الأصحاح الثاني عشر
هذا الأصحاح غاية في الأهمية وفيه حق جوهري غاب عن المسيحية مع الأسف وهو "الجسد الواحد" و"الروح الواحد" أي وحدة جسد المسيح الذي يسكن فيه الروح القدس هذه هي المسيحية الصحيحة توجد جماعات دينية وثقافية تربطهم روابط أدبية وأفكار متشابهة لكن المسيح شيء آخر- هي مؤسسة إلهية يربطها الروح القدس- جسد مقترن ومتآزر بربط ومفاصل.
فالمؤمن يأخذ الخلاص كفرد من آمن واعتمد خلص وكفرد يولد من الله ولادة ثانية ويسكن فيه الروح القدس ولكنه لا يبقى كفرد بعد ذلك- ليس هذا فكر الرب فنقرأ في (1 بط 1: 23) "مولودين ثانية..." وفي (1 بط 2: 5) نقرأ: "مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً" فمن الناحية الواحدة يولد الشخص ولادة ثانية، ومن الناحية الأخرى يصبح حجراً حياً في بناء واحد وهكذا نقرأ في (أف 1: 13): "وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده.." فالشخص يؤمن ويولد بالروح القدس وبكلمة الله ويختم بالروح القدس علامة على أنه أصبح ملكاً للمسيح- هذا من ناحية- ولكن من ناحية الأخرى يصبح عضواً في جسد المسيح الذي هو الكنيسة. فالمؤمن الفرد ينضم إلى الكنيسة جسد المسيح كما يقول الرسول هنا في (1 كو 12: 27): "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً". وفي (أف 5: 30، 32) يقول الرسول: "لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ، هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ"- هذا هو الفكر الإلهي في العهد الجديد.
في العهد القديم كانت تربط أفراد الشعب روابط قومية كأمة واحدة مقدسة، وروابط أرضية كشعب أرضي مفرز ومخصص للرب. لكن في العهد الجديد رابطة المؤمنين معاً هي بالروح القدس لكنيسة المسيح التي هي جسده وعروسه وأيضاً لهيكل الله، ومسكن الله بالروح القدس، وهذا ابتداء من يوم الخمسين يوم نزول الروح القدس- وهذا واضح في هذا الأصحاح حيث نقرأ في 1 كو 12: 13: "لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِد". فكل واحد آمن بالمسيح كفرد، انضم في نفس الوقت إلى الجسد الواحد- اعتمد أي انفرز من أي صلة أخرى لكي يكون ضمن جسد المسيح. فأنا كفرد أتحدث بالمسيح بالإيمان وصرت عضواً في جسده- في كنيسته، والروح القدس الذي يسكن فيَّ كفرد يسكن في الكنيسة كجماعة. أنا كفرد قد صار جسدي هيكلاً للروح القدس الذي فيَّ، والكنيسة أيضاً كجماعة هيكل للروح القدس "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ" (1 كو 3: 17).
لقد جاء المسيح إلى العالم ليقدم ننفسه فداء عن الأمة ولكن ليس عن الأمة فقط بل يجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد (يو 11: 52) هذه هي حقيقة المسيحية المؤمنون جماعة موحدة- أبناء الله الذين يجتمعون معاً وهم مرتبطون برباطة عجيبة ليس لها مثيل، فليسوا جمعية دينية لكن جسد المسيح وهذا امتياز عظيم ولكن بالأسف لا يتمتع به المسيحيون على وجه العموم فالكنائس كلها تعقد اجتماعات، ويأتي كل واحد ليسمع الموعظة أو ليسمع الصلوات، ولكن ليس هذا الكل الحق العظيم هو أن كل مؤمن عضو في جسد المسيح، وإخوته أيضاً أعضاء في الجسد، وكل واحد يعطي إظهار الروح لمنفعة الآخرين ولبنيانهم (1 كو 12: 7). "عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ" (1 تس 5: 11). فنحن نجتمع باسم الرب، والروح القدس يعمل في كل واحد لبنيان الآخرين ولتمجيد الرب الحاضر في الوسط قد يقول واحد إنه مؤمن ويعبد الله في بيته ولا يشترك مع القديسين في العبادة، هل هذا ينفع؟ ليس هذا هو فكر الله على الإطلاق أن نبقى منعزلين كأفراد، الرب يريد جماعة يحضر في وسطها ويتمجد.
