الأصحاح 3
استُبعِدَ الكهنة واللاويون من التعداد أي من المخصصين للخدمة الحربية ليخصصوا لخدمة الأقداس وخيمة الشهادة، ويُذكر الكهنة أولاً لأن الله أعطاهم اللاويين ليخدموا في كل التفاصيل المعطاة لهم تحت مباشرة الكهنة، كما أن الكهنة أولاد هرون كانوا يخدمون تحت التزام التفاصيل المعطاة لهم من الله، ولذلك يذكر الكهنة أولاد هرون وكأنهم منتسبون إلى هرون وموسى، وليس إلى هرون فقط "وهذه تواليد هرون وموسى يوم كلّم الرب موسى في جبل سيناء" (ص 3: 1)، وكأن الروح القدس أراد أن يقول لنا أن أولاد هرون الكهنة ينتسبون إلى موسى أيضاً لأنهم ملتزمون بوصايا الرب المعطاة لموسى، منتسبون إلى موسى كممثل للسلطان الإلهي.
ولأن ابنى هرون ناداب وأبيهو لم يلتزما بوصايا الرب وقدما ناراً غريبة على المذبح، فماتا تحت القضاء الإلهي (لاو 10: 1)، وهذا يرينا خطورة ممارسة السجود ونحن لسنا تحت سلطان المسيح، ومع أن السجود في وقتنا الحاضر أخذ صورة ما قدمه ناداب وأبيهم، ولكن توجد بقية تقدم السجود بالروح والحق.
في (ع 6، 7) نقرأ أن الرب قال لموسى ان يقدم سبط لاوي ويوقفهم قدام هرون الكاهن وليخدموه فيحفظون شعائره وشعائر كل الجماعة قدام خيمة الاجتماع. ولكن لماذا سبط لاوي؟ إن اختياره يرينا نعمة الله العجيبة، لم يكن فيه شيء حسب الطبيعة يستحق الاختيار، إن اختياره يرينا نعمة الله العجيبة، لم يكن فيه شيء حسب الطبيعة يستحق الاختيار، لأننا نقرأ عنه في نبوة يعقوب "شمعون ولاوي أخوان آلات ظلم سيوفهما. في مجلسهما لا تدخل نفسي بمجمهما لا تتحد كرامتي لأنهما في غصبهما قتلا إنساناً وفي رضاهما عرقبا ثوراً (تك 49: 5، 6) ولكن نعمة الله جعلته يأخذ من هذا السبط "موسى" لقيادة شعبه، وهرون وأولاده كهنة، وبقية السبط للخدمة.
ويوضح لنا سفر اللاويين عمل الكهنة، ولكنه لا يذكر شيئاً عن خدمة اللاويين، وذكرت خدمتهم في هذا السفر، كان عليهم أن يحرسوا الخيمة ويخدموها ويحملوها ثم يقيموها بنظام محدد من الرب.
ومعنى كلمة "لاوي" اقتران، أعطيتهم النعمة أن يقترنوا بيهوه وخدمته، وكما أن الكاهن رمز للمؤمن المسيحي كساجد، فاللاوي رمز له كخادم مقترن بالرب يسوع لخدمته، يستطيع المؤمن المسيحي أن يدخل إلى أقداس محضر الرب يسوع ويقدم سجوداً، أما خدمته فهي متنوعة وتأخذ مجالات مختلفة.
ويذكر هنا هرون قبل موسى بينما في الأمكنة الأخرى يذكر موسى قبل هرون، وذلك لأن هرون هنا يمثل الرب يسوع في كهنوته الذي يتوقف على شفاعته.
أفرز الرب لنفسه اللاويين بدلاً من الأبكار الذين نجوا في مصر من المهلك في حمي دم خروف الفصح، وحين تم تعداد الأبكار وجد أن عددهم 22273 أي يزيد عن عدد اللاويين بمقدار 273، ولذلك قال الرب لموسى أن يدفع بدلاً عن العدد الزيادة من الأكبر خمسة شواقل فضة لكل فرد فداء له.
وسواء الأبكار أو اللاويون كان الإحصاء يتم لكل ذكر من ابن شهر فصاعداً، وهذا يرينا ان الذين يفرزهم الرب للخدمة يضع يده عليه في سن مبكرة، وينطبق عليهم القول الذي قاله بولس "الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته" (غلا 1: 15) ويقول الرب عنه بعد اهتدائه بثلاثة أيام "لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي" (أع 9: 15) أخذ اللاويون بدلاً من الأبكار المقدسين للرب، وهم بذلك يمثلون المؤمنين في العهد الجديد ككنيسة أبكار مكتوبين في السموات (عب 12: 23) ليس لهم أي ميراث أرضي، مكانهم سماوي، وكذلك خدمتهم. وكما مانت الخدمة اللاوية تعييناً إلهياً بالنعمة، كذلك خدمتنا نحن الآن إنما هي تعيين إلهي بمقتضى القصد والنعمة، ومع أن اللاوي يعين للخدمة من الشهر الأول ولكنه يبدأ خدمته في سن الثلاثين، فكذلك المؤمن المسيحي مفرز للخدمة منذ ولادته ثانية، ويبدأها حين يصل إلى البلوغ.
