Skip to main content

الأصحاح 27

نرى في تصرف بنات صلفحاد وعدم الاستعداد أن يتركن الامتياز الإلهي الذي أعطته لهن الخدمة الإلهية، وبكل جرأة طلبن ميراث آبيهن، ولا شك أن هذا شيء جميل في وقتنا الحاضر الذي فيه قل الاهتمام بأمر المقام الرائع الذي وصل إليه شعب الله. إننا نخطئ إلى أنفسنا ونهين اسم إلهنا إذا أظهرنا الروح عدم المبالاة من جهة ما علنه الله لنا في كتابه المقدس من الحقائق السامية المتعلقة بمركز الكنيسة ونصيبها ومركز كل مؤمن ونصيبه. ليس من اللائق أن نقابل صنع الله المعلن في كتابه بالاستخفاف فلا نفرق بين مركزنا كعبيد أو بنين، ولا نميز إن كنا تحت الناموس أو تحت النعمة، وإن كانت دعوتنا سماوية أو أرضية. إن الله يبتهج ويسر بأولئك الذين يقدرون ويتمتعون بما تقدمه لهم محبته السامية. إن عمل بنات صلفحاد أدخل السرور إلى قلب الله فقد اعتقدن عن يقين أن لهن نصيباً في أرض الموعد لا يستطيع الموت أن يحرمهن منه "لِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ" (ع 4).

إن كلماتهن اخترقت كبد السماء ووصلت إلى عرش الله، ووقف أمامهن موسى مبهوراً فلم يستطع أن يعطي جواباً لأن الموضوع الذي عرض عليه فوق مستوى المشرع. وكان موسى خادماً أميناً مطوباً ومكرماً. ونراه مرة أو مرتين في غضون سفر العدد وقد عرضت عليه مسائل لم يستطع أن يبت فيها وحده كحادثة القوم الذين تنجسوا لميت (عد 9) وحالة الرجل الذي احتطب حطباً في يوم السبت (عد 15).

وحين قدم موسى دعواهن أمام الرب قال الرب لموسى "بِحَقّ تَكَلَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ فَتُعْطِيهِنَّ مُلْكَ نَصِيبٍ بَيْنَ إِخْوَةِ أَبِيهنَّ وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِلَيْهِنَّ" (ع 7) وبذلك انتصرت بنات صلفحاد. ومن المؤكد أن الإيمان البسيط لا بد أن يكافأ دائماً علانية على مرأة من كل الجماعة. ما أجمل الإيمان الذي يمسك بمواعيد الله ويرفض أن يسلم لو قيد شعرة من الميراث الإلهي المعطى له من الله. كما أن الله لا يرفض إجابة سؤال قلب المؤمن فهو لا يقدر أن ينكر نفسه، وعلى هذا القياس لا يقدر أن يخيب رجاء المتكلين عليه وحاشا له أن يقول لنا أنت صعبة السؤال لأن الشيء الوحيد في هذا العالم الذي يطيب قلبه هو الإيمان. وفي ص 36: 1- 5 من هذا السفر تقدم رؤوس الآباء من عشائر بني يوسف قائلين إن إعطاء بنات صلفحاد نصيب أبيهن قد يجعل أرض سبط منسى تؤخذ إلى سبط آخر لو تزوجن رحلاً من هذا السبط الآخر من قرعة نصيبنا، ومتى كان اليوبيل لبني إسرائيل يضاف نصيبهن إلى هذا السبط الآخر. وقال الرب لموسى بحق تكلم سبط بني يوسف. وينبغي لبنات صلفحاد إذا أردن أن يتزوجن ألا يتزوجن رجلاً من سبط آخر بل من نفس سبط منسى، ولذلك كانت أقوال الرب لموسى ليست فقط ما ورد هنا في ص 27: 6- 11 بل أيضاً ما جاء في ص 36: 5- 11 أي أن الميراث في العائلة حق ولكن في حدود السبط، والتطبيق الروحي لذلك هو أننا الآن في الاجتماع المحلي لا نتصرف بالاستقلال عن إخوتنا بل في حدود النظام العام الذي وضعه الرب لكل الجماعة. ويقول الرسول بولس "إن كان أحد يحسب نفسه نبياً أو روحياً فليعلم ما أكتبه إليكم إنه وصايا الرب" (1 كو 14: 37). وفعلت بنات صلفحاد كما قال الرب تماماً إذ صرن نساء لبني أعمامهن (ص 36: 10- 12).