ونلاحظ أنه بعدما صحح الرسول الأخطاء التي كانت عند الكورنثيين، وبعدما رسم لهم عشاء الرب بالوضع الصحيح الذي هو أسمى نوع من السجود الذي فيه يذكر المؤمنون بالرب ويخبرون بموته إلى أن يجيء، بعد ذلك يتكلم هنا عن الخدمة.
عشاء الرب ليس خدمة لكنه سجود من كل المؤمنين، وليس له دخل بالمواهب إن وجدت المواهب في وسط جماعة المؤمنين أو لم توجد، فإنهم يمارسون عشاء الرب طالما أنه يسكن فيهم الروح القدس. كلمة الله كاملة ونافعة لكل شيء للفرد وللجماعة لقد كلمنا الله من جهة كل شيء- من جهة الماضي والحاضر والمستقبل إن سبب تخبط المسيحية، والانقسامات إلى طوائف متعددة، هو عدم التمسك بكلمة الله وإدخال العقل البشري في أمور الله. لقد سمح الله أن توجد أخطاء سلوكية وتعليمية في عصر الرسل، وقد رأينا بعضها في هذه الرسالة وغيرها في رسائل أخرى، من جهة الراقدين ومن جهة القيامة، ومن جهة الطقوس، ومن جهة علاقة المؤمن بالناموس، إلى غير ذلك وأعطانا الله في كلمته صيدلية كاملة فيها دواء لكل أنواع الأمراض التي كانت موجودة والتي يعلم الرب أنها ستأتي حتى النهاية.
ولا نحتاج إلى شيء من عندنا وإلى عقد مجمع مثل مجمع ترنت أو مجمع نيقية للفصل بين العقائد المختلفة المرجع الوحيد هو كلمة الله فيها نجد أساس الخلاص بالنعمة، والتبرير بالإيمان، وعلاقة المسيح بالمؤمنين، وأمجاد الكنيسة كجسد المسيح، وأمجاد المسيح الرأس الذي فيه يحل كل الملء ونحن فيه مملوءون ونجد فيها تفسير لطقوس وفرائض العهد القديم والإجراءات الكنسية الواجبة...
ما هي الكنيسة؟ هي جسد المسيح ويتكون من أعضاء كثيرين. ما هو المؤهل لأن تكون أيها الأخ عضواً في جسد المسيح؟ المؤهل هو أن تكون قد نلت الحياة الأبدية وولدت بالروح القدس وكلمة الله وختمت بالروح القدس. ماذا يعمل الروح القدس بالفرد؟؟ يعطيه حياة جديدة وطبيعة جديدة وولادة جديدة، ثم يسكن فيه ويختمه. فالفرد المختوم صار ملك المسيح "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ فَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ (ليس للمسيح)" (رو 8: 9).
ليس ذلك فقط لكن كما أن الروح القدس يربطه بالمسيح فيصبح عضواً في جسده يربطه أيضاً ببقية الأعضاء مكوناً من الأعضاء معاً كنيسة المسيح أو جسد المسيح "وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ" (أع 2: 47).
"وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَماً مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ" (ع 1، 2).
عبارة "المواهب الروحية" هنا ترجمة غير دقيقة وصحتها "المظاهر الروحية" أي المظاهر الخارجية لعمل روحي خفي في الداخل ما الداعي للقول "كُنْتُمْ أُمَماً مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ"؟ ما دخل هذا في موضوعنا؟ لأن المظاهر الروحية إما أن تكون مظاهر عمل الروح القدس، وإما أن تكون مظاهر عمل أرواح شريرة تقلّد عمل الروح القدس. فهذا يتكلم بعمل الروح القدس وآخر يتكلم بعمل أرواح شريرة. هل يحدث هذا في وسط المؤمنين؟ نعم. لأن الشيطان يغير نفسه إلى شبه ملاك نور وخدامه يغيرون شكلهم إلى شكل جسد المسيح وأنبياء كذبة يتنبأون بالكذب كما كان في العهد القديم.
