Skip to main content

الأصحاح الرابع عشر

"هذا الأصحاح يتكلم كثيراً عن الروح القدس والتكلم بألسنة، لذلك رأيت أن أتكلم عنها قبل الدخول في شرح هذا الأصحاح.

شخصية الروح القدس:

الروح القدس هو أقنوم إلهي معادل للآب والابن والأقانيم الثلاثة متساوون في اللاهوت والجوهر وهم متحدون ولكنهم متميزون، فالآب أرسل الابن الوحيد إلى العالم في الوقت المعين بحسب مشورة أزلية كما نقرأ " لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ" (غلا 4: 4).

والابن جاء إلى العالم في مهمة معينة ليتمم خلاصنا بموته على الصليب، ولكن قبل ذلك ليرد المجد لله ويشبع قلبه. كيف جاء الابن إلى العالم؟ جاء متجسداً "الله (الابن) ظهر في الجسد" جاء مولوداً من امرأة "كان في العالم وكوّن العالم به ولم يعرفه العالم" (يو 1: 10) لذلك استلزم الأمر أن السماء تعلن عن مجيئه فجاء الملاك وبشر الرعاة وقال لهم: "فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو 2: 10، 11) وأعطاهم علامة على مجيئه "وَهَذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطاً مُضْجَعاً فِي مِذْوَدٍ».وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي (هذا هو الغرض الأول) وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ (هذا هو الغرض الثاني)»" (ع 12- 14).

كان الابن يظهر في العهد القديم، فظهر لإبراهيم ولغيره وتكلم مع بعض المؤمنين مثل موسى وإيليا وغيرهما، لكنه لم يأت متجسداً.

والروح القدس هو روح الله الأزلي وكانت له أعمال في العهد القديم، فكل المؤمنين في العهد القديم كانوا مولودين من الروح القدس لكن لم يسكن فيهم بل كانوا أبناء متفرقين لله ولم يكونوا مجموعين إلى واحد وكان الروح القدس يحل على الأنبياء فيتكلمون باسم الله، وعلى القضاة ليحكموا بالعدل، وعلى الملوك يؤدوا أعمالاً معينة، لكنه لم يسكن فيهم إطلاقاً. بل كان يحل عليهم ثم يفارقهم بعد أداء المهمة وكان يحل على أواني الوحي لكي يكتب مسوقين من الروح القدس.

أما في العهد الجديد فكما أرسل الله الابن لعمل الفداء، أرسل الروح القدس ليأخذ لابنه عروساً من الناس كما أرسل إبراهيم لعازر الدمشقي لكي يأخذ عروساً لابنه اسحق ويرافقها إلى أن يحضرها إلى ابنه وهكذا في يوم الخمسين جاء الروح القدس إلى العالم مرسلاً من الآب والابن لكي يكوّن للمسيح عروساً- الكنيسة التي هي جسده. فالكنيسة لم تكن موجودة في العهد القديم، ولكنها تكونت ابتداء من يوم الخمسين.

قال الرب لبطرس: "وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" (مت 16: 18) فهي لم تكن موجودة وقتئذ كان يوجد تلاميذ أي مؤمنون أفراداً لكن الكنيسة لم تبنى إلا عند مجيء الروح القدس لأنه هو الذي يبنيها أي يأتي بالمؤمنين ويوحدهم في جسد واحد قال الرب يسوع: "مَنْ آمَنَ بِي...  تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ [1]بَعْدُ" (يو 7: 38، 39).

لما حزن التلاميذ لأن المسيح كان سيفارقهم قال لهم: "خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي (الروح القدس) وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ" (يو 16: 7) فالآب أرسل الروح القدس في يوم الخمسين حسب وعده (يو 14: 16، 17) ليس كما كان في العهد القديم ليحل على المؤمن حتى يتمم مأموريته ثم يفارقه بل لكي يسكن في كل المؤمنين بصفة دائمة.

قال الرب: "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ" (يو 14: 16) ليس ليمكث في الأرض إلى الأبد بل ليمكث في قلوب المؤمنين إلى الأبد، وأما في الأرض فيمكث لغاية مجيء المسيح "الروح والعروس يقولان تعال" (رؤ 22: 17). وعندما يجيء المسيح للاختطاف يأخذ العروس، ويرفع الروح القدس من الأرض.

لقد تكلم يوحنا المعمدان عن مجيء الروح القدس قائلاً: "أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ وَلَكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ" (مت 3: 11).

والرب يسوع له المجد بعد أن قام من الأموات وظهر للتلاميذ أربعين يوماً أوصاهم في يوم صعوده "أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي (مجيء الروح القدس) لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا أَنْتُمْ[2] فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ لَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ (بعشرة أيام)»" (أع 1: 4، 5) كم يوم أنتظرها التلاميذ في أورشليم بعد صعود المسيح حتى جاء الروح القدس؟ عشرة أيام أي خمسين يوماً من قيامة المسيح.

توجد إشارة في العهد القديم لمجيء الروح القدس وذلك في عيد الخمسين أو عيد الأسابيع كانت أعياد الشعب القديم هي بالترتيب عيد الفصح ومعه عيد الفطير ثم عيد الباكورة وبعده عيد الخمسين (50 يوماً من عيد الباكورة الذي يشير إلى قيامة المسيح) ويلي ذلك ثلاثة أعياد أخرى.

نقرأ في عيد الخمسين "تحسبون من غد السبت الذي تقدمون فيه الباكورة (حزمة الترديد) سبعة أسابيع تكون كاملة إلى غد السبت السابع (يوم الأحد) تحسبون خمسين يوماً ثم تقربون تقدمة جديدة للرب (رغيفين رمزاً لليهود والأمم اللذين منهما تتكون الكنيسة) (لا 23: 15- 17) وتتميماً لهذا الرمز نجد في أعمال 2 القول: "وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ... وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ".

وكما اقترن مجيء المسيح في الجسد بإعلان من السماء مع أن المسيح جاء متجسداً في صورة إنسان لكن لم يعرفه الناس فاحتاج الأمر إلى إعلان من السماء- كذلك الروح القدس لما جاء من السماء في يوم الخمسين احتاج إلى إعلان من السماء لأنه لم يأت متجسداً بل روحاً غير منظور فكان لا بد من علامة دالة على حضوره.

وكانت العلامة: صوت كما هبوب ريح عاصفة. وظهرت للمائة والعشرين الحاضرين ألسنة منقسمة كأنها من نار[3] واستقرت على كل واحد منهم.

يظن البعض أن الألسنة مادية كالتي في أفواهنا. لكن في الأصل اليوناني "ألسنة منقسمة" تعني "لغات موزعة" فكلمة ألسنة هنا تعني "لغات" وهي نفس الكلمة الواردة في (رؤ 5: 9) "لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ" ويقول الرسول بولس في (1 كو 13: 1) " إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَة (بلغات)ِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ..".

ولما بدأ المائة والعشرون يتكلمون بألسنة خرجوا من العلية وإلا كيف آمن بعد ذلك الثلاثة الآلاف، فالعلية لم تكن تسع هذا العدد كان يوجد يهود غرباء أتوا إلى أورشليم لأجل العيد من 15 أمة مذكورة في أع 2، وكان يوجد يهود مستوطنون والأرجح أنهم ذهبوا جميعاً إلى الهيكل ليشهدوا لأن الرب قال لهم " لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع 1: 8).

فاليهود الغرباء سمعوا أولئك الذين كانوا يتكلمون بألسنة وكل واحد سمع لغته التي ولد فيها- سمع الكلام وفهمه فكانوا يتكلمون بعظائم الله (أع 2: 11)- عظائم النعمة التي ليست كالناموس الذي كان لأمة واحدة أما النعمة فلكل العالم- لكل أمة تحت السماء، فاندهشوا وقالوا: أترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليلين فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها؟ كانت هذه الآية (التكلم بلغات) منبهة لهم لكي يسمعوا كلاماً من بطرس كان سبباً في إيمانهم.

أما اليهود المستوطنون فلم يفهموا هذه اللغات فقالوا أن هؤلاء سكارى فوقف بطرس وتكلم إليهم لا بلسان ولكن باللغة العادية التي يفهمها جميع اليهود وقال لهم إن هذا الذي ترونه وتسمعونه هو طبقاً لما جاء بيوئيل النبي ثم بشرهم بالمسيح وقال لهم "تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (أع 2: 38) فالروح القدس عطية من السماء كيف يحصلون عليها؟ بالتوبة والإيمان فينالون غفران خطاياهم وعطية الروح القدس نخس الحاضرون في قلوبهم فآمن في ذلك اليوم ثلاثة آلاف شخص. ولما آمنوا نالوا غفران خطاياهم وقبلوا عطية الروح القدس. هل تكلموا بألسنة؟ لا. لم يتكلموا بألسنة. إذاً لا ارتباط بين عطية الروح القدس والتكلم بألسنة الذين تكلموا بألسنة في يوم الخمسين هم المائة والعشرون فقط الذين حلّ عليهم الروح القدس في البداية علامة حضوره بعد ذلك أخذ الثلاثة آلاف الذين تابوا وآمنوا الروح القدس ولكنهم لم يتكلموا بألسنة ثم صار عدد الذين أمنوا خمسة آلاف وأخذ الألفان الذين زادوا عطية الروح القدس ولم يتكلموا بألسنة أيضاً لم يتكلم أحد بألسنة عند أخذ الروح القدس سوى ثلاث فئات سنأتي على ذكرها فيما بعد.

ظهرت الألسنة واستقرت على التلاميذ المائة والعشرين لكي ينادوا بالشهادة للرب كما قال لهم "«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ... فَهُوَ يَشْهَدُ لِي وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً" (يو 15: 26، 27)- لا بلغة واحدة كما في إرسالية الرب للتلاميذ في (مت 10: 5، 6) عندما أوصاهم قائلاً "إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" فكانت هذه الشهادة بلغة واحدة ولأمة واحدة. لكن بعد ذلك تكلموا بلغات كل العالم لأن الإنجيل يكرز به للخليقة كلها.

في برج بابل كانت بلبلة الألسنة قضاء أما هنا فالألسنة ليست للقضاء بل للبركة وخلاص النفوس هل قال لهم بطرس إن كنتم تريدون أن تأخذوا عطية الروح القدس صلوا وقولوا يا رب أعطنا الروح القدس؟ لا الروح القدس عطية ينالها المؤمنين في لحظة إيمانهم.

