الأصحاح 8
تذكر المنارة في هذا المكان دوناً عن باقي أمتهة خيمة الاجتماع، فلا يذكر المذبح الذهبي ولا مائدة خبز الوجوه بل المنارة فقط وليست مغطاة بثوب اسمانجون أو بغطاء من جلود التخس كما ورد في ص 4 عند ذكرها مع باقي أدوات الخيمة في ثوب الارتحال ولكننا نراها هنا مضاءة بين تقدمات إسرائيل وتكريس اللاويين وهي تسطع بنورها حسب أمر الرب لأن النور الذي يشير إلى الشهادة لله لا يمكن الاستغناء عنه أثناء السير في البرية وهذا هو الغرض العظيم سواء لتقدماتنا أو تكريسنا. إن قيمة كل خدمة لا تظهر تماماً إلا في ضياء نور قدس الله، وما أعظم تجهيزات الله التي أعدها لكي يظل المسيح المقام والممجد لامعاً مجيداً في أعين الذين يحبونه خلال ليل رفضه وبينما هو جالس على يمين الله، وهذا هو الأمر الواضح في كلمات يهوه "متى رفعت السرج فإلى قدام المنارة تضيء السرج السبعة" التي تشير إلى المسيح وهو في الأقداس. كانت المنارة مصنوعة من ذهب وهي مسحوبة ومطروقة، ويظهر في صنعها الجمال، والإضاءة على المنارة رمز للنور الروحي الذي يضيء على المسيح الآن فيعرف في وقتنا الحاضر في مجده ولمعانه.
وكل شعاع من النور يضيء الآن من الكنيسة أو من أحد أفرادها أو من الشعب الأرضي في المستقبل ينعكس فيهم من المسيح ولتمجيده. وقال الرب في مت 5: 16 القول "فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" فهذا النور لا يضيء لذاته بل ليشهد للمسيح، وهذه هي الطريقة التي يتمجد بعا الله. وإذا تحول الفكر لتعظيم الخدمة أو الخادم خبا النور وخفت، ويضطر عندئذ خادم القدس أن يستخدم الملاقط، وكانت إنارة السرج من اختصاص هرون ومن ذلك نفهم أن النور المطلوب منا كمسيحيين ليس فقط مصدره المسيح بل هو أيضاً هو الذي يحفظه ويعتني به ساهراً عليه طوال الليل أننا بدونه لا نستطيع أن نفعل شيئاً.
في أعمال 3 حين أضاء نور مقدس من شفاه الرجل الأعرج وتحولت الأنظار إلى خادمي الرب بطرس ويوحنا ولكنهما وجها هذه الأنظار إلى الرب يسوع المسيح صاحب المعجزة الحقيقي. وكانت السرج السبعة وقتئذ منيرة وسط أورشليم بلمعان باهر وكانت الشهادة رائعة للمسيح، وكان صوت الآب لا يزال يدوي في الآذان "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". وأيضاً استخدم الشيطان الجارية الوارد ذكرها في أع 16 لتشهد لخدام المسيح صارخة قائلة "هؤلاء الناس هم عبيد الله العلي الذين ينادون لكم بطريق الخلاص", وكان غرض الشيطان من ذلك أن يصطاد أولئك الخدام ويعطل خدمتهم، ولكنه انهزم لأن بولس وسيلا رفضا شهادة الجارية وفضلا أن يتألما لأجل المسيح.
ويوجد فرق بين المسيح كالنور وكالمنارة، أتي إلى العالم كالنور، كان هو النور الحقيقي الذي ينير على كل إنسان "النور معكم زماناً قليلاً" (يو 12: 35)، وكان نوره كالشمس المشرقة، ولكن بعد رفضه جاء الليل. وفي المستقبل حين يأتي ظاهراً بالقوة والمجد لشعبه الأرضي لكي يكلك سوف يشرق من جديد كشمس البر، والآن يرى لامعاً مجيداً بإشراق السرج السبعة عليه. لقد جهز المصابيح بخدمته على الصليب، وبعد ذهابه إلى السماء سكب الروح القدس وهكذا ملأ هذه المصابيح بالزيت، وكان هذا تحقيقاً لكلماته "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب.... الذي من عند الآب ينبثق فه يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء" (15: 26، 27) "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو 16: 14).