ع 12- 14

في هذه الأعداد نرى معاملات الله التأديبية إذ قال الرب لموسى "اصْعَدْ إِلَى جَبَلِ عَبَارِيمَ هذَا وَانْظُرِ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَتَى نَظَرْتَهَا تُضَمُّ إِلَى قَوْمِكَ أَنْتَ أَيْضًا كَمَا ضُمَّ هَارُونُ أَخُوكَ لأَنَّكُمَا فِي بَرِّيَّةِ صِينَ عِنْدَ مُخَاصَمَةِ الْجَمَاعَةِ عَصَيْتُمَا قَوْلِي أَنْ تُقَدِّسَانِي بِالْمَاءِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ ذلِكَ مَاءُ مَرِيبَةِ قَادَشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينَ". وكان هذا قضاء الله العادل إذ حرم موسى ليس فقط من قيادة الجماعة بل أيضاً من عبور نهر الأردن، ولكن من الناحية الأخرى نرى النعمة الإلهية في لمعانها إذ اقتاد الرب عبده موسى وأصعده إلى رأس الفسجة ومن هناك رأى أرض الموعد في كل جمالها واتساعها ليس فقط بحسب امتلاك الشعب لها بواسطة يشوع وما بعده بل الأرض حسب ما هي في فكر الله أن يعطيها لبني إسرائيل.

قبل موسى قضاء الرب في روح جميلة إذ كان كل اهتمامه موجهاً إلى جماعة الرب فقال للرب "لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ إِلهُ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ رَجُلاً عَلَى الْجَمَاعَةِ يَخْرُجُ أَمَامَهُمْ وَيَدْخُلُ أَمَامَهُمْ وَيُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ لِكَيْلاَ تَكُونَ جَمَاعَةُ الرَّبِّ كَالْغَنَمِ الَّتِي لاَ رَاعِيَ لَهَا" (ع 16) ويلجأ موسى إلى الرب باعتباره "إله أرواح جميع البشر" أي خالق جميع البشر ولذلك فلا بد أن يعتني بهم وفي صلاحه يرتب ما هو لازم لشعبه، يرتب راعياً يقود الجماعة، ما أعظم التغيير الذي نراه في موقف موسى الذي سبق أن قال عن الشعب أنهم "عصاة" لكن الآن غير موقفه ووقف بجانب الله وينظر إليهم بنفس نظرة الله. وكل شيء يجب أن يكون مصدره- هذه النظرة التي تظهرها أمانة الرب نحو الشعب في البرية إذ نحو مدة أربعين سنة رعاهم (أع 13: 18) وكما هو مكتوب في إش 63: 9 "بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة" وهكذا نرى موسى الآن يلجأ إلى أمانة الله ليجهز للشعب قائداً يدخلهم إلى الأرض.

وإزاء منظر الميراث وقرب الدخول إليه يجب أن نتعلم المسيح في صفة جديدة ليس كما كان يمثله موسى في سلطانه كالرب والسيد كما عرف في البرية ولكن كان يمثله يشوع كقائد الشعب الذي يدخلهم إلى الأرض، والكرامة التي كانت على موسى كان يجب أن توضع على يشوع، وكان على موسى أن يضع يده على يشوع لكي ينظر إليه الشعب كما كان ينظر إلى موسى، له نفس الكرامة ولكن في صفة مختلفة. بسلطان أعظم مما كان لموسى، بسلطانه كالراعي وهو في هذا رمز للمسيح كما يشير إليه يوحنا 10 حيث يقود خرافه إلى خارج الحظيرة ويذهب أمامها ويقول عن هؤلاء الذين يتبعونه "وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد" (يو 10: 28) يخرج خرافه من داخل الحظيرة اليهودية التي تمثل الأرضيات ويذهب أمام خرافه خلال الموت والقيامة قائداً لهم إلى الحياة الأبدية إلى السماويات التي تشير إليها أرض كنعان- عن طريق المسيح المقام من الأموات والذي صعد إلى السماء فدخل إلى الدائرة الروحية التي وراء الموت.

ويتكلم يهوه عن يشوع كرجل فيه روح (ع 18) وهذا يذكرنا بما قاله عن كالب الذي كان رفيق يشوع الأمين الذي تجسس الأرض وأتى بتقرير حسن عنها فقال عنه يهوه "أنه كانت معه روح أخرى وقد اتبعني تماماً (عد 14: 24) وبذلك يكون يشوع ومعه الروح يشير إلى المسيح الذي يقود إلى دائرة البركات الروحية حيث تعرف الحياة الأبدية ويمكن التمتع بها. وواضح أن هذين الرجلين المنعم عليهما "كالب ويشوع" كان لهما تقدير عظيم للأرض البهية التي في عبر الأردن، اتبعا الرب تماماً في أفكار محبته لشعبه. كان يشوع توافق لقيادة الشعب الأرضي وأيضاً كرمز للمسيح، والروح في يشوع يشير إلى أن الروح له مكان بالنسبة للحياة الأبدية "وأن من يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غلا 6: 8). وحيث تعرف الحياة الأبدية ويكون هناك تمتع بها في الدائرة الروحية فإن هذا خارج دائرة العالم، والرب يسوع المسيح له كل المجد هو الذي يقود ويحرك في تلك الدائرة، وكان على الجماعة أن تكون مع يشوع (ع 21)، كلها تتوافق معه، حيثما دخل أو خرج يكونون معه، لذلك فإن الذي يتحرك مع المسيح يجب أن يكون له روح المسيح فهو الذي يقود إلى الميراث. وكان ينبغي أن يكون يشوع أمام كل الجماعة (ع 19، 22) وهكذا ينبغي أن يكون المسيح، أن تعرفه كل الجماعة كيشوع الحقيقي وتتبعه وتكون معه كرئيس الخلاص- الخلاص الذي بحسب فكر الله ومحبة قلبه لشعبه حيث يكون لهم الفرح السماوي في دائرة البركات السماوية.