جاء الروح القدس في يوم الخمسين ومن ذلك اليوم يضم إلى الكنيسة كل الذين يؤمنون يؤمن الشخص كفرد فيأخذ عطية الروح القدس الذي يسكن فيه، ويضمه إلى الكنيسة فالمؤمنين لا يعيشون أفراداً متفرقين كأحجار حية متفرقة بل كنيسة مبنية- جسد المسيح وعروسه.

- معمودية الروح القدس:

ليست اختبار يحصل عليه الفرد عندما يصل إلى مستوى معين لكن المعنى الوحيد لمعمودية الروح القدس هو الانضمام إلى جسد المسيح فكما أن الروح القدس له عمل في كل مؤمن كفرد إذ يسكن فيه هكذا له عمل آخر وهو ضمه إلى بقية المؤمنين ليكوّن منهم كنيسة المسيح وجسده " لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ... وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَحداً" (1 كو 12: 13).

كل مؤمن أخذ الروح القدس كعطية شخصية لينضم إلى جسد المسيح الواحد وقد تميز الثلاثة آلاف الذين آمنوا بعطية الروح القدس عن الأمة الرافضة والكنيسة التي تكونت حديثاً في ذلك اليوم هي نظام جديد ليس فيه يهودي وأممي كما كان قبلاً لكن اليهودي صار عضواً في الكنيسة والأممي صار عضواً أيضاً.

معنى عبارة "اعتمدوا بالروح القدس" أنهم انفصلوا عن كل نظام آخر وانضموا تحت لواء المسيح كما هو مكتوب عن شعب إسرائيل أنهم "اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر" (1 كو 10) فمعمودية الروح القدس في العهد الجديد تعني أن الله يفصل المؤمنين عن الأمم وعن اليهودية- يفصلهم عن الحالة القديمة ويضعهم في مكانهم الجديد. ونجد أنه في يوم الخمسين بدأ تكوين الكنيسة مسكناً لله على الأرض، في العهد القديم كان عمل الروح القدس هو أن يلد المؤمنين ولادة ثانية لكن لا يسكن فيهم أما في العهد الجديد فعمل الروح القدس هو ولادة المؤمنين ولادة ثانية والسكنى فيهم كأفراد وكجماعة.

- الألفاظ المستعملة في الكتاب مقترنة بالروح القدس:

الحلول- الانسكاب- العطية- القبول- السكنى- الختم- المسحة- المعمودية- الامتلاء.

1- الحلول: "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ.. .." (أع 1: 8) "فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ في بيت كرنيليوس) حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ" (أع 10: 44).

عندما اعترض اليهود على دخول بطرس إلى الأمم أخذ يشرح لهم كيف قبلوا كلمة الله فقال " فَلَمَّا ابْتَدَأْتُ أَتَكَلَّمُ الأمم) حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَيْنَا أَيْضاً فِي الْبَدَاءَةِ" (أع 11: 15) وعندما وجد بولس تلاميذ في أفسس اعتمدوا بمعمودية يوحنا كلمهم عن المسيح "فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ" (أع 19: 5، 6).

2- انسكاب: يقول الله "وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ..." (أع 2: 17) " وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ الآبِ سَكَبَ هَذَا الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ" (أع 2: 33) " فَانْدَهَشَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ كُلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الْأُمَمِ أَيْضاً" (أع 10: 45).

3- عطية: فقال لهم بطرس «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (أع 2: 38).

4- قبول: قال بولس للتلاميذ الاثني عشر الذين وجدهم في أفسس "هل قبلتم الروح القدس" (أع 19: 2).

5- سكنى: لا يوجد مؤمن لا يسكن فيه الروح القدس "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِناً فِيكُمْ" (رو 8: 9) "وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ" (رو 8: 11) "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ" (1 كو 6: 19) والروح القدس يسكن في الكنيسة كمجموع أيضاً "َأمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ" (1 كو 3: 16) " الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلَّهِ فِي الرُّوحِ" (أف 2: 22).

6- ختم: "الَّذِي فِيهِ أَيْضاً إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ" (أف 1: 13) "وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ" (أف 4: 30) " وَلَكِنَّ الَّذِي... قَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ الَّذِي خَتَمَنَا أَيْضاً (2 كو 1: 21، 22).

7 مسحة: وَلَكِنَّ الَّذِي يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي الْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ" (2 كو 1: 21) "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ" (1 يو 2: 20).

8- معمودية: كلمة معمودية الروح القدس لم تذكر في الكتاب المقدس إلا أربعة مرات فقط.

كلام يوحنا المعمدان في الأناجيل:

في إنجيل متى " أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ" (مت 3: 11).

في إنجيل مرقس "أَنَا عَمَّدْتُكُمْ بِالْمَاءِ وَأَمَّا هُوَ فَسَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مر 1: 8).

في إنجيل لوقا "«أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ وَلَكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ" (لو 3: 16).

في إنجيل يوحنا "فهذا الذي يعمد بالروح القدس" (يو 1: 33).

وذكرت مرة واحدة في سفر الأعمال وهي ترديد نفس كلام يوحنا المعمدان بفم الرب له كل المجد "لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (أع 1: 5).

وذكرت مرة واحدة في الرسائل وهي تفسير لكلام المعمدان "لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ" (1 كو 12: 13).

قال الرسول بطرس في (أع 11: 16) "فَتَذَكَّرْتُ كَلاَمَ الرَّبِّ كَيْفَ قَالَ: إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَاءٍ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتُعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ".

وهذه المعمودية هي لجميع المؤمنين لضمهم إلى الكنيسة جسد المسيح كما سبقت الإشارة ولا علاقة إطلاقاً بين معمودية الروح القدس والتكلم بألسنة. فجميع المؤمنين اعتمدوا بالروح القدس لجسد المسيح لكن التكلم بألسنة ليس للجميع. يقول الرسول "ألعل الجميع يتكلمون بألسنة" (1 كو 12: 30)- إذاً ليس جميع الذين اعتمدوا يتكلمون بألسنة ولا علاقة أيضاً بين معمودية الروح القدس والنار لأن معمودية الروح القدس هي للمؤمنين للبركة لكن معمودية النار هي للرافضين للدينونة لذلك في الموضعين المذكور فيها النار (مت 3: 11، لو 3: 16) يأتي القول "أما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ" (مت 3: 12، لو 3: 17).

9- امتلاء: الروح القدس كما سبقت الإشارة أقنوم إلهي فالله لا يعطي المؤمن الروح القدس تدريجياً بقدر ثم يزيده "لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح" (يو 3: 34) لكن إذا لم يتبع المؤمن قيادة الروح القدس وإرشاده تماماً فإنه يحزن الروح القدس الذي فيه وإذا لم يتمم المؤمن ما يقوده الروح القدس إليه فإنه يطفئ الروح.

أما الامتلاء بالروح القدس فهو الخضوع الكامل له ليمتلك المؤمن ويقوده- يتخلى عن إرادته لينقاد بالروح القدس تماماً .

لم يذكر التكلم بألسنة بالاقتران مع الامتلاء بالروح القدس إلا مرة واحدة فقط وكان هذا ضرورياً وذلك في اليوم الخمسين يوم حضور الروح القدس إلى الأرض، ولا يذكر بعد ذلك أي ارتباط للتكلم بألسنة مع الامتلاء بالروح القدس ولكن يذكر التكلم بألسنة بالارتباط مع حلول الروح القدس (وليس الامتلاء) في مواضع كثيرة نذكر منها:

أولاً: على الأمم في بيت كرنيليوس (أع 10).

ثانيا: على التلاميذ الذين كانوا في أفسس (أع 19) وذلك لإثبات حلول الروح القدس في هاتين الحالتين. لكن التكلم بألسنة ليس نتيجة سمو الحالة الروحية، فالمؤمنون في كورنثوس كانوا جسديين وأطفالاً في المسيح وبينهم انشقاقات وأخطاء كثيرة وكانت عندهم موهبة التكلم بألسنة.

عدد المرات التي ذكر فيها الامتلاء بالروح القدس

3 مرات في الأناجيل مرة عن ذكريا (أبو يوحنا)- مرة عن أليصابات أمه- مرة عن يوحنا نفسه+ 9 مرات في سفر الأعمال (أع 2: 4، 4: 8، 4: 31، 6: 3، 7: 55، 9: 17، 11: 24، 13: 9، 13: 52)+ مرة واحدة في الرسائل: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ" (أف 5: 18) هذا طبعاً بخلاف الرب يسوع المسيح الذي كان ممتلئاً من الروح القدس على الدوام.

أما في العهد القديم فقد ذكر الامتلاء بروح الحكمة ثلاث مرات:

عن بصلئيل للعمل في الذهب والفضة والنحاس لخيمة الاجتماع (خر 31: 3)، وعن بصلئيل أيضاً (خر 35: 31). وعن يشوع (تث 34: 9).

ملاحظة: الحادثتان الوحيدتان اللتان حدث فيهما التكلم بألسنة عند حلول الروح القدس كما سبقت الإشارة:

عند حلوله على الأمم في بيت كرنيليوس.

عند حلوله على تلاميذ أفسس وهذا طبعاً بخلاف يوم الخمسين حيث كان ذلك علامة على حضور الروح القدس لأول مرة.

أما في جميع الحالات الأخرى فلم يحدث تكلم بألسنة عند أخذ الروح القدس فالخمسة آلاف الذين آمنوا في بداية الكنيسة لم يتكلموا بألسنة، والخصي الحبشي لم يتكلم بألسنة. والين آمنوا في كل الأماكن التي بشر فيها بولس وغيره مع أنهم جميعاً بلا شك قبلوا عطية الروح القدس وختموا بالروح القدس عند إيمانهم ولكنهم لم يتكلموا بألسنة.

- الغاية من التكلم بألسنة:

أولاً: كان التكلم بألسنة علامة حضور الروح القدس في يوم الخمسين لأنه لم يأت متجسداً منظوراً.

ثانياً: كان التكلم بألسنة في يوم الخمسين تأييداً للمنادين بالكلمة لتثبيت الكلام الي نطقوا به قبل أن يكتمل الوحي (مر 16: 20، عب 2: 4).

ثالثاً: كان التكلم بألسنة في يوم الخمسين لكي يسمع الحاضرون من بلاد مختلفة كل واحد لغته الكرازة بالإنجيل ويوصلوه وينشروه في كل أمة تحت السماء (أع 2: 8).