إن الروح القدس هو الذي أشرق في الرسل وأنبياء العهد الجديد ممجداً المسيح في الأناجيل والرسائل، ولا يذكر هنا شيئاً عن إطفاء السرج أو ضعفها لأن الشهادة للمسيح مستمرة عن طريق قديسي العهد الجديد، السرج التي أضاءها المسيح ينبغي أن تظل مشرقة إلى أن يأتي المسيح مرة ثانية.
من ع 5 نرى تطهير اللاويين وتقديمهم لخدمة يهوه "وهكذا تفعل لهم لتطهيرهم اتضح عليهم ماء الخطية وليمروا موسى على كل بشرهم. ويغسلوا ثيابهم فيتطهروا" ويرمز اللاويون للمؤمنين في العهد الجديد لأنهم مدعوون للخدمة في أمور الله المقدسة. أخذ اللاويون بدلاً من كل بكر في بني إسرائيل (ع 18) ونجا هؤلاء الأبكار من المهلك وهم تحت غطاء دم خروف الفصح، وهم يمثلون كل مؤمني العهد الجديد المقدسين بدم المسيح لأن العمل في خيمة الاجتماع يتطلب إدراكاً محدداً للمسيح وعمله لذلك نجد هنا أربع صور مختلفة للمسيح وعمله:
خروف الفصح ويشار إليه في عددي 17، 18 حيث يقول الرب "لأن لي كل بكر في بني إسرائيل.... قدسهم لي" وهذا هو شعور كل لاوي في إسرائيل أنه مقدس للرب بدلاً من الأبكار، وينبغي أن يكون هذا هو شعورنا أننا تقدسنا بموت المسيح لخدمته ويقول بولس "الإله الذي أنا له والذي أعبده".
1- ماء الخطية (ع 7) أو الماء للتطهير من الخطية ويرتبط بالبقرة الحمراء التي سيرد الحديث عنها في الأصحاح التاسع عشر من هذا السفر. كانت البقرة الحمراء تحرق كلية خارج المحلة- كل ما فيها- جلدها ولحمها ودمها وفرثها. وفي حرقها إشارة إلى المسيح وهو تحت دينونة الله. ويأخذ الكاهن خشب أرز وزوفاً وقرمز ويطرحهن وسط حريق البقرة الحمراء ويأخذ من رماد البقرة الحمراء ويجعل عليه من ماءً حياً في إناء، وهذا هو ماء الخطية. ويشير خشب الأرز إلى كل ما يعتبره الإنسان عظيماً فيه، ويشير القرمز إلى كل ما يعمله الإنسان ليمجد نفسه، أما الزوفا فيشير إلى كل ما هو صغير ووضيع في الإنسان ويعمله متظاهراً أو راغباً في التواضع (كو 2: 18) وهي صورة من صور البر الذاتي. كل هذا يجب أن يلقى في حريق البقرة الحمراء، وهكذا نرى في رش ماء الخطية للتطهير استحضار الخادم بقوة الروح القدس للحكم على ذاته في ضوء موت المسيح. كل ما يرتبط بالجسد يجب أن يوضع في حكم الموت.
وبعد رش ماء التطهير "وليمر موسى على كل بشرهم" وفي هذا إشارة إلى ضرورة إزالة كل ما هو من الجسد لا سيما الأمور التي لها جاذبية منه. "ويغسلوا ثيابهم فيتطهروا" الثياب تشير إلى الصفات التي تظهر فينا خارجياً هذه كلها يجب أن تزال- العادات التي لا تمجد المسيح.
