الأصحاح الثالث عشر
"هذا الأصحاح الذي يقع بين الثاني عشر الذي يكلمنا عن المواهب الروحية وبين الرابع عشر الذي يكلمنا عن استخدام هذه المواهب- هو أصحاح المحبة- الطريق الأفضل.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
عدد 1- 3: لزوم المحبة.
عدد 4- 7: صفات المحبة.
عدد 8- 13: ثبات المحبة.
رأينا في الأصحاح السابق أساس اجتماع المؤمنين معاً وهو أنهم جسد المسيح الواحد هل المؤمنون في كل الكنائس يجتمعون على هذا الأساس؟ الأساس الصحيح هو أن المجتمعين جسد واحد يشتغل كله، والروح القدس يسكن في كل عضو من أعضاء هذا الجسد ويسكن أيضاً في الجسد كله كهيكل للروح القدس (1 كو 6: 19) فنحن نجتمع معاً كجسد المسيح برئاسته لأنه حاضر في الوسط حسب وعده، وبقيادة الروح القدس مستخدماً المواهب المعطاة للمؤمنين لمنفعة الآخرين- لا لإظهار الذات بل لمجد الله وللبنيان- هذا هو الاجتماع الصحيح بحسب فكر الله.
وفي ختام ص 12 يقول الرسول: "جدوا للمواهب الحسنى"- المواهب الأحسن، ليست التي لها منظر أحسن لكن الأنفع للكنيسة ثم يضيف "وأيضاً أريكم طريقاً أفضل"- الطريق الأفضل هو المحبة- موضوع هذا الأصحاح.
يظن البعض أن أصحاح 13 جاء فصلاً معترضاً بين ص 12، ص 14 لكنه في الحقيقة الحلقة الذهبية التي تربط الأصحاحين معاً، فالأصحاحات الثلاثة سلسلة واحدة مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً لأنه بدون المحبة لا منفعة لأية موهبة.
"إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ" (ع 1).
المحبة ليست من طبيعتنا لكن المحبة من الله يقول الرسول بولس: "لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" (رو 5: 5) ويقول الرسول يوحنا: " أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ... فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" ( 1 يو 4: 7- 10).
فنحن كبشر فينا طبيعة فاسدة موروثة من آدم وليس فينا محبة. لكن المحبة هي طبيعة الله، ونحن إذ صرنا شركاء الطبيعة الإلهية أخذنا منه المحبة بالولادة الثانية، يقول الرسول بولس: "فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاَللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا" (أف 5: 1، 2) ويقول الرسول يوحنا: "نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ" ( 1 يو 3: 14) فالمحبة برهان على الولادة الثانية.
قال الرب يسوع: "بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ" (يو 13: 35). وكما نقرأ في رسالة يعقوب "الإيمان بدون أعمال ميت" هكذا المواهب بدون محبة ميتة لا قيمة لها.
كانت كنيسة كورنثوس أغنى الكنائس في المواهب ويقول لهم الرسول: "أَنَّكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ اسْتَغْنَيْتُمْ فِيهِ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ وَكُلِّ عِلْمٍ.... حَتَّى إِنَّكُمْ لَسْتُمْ نَاقِصِينَ فِي مَوْهِبَةٍ مَا" (1 كو 1: 5- 7). ولكنها كانت الكنيسة الأقل في المحبة فكانت حالتهم الروحية منخفضة جداً فيقول لهم: "لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَالٍ فِي الْمَسِيحِ" (1 كو 3: 1). ويقول لهم في آخر الرسالة: "كونوا رجالاً"- كانوا يستخدمون المواهب كما يستخدمها الطفل لعبة يلهو بها.