ملاحظة 1

كم حالة فيها الذين سمعوا البشارة تكلموا بألسنة؟ ثلاثة فقط:

أ- في يوم الخمسين حيث فتح بطرس ملكوت السموات لليهود (أع 2).

ب- في بيت كرنيليوس حيث فتح بطرس ملكوت السموات للأمم (أع 10).

ج- للتلاميذ في أفسس (حالة إستثنائية) (أع 19) وكان هذا ضرورياً في الحالات الثلاث.

ملاحظة 2

أرسل الرب تلاميذه في إرساليتين:

(1) أرسل تلاميذه للشعب القديم قائلاً: اذهبوا واكرزوا- وقولوا قد اقترب ملكوت السموات "وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة" أن يخرجوا شياطين ويشفوا مرضى ويصنعوا قوات (مر 6: 7)

(2) أعطى تلاميذه الإرسالية الأوسع قائلاً: "اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مر 16: 15).

ثم يقول الرب: "والآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ" (مر 16: 17، 18). ويقول الإنجيل بعد ذلك  "وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ" (مر 16: 20). فكان المقصود بالآيات المعجزية تأييد كلام الكارزين قبل أن يكتب الوحي كما سبقت الإشارة.

عندما أرسل الرب موسى ليخرج شعبه من مصر قال موسى إنهم لا يصدقونني فأعطاه الرب ثلاث آيات يصنعها ليصدقوه أنه مرسل من الله. والرب نفسه له المجد قدم الدليل على صحة إرساليته من الآب بالقول: "الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لِأُكَمِّلَهَا- هَذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي" (يو 5: 36). ولما أرسل يوحنا اثنين من تلاميذه وقالا للمسيح هل أنت هو الآتي أم ننتظر آخر أجاب يسوع: "اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ. اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ" (مت 11: 2- 5). وبعد أن تثبت الكلام وصار وحياً مكتوباً في الكتاب انتهت الآيات ومن ضمنها التكلم بألسنة.

يقول البعض وما الضرر من بقاء الآيات؟ الإجابة: لو بقيت الآيات لم يعد الأمر بعد إيماناً بل عياناً. قال الغني لإبراهيم  "لاَ يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ. بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ (أي كلامهم بالوحي) وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ" (لو 16: 30، 31).

أما في الأصحاحات 12، 13، 14 من رسالة كورنثوس فنجد التكلم بألسنة مذكور كموهبة وهذه الموهبة لا تذكر في كل الكتاب إلا في هذه الأصحاحات الثلاثة وفيها نرى أن التكلم بألسنة عندما كانت هذه الموهبة موجودة هو أصغر المواهب ويوجد خمسة عشرة دليلاً على ذلك:

(1) ذكرت في آخر قائمة المواهب في (1 كو 12: 28) ولم تذكر ضمن المواهب الثابتة في أف 4.

(2) ليست من المواهب الحسنى أي الأفضل التي يحرضنا الرسول أن نجد لها. (1 كو 12: 31).

(3) قال الرسول عنها في (1 كو 13: 8) أنها ستنتهي بخلاف النبوة والعلم اللذين قال أنهما سيبطلان متى جاء الكامل. يعني العلم والتنبؤ سيبقيان حتى مجيء الكامل لكن الألسنة ستنتهي عند إتمام الغرض منها وقد انتهت فعلاً.

(4) من يتكلم بلسان لا يكلم الناس وأما من يتنبأ فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية (تعزية) (1 كو 14: 2، 3).

(5) "من يتكلم بلسان يبني نفسه وأما من يتنبأ فيبني الكنيسة" (1 كو 4: 14).

(6) يقول الرسول بولس "إِنِّي أُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ وَلَكِنْ بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا" (1 كو 14: 5).

(7) "لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ حَتَّى تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَاناً" (1 كو 14: 5).

(8) ويقول الرسول "إِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ مُتَكَلِّماً بِأَلْسِنَةٍ فَمَاذَا أَنْفَعُكُمْ إِنْ لَمْ أُكَلِّمْكُمْ إِمَّا بِإِعْلاَنٍ أَوْ بِعِلْمٍ أَوْ بِنُبُوَّةٍ أَوْ بِتَعْلِيمٍ" (1 كو 14: 6).

(9) "فَالَّذِي يُشْغِلُ مَكَانَ الْعَامِّيِّ كَيْفَ يَقُولُ «آمِينَ» عِنْدَ شُكْرِكَ؟ لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ مَاذَا تَقُولُ" (1 كو 14: 16).

(10) "أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي لِكَيْ أُعَلِّمَ آخَرِينَ أَيْضاً أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ" (1 كو 14: 19).

(11) مكتوب في الناموس "«إِنِّي بِذَوِي أَلْسِنَةٍ أُخْرَى وَبِشِفَاهٍ أُخْرَى سَأُكَلِّمُ هَذَا الشَّعْبَ وَلاَ هَكَذَا يَسْمَعُونَ لِي يَقُولُ الرَّبُّ» (1 كو 14: 21) فالتكلم بألسنة هنا قضاء، أنظر (أش 28: 11).

(12) "الأَلْسِنَةُ آيَةٌ لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَلْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ" (1 كو 14: 22).

(13) "إن كَانَ الْجَمِيعُ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ فَدَخَلَ عَامِّيُّونَ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ أَفَلاَ يَقُولُونَ إِنَّكُمْ تَهْذُونَ" (1 كو 14: 23).

(14) "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ... ولَمْ يَكُنْ مُتَرْجِمٌ فَلْيَصْمُتْ فِي الْكَنِيسَةِ" (1 كو 14: 27، 28).

(15) "جِدُّوا لِلتَّنَبُّؤِ وَلاَ تَمْنَعُوا التَّكَلُّمَ بِأَلْسِنَةٍ" (1 كو 14: 39). من جهة التنبؤ يقول جدوا ولكنه لا يقول ذلك عن الألسنة بل يقول لا تمنعوها عندما كانت موجودة وحقيقية.

فإصحاح 14 كله يهدف إلى الحد من استعمال هذه الموهبة (التكلم بألسنة) عندما كانت موجودة والروح القدس وضع ضوابط شديدة لحظر استخدامها للافتخار بدون نفع للآخرين وبنيانهم. ونلاحظ أن هذه الموهبة لم تذكر إلى في رسالة كورنثوس حيث كان المؤمنون جسديين فكانوا أغنياء في العلم لكن فقراء في المحبة. وهذه الموهبة قد انتهت مع كل المواهب المعجزية لانتهاء الغرض منها كما سبقت الإشارة. ويشهد تاريخ الكنيسة بانتهائها: هل كانت موجودة في القرن الثني والثالث والرابع الميلادي... والخامس عشر؟ لم تكن.

يشهد التاريخ أن التكلم بألسنة قد انقطع بعد أيام الرسل مباشرة إذ قال أثناسيوس الرسول (الذي يسمونه حامي الإنجيل) الذي قام ضد أريوس صاحب البدعة المعروفة سنة 326 م قال في كتابه الموضوع هنا في مصر "كما البرهان في حقيقة الإيمان" أن الله لم يعطنا موهبة الألسنة ولا صنع الآيات مثلما أعطاه لرسله في أيام الكنيسة الأولى.

ففي أيام أثناسيوس لم يكن التكلم بألسنة موجوداً. وتاريخ الكنيسة بأقلام مؤرخين كثيرين لا يشير إلى وجود هذه الموهبة في كل التاريخ إلا في بعض حالات خاطئة شجبتها المجامع إذ ظهر بين آن وآخر أناس قاموا بهذه الحركة واجتمعت المجامع وبحثتها وقررت بطلانها. فقد عقد مجمع في سنة 235 م وعقد بعده مجمع آخر في القسطنطينية سنة 381 م وقد قرر هذان المجمعان بأن حركة الألسنة التي ظهرت في تلك الفترة كانت حركة شريرة. ومن يريد أن يستوثق من هذا الكلام يرجع إلى كتاب "مختصر تاريخ الكنيسة".

وكتب كليمندس أحد آباء الكنيسة في الإسكندرية يشجب هذه الحركة، واستشهد بكتابات أفلاطون الفيلسوف الذي كتب قبل المسيح وقال: إن أُناساً من عبدة الأوثان كانوا يعملون ذلك- كانت تتملكهم أرواح شريرة فكانوا يتكلمون بلغات غير مفهومة ولا يتكلمون بلغتهم الأصلية . ومنهم بعض النساء كن يدّعين النبوة ويأتين بحركات عصبية مقترنة بشحوب في اللون وتشعث في الشعر ورطانة غير مفهومة. وقد صوَّر بريجيت الشاعر المشهور هذه الحالة في قصيدته المشهورة.

ونقرأ في تاريخ الكنيسة أنه قامت حركات مثل هذه لكنها من فضل الرب كانت تزول سريعاً ويظهر بطلانها. وفي العصور المتأخرة كان من القادة المتكلمين بألسنة رجل إنجليزي في الكنيسة المشيخية اسمه أنفيل الذي صرح بأن الرب يسوع له المجد كانت له طبيعة خاطئة ساكنة فيه وانتهى به الأمر أن عزلته جماعته عزلاً شائناً.

لقد حذر الر سول بولس الكورنثيين نظراً لانتشار التكلم بألسنة بينهم من دخول أقوال شيطانية تجديفية في وسطهم فكانوا مطالبين بتمييز الأرواح (1 كو 12: 10). كيف كانوا يميزونها؟ يقول لهم الرسول: "لذلك أعرفكم أن ليس أحد وهو يتكلم بروح الله يقول يسوع أناثيما" فهذا روح الشرير (1 كو 12: 3). سبق أن كان الشيطان روح كذب في أفواه الأنبياء الكذبة (1 مل 22: 22). يقول الرسول بولس: "وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيماً إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضاً يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ" (2 كو 11: 14، 15).

فالشيطان دائماً يقلد أعمال الروح القدس ومنها التكلم بألسنة لكي يخدع المؤمنين إذا أمكن. وسيفعل ضد المسيح مثل هذه الآيات مستقبلاً "لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. وَلأَجْلِ هَذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ" (2 تس 2: 10، 11). والشيطان كالحية الماكرة لا يجعل الأقوال كلها تجديفية لكنه يخلط معها أقوالاً صحيحة لكي يخدع السامعين بها. فالأشياء الحسنة والصحيحة التي قد توجد في حركة ما ليست دليلاً على صحة هذه الحركة لكن المحك هو: هل كل شيء فيها يطابق المكتوب؟

من أبرز ما يخالف كلمة الله في هذه الحركة أن للمرأة مركزاً قيادياً فيها لذلك نجد حكمة الروح القدس اقتضت أن تعطينا التحريض بعد الإذن للمرأة أن تتكلم في الكنيسة في وسط هذا الأصحاح (1 كو 14) الذي موضوعه الأساسي التكلم بألسنة فيقول الرسول: "لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُوناً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ" (1 كو 14: 34). نحن لا ننكر أنه يوجد مؤمنون حقيقيون وسط المخدوعين في هذه الحركة ونتمنى بل نطلب من الرب أن يفتح عيونهم ليعرفوا ويدركوا أن الألسنة انتهت من زمان طويل كما سلفت الإشارة.

