز القضاء بحسن نية، كانت رغبته أن يقدم للشعب خدمة بعد أن فقد القدرة على خدمتهم فيما بعد. ولكن أليس في علم الله إحصاء عمر عبده؟ ألم يكن قادرة على العناية بشعبه؟ لنذكر ان الشعب لله وليس لصموئيل، فهل نحس بقلق بشأن مستقبل الذين نعمل بينهم؟ هل لنا مطلق الحرية في أن نرتب امورهم طبقاً لأفكارنا؟ هلم بنا نتعلم درس عثرة صموئيل. فلا يجب أن تتطاول الأيدي البشرية لمساندة التابوت. فالله قادر بالتمام على الاهتمام بأمور شعبه بنفسه. والعجيب أن الرجل الذي تكلم عن شيخوخته عاش بعد ذلك ما يقرب من خمسين سنة فقد عمّر حتى رأى بنيه يتممون دورهم ويطوبهم الغموض، عاش حتى رأى شاول ينهض ويسقط، عاش حتى مَسح داود ملكاً بدلاً من شاول، بل رأى داود وعدوه يطارده. هذه حقائق لزام علينا أن نشدد في الإشارة إليها. صحيح ان خطية الشعب في الطالبة بملك واضحة. لكن لا ننسى أن غلطة رجل الله كان لها نصيب في تلك المطالبة. فلو مضى صموئيل في خدمته بهدوء، خادماً الشعب بالقوة التي يُسر الله أن يمنحه إياها لمَا كانت قصة شاول بكل آثارها القاتلة. وذاك الذي حفظ موسى شديداً قوياً حتى بلغ مائة وعشرين سنة ولم تذهب نضارته كان في إمكانه أن يقوي صموئيل إلى أن يأتي الله لإقامة النظام الجديد. كان في فكر الله ان يعطي إسرائيل ملكاً، وكان في مقدور صموئيل أن يظل على خدمة الشعب حتى يتهيأ داود لأخذ الكرسي. ليتنا نواصل خدمتنا بقدر ما يعيينا الله ولنترك مستقبل عمله. إن رأس الجسد الكنيسة لا يزال على العرش في الأعالي. ومن يده ومن قلبه لا تزال المواهب تعطى لقديسيه على الأرض حتى تنتهي الحاجة إليها.
ومن المؤلم أن نتعلم أن ابني صموئيل لم يسلكا في طريقه بل مالا وراء المكسب وأخذا رشوة وعوجّا القضاء, إن الإنسان ليعجب حقاً كيف أن ابني رجل تقي كهذا بارز في خدمته يتمنى ويعمل جاهداً أن تكون عائلته شهادة صادقة وحقيقية لله, فهل من الجائز أن يكون تجواله دائراًمن سنة إلى أخرى هو علة هزيمته؟
ولكن في سفر أخبار الأيام الأول نتطلع إلى ما بعد هذا المنظر المؤسف إلى المستقبل إلى الملك والمجد. "وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ دَاوُدُ عَلَى يد الْغِنَاءِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بَعْدَمَا اسْتَقَرَّ التَّابُوتُ.. فَقَامُوا عَلَى خِدْمَتِهِمْ حَسَبَ تَرْتِيبِهِمْ وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْقَائِمُونَ مَعَ بَنِيهِمْ مِنْ بَنِي الْقَهَاتِيِّينَ هَيْمَانُ الْمُغَنِّي ابْنُ يُوئِيلَ بْينِ صَمُوئِيلَ بْنِ أَلْقَانَةَ بْنِ يَرُوحَامَ" (1 أخ 6: 31- 34) نعم إن هيمان المغني ذلك الاسم المميز وقائد الغناء في بيت الرب هو حفيد صموئيل. ونقرأ عن هيمان وإخوته في 1 أخ 25 كيف أن داود أفرزهم لتلك الخدمة المجيدة لأجل الحمد والتسبيح للرب "آساف وهيمان ويدوثون المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج.." (ع 1- 3) ثم يعود ويذكر أحفاد صموئيل "جميع هؤلاء بنو هيمان رائى الملك بكلام الله برفع القرن. ورزق الرب هيمان أربعة عشر ابناً وثلاث بنات. كل هؤلاء تحت يد أبيهم لأجل غناء بيت الرب" (ع 5- 7) وكان أحفاد صموئيل يشكلون 192 فرداً من مجموع عائلة الغناء لبيت الرب المكونة من 288 فرداً. تقدم شيوخ إسرائيل إلى صموئيل في الرامة وقالوا له "هوذا أنت قد شخت وابناك لم يسيرا في طريقك فالآن أجعل لنا ملكاً يقضي لنا كسائر الشعوب", وكان تصرف رجل الله في هذه اللحظة مفرحاً, لم يبد كلمة امتعاض إزاء الاتهامات الموجهة إلى ابنيه, ولا حاول أن يبذل أي جهد لهدم النظام الذي أقامه خطأ بل "صلى صموئيل إلى الرب" ولو أنه كان قد صلى قبل أن يجعل بنيه قضاة لتغير كل شيء. ليتنا نعتمد على الله في كل شيء بالصلاة.
ولا ريب أن يد الشيطان واضحة وراء مطالبة إسرائيل بملك, وبوجه خاص في إصرارهم على هذا الطلب حتى بعد أن تكشفت لهم خطورته. ذلك أن المقاوم العنيد لا يزال أبداً يعمل على مقاومة الله بقصد الشر, فليعمل الشيطان إذاً ليقدم ملكا, وبالطريقة ذاتها سوف يقوم ومن الأرض بعد اختطاف الكنيسة ملك وذلك قبيل أن يأتي ملك الملوك ورب الأرباب في الوقت المعين من الله, ولكن مهما تكن طاقة الاحتمال فإن الله لا بد أن ينفذ طريقه آخر الأمر ويتمم أغراض محبته لمجده وبركة الناس إلى النهاية. وكم هي راحة للقلب إذا ما وثقنا من هذا.
ولا شك أن الشعب قد أخطأ بطلبهم ملكاً لأن الرب كان ملكهم غير المنظور، وبطلبهم ملكاً يكونون قد رفضوا الرب.
وكانت هناك ثلاثة أسباب وراء طلب الملك:
1- أن صموئيل كان قد شاخ وتقدم في الأيام وأن ابنيه لم يسلكا في طريقه.
2- الرغبة في أن يكون الشعب مثل سائر الشعوب.
3- أن يكون لهم قائد يحارب حروبهم (ع 20).
وكان على الملك أن يملك في حدود ما يشير به النبي أو الكاهن أي في اعتماده على الله لأن النبي والكاهن لا بد أن تتفق مشورتهما مع الشريعة. وحين صلى صموئيل للرب قال له الرب "إنهم لم يرفضوك أنت بل إياي حتى لا أملك عليهم" أي ان الخادم ينبغي أن يكون متوافقاً مع سيده وهذا يتفق مع ما قاله ربنا يسوع المسيح "إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ" (يو 15: 20)، وقال الرب لصموئيل "اسمع لصوتهم وملِّك عليهم ملكاً" (ع 22).
وكان الملك المُعطى لهم متوافقاً تماماً مع رغبتهم، أعطاهم شهوة قلوبهم وأرسل هزالاً في أنفسهم.
وإقامة الملك كانت أمراً متوقعاً، كما جاء في تثنية 17: 14- 20 وكان غرض الله النهائي يتطلع إلى الملك الآتي ربنا يسوع المسيح له كل المجد.
- عدد الزيارات: 1805