أما كنيسة تسالونيكي مثلاً فكانت عكس ذلك كان المؤمنون حديثي الإيمان ولم يذكر الرسول أن عندهم مواهب لكن كانت عندهم محبة فيقول لهم: "وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً" (1 تس 4: 9). ويقول لهم في الرسالة الثانية: "لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيراً، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جَمِيعاً بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ تَزْدَادُ" (2 تس 1: 3). فكانت كنيسة زاهرة مع أنها ليست فيها مواهب ظاهرة. في معظم الرسائل يشكر الرسول الله من أجل الإيمان ومن أجل المحبة التي للقديسين ولا يتكلم كثيراً عن المواهب.
"إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ": في ختام الأصحاح السابق ذكر الرسول التكلم بألسنة في آخر قائمة المواهب مع أنهم كانوا يفتخرون بها والرسول هنا كممثل لأي مؤمن يقول إن كنت أتكلم بألسنة مختلفة وألسنة الملائكة أيضاً وهذا طبعاً افتراض أي أنه لا يتكلم بلغة واحدة بل باللغات الموجودة في العالم كلها وأيضاً بلغة الملائكة- لو تحقق هذا الافتراض ولم تكن لي محبة فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن- أي كمن يدق قطعتي نحاس ببعضهما فيعطي صوتاً عالياً لكن لا يفهم منه شيء- رنين عال بلا معنى انظر (1 كو 14: 7- 9).
"وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً" (ع 2).
النبوة: إما للبنيان: "وأما من يتنبأ فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية" (ص 14: 3). وأما النبوة عن المستقبل. فإن كانت لي نبوة وكل علم الإيمان ولي ليس محبة فلست شيئاً "فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلِآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلِآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِد..." (1 كو 12: 8، 9).
والإيمان هنا ليس الإيمان الذي به خلصنا لكن إيمان الثقة الذي ينقل الجبال (جبال الصعوبات) أي الموهبة المعجزية التي كان بها أبطال الإيمان يذللون الصعوبات فالرسول في هذا العدد يبين أن كل هذه المواهب بدون محبة لا قيمة لها.
كان لبلعام نبوة عظيمة تكلم بها عن الرب يسوع المسيح. قال: "يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ وَيُهْلِكُ كُل بَنِي الوَغَى" (عدد 24: 17). لكن لم تكن له محبة لأنه لم يكن مؤمناً. وقيافا كان رئيساً للكهنة وتنبأ أن الرب يسوع مزمع أن يموت عن الأمة (يو 11: 51) لكن لم تكن له محبة لأنه أبغض الرب يسوع.
هل هناك أناس عندهم إيمان حتى يصنعوا معجزات وليس لهم محبة؟ نعم "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!" (مت 7: 22، 23).
ويهوذا الاسخريوطي كان من تلاميذ المسيح، ولما أرسلهم صنعوا آيات كثيرة ورجعوا يقولون حتى الشياطين تخضع لنا باسمك ولم تكن له محبة ولا تقدير لشخص الرب فأسلمه وكانت النتيجة أنه هلك.
"وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً" (ع 3).
"وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي": أي إن اشتريت بكل أموالي طعاماً وقدمته للفقراء والمحتاجين إن أنفقت كل ما عندي في أعمال خيرية وليس لي محبة لا أنتفع شيئاً.
"إِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ": إن سلمت جسدي للحرق في طريق التدين كما كان يفعل عبدة الأوثان الذين كانوا يقدمون لا أنفسهم بل أبناءهم لحريق النار في عبادة الأصنام بدون فائدة. فإن كنت أتكلم بلغات الناس جميعاً أو كان لي إيمان ينقل الجبال أو إن كنت أعطي كل أموالي أو إن كنت أسلم جسدي للحريق وليست لي محبة فإني أكون كنحاس يطن أو صنج يرن لا أقدم شيئاً وأنا نفسي لست شيئاً ولا أنتفع شيئاً.