هل كان المتكلم بألسنة يفهم الأقوال التي يتكلم بها؟ إذا كانت الألسنة صحيحة فلا شك أن المتكلم بها كان يفهمها وإلا فكيف يبني نفسه كما نقرأ في (1 كو 14: 4)؟ إن لم يكن عقله يفهم ما يقوله فهو يكون كالببغاء يردد كلاماً بلا معنى ويكون كلامه هزياناً. أما المتكلم بلسان صحيح فكان يقدر أن يترجم أقواله كما يستفاد من القول "إلا إذا ترجم" (هو نفسه) (ع 5). وأيضاً "من يصلي بلسان" (ع 14) كانت روحه تصلي والروح هي مركز العقل فهو يفهم تماماً ما يصلي به. وكان لا بد أن يكون من ضمن السامعين من يفهم هذه اللغة وإلا لم تكن هذه آية لهم لو كانوا لا يفهمون. ومما لا شك فيه أن الألسنة التي كانوا يتكلمون بها هي لغات حقيقية موجودة في العالم وليست رطانة بلا معنى أو لغات جديدة مخترعة.

كان الكورنثيون يفتخرون بالتكلم بألسنة لأن لها مظهر قوة خارجي لكن ليس علامة على سمو الحالة الروحية. لكن المتكلم بلسان الآن يفتخر بموهبة غير حقيقية، وبموهبة كذب. يقول سليمان: "سَحَابٌ وَرِيحٌ بِلاَ مَطَرٍ الرَّجُلُ الْمُفْتَخِرُ بِهَدِيَّةِ (موهبة) كَذِبٍ" (أم 25: 14). يقول الروح لملاك كنيسة فيلادلفيا "لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي" (رؤ 3: 8) مع أن هذه الكنيسة كانت سامية روحياً. أما كنيسة لاودكية فيقول عنها "لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَائِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ" (رؤ 3: 17)- هذا ادعاء وافتخار كاذب. وكما كانت الألسنة آية لغير المؤمنين كذلك موهبة الشفاء كانت آية لغير المؤمنين أيضاً فنلاحظ أن الرسل الذين كانت عندهم موهبة الشفاء لم يستعملوها لشفاء المؤمنين. فمثلاً يقول بولس "وَأَمَّا تُرُوفِيمُسُ فَتَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضاً" (2 تي 4: 20) وأبفروتس مرض وقارب الموت" وحزن الرسول من أجله (في 2: 26، 27) وتيموثاوس يقول له "اسْتَعْمِلْ خَمْراً قَلِيلاً مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ" (1 تي 5: 23). فلم يستعمل الرسول موهبة الشفاء لهؤلاء المؤمنين.

أما الآن فالذين يدعون أن عندهم موهبة شفاء عندما يفشلون في شفاء المريض يقولون له السبب أن ليس لك إيمان، ولو كنت آمنت أن الله قادر أن يشفيك لكنت شفيت!

معمودية النار:

يقرن البعض معمودية الروح القدس بمعمودية النار استناداً إلى قول المعمدان "يعمدكم بالروح القدس ونار" ويفسرّون ذلك بأن موهبة الروح القدس تقترن بقوة نارية تحرق الطبيعة الفاسدة التي في المؤمن وبتفسيرات أخرى مثل حرارة الروح. وقول الكتاب "لا تطفئوا الروح" إلى غير ذلك.

ولكن الحقيقة أن معمودية الروح القدس شيء ومعمودية النار شيء آخر تماماً، فمعمودية الروح القدس للمؤمنين ومعمودية النار لغير المؤمنين. يكلم المعمدان اليهود على فريقين: فيقول يعمدكم بالروح القدس ونار الذي رفشه بيده وسينقي بيدره، الحنطة يحمعها إلى المخزن (هؤلاء هم المؤمنون الذين يعمدهم بالروح القدس) وأما التبن فيحرق بنار لا تطفأ (وهؤلاء هم غير المؤمنين وهذا يقوله الرب في النبوات. أنظر (مل 4: 1، 2) "فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشّاً وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعاً (في الأرض)"-هذا فريق غير المؤمنين يبيدهم قبل إقامة الملك الألفي. وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا" هذا هو الفريق الآخر- فريق المؤمنين الذي يدخل إلى الملك الألفي. ونلاحظ أن معمودية النار لم تذكر في إنجيل مرقس ولا في إنجيل يوحنا ولذلك لا يذكر هناك التبن، لأن النار متعلقة بالتبن. لكن في إنجيل متى وإنجيل لوقا تذكر النار ويذكر التبن.

عندما اقتبس الرب كلام يوحنا المعمدان في (أع 1: 5) لم يذكر النار بل قال فقط "ستتعمدون بالروح القدس" ولما سألوه عل في هذا الوقت ترد الملك؟ قال: ليس لكن أن تعرفوا الأزمنة والأوقات (وهذه هي التي ستكون فيها معمودية النار أي حرق الأشرار قبل إقامة الملكوت). قال الرب يسوع " لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمَلَّحُ بِنَارٍ وَكُلَّ ذَبِيحَةٍ تُمَلَّحُ بِمِلْحٍ" (مر 9: 49) فالمؤمن يمحّص بنار التأديب هنا على الأرض لأن إلهنا نار آكلة. أما غير المؤمن فيطرح في النار الأبدية.

يقول الرسول بطرس "لأَنَّهُ الْوَقْتُ لاِبْتِدَاءِ الْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ اللهِ. فَإِنْ كَانَ أَوَّلاً مِنَّا، فَمَا هِيَ نِهَايَةُ الَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ اللهِ" (1 بط 4: 17). أم طبيعة الفساد الموجودة في المؤمن فعلاجها في قول الرسول "بالروح تميتون أعمال الجسد" لذلك ينبغي على المؤمن أن يسهر على نفسه.

لا يجوز طلب الروح القدس ولا طلب يوم خمسين جديد: كان يوم الخمسين من قيامة المسيح هو يوم حضور الروح القدس من السماء وقد حضر وهو ساكن في كل مؤمن كفرد وفي الكنيسة كمجموع كما سبقت الإشارة لذلك، فلا يجوز أن نطلبه وإلا يكون هذا إنكار لوجوده. كيف يجوز أن نطلب شيئاً قد تممه الآب؟ كان مجيء الروح القدس هو موعد الآب وقد تمم الآب وعده ووعد المسيح أيضاً. جاء الروح القدس وسيمكث معنا ولا يعود إلى السماء إلا عند مجيء المسيح لأخذ عروسه حينئذ يرفع مع الكنيسة الذي يحجز الآن (الروح القدس).

نحن الآن نصلي بالروح القدس والروح القدس يقودنا فكيف نطلب من الله أن يعطينا الروح القدس؟ لا يوجد في الكتاب المقدس قط أن إنساناً طلب الروح القدس بالصلاة وأخذه. قال الرسول بطرس في يوم الخمسين "تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ (الذي كان قد حضر فعلاً من السماء)" (أع 2: 38).

وطلب يوم خمسين جديد معناه طلب يوم جديد يساوي تماماً حلول الروح القدس ومعنى هذا أن الروح القدس غير موجود ونحن نطلب مجيئه من جديد!! أما إذا جاز لنا أن نطلب شيئاً فهو أن نتأيد بالقوة بروحه في الإنسان الباطن" (أف 3: 16) ونطلب أن نمتلئ بالروح القدس للشهادة للرب لنكون شهوداً أمناء ولنكلم بعضنا بعضاً (ليس بألسنة لكن) بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبنا للرب" (أف 5: 18، 19).

يستند البعض في طلب الروح القدس على الآية الآتية: "فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ" (لو 11: 13) كان كلام الرب في ذلك الوقت سابقاً ليوم الخمسين الذي فيه حضر الروح القدس وسكن في المؤمنين ونرى التلاميذ في (أع 1: 13) حسب أمر الرب لهم قد "  صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا... هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ". هل لو كان التلاميذ طلبوا الروح القدس وقت أن كلمهم الرب هذا الكلام في (لو 11: 13) هل كان قد أعطى لهم؟ كلا. لأن المسيح لم يكن قد أكمل العمل ولم يكن قد تمجد بعد (يو 7: 39).

النبوة: الأصحاح الرابع عشر يتكلم عن موهبتين: النبوة والتكلم بألسنة، وكما تدخل الشيطان في التكلم بألسنة كذلك تدخل في موضوع النبوة.

النبوة الآن لا تقترن بإعلانات جديدة ولا بالإنباء بأخبار مستقبلة. وذلك لأن كتابة الوحي قد تمت ولا توجد إعلانات بعد ذلك. لقد ختم الوحي ومن يزيد عليه يزيد الله عليه الضربات ومن يحذف منه يحذف الله نصيبه من سفر الحياة (رؤ 22: 18، 19) " كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ... لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ" (2 تي 3: 16). إن الإدعاء بالأنباء عن المستقبل كالعرافين أمر مكروه عند الله. أما النبوة الصحيحة كما هي موضحة في هذا الأصحاح فهي: وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ (تعزية)" (1 كو 14: 3). "وَيَهُوذَا وَسِيلاَ إِذْ كَانَا هُمَا أَيْضاً نَبِيَّيْنِ وَعَظَا الإِخْوَةَ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ وَشَدَّدَاهُمْ" (أع 15: 32).

الرد على بعض التعاليم المرتبطة بالتكلم بألسنة:

(1) التكلم بألسنة دليل على حصول المتكلم على عطية الروح القدس والذي لا يتكلم بلسان ليس عنده عطية الروح القدس الرد على ذلك:

الثلاثة آلاف الذين آمنوا بموعظة الرسول بطرس أخذوا عطية الروح القدس ولم يتكلموا بألسنة. وكذلك الألفان لأنهم صاروا بعد ذلك خمسة آلاف. إذا كان الذين لم يتكلموا بألسنة لم يأخذوا الروح القدس يكون رجال الله الأفاضل العظام في تاريخ الكنيسة لم يحصلوا على الروح القدس! وبالتالي لا يكونون مسيحيين حقيقيين لأن الذي ليس له روح المسيح فذلك ليس للمسيح.

