الأصحاح الثالث
ليس أمراً غريباً أن يكون هناك إعلان ليلي لصبي مثل صموئيل، لأن الرب يريد منا أن نرجع ونصير مثل الأولاد "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (مت 18: 3). وحين نكون مثل الأولاد نكون أكثر إيجابية بلا تردد، فنتعلم فكر الله بأكثر سرعة.
وليس قول بلا دلالة الذي نقرأه عن عالي "عيناه ابتدأتا تضعفان. لم يقدر أن يبصر" فالضعف الجسماني لم يكن إلا صورة محزنة لحالته الروحية. ونقرأ في 2 بطرس 1 عن الإنسان الذي لا يقدر في إيمانه فضيلة أنه أعمى قصير البصر قد نسي تطهير خطاياه السالفة، فلا توقف في الأمور الروحية فإنه إما أن يسير إلى الأمام أو إلى الوراء.
كان سراج الله آخذاً في الانطفاء في القدس. لقد كان على هرون وبنيه أن يرتبوا السُرج من المساء إلى الصباح أمام الرب دائماً. والسِراج رمز للشهادة. وكانت شهادة إسرائيل للأمم في ذلك الوقت ضعيفة بسبب فساد القادة. وبعد ذلك بوقت قصير صاحت قديسة وهي تحتضر "قد زال المجد من إسرائيل" وكانت على حق.
بدأ بيت عالي يزول وكاهن الرب الأمين بدأ يظهر في الميدان. ركض صموئيل إلى عالي، ولكن مع الأسف كان كل ما استطاع أن يقوله عالي لصموئيل هو "ارجع واضطجع" إذ لم يكن لعالي أية رسالة يبلغها للصبي لأنه كان شيخاً ضعيف البصر فلم يستطع أن يصرف وقته إلا في النوم والظلام بينما كان صوت الرب يُسمع بقربه. لقد انعدم التمييز عند عالي ولم يدرك أن الله كان يتكلم مع صبي. ومع ذلك تردد النداء ثلاث مرات. وأخيراً جاء الرب ودعل صموئيل كالمرات السابقة وقال "صموئيل صموئيل. فقال صموئيل تكلم لأن عبدك سامع". وما حدث في شيلوه تلك الليلة ليس له سابقة حيث لم يسبق أن رأينا ظهوراً إلهياً في إسرائيل من أي نوع. ولو أن عالي كان فاهماً روحياً لأدرك تصرف الله سريعاً غير ان العجوز المسكين كان نائماً ولم يسعه إلا أن يقول "اذهب واضطجع" ويقول الرسول بولس "فلا ننم كالباقين بل لنسهر ونصح" (1 تس 5: 6). وأخيراً تحقق عالي أن الرب يدعو الغلام وقال له "ويكون إذا دعاك تقول تكلم يا رب لأن عبدك سامع" وكما وجه عالي صموئيل إلى كيفية الاستجابة لهذا النداء هكذا يجب أن يعمل الكبار كل ما بوسعهم لمساعدة الصغار ويأخذوا بأيديهم ليعرفوا طريق الرب. وعندما أجاب صموئيل حذف كلمة "الرب" واكتفى بالقول "تكلم لأن عبدك سامع" وربما يكون قد خاف أن ينطق باسم الرب بدافع من الخوف المقدس. وكانت الرسالة التي سمعها صموئيل مذهلة فها هو الرب عتيد أن يفتقد بالغضب عالي وبيته بسبب شر بنيه ولأنه لم يردعهم. وربما يجد البعض أنه شيء غريب أن تُعطَى رسالة كهذه لغلام. ألم يجد الرب شيخاً يقوم بهذه الخدمة؟ وهنا تحصرنا رسالة يوحنا الثانية التي كُتبت لتعرّفنا فكر الرب عن المعلمين الكذبة وتعاليمهم المُهلكة، ولم يخاطب الرسول غايس الحبيب بل كيرية المختارة وأولادها ليقفوا بجانب الحق ويوصدوا أبواب بيوتهم أمام هؤلاء المعلمين الكذبة قد يقترح الفكر الإنساني أن يعهد بهذه المهمة للرجال، وتبقى النساء والأولاد بعيداً عن هذا التصرف العنيف، لكن حين يتفشى الشر فليس لأحد أن يعتزل.
لا شك أنها كانت صدمة أليمة لصموئيل أن يبلغ عالي هذه الرسالة وكان ذلك إيذاناً بدخوله لأول مرة في حقائق الخدمة والشهادة لله في عالم شرير. وفي رده على تساؤل عالي أخبره صموئيل بجميع الكلام. غير أن عالي لم يسعه إلا أن يحني رأسه قائلاً "هو الرب. ما يحسن في عينيه يعمل". لم يرتفع إلى مستوى عمل نشيط، ولا أظهر إحساساً صادقاً بالشر والهوان اللذين كان ينطوي عليهما الموقف المحزن كله، لم يلتجئ إلى الله بالاعتراف بالشر وطلب الغفران، ولم ينتهز الفرصة التي أعطيت له من الله.
كان ذلك طليعة إعلانات عديدة لصموئيل. وكبر صموئيل وكان الرب معه ولم يدع شيئاً من جميع كلامه يسقط إلى الأرض. لقد تكلم الرب بواسطة الشخص الذي كانت له الأذن السامعة، وهذه هي طريق الله ولا تزال. وقال سيدنا وهو ينطق بأمثاله "من له أذن للسمع فليسمع". إن المجموعة العامة في المسيحية الاسمية أصبحت اليوم في حالة عدم اكتراث متزايد لمعرفة مشيئة الرب والعمل بها، غير أن الإنسان الذي له الأذن السامعة لا يفشل في النمو في معرفة الله وكلمته.
ولم يفشل النبي الشاب في كسب احترام الشعب. لم يستهن أحد بحداثته، فقد اتضح أمام كل قلب متدرب أن الله في بره يدين الكهنوت، وأنه لا يترك شعبه. وفي سمو محبته أنشأ حلقة اتصال جديدة بينه وبينهم في شخص صموئيل. "وعرف جميع إسرائيل من دان إلى بئر سبع أنه قد أؤتمن صموئيل نبياً للرب" أي من أقصى الشمال إلى أقصى جنوب تخوم إسرائيل.
ولكن هل الآباء والأمهات مسئولون أمام الرب عن الشرور التي يعملها أولادهم؟ ينبغي أن نردعهم حين يخطئون، كما نصلي لكي يساعدنا الرب في تربيتهم في خوف الرب وإنذاره، ونرسلهم إلى مدارس الأحد ونكون لهم القدوة الحسنة في تصرفاتنا وأقوالنا، ونعمل المذابح العائلية كل يوم معهم. وحين نؤدي واجبنا نحوهم فلا بد أن الرب يكافئ اهتمامنا ويأتي بهم إلى دائرة الإيمان به.
- عدد الزيارات: 2402