بدون المحبة يعني بدون إيمان وبدون ولادة ثانية، لأنه غير ممكن أن المؤمن لا يكون عنده محبة. المحبة يجب أن تظهر بوضوح في حياة المؤمن وفي معاملته مع المؤمنين كل الرسل يحرضون على المحبة يقول الرسول بطرس: "فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ. وَلَكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً" (1 بط 4: 7، 8). وبعد ذلك يقول: "لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضاً، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ" (ع 10). والرسول بولس يقول في (1 كو 14: 1): "اِتْبَعُوا الْمَحَبَّةَ وَلَكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ" المحبة أولاً وممارسة المواهب ثانياً.
صفات المحبة: عدد 4- 7
يذكر الوحي هنا 14 صفة للمحبة: سبعة إيجابية وسبعة سلبية.
"الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ" (ع 4).
"الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ": هاتان صفتان إيجابيتان للمحبة مقترنتان معاً وتوجد مضايقات كثيرة لنا ونحن في هذا العالم وفينا الجسد وأحياناً يخطئ إليَّ أخي ويسيء إليَّ، وقد يدري وقد لا يدري، لكن المحبة تتأنى ولا تتسرع ومن الناحية الثانية تشفق على الأخ المخطئ وتلتمس له العذر لأنه لولا أنه ضعيف روحياً والشيطان غربله ما كان أساء إليَّ- طول الأناة والرأفة من صفات الرب يسوع نقرأ في (مز 103: 8): "الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة" طويل الروح أي يتأنى ورؤوف أي يرفق.
"الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ": هذه هي الصفة السلبية الأولى الحسد ميل في القلب واشتهاء أن يكون لي ما للآخرين لكن الحسد لا يضر الآخرين بل يضر الحاسد نفسه الاعتقاد أن نظرة الحاسد تضر الآخرين اعتقاد خاطئ الحسد يضر الذي يحسد. يأكل الحسد قلبه ويطفئ حياته الروحية.
يوجد فرق بين الغيرة والحسد الغيرة هي أن أتمنى أن أكون مثل الآخر وأحصل على ما حصل عليه لكن الحسد هو أن أتمنى أن يزول ما عنده وآخذه أنا وهذه عاطفة رديئة وهذا ما فعله أخوة يوسف إذ يقول الكتاب: "فحسده أخوته" (تك 37: 11) ويقول الوحي عن اليهود: "لأَنَّهُ (بيلاطس) عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ (أسلموا الرب يسوع) حَسَداً" (مت 27: 18).
"الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ": وهذه هي الصفة السلبية الثانية وناشئة الذات يفتخر الشخص بما عنده ويفتخر أيضاً لاحظوا يا أحبائي أن هذا الأصحاح يعالج كل الأخطاء وكل نقط الضعف التي كانت عند الكورنثيين كان واحد يفتخر بانتسابه لبولس وآخر بانتسابه لأبلوس ويقول لهم الرسول: "لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الآخر" (1 كو 4: 6) ويقول أيضاً: "من افتخر فليفتخر بالرب" وكانوا يفتخرون بمواهبهم وبعلمهم لذلك يقول لهم الرسول "العلم ينفخ لكن المحبة تبني" (1 كو 8: 1) لو كانت عندهم محبة لما حدثت انقسامات ولا تفاخر ولا انتفاخ.
"وَلاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ" (ع 5).
"وَلاَ تُقَبِّحُ": هذه هي الصفة السلبية الثالثة وتعني أن المحبة لا تتصرف تصرفاً غير لائق في أي شيء- في الكلام أو في العمل.
"وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا": هذه هي الصفة السلبية الرابعة وهي الحلقة المتوسطة بين الصفات السبعة طلب الإنسان ما هو لنفسه أساسه محبة الذات- الأنانية والتركيز على الذات يفسد جو المحبة يقول الرسول للفيلبيين: "حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضاً" (في 2: 3، 4). ويقول الرسول بولس: "إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْماً إِلَى الأَبَدِ لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي" (1 كو 8: 13). وأيضاً: "فَإِنْ كَانَ أَخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامِكَ يُحْزَنُ فَلَسْتَ تَسْلُكُ بَعْدُ حَسَبَ الْمَحَبَّةِ" (رو 14: 15).