(2) يقولون أم المتكلمين بألسنة هم وحدهم المعتمدون بالروح القدس! ويقولون أيضاً أن المتكلمين بألسنة هم وحدهم عروس المسيح. وهم وحدهم الذين يأخذهم المسيح عند مجيئه لاختطاف الكنيسة، أما باقي المؤمنين فيجتازون في الضيقة العظيمة أو في جزء منها بناء على هذا الاعتقاد الخاطئ تكون الكنيسة عروس المسيح قد انقطع وجودها من الأرض مئات السنين من أيام الرسل إلى بدء هذه الحركة (التكلم بألسنة) وبذلك يكون أيضاً الروح القدس قد اختفى من الأرض طوال هذه السنين حيث لم يكن له مسكن يسكن فيه لأننا "مسكن لله بالروح" (أف 2: 20) كم توغل هؤلاء الناس في الخطأ!

وأيضاً يكون الراقدون في المسيح الذين لم يتكلموا بألسنة لا يقامون عند مجيء المسيح للاختطاف ونكون فقدنا الرجاء الذي يقول عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام. ويكون أحباؤنا وخدامنا الذين لم يتكلموا بألسنة سوف لا يقامون وليسوا من العروس!

(3) يقولون أنه يوجد فريقان من المؤمنين المخلصين: فريق يسكن فيه الروح القدس وهو الذي يتكلم بألسنة وفريق مبرر ومخلص ومولود ولادة ثانية ولا يسكن فيه الروح القدس ولا يتكلم بألسنة.

الرد:

إذا كان الأمر كذلك يكون الفريق الذي لا يتكلم بألسنة غير مخلص بالمرة لأنه غير ممكن أن يكون مخلصاً وليس عنده الروح القدس لأن الرسول يقول: أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الإِيمَانِ... فَالَّذِي يَمْنَحُكُمُ الرُّوحَ، وَيَعْمَلُ قُوَّاتٍ فِيكُمْ، أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَمْ بِخَبَرِ الإِيمَانِ؟" (غل 3: 2، 5). إذا لم يكونوا قد أخذوا الروح القدس يكونون غير مؤمنين أي لم يقبلوا خبر الإيمان.

ويقول الرسول أيضاً "لننال بالإيمان موعد الروح" (غل 3: 14) فالذين لم يأخذوا موعد الروح القدس ليس عندهم إيمان ولا يكونون أولاد الله "لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ... أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: يَا أَبَا الآبُ! اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ" (رو 8: 14- 16). ويقول الرب له المجد "مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ... قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ القدس" (يو 7: 37). فيكون الذين لم يأخذوا الروح القدس غير مؤمنين بناء على هذا الاعتقاد الخاطئ الذي ينادي به بعض الناس. وبناء على هذا التعليم يكون الذين لا يتكلمون بألسنة لم تنسكب محبة الله في قلوبهم " لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" (رو 5: 5).

وبناء على هذا التعليم الخاطئ أيضاً لا يكون لغير المتكلمين بألسنة الحق في أن يصلوا لأن الروح القدس هو الذي يعطينا قدوماً إلى الآب "  لأَنَّ بِهِ (المسيح)  لَنَا كِلَيْنَا (اليهود والأمم) قُدُوماً فِي رُوحٍ وَاحِدٍ (الروح القدس) إِلَى الآبِ" (أف 2: 18). وأيضاً لا يكون لهم حق السجود والعبادة لأن الساجدين الحقيقيين يسجدون للآب بالروح والحق (يو 4: 23). ولا يكونون من عروس المسيح وجسد المسيح لأن الروح القدس هو الذي يضمهم إلى جسد المسيح فلا حق لهم في الاشتراك على مائدة الرب التي يشترك فيها أعضاء الجسد الواحد "لأننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد".

هكذا الشيطان يريد أن يحرم المؤمنين من أعظم العطايا! يحرمهم من الخلاص والرجاء والسلام اليقين والأمان ومن الروح القدس أعظم عطية للمؤمن الذي يعزيه ويرشده ويأخذ مما للمسيح ويخبره. لكن الواقع أن عطية الروح القدس ينالها جميع المؤمنين بمجرد إيمانهم كختم وكمسحة وكعربون للميراث. إذا كان بعض المؤمنين ليس عندهم الروح القدس فهؤلاء ليس لهم الحق في الميراث.

إن جميع المؤمنين هم أولاد الله (يو 1: 12) ورثة الله ووارثون مع المسيح (رو 8: 17) ويقول لهم الرسول: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ (الروح القدس) وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ" (1 يو 2: 20). يقول الرسول يوحنا هذا القول للأولاد (أي الأطفال في المسيح) في عائلة الله وليس للآباء فقط ثم يقول لهم أن هذه المسحة ثابتة فيكم (ع 27).

وإذا رجعنا إلى أول كنيسة أممية وهي كنيسة أنطاكية نجد أنها تكونت بواسطة أخوة عاديين وليسوا رسلاً (أع 11: 19) وكانت كنيسة زاهرة حتى إن برنابا لما أتى ورأى نعمة الله فرح ولم يطلب منهم أن يصلوا لأجل نوال الروح القدس لأنهم كانوا قد نالوه ولكن وعظهم أن يثبتوا في الرب ولا توجد أية إشارة إلى أنهم تكلموا بألسنة.

الواقع أنه إذا كان هناك فريقان من المؤمنين فهما: فريق الروحيين وفريق الجسديين في سلوكهم العملي (الأطفال في المسيح) (1 كو 3: 1) والمتكلمون بألسنة في كورنثوس كانوا من فريق الجسديين لأنهم تفاخروا بهذه الموهبة والرسول يقول لهم "لا تكونوا أولاداً في أذهانكم".

(4) من أبرز التعاليم الخاطئة المرتبطة بحركة الألسنة: أعطاء المرأة مكاناً في الصلاة في الاجتماع والتكلم بألسنة وخدمة الكلمة وبذلك تخطوا كل الحواجز التي أقامها الوحي في هذا الأصحاح بالذات (ع 34- 36) وأيضاً في (1 تي 2: 12) وقالوا أن القصد من هذه الحواجز التي قالها الرسول هو إبطال عادة التهامس المألوفة بين النساء في الاجتماع وهذا التفسير باطل لأن الكلمة اليونانية "يتكلمن" هي نفس الكلمة المستعملة لكلام الرسل وكلام الرب نفسه بمعنى يتكلم ويتهامس وهل يفهم من ذلك أنه يجوز للرجال المؤمنين أن يتكلموا في الاجتماع الكلام العادي.

ويقولون أيضاً أن المقصود بالمرأة في (1 تي 2: 12) المرأة المتزوجة أما الفتاة العذراء فليست في نطاق المنع وبناء عليه أجازوا للفتيات غير المتزوجات الوعظ والتكلم بألسنة في الاجتماعات إلى حد أنه كان عدد المتكلمين بألسنة من الفتيات أكثر من عدد الرجال في بعض الاجتماعات.

ولاحظوا أيها الأحباء أني لست أقول هذا الكلام من عندي لكنه مكتوب في كتبهم التي كتبها معلمون أجانب ومصريون. الحقيقة أن أعصاب المرأة تجعلها أكثر انقياداً للانفعالات وأسرع انقياداً لتأثير الأرواح المضلة كما نشاهد في معظم حركات التعاليم الباطلة مثل حركة العلم المسيحي التي فيها ينكرون لاهوت المسيح زعيمتها واحدة اسمها مسز ادي. جماعة الإعلانات المباشرة والقوات زعيمتها واحدة اسمها مسز بلادتشكي وبعدها واحدة اسمها أني بيفانس. وزعيمة أو نبية السبتيين كما يسمونها اسمها إيلين فالت وهي مؤلفة كتب. وجماعة تدعى السبرتزم Spiritism التي هي مناجاة الأرواح قادتها من السيدات.

ليس معنى هذا أننا نذكر مركز المرأة لأن المرأة يكفيها شرفاً أن المسيح هو نسل المرأة... وأن المرأة هي التي دهنت بالطيب قدمي الرب ولم يفعل ذلك تلاميذه. وهي أول من شاهد الرب مقاماً من الأموات (مريم المجدلية). ويقول الرسول في هذه الرسالة أن "المرأة ليست من دون الرجل في الرب" (1 كو 11: 11) وإن المرأة يمكن أن تكون لها مواهب ممتازة تستخدمها في مجال النساء والشابات والأطفال وليس في اجتماعات الرجال. وكان لفيلبس المبشر أربع بنات عذارى كن يتنبأن.

(5) من المظاهر الملحوظة الملازمة لحركة الألسنة هي أنهم يذكرون اسم يسوع مجرداً من اللقب الرب. لا أقول أن هذا تعليم عندهم لكن ظاهرة ملحوظة فيقولون يا يسوع أو يسوع يشفيك. مع إن من أخص أعمال الروح القدس تكريم المسيح "ذاك يمجدني".

(6) الواقع أن الألسنة الحاضرة ليست صحيحة بدليل أنها لو كانت صحيحة لكان في إمكان المرسلين من هذه الحركة أن يتوجهوا إلى أماكن نائية لا يعرفون لغاتها وينادوا بالإنجيل بألسنة تلك الجهات دون أن يتعلموها أما كان هذا أجدى وأكثر نفعاً من التكلم بألسنة غير مفهومة في اجتماعات كل الحاضرين فيها لهم لغة واحدة؟.

كتب أحد المؤمنين في الخارج أنه يعرف عدة لغات وأخذ معه آخرون يعرفون لغات مختلفة كثيرة وحضروا اجتماعات الذين يتكلمون بألسنة. قام واحد يقول أنه يتكلم باللغة الروسية وقرر الذي يعرف اللغة الروسية أن كلامه لا يمت بصلة لهذه اللغة والترجمة للكلام فاثبتوا أن لا الكلام صحيحاً ولا الترجمة صحيحة.

(7) يقولون أن حركة الألسنة تتميم لنبوة يوئيل. لأنه قال " ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم.." (يؤ 2: 28).