3، 4 ثور الخطية والمحرقة- يأتي ذكر هذين الثورين في ع 8 وهما رمزان لموت المسيح، ويأتي ذكرهما بالارتباط مع الخدمة المقدسة، وهما للتكفير عن اللاويين، ولا نرى هنا شخصاً أخطأ يضع يده عليهما مقراً بخطيته كما في لاو 4، بل جماعة على وشك أن تمارس خدمتها المقدسة وتستطيع أن تعمل ذلك حين تكون في توافق مع المسيح في ذبيحتي المحرقة والخطية حيث يشير الثوران إلى إدراك عظيم للمسيح في صفته كذبيحة خطية ومحرقة، أي كمن نحتمل دينونة الخطية عنا وأننا مقبولون فيه.
"وتقدم اللاويين أمام خيمة الاجتماع وتجمع كل جماعة بني إسرائيل وتقدم اللاويين أمام الرب فيضع بنو إسرائيل أيديهم على اللاويين" (ع 9، 10)- وهكذا نرى أن خدمة اللاويين تخص كل الجماعة، الكل ينبغي أن يعرف ويتوافق مع هذه الخدمة. لأن خدمة مقدمة لأجلهم، وعلى كل لاوي أن يعرف أنه يخدم في وحدة مع شركائه في الخدمة، وهذا ما ينبغي أن يعملوه مؤمنو العهد الجديد رغم انقسام الحادث لكن يجب أن نضع في فكرنا أن هذا لا يغير فكرة الله من جهة النظام الذي رتبه لخدمته.
ويردد هرون اللاويين ترديداً أمام الرب لأنهم موهوبون له من بني إسرائيل (ع 11- 14) يذكر أربعة مرات في هذا الأصحاح في الأعداد 11، 13، 15، 21 أن اللاويين "خدمة ترديد" أي خدمة اختبارية من شعبه يقبلها بسرور "فتوقف اللاويين أمام هرون وبنيه" أي أن خدمتهم يجب أن تكون تحت توجيه الكهنة أي مكملة لما هو كهنوتي، ويمثل الكهنوت التمييز الروحي لأشخاص قريبين من الرب، وليس معنى هذا أن اللاوي يختلف عن الكاهن بل يصبح للاوي التمييز الروحي مثل الكاهن الذي يجعل الخدمة بحسب فكر الله ومسرته، ونرى هذين الأمرين في أبفراس "أبفراس العبد الحبيب معنا الذي هو خادم أمين للمسيح لأجلكم" (كو 1: 7) أي هو الخادم الأمين وأيضاً الذي له التمييز الكهنوتي "يسلم عليكم أبفراس الذي هو منكم عبد للمسيح مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله" (كو 4: 12).
ويأمر الرب موسى أن يأخذ اللاويين من بين الشعب ويقدمهم أمام الرب ويضع الشعب أيديهم على اللاويين كما يفعلون بالذبيحة كأنهم ذبيحة حية مقدسة لله (رو 12: 1).
الأعداد الختامية من الأصحاح ترينا أن خدمة اللاوي تبدأ من السن 25، بينما في الأصحاح تبدأ من سن الثلاثين، ونستطيع أن نعتبر أن فترة الخمس سنين هي فترة تدريب حنى يأتوا إلى وقت خدمتهم الكاملة، وهي تشير إلى الصلاة والدراسة الكلمة والتحقق من الموهبة المعطاة.
ومع أن اللاويين يرجعون من الخدمة في سن الخمسين (ع25) لكن بعد ذلك "يُوازِرُونَ إِخْوَتَهُمْ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِحَرَسِ حِرَاسَةٍ" (ع 26) أي يشتركون مع إخوتهم بالمؤازرة والحراسة ولا يزال يثق الرب فيهم للخدمة.
- عدد الزيارات: 1757