"وَلاَ تَحْتَدُّ": هذه هي الصفة السلبية الخامسة "لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ" (أف 4: 31) ونقرأ في (كو 3: 8): "وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ انْتُمْ ايْضاً الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ..."- ونقرأ أيضاً "إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعاً فِي الاِسْتِمَاعِ، مُبْطِئاً فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئاً فِي الْغَضَبِ" (يع 1: 19).
"وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ": هذه هي الصفة السلبية السادسة ما دمت أركز على ذاتي، وأجعل ذاتي محور تفكيري تكون عندي حساسية من ناحية الآخرين، وأقل حركة من الغير أعتبرها إهانة وعدم اهتمام بي وعدم تقدير لي.
"وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ" (ع 6).
هذه هي الصفة السلبية السابعة. لا تفرح بالإثم الذي في الآخرين أي لا تفرح في أخطاء الآخرين بل تحزن وتبكي لسقوطهم عندما تكون لي محبة نحو الآخر وأسمع أنه وقع في زلة أحزن لأجله، وأصلي لأجله، ولا أشهر به كان يوجد إثم بين الكورنثيين ويقول لهم الرسول: "أَفَأَنْتُمْ مُنْتَفِخُونَ وَبِالْحَرِيِّ لَمْ تَنُوحُوا حَتَّى يُرْفَعَ مِنْ وَسَطِكُمُ الَّذِي فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ؟" (1 كو 5: 2).
"بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ": هذه هي الصفة الإيجابية الثالثة. كانت المحبة بكل صفاتها ظاهرة في ربنا يسوع المسيح على الأرض. من مثله أعلن الحق؟ إنه جاء مملوءاً نعمة وحقاً وقد قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة".
"وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" 0ع 7).
"وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ": هذه هي الصفة الإيجابية الرابعة. يقول الرسول بولس: "نشتم فنبارك نضطهد فنحتمل" (1 كو 4: 12) ويقول أيضاً: "إِنْ كَانَ آخَرُونَ شُرَكَاءَ فِي السُّلْطَانِ عَلَيْكُمْ أَفَلَسْنَا نَحْنُ بِالأَوْلَى؟ لَكِنَّنَا لَمْ نَسْتَعْمِلْ هَذَا السُّلْطَانَ بَلْ نَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيْءٍ لِئَلاَّ نَجْعَلَ عَائِقاً لِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ" (1كو 9: 12). لا حد لاحتمال المحبة سأل بطرس الرب يسوع قائلاً: "«يَا رَبُّ كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ" (مت 18: 21، 22).
"وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ": هذه هي الصفة الإيجابية الخامسة. ليس معنى ذلك أن نصدق كل ما يقال لنا ونتخلى عن فطنتنا وفهمنا. بل المقصود أن نصدق كل شيء جاء في كلمة الله، وأما من جهة الناس فلا نتخذ موقف الشك والارتياب والاشتباه دائماً بل أصدق ما هو معقول ومقبول ويمكن تصديقه ولا أشك بدون سبب المحبة مرتبطة بالإيمان والتصديق من الإيمان.
"وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ": هذه هي الصفة الإيجابية السادسة المحبة مرتبطة بالرجاء والإيمان، وسبق القول أن المحبة تصدق كل شيء فالإيمان والمحبة والرجاء حلقات ثلاثة مرتبطة ببعضها.
"وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ": وهذه هي الصفة الإيجابية السابعة نصبر على كل شيء لأنه يوجد رجاء موضوع أمامنا يقول الرسول: "فرحين في الرجاء صابرين في الضيق" (رو 12: 12) ليتنا نمتحن أنفسنا بهذه الصفات الأربع عشرة فنجعلها كمرآة ننظر فيها أنفسنا ونحكم على ذواتنا.
"اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ" (ع 8).