هذا ليس في أيام المسيحية الأخيرة كما في 2 تي 3 لكن في أيام اليهودية الأخيرة التي هي موضوع النبوة كلها. وتستمر أيام اليهودية الأخيرة إلى الملك الألفي السعيد لأن يوئيل لا يمكن أن يتنبأ عن الكنيسة لأن الكنيسة لم تكن معروفة في العهد القديم. والكلام واضح أنه لا ينطبق على الكنيسة بل عن مجيء يوم الرب العظيم المخوف والرب ينبه البقية التقية لتلجأ إلى الرب بالتوبة والنوح والبكاء والتضرعات وبالإيمان بالكفارة وحينئذ يسكب الرب روحه عليهم.

ونقرأ أيضاً " وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ دَماً وَنَاراً وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ" (يؤ 2: 30، 31). فهل هذا يأتي في هذه الأيام قبل أن مجيء المسيح للاختطاف؟ كلا. وليس يوئيل وحده الذي يتكلم بهذا الكلام لكن إعياء أيضاً يقول "لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى الْعَطْشَانِ وَسُيُولاً عَلَى الْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ" (إش 44: 3). وأيضاً حزقيال وزكريا.

ونحن نشكر الرب من أجل عطية الروح القدس الذي يقودنا ويرشدنا ويعزينا. ولا نحتاج إلى إثبات وجود الروح القدس لأننا نحس به وبعمله فينا كأفراد وبتعزيات الروح القدس في الاجتماعات بدون هذه المظاهر بل بهدوء وسكون.

وأمنيتنا أن ينير الرب أذهان الذين يطلبون معرفة الحقيقة أما الذين يكابرون فلا نجادلهم لكن الرب يرحمهم ويرشدهم إلى الحق.

بعد أن توسعنا قليلاً في موضوع الألسنة لأهميته لاسيما في الأيام الحاضرة، نعود إلى الأصحاح الرابع عشر آية آية.

"اِتْبَعُوا الْمَحَبَّةَ وَلَكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ وَبِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا" (ع 1).

يتكلم الأصحاح الثاني عشر عن أنواع مواهب وخدمات وأعمال المؤمنين وأن اجتماع المؤمنين ليس كالاجتماعات ذات التنظيم البشري لكنه اجتماع أعضاء جسد المسيح والروح القدس قسّم المواهب وأعطى لكل واحد كما يشاء وكل عضو صغير أو كبير له عمل وخدمة. الأعمال مصدرها الله العامل فينا لأجل مسرته ومجده، والخدمات نخدم بها السيد كعبيده، والأعضاء جميعاً متعاونون ولا انشقاق في الجسد الواحد.

ويتكلم الأصحاح الثالث عشر عن المحبة- الطريق الأفضل. إذ كانت كنيسة كورنثوس غنية في المواهب وكان المؤمنون فيها غير ناقصين في كل كلمة وكل علم لكنهم كانوا ناقصين في المحبة بدليل أنهم كانوا يتفاخرون وبينهم انشقاقات.

افتخروا بموهبة التكلم بألسنة وقت أن كانت موجودة وافتخروا حتى في عشاء الرب فكان واحد يحضر أكلاً كثيراً وآخر يجوع لكن الرسول يقول لهم بدون محبة لا فائدة على الإطلاق- المحبة هي العلم الذي يرفرف على المؤمنين في اجتماعهم معاً.

ويفتتح الأصحاح الرابع عشر الذي يتكلم عن استخدام المواهب لا سيما التنبؤ والتكلم بألسنة هكذا: "اتبعوا المحبة". ويقول الرسول في (1 تس 5: 15): "اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع" وأيضاً "اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ" (عب 12: 14). ويقول لتيموثاوس: "وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هَذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ" (1 تي 6: 11). ويقول له أيضاً: "وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي..." (2 تي 3: 10).

هذه هي الأمور التي يجب أن نتبعها. أي نواظب عليها بنشاط. كل ما يجلب النزاع والتشويش نتجنبه وكل ما يصنع السلام ويمكّن المحبة نعمله. "جدوا للمواهب الروحية".

"جدوا للمواهب الروحية": جدّوا أي اجتهدوا ويتكرر هذا التحريض ثلاث مرات هنا:

1- جدوا للمواهب الحسنى- "وأريكم طريقاً أفضل" وهو المحبة (1 كو 12: 13).

2- جدوا للمواهب الروحية- "وبالأولى أن تتنبأوا" (1 كو 14: 1).

3- "جدوا للتنبؤ" (1 كو 14: 39).

نستخلص من ذلك أن الرسول يريد أن يجتهد المؤمنون للتنبؤ لبنيان أخوتهم المؤمنين.

"لأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ. وَلَكِنَّهُ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ بِأَسْرَارٍ" (ع 2).

الأصحاح كله ليس في جانب التكلم بألسنة كما سبق أن رأينا لأن المتكلم بلسان لا يفيد الناس بل اللسان آية لغير المؤمنين. إذا كنت مصرياً والجماعة كلها مصريين فما فائدة الكلام بلغة غير عربية؟ كان الغرض من الألسنة أن تصل البشارة للآيتين إلى أورشليم من بلاد أخرى للتجارة أو غيره بلغاتهم. إذاً لا داع للتكلم بلسان إلا إذا كان هناك من يعرف هذا اللسان فتكون آية له لكن الباقون لا يستفيدون شيئاً. المتكلم بلسان يتكلم بأسرار أي بألغاز غير مفهومة للحاضرين.

"وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ" (ع 3).

هذا معنى التنبؤ هنا ليس الإخبار عن المستقبل كالعرافين لكن مخاطبة الناس بما يبنيهم ويعظهم ويعزيهم. البنيان أي النمو في النعمة والتقدم روحياً. الوعظ التحريض على المحبة والأعمال الصالحة. التسلية أي التعزية والفرح الروحي.

"مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ" (ع 4).

يعمل الرسول مقارنة بين من يتكلم بلسان وبين من يتنبأ، من يتكلم بلسان يبني نفسه لأنه يفهم ما يقول. أما إذا كان لا يفهم ما يقوله فلا يكون هذا من عمل الروح القدس لأنه تشويش وبلا فائدة. وأما من يتنبأ فيبني الكنيسة يبني المجموع وهذا هو الغرض من اجتماع المؤمنين معاً.

"إِنِّي أُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ وَلَكِنْ بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا. لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ حَتَّى تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَاناً" (ع 5).

يقول الرسول أنه يريد أن جميعهم يتكلمون بألسنة بشرط أن تكون صحيحة وتترجم حتى ينال الحاضرون بنياناً. في العدد الأول نقرأ: "بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا"، أي أن التنبؤ في المكان الأول. وفي آخر الأصحاح يقول الرسول: "جدّوا للتنبؤ ولا تمنعوا التكلم بألسنة".

"لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ": يستخدم الرسول هنا بالروح القدس كلمة "أعظم" مع أن كل خدمة صغيرة أو كبيرة لا غنى عنها والغرض من استعمال هذه الكلمة هو أن يوبخهم كأنه يقول لهم: بما أنكم تطلبون العظمة فالتنبؤ أعظم من التكلم بألسنة. ولكن هذا ليس المبدأ وإنما المبدأ هو أنه لا توجد موهبة أعظم من الأخرى.

"إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ": كان المتكلم بلسان يترجم ما يقوله فهو يفهم الكلام الذي تكلم به وعندما يترجم يكون قد تكلم باللغة العادية.

"حَتَّى تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَاناً": هذا هو الغرض من اجتماع المؤمنين البنيان والنمو والتقدم في النعمة.

"فَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ مُتَكَلِّماً بِأَلْسِنَةٍ فَمَاذَا أَنْفَعُكُمْ إِنْ لَمْ أُكَلِّمْكُمْ إِمَّا بِإِعْلاَنٍ أَوْ بِعِلْمٍ أَوْ بِنُبُوَّةٍ أَوْ بِتَعْلِيمٍ؟" (ع 6).

هل حدث أن الرسول ذهب إليهم متكلماً بالألسنة؟ لا. ولا في كل تجواله وخدماته في كل مكان ذهب إليه ولكنه كان دائماً يتكلم بإعلانات من الله وبعلم وبنبوة أي وعظ وتحريض وبنيان وتعليم.

"اَلأَشْيَاءُ الْعَادِمَةُ النُّفُوسِ الَّتِي تُعْطِي صَوْتاً: مِزْمَارٌ أَوْ قِيثَارَةٌ مَعَ ذَلِكَ إِنْ لَمْ تُعْطِ فَرْقاً لِلنَّغَمَاتِ فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا زُمِّرَ أَوْ مَا عُزِفَ بِهِ؟ فَإِنَّهُ إِنْ أَعْطَى الْبُوقُ أَيْضاً صَوْتاً غَيْرَ وَاضِحٍ فَمَنْ يَتَهَيَّأُ لِلْقِتَالِ؟" (ع 7، 8).

الأشياء العامة أي الآلات الموسيقية الجامدة التي تعطي صوتاً مثل المزمار والقيثارة. هل تعطي صوتاً متصلاً بلا معنى؟ كلا. توجد نوتة ونغمات عالية وأخرى منخفضة ويوجد تنسيق للعزف والذين يعرفون الموسيقى يميزون العزف ويقولون هذه قطعة عنوانها كذا ومؤلفها فلان... وهكذا. كذلك بوق الاستعداد للحرب مميز. ليس الضرب بالبوق واحداً لكن لكل غرض طريقة خاصة وإلا فكيف يتهيأ الجنود للحرب إن لم يفهموا البوق الخاص بذلك؟ يوجد بوق للتجمع وبوق للاصطفاف وبوق للتنبيه وبوق للتحرك وهكذا.

"هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تُعْطُوا بِاللِّسَانِ كَلاَماً يُفْهَمُ فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا تُكُلِّمَ بِهِ؟ فَإِنَّكُمْ تَكُونُونَ تَتَكَلَّمُونَ فِي الْهَوَاءِ!" (ع 9).

"هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تُعْطُوا بِاللِّسَانِ كَلاَماً يُفْهَمُ": أذا كانت الآلات الجامدة تعطي تمييزاً في النغمات لتكون مفهومة، فبالأولى أنتم... إن لم تقدموا كلاماً مفهوماً تكونون كمن يتكلم في الهواء.

"رُبَّمَا تَكُونُ أَنْوَاعُ لُغَاتٍ هَذَا عَدَدُهَا فِي الْعَالَمِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا بِلاَ مَعْنىً. فَإِنْ كُنْتُ لاَ أَعْرِفُ قُوَّةَ اللُّغَةِ أَكُونُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَعْجَمِيّاً وَالْمُتَكَلِّمُ أَعْجَمِيّاً عِنْدِي" (ع 10، 11).

