Skip to main content

مقدمة

سِفرا صموئيل وسِفرا الملوك لهما في الترجمة السبعينية الاسم "السِفر الأول والثاني والثالث والرابع للملكة". ويظهر سِفرا صموئيل الأول والثاني ككتاب واحد، وكذلك سِفرا الملوك كما أن سِفرى صموئيل أطلق عليهما اسم "الأنبياء الأولون".

ولا يعني إطلاق اسم صموئيل على السِفرين أن صموئيل هو كاتبهما لأن جزءاً كبيراً من محتوياتهما حدث بعد موت صموئيل. والإشارة الأولى عن كاتبهما تجدها في 1 أخبار الأيام 29: 29 "وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هي مكتوبة في سفر أخبار صموئيل الرائي". وينسب التقليد اليهودي الأربعة والعشرين أصحاحاً الأولى إلى صموئيل لأنها تحوي تاريخ صموئيل حتى موته. ويذكر الإصحاح الخامس والعشرون موت صموئيل. والذي يؤكد هذا ما جاء في 1 صموئيل 10: 25 "فكلّم صموئيل الشعب بقضاء المملكة وكتبه في السفر ووضعه أمام الرب" وأتم جاد الرائي وناثان النبي سفري صموئيل طبقاً لما جاء في التقليد اليهودي.

وهكذا يحوي هذان السفران استمراراً لتاريخ إسرائيل. وتغطي الأصحاحات الأولى الفترة التي كان فيها الفلسطينيون لهم السيطرة على إسرائيل والتي بدأ فيها شمشون "يخلص إسرائيل" (قض 13: 5).

     ويوصف صموئيل بأنه "رجل الله" (1 صم 9: 6- 10). ووجد رجل الله في الأزمنة الصعبة أمام الرب سواء في زمان إسرائيل قديماً أو في أيام الكنيسة الآن. ولو كان الترتيب الإلهي قد سار في الطريق الصحيح لما وجدت الضرورة "لإنسان الله" أو "رجل الله". ونحن لا نعثر على مثل هؤلاء الأشخاص فيما دونه الروح القدس عن أيام المسيحية الأولى لأن الأمور كانت تسير في مجراها الطبيعي إذ كانت الكنيسة كلها ممتلئة من الروح القدس و"نعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع 4: 33). ولكن عندما تداعت المحبة الأولى وظهرت الفوضى نقرأ عن "إنسان الله"، وكان تيموثاوس هو الوحيد الذي وصف بهذا الاسم في العهد الجديد (1 تي 6: 11) ولا ريب أن الله أقام أماثله كثيرين خلال القرون المتعاقبة، وتسجلت في السماء أمانتهم، وفي يوم المسيح سينالون المجازاة.

وفي  الوقت الحاضر يوجد المجال لإنسان الله إذ منذ أن أخذ الرب رأس الجسد المقام من الأموات مكانه في الأعالي وضعفت حالة الكنيسة وُجد أصحاب مواهب الكنيسة المكرسون, وستظل هذه العطايا ما بقي جسد المسيح على الأرض وتلك هي محبته الأمينة له المجد.

ولكن من هو "إنسان الله"؟ إن موسى هو أول رجل يحمل هذه التسمية "رجل الله" (تث 33: 1) وعنوان مزمور 90 "صلاة لموسى رجل الله". وكان مسلكه بجملته مسلك التكريس مع شعب الله المستعبد, وعن طيب خاطر حمل أثقالهم, وطوال سني الإغاظة  لمدة أربعين سنة وفي صبر عجيب احتمل أنينهم وجحودهم, وأسمى من ذلك أنه توسل لله من أجلهم, وذهب في ذلك لدرجة أنه طلب أن يُمحَى من كتاب الله إذا كان في ذلك ما يجعل الله يغفر خطيتهم.

ويطلق هذا اللقب على موسى (عنوان مزمور 90) وإيليا (1 مل 17: 18, 24) وأليشع (2 مل 4: 9) وغيرهم وأيضاً ممن لم يذكر الكتاب أسماءهم.

وحين طرح موسى العبء عن كاهله تأسس الكهنوت كحلقة الاتصال بين الرب وشعبه, وكانت له المكانة الأولى بحيث لم يكن للقائد المدني أو الحربي سوى المكانة الثانية. وبعد موسى قيل عن يشوع "فيقف أمام ألعازر الكاهن فيسأل بقضاء الأوريم أمام الرب" (عد 27: 21). لكن حين ظهر صموئيل في المشهد كانت الأمور حرجة حيث تحطم الكهنوت في شخص عالي إذ أجاز الإثم في أبشع صوره في أقرب الناس إليه مع أنه هو شخصياً كان تقياً لكنه لم يردعهم, فقد سيطرت العاطفة على ذهنه دون الأمانة للرب, وأوجب بنوه اللعنة على أنفسهم.

وكان الشعب ورئيس المهنة الكل على خطأ في تلك الأيام التي "لم يكن فيها ملك" في إسرائيل, كل واحد عمل ما حسن في عينيه. والأصحاحات الأخيرة من سفر القضاة تعلن لنا الظروف المزعجة التي كانت سائدة في الأرض.