المحبة من الله والله ثابت فالمحبة الإلهية ثابتة لا تسقط أبداً المحبة هي العلم الذي يرفرف علينا هنا وفي السماء. يعمل الرسول مقابلة بين المحبة والمواهب النبوات والألسنة والعلم- المحبة ثابتة لا تسقط أبداً (وهي المحبة التي من الله أما المحبة المبنية على سبب أو غرض فتسقط بزوال السبب) أما المواهب- النبوات والعلم- فستبطل، الرب سيبطلها والألسنة فستنتهي أي تنتهي من تلقاء ذاتها بمجرد انتهاء مهمتها نلاحظ تغير الفعل فبالنسبة للنبوات والعلم الفعل مبني للمجهول "فستبطل" وبالنسبة للألسنة الفعل "فستنتهي" لأنها كانت آية لغير المؤمنين. وهذه الآيات كانت تتبع المؤمنين "يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة" (مر 16: 17). وكان الرب يثبت الكلام بالآيات التابعة فكانت موجودة وتتبع المؤمنين لهذا الغرض وهو تثبيت الكلام إلى أن كتب الكتاب وصار كاملاً فانتهت الألسنة والآيات النبوات تبقى والعلم يبقى بعد أن انتهت الألسنة إلى أن تجيء حالة الكمال حينئذ تبطل ولا حاجة إليها.
"لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ" (ع 9، 10).
العلم الآن جزئي والمعرفة في الكتاب المقدس مهما وصلنا لا نزال على الشاطئ من المعرفة يقول المرنم: "اكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك" (مز 119: 18) وأيضاً: "لكل كمال رأيت حداً أما وصيتك فواسعة جداً" (مز 119: 96) الآن نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبؤ لكن متى جاء الكامل أي حالة الكمال فينتهي ما هو بعض.
"لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْلٍ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْطَنُ وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلَكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ. فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ لَكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهاً لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ لَكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ" (ع 11، 12).
حالتنا الآن مشبهة بحالة الطفل فمهما وصلنا من النمو وأوتينا من العلم فلا نزال نعتبر أطفالاً بالنسبة لحالة الكمال التي سنصل إليها حين ينتهي كل ما للطفل الآن- ننظر في مرآة غير واضحة في لغز، كانت مرايا المتجندات من نحاس مصقول وكان ينظر فيها كما في مرآة وإن كانت غير واضحة تماماً لكن عندما نصل إلى الكمال في المجد سأعرف كما عرفت أي ستكون المعرفة كاملة.
يقول يوحنا الرائي: "وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخاً جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ" (رؤ 4: 4)- شيوخ أي كاملين في الإدراك وفي المعرفة وتكون الرؤية واضحة لهم.
"أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ هَذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ" (ع 13).
"الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ": وهي أركان المسيحية الثلاثة وهي التي تثبت الآن. يقول الرسول بولس لأهل أفسس: "إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتِكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، لاَ أَزَالُ شَاكِراً لأَجْلِكُمْ، ذَاكِراً إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي... لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ..." (أف 1: 15- 18).
ويقول للمؤمنين في كولوسي: "إِذْ سَمِعْنَا إيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مِنْ أجْلِ الرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ" (كو 1: 4، 5).
ويقول للمؤمنين في تسالونيكي: "مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ انْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ، رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ، أَمَامَ اللهِ وَأَبِينَا" (1 تس 1: 3). ويقول لهم في الرسالة الثانية: "لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيراً، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جَمِيعاً بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ تَزْدَادُ، حَتَّى إِنَّنَا نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ اللهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ..." (2 تس 1: 3).
"لَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ": لأن الإيمان سينتهي ويصبح عياناً وكذلك الرجاء سيتحقق بمجيء المسيح من هذا نفهم أن الإيمان عظيم لأننا به خلصنا وتمتعنا بالولادة الجديدة (يو 1: 12) وامتلكنا عطية الروح القدس (أف 1: 13) كما أن الرجاء عظيم لأننا نفرح في الرجاء ومع هذا فالمحبة هي أعظم من كليهما لأنها ستبقى وتزداد وتكمل إلى آباد الدهور.
- عدد الزيارات: 5367