توجد لغات مختلفة للشعوب الموجودة في العالم وكلها لغات حقيقية مفهومة عند أصحابها. والمتكلم بلسان في الكنيسة يجب أن يكون ما يتكلم به لغة حقيقية موجودة في العالم يعرفها بعض الحاضرين. فإن كنت لا أعرف اللغة أكون عند المتكلم أعجمياً ويكون المتكلم أعجمياً عندي لا أقدر أن يفهمني. فإذا كان المتكلم بلسان لا يقدر أن يترجم اللسان الذي تكلم به يكون الكلام بلبلة وضجة بلا معنى.

"هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً إِذْ إِنَّكُمْ غَيُورُونَ لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ اطْلُبُوا لأَجْلِ بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا. لِذَلِكَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَلْيُصَلِّ لِكَيْ يُتَرْجِمَ" (12، 13).

 حيث أنكم غيورون لتكون لهم المواهب الروحية فاطلبوا أن يعطيكم الرب ما تبني به الكنيسة ليكن الهدف الذي أمامكم هو بنيان الكنيسة لا الصورة المظهرية. حتى الذي يتكلم بلسان عليه أن يصلي لكي يعطيه الرب أن يترجم لفائدة المؤمنين.

تتكرر عبارة "بنيان الكنيسة" خمس مرات في هذا الأصحاح في عدد 3، 4، 5، 12، 26 وذلك لأهميتها.

"لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُصَلِّي بِلِسَانٍ فَرُوحِي تُصَلِّي وَأَمَّا ذِهْنِي فَهُوَ بِلاَ ثَمَرٍ. فَمَا هُوَ إِذاً؟ أُصَلِّي بِالرُّوحِ وَأُصَلِّي بِالذِّهْنِ أَيْضاً. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضاً" (ع 14، 15).

إن كنت أصلي بلسان أي بلغة أخرى فروحي تصلي وأما ذهني فهو بلا ثمر للآخرين لأنهم لا يفهمون ما أقول. روحي تصلي وذهني يصلي أيضاً لكن بلا ثمر للآخرين لأني أنا فاهم والآخرون غير فاهمين. أنا أجني ثمراً لأني فاهم الكلام الذي أقوله وأما الباقون فلا يجنون ثمراً.

"وَإِلاَّ فَإِنْ بَارَكْتَ بِالرُّوحِ فَالَّذِي يُشْغِلُ مَكَانَ الْعَامِّيِّ كَيْفَ يَقُولُ «آمِينَ» عِنْدَ شُكْرِكَ؟ لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ مَاذَا تَقُولُ! فَإِنَّكَ أَنْتَ تَشْكُرُ حَسَناً! وَلَكِنَّ الآخَرَ لاَ يُبْنَى" (ع 16، 17).

نفهم من هذا أنه من قديم الزمان من بدء تأسيس الكنيسة عندما كان واحد يشكر يقول الباقون "آمين". وكان هذا أيضاً في العهد القديم عندما وقف عزرا وقرأ في الشريعة ثم صلى وقال الشعب آمين. و"آمين" هي الكلمة بعينها في كل اللغات لا تترجم وهذا يدل على اشتراك المؤمنين مع المصلي وكل واحد يعتبر الصلاة أنها صلاته وهو متتبع تماماً ما يقوله الآخر في الصلاة لأن المصلي يتكلم بالاصالة عن نفسه وبالنيابة عن الآخرين. والعامي هنا شخص مؤمن لكن لا يعرف اللغة فكيف يقول آمين عند شكرك؟ لذلك لا يجوز الصلاة أو الترنيم بلسان لأن الصلاة والترنيم أمر جماعي يشترك فيه كل الحاضرين.

"أَشْكُرُ إِلَهِي أَنِّي أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِكُمْ. وَلَكِنْ فِي كَنِيسَةٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي لِكَيْ أُعَلِّمَ آخَرِينَ أَيْضاً أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ" (ع 18، 19).

الرسول لم يكلمهم بألسنة لأنه لم يكن يقصد مجد نفسه لكن كان كل غرضه أن يمجد المسيح ويعلم الآخرين. ويا لها من مقارنة يقولها الرسول هنا بين خمس كلمات باللغة العادية مع، لا خمسين كلمة ولا مائة ولا ألف بل عشرة آلاف كلمة بلسان.

"أَيُّهَا الإِخْوَةُ لاَ تَكُونُوا أَوْلاَداً فِي أَذْهَانِكُمْ بَلْ كُونُوا أَوْلاَداً فِي الشَّرِّ وَأَمَّا فِي الأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ" (ع 20).

وكأن الرسول يقول لهم إن لهفتكم على التكلم بألسنة عمل صبياني فتشبهون الأولاد الصغار الذين يفرحون بلعبة ويقول لهم لا تكونوا أولاداً في أذهانكم بل أولاداً في الشر أما في الأذهان والفهم فكونوا كاملين أي رجالاً.

"مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ: «إِنِّي بِذَوِي أَلْسِنَةٍ أُخْرَى وَبِشِفَاهٍ أُخْرَى سَأُكَلِّمُ هَذَا الشَّعْبَ وَلاَ هَكَذَا يَسْمَعُونَ لِي يَقُولُ الرَّبُّ». إِذاً الأَلْسِنَةُ آيَةٌ لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَلْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. أَمَّا النُّبُوَّةُ فَلَيْسَتْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ" (ع 21، 22).

للرب لغة أخرى عندما لا تفلح لغة التعليم وهي لغة التأديب إذ نقرأ في (أش 28: 11): "إِنَّهُ بِشَفَةٍ لَكْنَاءَ وَبِلِسَانٍ آخَرَ يُكَلِّمُ هَذَا الشَّعْبَ" الكلام بلغة أخرى كانت شهادة ضدهم أنه سيكلمهم بألسنة أخرى لعلهم يستفيقون فهذا تأديب لهم إذ جعل الرب الآشوريين والبابليين يسبونهم ويكلمونهم بلغات لم يكونوا يعرفونها لعلهم يتنبهون لكن يقول الرب أنه مع ذلك لم يسمعوا له. إذاً الألسنة آية لا للمؤمنين بل لغير المؤمنين لتأديبهم أما النبوة أي التعليم فللمؤمنين.

"فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الْكَنِيسَةُ كُلُّهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ فَدَخَلَ عَامِّيُّونَ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ أَفَلاَ يَقُولُونَ إِنَّكُمْ تَهْذُونَ؟" (ع 23).

"فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الْكَنِيسَةُ كُلُّهَا": وهذه كانت العادة أن يجتمع المؤمنين كلهم للعبادة فلم تكن قد ظهرت العادة الرديئة التي يقول عنها الرسول: "غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ" (عب 10: 25).

"فَدَخَلَ عَامِّيُّونَ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ": العاميون شيء وغير المؤمنين شيء آخر. العاميون أشخاص لا يعرفون اللغة وقد يكونون مؤمنين أما غير المؤمنين فهم مترددون على الاجتماع ولم يؤمنوا بعد. إذا كان الجميع يتكلمون بألسنة فالعامي وغير المؤمن لا يفهما ما يقوله هؤلاء فماذا يكون حكمهم؟ يقولون أنكم تهذون.

"وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَنَبَّأُونَ فَدَخَلَ أَحَدٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ أَوْ عَامِّيٌّ فَإِنَّهُ يُوَبَّخُ مِنَ الْجَمِيعِ. يُحْكَمُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَمِيعِ. وَهَكَذَا تَصِيرُ خَفَايَا قَلْبِهِ ظَاهِرَةً. وَهَكَذَا يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ وَيَسْجُدُ لِلَّهِ مُنَادِياً أَنَّ اللهَ بِالْحَقِيقَةِ فِيكُمْ" (ع 24، 25).

في العدد السابق دخل عاميون أو غير مؤمنين (بالمجمع) أي كثيرون ووجدوا الجميع يتكلمون بألسنة غير مفهومة ولا توجد ترجمة. ماذا يستفيدون؟ لا شيء. وما هي النتيجة؟ يحكمون أنكم تهزون فيخرجون كما دخلوا ويستهزئون. لكن هنا يقول: "دخل واحد" غير مؤمن أو عامي وسمع الجميع يتنبأون أي يتكلمون بكلام وعظ وبنيان وتعزية فإنه ينخس في قلبه. حتى إن دخل أحد بقصد الاستهزاء وسمع صوت الله متكلماً إليه على فم الذين يتنبأون فيوّبخ وينخس ضميره ويحكم على ذاته ويكشف للرب له حالة قلبه وحينئذ لا يقاوم عمل الروح القدس فيسجد منادياً أن الله بالحقيقة هنا. "إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ" (1 بط 4: 11). المتكلم يوّصل صوت الله وكلام الله الذي يريد أن يقوله للحاضرين.

الذي يتنبأ لا يقول أن كل كلام الله نافع ويفتح الكتاب ويتكلم عن أي فصل من أقوال الله! حاشا. بل يعطيه الرب الكلام الذي يريده من الفصل الذي يرشده إليه الروح القدس لذلك يندهش السامع عندما يسمع الكلام كمن يخاطبه شخصياً ويكلمه عن حالته الخاطئة وكأنه يعرف كل شيء عنه.

الرب يهتم بكل فرد. لقد ذهب ليلتقي بالمرأة السارية وكلم ضميرها وكشف لها قلبها فقالت: له أرى أنك نبي. فالرب عارف كل شخص وعارف سلوكه ويعطي للمتكلم الكلام الذي ينطبق عليه تماماً فيوّبخ ويحكم عليه وتصير خفايا قلبه ظاهرة له ويقنعه الرب فيخر على وجهه ويسجد ثم يشهد أن الله بالحقيقة فيكم. هذا هو الثمر.

نرى من ذلك أن التنبؤ ينتج إيماناً فسجوداً فشهادة.

"فَمَا هُوَ إِذاً أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ لَهُ تَعْلِيمٌ لَهُ لِسَانٌ لَهُ إِعْلاَنٌ لَهُ تَرْجَمَةٌ: فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ" (ع 26).

"متى اجتمعتم فكل واحد منكم له": يفهم من ذلك أن الحرية مكفولة في اجتماع المؤمنين لكن ليست الحرية للفرد ولا للجسد بل للروح القدس فهو الذي يشغل من يشاء.