حتى في العائلة التي نشأ فيها صموئيل لم تكن الأمور حسنة, كما سنرى في حينه. كان أبوه لاوياً سليل قورح (1 أخ 6: 33- 37) الذي استُثنى أولاده من الموت في يوم تمرد أبيهم وذلك بمقتضى نعمة الله فصاروا فيما بعد بوابين واقفين في بيت الرب. وهكذا نجد قورحياً فاشلاً, ورئيس كهنة يُجيز الإثم الشنيع ويساكنه, وكل منعما يفعل ما يحسن في عينيه. فهل تنزل الدينونة من الله على هذا الشعب؟ كلا. عوضاً عن الدينونة أقام الله رجل الله صموئيل ليرد به شعبه الخائن ويشفيه. هذا هو موضع صموئيل في طرق الله.  

وإن كانت العبارة التي وردت في خاتمة سفر القضاة "في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل. كل واحد عمل ما حسن في عينيه" (قض 21: 25) ترينا فشل إسرائيل بسبب فشل الكهنوت إذ كان عالي شيخاً مسناً ضعيفاً, وكان ولداه حفنى وفينحاس فاسدين وشريرين. وبسبب فشل إسرائيل استخدم الرب الفلسطينيين في ضربهم, وفكر إسرائيل في أخذ التابوت في محاولة للانتصار على الفلسطينيين ولكن أصابتهم الهزيمة, وأسر الفلسطينيون تابوت العهد وأخذ إلى أشدود. وبعد عودة التابوت دعا صموئيل الشعب إلى التوبة, عندئذ ترك إسرائيل البعليم والعشتاروت وعبدوا الرب (1 صم 7). وكانت النتيجة النصرة على الفلسطينيين. وهكذا دائماً عندما نحكم على الشر الذي فينا ونرجع إلى الرب بقلوبنا تكون النتيجة هي النصرة.

وقضى صموئيل للشعب لكنه بالأسف جعل بنيه قضاة لإسرائيل رغم أنهم كانوا أشراراً مثل أولاد عالي إذ تحولوا على المكسب وأخذوا رشوة وعوجوا القضاء (1 صم 8: 3) وبسبب ذلك طلب شيوخ إسرائيل أن يكون لهم ملك وقالوا لصموئيل "هوذا أنت قد شخت وابناك لم يسيرا في طريقك فالآن اجعل لنا ملكاً يقضي لنا كسائر الشعوب" (1 صم 8: 5) وهم بذلك رفضوا الرب كملك عليهم وأعطاهم الرب ملكاً كشهوة قلوبهم.

وهكذا صار صموئيل خاتماً للقضاة, ومسح أول ملكين في إسرائيل. ومن تثنية 17: 14 نعرف أن الملك كان متوقعاً حيث نجد القول "مَتَى أَتَيْتَ إِلى الأَرْضِ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ وَامْتَلكْتَهَا وَسَكَنْتَ فِيهَا فَإِنْ قُلتَ: أَجْعَلُ عَليَّ مَلِكاً كَجَمِيعِ الأُمَمِ الذِينَ حَوْلِي. 15فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكاً الذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكاً. لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَجْعَل عَليْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيّاً ليْسَ هُوَ أَخَاكَ".

كان يجب أن يكون في إسرائيل من يمثل الملك الحقيقي ومملكته هي تلك الموعود بها. وأشارت حنة في ترنيمتها النبوية إلى ذلك الملك "الرَّبُّ يَدِينُ أَقَاصِيَ الأَرْضِ, وَيُعْطِي عِزّاً لِمَلِكِهِ, وَيَرْفَعُ قَرْنَ مَسِيحِهِ" (1 صم 2: 10), وأشار إليه بلعام العراف في نبوته "يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ وَيُهْلِكُ كُل بَنِي الوَغَى" (عد 24:17). والملك الحقيقي هو الرب يسوع المسيح له المجد.

كان شاول المَلك من اختيار الشعب, وانتهى بفشل عظيم, وطهر بعد ذلك في المشهد, وكان مختار الله حسب قلبه. وداود وسليمان كلاهما رمز للمسيح سواء في توقيع القضاء أو في نشر السلام.

ويحوي سفر صموئيل الأول تقريراً عن أعمال صموئيل ومسح شاول وداود كما يحوي وصفاً لمُلك شاول واضطهاده لداود.

* * *

وينقسم السفر إلى ثلاثة أقسام:

1- ميلاد صموئيل- طفولته وتأهيله لكي يكون قاضياً.

2- مَسح مَلك إسرائيل الأول شاول ورفضه.

3- مَسح داود مَلكاً.

ويغطي سِفرا صموئيل حوالي 120 سنة من تاريخ إسرائيل. وولد صموئيل حوالي سنة 1090 ق. م. والشخصية البارزة في سفرى صموئيل هي داود. ويذكر الكتاب المقدس الشيء الكثير عن داود أكثر من أي رجل باستثناء الرب يسوع له المجد.

*      *     *

  • عدد الزيارات: 2272