ولا شك أن الشيطان يحاول المستحيل لكي يفسدنا ويمنعنا من الخدمة قبل التجديد وبعده، ولكن عناية الله لا بد أن تسرع بنا إلى مرحلة البلوغ حتى نبدأ خدمتنا.
وينقسم سبط لاوي إلى ثلاث عشائر:
(1)" جرشون" ومعنى اسمه غريب، وكان مكانهم إلى الجانب الغربي من خيمة الاجتماع في مواجهة راية أفرايم، وكانت مهمتهم علاوة على حراسة الخيمة مثل بقية عشائر اللاويين- حمل أغطية الخيمة وأستارها وسجف الأبواب الخارجية المصنوعة من البوص المبروم، كانت الأغطية هي التي تفصل أجزاء الخيمة بعضها عن بعض، أي تشير إلى الانفصال، والانفصال يحمل طابع الغربة، والذي يشهد للانفصال هو البر العملي الذي يشير إليه البوص المبروم.
(2) عشيرة "قهات"، ومعنى اسم "قهات" محفل، وكان مكانهم جنوب الخيمة في مواجهة راية رأوبين، ومهمتهم حمل التابوت والمنارة ومائدة خبز الوجوه والمذبحين، وسجف باب الأقداس. وهكذا حين تسير الجماعة في البرية مقتفية آثار خطوات المسيح، سالكة بكل تواضع ووداعة فإنها بذلك تظهر المسيح، لأن هذه الأشياء المكلف بحملها القهاتيون كانت ترمز إلى المسيح.
(3) "مرارى" ومعنى الاسم "مرار" وكان مكانهم شمال الخيمة في مواجهة راية سبط دان، وكانت مهمتهم حمل الأعمدة والأوتاد والطنب أي الحبال الخاصة بها، وكانت هذه الأشياء هي التي تجعل الخيمة تبنى متماسكة الأجزاء. وعندئذ ينطبق القول الذي ورد في (أف 4: 16) "الذي منه كل الجسد مركباً معاً ومقترناً بمؤازرة كل مفصل..... يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة" وربما شعر المرارى بالمرار لأن مهمته كانت حمل هذه الأشياء البعيدة عن الأقداس، وكان تقديرهم أن خدمتهم ليست ذات قيمة عند الآخرين، ومع ذلك فإن خدمتهم كانت ضرورية لبناء الخيمة وجعلها وحدة واحدة، وهم في هذا يشيرون إلى المؤمنين الذين ينظرون إلى صغر خدمتهم، ولكن ينبغي أن يعرف هؤلاء أن خدمتهم هذه ضرورية جداً، وحينما يعملونها بأمانة لهم هذا الوعد "كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير" إذ لابد أن يوسع الرب دائرة خدمتهم الروحية.
كان عدد اللاويين 22000 وكانوا يعرفون خدمتهم وينفذونها، وكانت خدمتهم رائعة ومجيدة، وهم رمز لمؤمني العهد الجديد كجسد المسيح، وحين يعرف كل مؤمن نوع خدمته وينفذها تخرج الخدمة رائعة متوافقة مع الرأس، ويقول الرسول بولس في (1 كو 12: 5- 7) "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد.... ولكنه لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة" والأمر الذي يدعو للأسف الآن أن الخدمة المسيحية لها الصفة الاستقلالية وليست بحسب إرادة الرأس بل بحسب الإرادة الذاتية، لقد أعطى الرب البعض أن يكونوا مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين (أف 4) وهذا بخلاف المواهب الأخرى، وكان ينبغي أن لا تتداخل الخدمات بعضها في الآخر، الأمر الذي نراه الآن في أماكن كثيرة.
وفي نهاية الأصحاح (ع 38) نجد المكان المعطى لموسى وهرون وبنيه أمام خيمة الاجتماع إلى جهة الشرق، وكانت مسئولية الكهنة أن يسير كل شيء في توافق، ويرمز الكهنة إلى الأشخاص الذين لهم تميز روحي في العهد الجديد، ويقفون موقف الحراسة والتنفيذ لكل ما هو مقدس، كان عليهم حراسة القدس، والأجنبي الذي يقترب يقتل، ولم تكن مهمتهم حراسة القدس فقط بل أيضاً حراسة بني إسرائيل لكي يسروا في توافق مع القدس أي أن مسئولية الأشخاص المميزين روحياً ليست حراسة الحقائق المقدسة فقط بل أيضاً حراسة كل جماعة الرب لكي تكون كل الجماعة في حالة الرضى الإلهي.
- عدد الزيارات: 2123