نحن نجتمع باسم الرب والرب حاضر في الوسط وهو رئيس الاجتماع ولا يمكن أن يدير الاجتماع أو ينظم العبادة شخص منظور والرب موجود وفيه كل الكفاية. وقوله: "وكل واحد منكم له" يشجب أن يقوم بكل الخدمة فرد واحد. نقرأ: "وَأَمَّا هُمْ (بولس ومن معه) فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ بِيسِيدِيَّةَ وَدَخَلُوا الْمَجْمَعَ يَوْمَ السَّبْتِ وَجَلَسُوا. وَبَعْدَ قِرَاءَةِ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُؤَسَاءُ الْمَجْمَعِ قَائِلِينَ[4]: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا». فَقَامَ بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ" (أع 13: 14- 16).

يذكر الرسول هنا أنواع الخدم التي كانت تمارس ومن ضمنها اللسان والترجمة والإعلان وقت أن كانت موجودة لكنها انتهت الآن بانتهاء الغرض منها كما سبقت الإشارة. كانت توجد إعلانات في البداية قبل أن يكمل الوحي لكن الآن بعد أن تم الكتاب لا توجد إعلانات جديدة خارجة عن الكتاب وأخيراً يقول: "فليكن كل شيء للبنيان". فالغرض من كل الخدم في اجتماع المؤمنين هو بنيان النفوس وليس التفاخر وإظهار الذات- الخدمة لا تبني لا قيمة لها.

"إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَوْ عَلَى الأَكْثَرِ ثَلاَثَةً ثَلاَثَةً وَبِتَرْتِيبٍ وَلْيُتَرْجِمْ وَاحِدٌ. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَرْجِمٌ فَلْيَصْمُتْ فِي الْكَنِيسَةِ وَلْيُكَلِّمْ نَفْسَهُ وَاللهَ" (ع 27، 28).

"إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ": في الأصل كما نجده في الترجمة الإنكليزية الدقيقة هكذا: Two or at the most three and seperately اثنين أو ثلاثة على الأكثر وبترتيب ويعني واحد وراء الآخر وليس مع بعض. وليترجم واحد أي ليس لكل متكلم بلسان مترجم واحد للجميع عنده موهبة الترجمة.

وإن لم يوجد مترجم فليصمت صاحب موهبة التكلم بألسنة وليكلم نفسه والله لأنه كما سبقت الإشارة في عددي 2، 4 "من يتكلم بلسان لا يكلم الناس بل الله وأيضاً من يتكلم بلسان يبني نفسه"

"أَمَّا الأَنْبِيَاءُ فَلْيَتَكَلَّمِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ وَلْيَحْكُمِ الآخَرُونَ. وَلَكِنْ إِنْ أُعْلِنَ لِآخَرَ جَالِسٍ فَلْيَسْكُتِ الأَوَّلُ. لأَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ جَمِيعُكُمْ أَنْ تَتَنَبَّأُوا وَاحِداً وَاحِداً لِيَتَعَلَّمَ الْجَمِيعُ وَيَتَعَزَّى الْجَمِيعُ. وَأَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ خَاضِعَةٌ لِلأَنْبِيَاءِ. لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلَهُ سَلاَمٍ" (ع 29- 33).

يتكلم الرسول هنا عن النبوة أي كلام الوعظ والتعليم والتشجيع للبنيان والتعزية. "وليحكم الآخرون". يحكم السامعون (أي اللذين لهم دراية بالحق الإلهي) بإرشاد الروح القدس على الكلام إذا كان من الله أم من الجسد وهل الكلام مطابق لكلمة الله أم لأنه يوجد معلمون كذبة والشيطان يتداخل ليفسد الناس عن الإيمان.

"وَلَكِنْ إِنْ أُعْلِنَ لِآخَرَ": طبعاً الإعلان أقوى وأهم من الوعظ وقت أن كانت الإعلانات موجودة قبل إتمام الوحي فلها المركز الأول. فالذي يعطيه الرب كلام وعظ يقدر أن يتكلم ويقدر أن يسكت لأن أرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء ولكن عندما يأتي إعلان بوحي من الله فهذا كان في المقام الأول عندئذ يسكت الأول[5] لأنكم تقدرون جميعكم أن تتنبئوا واحداً واحداً أي بترتيب والغاية ليتعلم الجميع ويتعزى الجميع. يعني توجد إمكانية للجميع أن يتكلموا ولكن لا يتكلم الجميع بل اثنان أو ثلاثة فقط.

 "كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ. لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُوناً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضاً. وَلَكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئاً فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ" (ع 34، 35).

هذا هو موقع النساء في اجتماعات الرجال: الصمت والخضوع. يقول الرسول:"لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلَكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي" (1 تي 2: 11- 14).

وإن أرادت المرأة أن تتعلم شيئاً فلتسأل رجلها في البيت. أنا إن تعلم فهذا ممنوع لأنه قبيح بالمرأة أن تتكلم[6] في كنيسة بوعظ أو حتى سؤال في أي اجتماعات الرجال. لأنها عندما تعلم تضع نفسها في مركز أعلى من الرجل. لذلك يقول الرسول: "ولا تتسلط على الرجل" لأن مركز المرأة الخضوع ولأن الرجل رأس المرأة وهذا رأيناه في (1 كو 11).

هل في هذا ظلم على المرأة؟ كلا. فنحن نعترف بأن المرأة عضو في جسد المسيح ولها مواهب روحية لكنها تستخدمها في دائرة اجتماعات الأخوات والشابات وتعليم الأطفال في مدارس الأحد كما سبقت الإشارة. المرأة السارية بعد أن قبلت الرب يسوع نادت في المدينة قائلة تعالوا إلى المسيح. وبريسكلا مع زوجها أكيلا أخذا أبلوسٍ إلى بيتهما وأرشداه إلى الحق. نلاحظ أنه توجد بعض أمور مقترنة ببعضها في حركة التكلم بألسنة الآن وهي تخالف كلمة الله ومن ضمنها السماح للمرأة بالكلام والوعظ في اجتماعات الرجال.

" أَمْ مِنْكُمْ خَرَجَتْ كَلِمَةُ اللهِ؟ أَمْ إِلَيْكُمْ وَحْدَكُمُ انْتَهَتْ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْسِبُ نَفْسَهُ نَبِيّاً أَوْ رُوحِيّاً فَلْيَعْلَمْ مَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكُمْ أَنَّهُ وَصَايَا الرَّبِّ. وَلَكِنْ إِنْ يَجْهَلْ أَحَدٌ فَلْيَجْهَلْ!". (ع 36- 38).

الكنيسة التي تخالف الترتيب الذي كتبه الرسول كأنها تدعي بأن كلمة الله صادرة من عندها وحدها، خرجت كلمة الله منهم وانتهت إليهم لكن الرسول يقول: ليعلم من يدعي ذلك إن ما كتبه الرسول هو وصايا الرب. وكل الكنائس يجب أن تتبعه. ينبغي أن تكون وحدة في التعليم أما حرية الرأي فليست في التعليم المسيحي لأن الحق الإلهي واحد ويجب أن يكون التعليم الصحيح في كل مكان وكل كنائس الله تنادي بنفس التعليم.

ونحن مقيدون بالمكتوب الذي أوحى به الله ونحني الرأس خضوعاً له أما الذي يعارض والذي ينازع ويقاوم لا دخل لنا به. ليس لنا عادة منازعات ومخاصمات.

 "إِذاً أَيُّهَا الإِخْوَةُ جِدُّوا لِلتَّنَبُّؤِ وَلاَ تَمْنَعُوا التَّكَلُّمَ بِأَلْسِنَةٍ. وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ" (ع 39، 40).

هذه ثالث مرة يحرضنا فيها الرسول على الاجتهاد. إذ يقول: جدوا للمواهب الحسنى" أي الأفضل- آخر ص 12 وأيضاً "جدوا للمواهب الروحية وبالأولى أن تتنبئوا"- أول ص 14. وأيضاً "جدوا للتنبؤ ولا تمنعوا التكلم بألسنة"- آخر ص 14.

وواضح جداً أن الرسول يحث على التنبؤ للبنيان. أما عن الألسنة وقت أن كانت موجودة وصحيحة فيقول "لا تمنعوا التكلم بألسنة" وليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب فإلهنا إله سلام وليس إله تشويش.

ليساعدنا الرب لتنفيذ هذه المبادئ الثابتة في استخدام المواهب:

أولاً: اتبعوا المحبة فالمحبة هي الطريق الأفضل.

ثانياً: ليكن الغرض من الخدمة البنيان وليس إظهار الذات.

ثالثاً: ليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب. وطبعاً الغرض الأول والأخير هو مجد الرب.

[1]- متى تمجد المسيح؟ عندما أكمل العمل ومضى إلى السماء وتمجد عن يمين الآب. هل عندما نقول مجداً مجداً يكون المسيح قد تمجد بترديد هذه الكلمات وعلى ذلك يعطي لنا الروح القدس؟ كلا.

[2]- معمودية الروح القدس هي انضمام المؤمنين لجسد المسيح كما رأينا في ص 12 أما معمودية النار فشيء آخر وهي نصيب الرافضين للمسيح أي النار الأبدية. ولم يذكر في هذه المناسبة معمودية النار لأن الرب كان يوجه كلامه إلى التلاميذ المؤمنين وهؤلاء لا ارتباط لهم بمعمودية النار التي تخص غير المؤمنين.

[3]- ليست من نار لكن كأنها من نار أي كلمات قوية فاحصة كما قال الرب لإرميا: "هأنذا جاعل كلامي في فمك ناراً" (إر 5: 14).

[4]- نلاحظ هنا أن المجمع كان لليهود ولم يكن اجتماع كنيسة الله. لأجل ذلك رؤساء المجمع قالوا للرسول بولس والذين معه: إن كانت عندكم كلمة وعظ للشعب فقولوا، أما في اجتماع القديسين معاً فمن يقوده الروح القدس للكلام يتكلم بدون تدخل بشري.

[5]- يمكن أن نفهم أيضاً من عبارة "فليسكت الأول" أنه يحسن أن يتكلم صاحب الإعلان بعد أن يسكت الأول الذي يلاحظ أن الرب أعطى إعلاناً فيختصر ويسكت.

[6]- سبقت الإشارة أن كلمة "تتكلم" هي نفس الكلمة المستخدمة في كلام الرسل والرب نفسه، ولا تعني الدردشة كما يقولون.

  • عدد الزيارات: 6106