Skip to main content

الأصحاح الخامس

أما وقد سُبى التابوت فقد بات كل نظام إسرائيل الديني في الخراب لقد كان التابوت المنظور ليسكن الرب بالنعمة وسط شعبه. فهو رمز عظيم مُعبِّر عن المسيح الموعود به في أزمنة العهد القديم. فالمواد التي تألف منها تتحدث عن شخصه الكريم؛ فخشب السنط يحدثنا عن ناسوته الذي لا يقربه الفساد، كما الذهب عن لاهوته، وغطاء الرحمة يتكلم عن ذبيحته الكفارية العظيمة المقبولة لدى الله إذ لم يكن الدم المكفّر ليغيب عنه إطلاقاً. ثم خذ ما كان في داخل التابوت العصا التي أفرخت وقسط المَن ولوحي العهد- كلها تتحدث عن الوظائف والخدمات المختلفة التي شاء أن يشغلها في رحمته. ولما كانت الخيمة بغير تابوت كان يقال بحق أن الرب ارتحل. ولم تكن خدمة الكهنوت مُبسّرة جائزة فكيف يمكن إتمام فرائض يوم الكفارة ما دام عرش الرب غير موجود في القدس ليتقبل الدم المرشوش؟ على أن هذا كان قاعدة كل معاملات الله مع شعبه. والآن تخلخلت الأسس الذي أصبح مبعث حزن غامر لكل نفس تقية في الأمة.

إخذ تابوت الله إلى أشدود، وكانت إحدى أكبر خمس مدن في أرض الفلسطينيين وهي أشدود وغزة وأشقلون وجت وعقرون. ولكل مدينة وما حولها كان يوجد حاكم يدبر أمورها. وكانت كلها متحدة كأمة واحدة.

أدخل الفلسطينيون تابوت الله إلى داجون وأقاموه بقرب داجون. وكلمة "داجون" مشتقو من داج وهي كلمة عبرية معناها سمكة. وكان التمثال له رأس إنسان، ويد إنسان وجسم سمكة. وعبادة هذا التمثال مذكورة في قضاة 16: 23 ويبدو أنه كان أعظم آلهة الفلسطينيين. وإقامة التابوت بقرب داجون علامة انتصار داجون على إله إسرائيل حسب زعمهم.

وسقط الصنم على وجهه إلى الأرض أمام تابوت الرب علامة خضوعه. ولما سقط أول مرة ظنوا أنه على سبيل الصدفة، ولكن حين سقط مرة ثانية ورأسه ويداه مقطوعة على العتبة عرفوا يقيناً أن ذلك من إله التابوت. وقطع الرأس إشارة إلى عدم الحكمة لأن الرأس مركز العقل، وقطع اليدين إشارة إلى عدم الاقتدار لأن اليدين هما وسيلة العمل. ووجود الرأس واليدين على العتبة علامة الانحطاط والاحتقار لأن العتبة مكان الدوس بالرجلين. وهكذا صار بدن السمكة فقط بلا رأس أي بلا عقل, وبلا يدين أي بلا اقتدار, وهكذا جميع الأصنام.

"فَثَقُلَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى الأَشْدُودِيِّينَ, وَأَخْرَبَهُمْ وَضَرَبَهُمْ بِالْبَوَاسِيرِ فِي أَشْدُودَ وَتُخُومِهَا" (ع 6). وتشير يد الرب إلى قوته. أظهر الرب قوته أولاً على الصنم ثم على عبادته. وكلمة "بواسير" تحمل أيضاً معنى الدمامل. ويقول البعض أن الكلمة تشير إلى مرض الطاعون وهذا يوافق ما قيل في عدد 11 "لأن اضطراب الموت كان في كل المدينة", وما جاء في ص 6: 4 "خمسة بواسير من ذهب وخمسة فيران من ذهب" يرينا أن الضربة لم تكن قاصرة على البواسير بل كانت أيضاً الفيران التي ضربت محصولهم.

أراد الله بذلك أن يعلمهم أن التابوت ليس وثناً آخر يوضع في هيكل وثنهم. وكان جديراً بهم أن يتعلموا الدرس الذي يشير إليه الرسول بولس في رومية 1: 1-23 "بينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء وابدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات.." ولكن هذا هو الإنسان!

لم يكن الفلسطينيون على استعداد للخضوع تحت يد الله التي ثقلت عليهم وأرسلوا التابوت من مكانه إلى آخر. أرسلوه أولاً إلى جت وضرب الرب أهل المدينة من الصغير إلى الكبير ونفرت لهم البواسير.

وأرسله أهل جت إلى مدينة عقرون, وتبعد حوالي 25 كليلومتراً شمال جت, وعرف أهل عقرون أناساً كثيرين قد صاروا إلى الموت بسبب وجود التابوت, ولذلك رفض أهل عقرون قبول التابوت, وجمعوا كل أقطاب الفلسطينيين ليرسلوا التابوت مرة أخرى إلى إسرائيل (ص 5: 6- 12).

وحينما كان يرسل التابوت كانت يد الرب تنزل بضرباتها، وهذا رمز لما سيرسله الرب من ضربات على هذا العالم بعد اختطاف الكنيسة، ومع ذلك لن يكون تحول نحو الله. وسوف تنزل هذه الضربات كما جاء في سفر الرؤيا على المسيحية الاسمية المرتدة. ولا نجد وقتئذ كلمة واحدة عن التوبة بل التجديف على الله (رؤ 16: 11). هكذا كان الأمر مع الفلسطينيين الذين لم يخضعوا ليد الرب.

 

  • عدد الزيارات: 2946