قال يهوه لألعازار الكاهن أن يوقف يشوع قدامه وقدام كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَسْأَلُ لَهُ بِقَضَاءِ الأُورِيمِ أَمَامَ الرَّبِّ (ع 21)، والارتباط بين القائد والكاهن أمر هام حيث تشير هاتان الوظيفتان إلى وظيفتي المسيح وكيف أنهما في فكر الله من جهة المسيح، فكل الجماعة ممتلئة بطريقة كهنوتية في ألعازار وفي الأوريم على صدرة رئيس الكهنة الذي يشرق بنور. كان هذا الأمر يشير إلى محضر الله وسط هذه الجماعة حيث يقف القائد أمام الكاهن ويتحرك طبقاً لتعليمات يهوه وحسب سؤال الكاهن. والشعور بانتظار الرب والسؤال وسماع الجواب أمر ينبغي أن يكون ماثلاً أمام يشوع، أما الرب يسوع المسيح فهو الكاهن والقائد معاً إذ ينبغي أن تكون هناك رموز كثيرة تستحضر أمامنا وظائفه وأمجاده، أما أخذه النور من الله لشعبه فنرى تطبيقا له فيما جاء في رؤيا "إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليرى عبيده ما لا بد أن يكون عن قريب"، فسفر الرؤيا يشبه "قضاء الأوريم" النور الإلهي الذي ينير على الكنائس قبل مجيء المسيح الثاني وكالكاهن فإن الأوريم دائماً في صدرة القضاء الدينونة الإلهية معلنة من الله له، وكالقائد فهو يتحرك أمام شعبه ويريد منهم التحرك معه في ضوء هذا القضاء المعلن. تم ذلك بالنسبة ليشوع قبل دخول الأرض البهية والانتصار على الأعداء، وهو في هذا رمز للمسيح وهو يدخل شعبه إلى دائرة الملكوت الروحي. كان الأوريم في حالة يشوع هو الذي يحدد حركاته أي يحدد الوقت والصفة لكل تحرك عسكري. كل الانتصارات في الأرض كانت نتيجة توجيهات الكهنوت آخذة مكانها بالارتباط بقضاء الأوريم، وهي ترمز لقيادة المسيح الذي لا يمكن أن يقود إلى خطأ في الشهادة. قد نفشل في اتباعه أو التحرك معه عندئذ ينتج التشويش ويربح العدو انتصاراً علينا، لكن الفكر الإلهي أن تعرف كل الجماعة قيادة المسيح كيشوع وتتحرك معه لامتلاك الأرض والانتصار على الأعداء.

ولم يكن يشوع دائماً في المستوى السامي الذي ينبغي أن يكون عليه كرمز للمسيح، لم يكن دائماً واقفاً أمام ألعازار كما حدث وهو يصغي إلى الجواسيس في يشوع 7 ولم يسأل يومئذ بقضاء الأوريم كما لم يعرف بخيانة عنخان مما سبب هزيمة الشعب، ولم يكن واقفاً أمام ألعازار في يشوع 9: 14 ولم يستفد من القيادة التي كانت متاحة له طبقاً لفكر الرب. ونحن يجب أن نستفيد من هذه المواقف ونكون في الحالة الكهنوتية المناسبة وعندئذ نتصرف طبقاً لفكر الرب وطبقاً لوضعنا الروحي الكهنوتي ونترك عدم القيادة الروحية لغيرنا. إن القيادة الروحية لها مكان عظيم في طرق الله. "أطيعوا مرشديكم واخضعوا لهم لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حساباً" (عب 13: 17) وأيضاً ما جاء في (1 تس 5: 12، 13). وضع الرب قيادة روحية لكنيسة كورنثوس في بيت استفاناس ولكنهم لم يلتفتوا إلى تلك القيادة وسلكوا بطريقة جسدية. والقيادة الروحية تلتزم دائماً بكلمة الله، والقائد الروحي يقف دائماً أمام ألعازار أي يكون مخصصاً لله وينتظره في قضاء الأوريم، وعندئذ لا بد أن تكون هناك النصرة (قض 5: 2) والتمتع بالميراث.

  • عدد الزيارات: 1918