قال الرب قديماً من يغوي أخاب؟ قال الروح الشرير أنا أغويه قال له ماذا تفعل؟ قال أكون روح كذب في أفواه أنبائه. وفعلاً قال أنبياء أخاب كذباً "هكذا قال الرب" والرب لم يقل لهم ولم يرسلهم وجاء النبي الحقيقي يقول كلاماً خلاف ذلك فضربه النبي الكاذب وقال له من أين عبر روح الرب مني إليك مع أنه كان يتكلم بروح الشيطان. (2 أخ 18: 19- 24).
فكان في كنيسة الكورنثوس مظاهر قوة روحية. لكن الشيطان دائماً ضد عمل الله ويقلد عمل الله فأدخل في وسطهم أناساً عملوا مظاهر قوة بالروح الشرير. إذاً توجد مظاهر بالروح القدس وتوجد مظاهر بالروح الشرير ولكن هناك امتحان للتمييز بين هذا وذاك.
ففي نفس الاجتماع واحد يقول عن المسيح "أناثيما" وآخر يمجد المسيح. واحد يقول"المسيح رب" والآخر لا يقول "المسيح رب" فكان في الاجتماع الواحد عمل الروح القدس وعمل الشيطان في نفس الوقت وواضح أن عمل الروح القدس لا يجعل الإنسان ينطرح على الأرض ويأتي بأفعال لا يمكن أن تُنسب إلا للشيطان نحن لا نقول أن الجميع تحت تأثير قوة الشيطان لكن بالأسف يوجد من هم تحت تأثر قوة الشيطان في وسط مؤمنين فيهم قوة الله. ماذا عملت قوة الشيطان في بلعام؟.. كان يأتيه الروح الشرير فينطرح على الأرض!.
"كُنْتُمْ أُمَماً مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ": من الذي يقودهم إلى الأوثان؟ الشيطان "الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ" (رو 8: 14). فروح الله يقود المؤمنين إلى الله والشيطان يقود غير المؤمنين إلى الأوثان البُكم.
"كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ": ليسوا فقط منقادين لكن يساقون كما يقول الرسول في (أف 2: 2): "الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ"- أي يعمل في داخلهم ويقودهم بل يسوقهم سوقاً وهذا تقليد لعمل الروح القدس لأنه مكتوب "تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2 بط 1: 21).
يذكر الرسول هنا حالة الكورنثيين قبل الإيمان وهي حالة تعيسة إذ كانوا منقادين إلى الأوثان لأن ما يقدمونه إنما يقدمونه في الواقع إلى الشيطان كانوا مسلوبي الإرادة- الشيطان يقودهم من الأمام ويسوقهم سوقاً من الخلف. يقول الواحد منهم أنه حر لكنه في الواقع مستعبد ومسخر ولا يستطيع فكاكاً الذي يفعل الخطية هو عبد للخطية وعبد لإبليس.
"لِذَلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا». وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (ع 3).
يقول الرسول يوحنا: "لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ. بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ" (1 يو 4: 1- 3).
وفي 2 يو 7 يقول أيضاً: "لأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ إِلَى الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ آتِياً فِي الْجَسَدِ". خرجوا من وسط المؤمنين كانوا مندسين في وسطهم وهم غير مؤمنين فيقول: "مِنَّا خَرَجُوا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا" (1 يو 2: 19). وكما يقول الرسول بولس لقسوس كنيسة أفسس: "وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ" (أع 20: 30). فالرسول بولس ينبه المؤمنين في كورنثوس ليلاحظوا المتكلمين ماذا يقولون لأنه كان في وسطهم أناس يتكلمون بروح الله وأناس يتكلمون بروح الشيطان مندسين بينهم ويقولون "يسوع أناثيما" ولا يقولون "يسوع رب".
"لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ": في الأصل "يسوع ربي" ومن ناحية أخرى يوجد أناس غير مؤمنين يقولون يا رب يا رب والرب يقول لهم لا أعرفكم.
الشيطان يعرف المسيح وقال له أنا أعرفك من أنت أنت قدوس الله لكن ليس له علاقة به ولا يقدر أن يقول "يسوع ربي". وبغواية الشيطان جعل البعض يقولون "يسوع" مجرداً من لقب الرب[1]. إذا كان الناس لا ينادون بعضهم بعضاً بالاسم مجرداً من اللقب أفيليق أن نذكر اسم الرب الإنساني "يسوع" مجرداً؟ يجب أن تعطى له الكرامة والاعتراف بسيادته علينا.
"فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ" (ع 4).
الموهبة هبة من الله أي عطية مجانية فالله يعطي بالروح القدس مواهب للمؤمنين- عطايا مجانية كما يشاء. وكل المواهب ليست من إنسان ولا من التعليم أو المدارس ولا من الاجتهاد لكنها هبة بالنعمة على أن هذا لا ينفي أن الدراسة والاجتهاد لازمان.
يقول الرسول بولس لتيموثاوس: "أعكف عن القراءة" (1 تي 4: 13). وأيضاً "أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ" (2 تي 1: 6). ويقول الرسول في (أف 4: 7): "وَلَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ" فهي هبة لا يقدر للإنسان أن يأخذها بإرادته يقول واحد أنا أريد أن أكون مبشراً فيدخل مدرسة ليخرج منها مبشراً ولكن الواقع أنك لا تستطيع أن تأخذ شيئاً إن لم يعطك الرب إياه صحيح أنك تجتهد لتخدم الرب لكن يقول له أعطني الموهبة والخدمة التي أخدمك بها لست أنت الذي تختار ولا الناس يختارون لك- ليس من تعيين البشر لكن من الروح القدس هذه مواهب مستديمة في الكنيسة ومذكورة في أفسس 4.
"وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (ع 5، 6).
نلاحظ أن المواهب والخدم والأعمال شيء واحد وليست أشياء مختلفة فالمواهب هي المقدرة الإلهية الذي أخذتها من الله بالروح القدس والخدم هي ممارسة هذه المواهب لمجد الرب فالذي أعطاني الموهبة هو الروح القدس والموهبة أمارسها في خدمة الرب لأن الذي أخذ موهبة لم يأخذها إلا لكي يخدم بها الرب الذي هو مسؤول أمامه "اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ" (في 2: 13). هذه هي الخدمة المسيحية، فهي خدم لأن بها نخدم الرب يسوع المسيح، وهي أعمال بالنسبة لأن الذي يعمل فينا هو الله "وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللَّهِ مَعْمُولَةٌ" (يو 3: 21).
فالأعمال هي الخدم المعمولة بمقتضى المواهب، والمواهب هي المؤهلات المعطاة من الروح القدس الذي أعطاها وبها نخدم الرب أي السيد الذي نحن عبيده. وهنا الأقانيم الثلاثة الروح القدس والابن والآب.
يفتكر البعض أن أي واحد يستطيع أن يتكلم ويخدم...! لكن ليس الأمر هكذا فالله هو العامل والروح القدس هو الذي يؤهل ويعطي الموهبة والرب هو المخدوم وليس الذات وطبعاً يجب على من أخذ الموهبة أن يضرمها فالذي يخدم يعكف عن الدراسة باجتهاد لكن لا الدراسة ولا المدرسة تعطيك الموهبة لأن الموهبة تأخذها من الرب رأساً.
"وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ" (ع 7).
هنا لا يتكلم الرسول عن أصحاب المواهب العامة المذكورة في أف 4 لكن يتكلم عن بنيان جسد المسيح. "ابنوا بعضكم بعضاً"- كل واحد له عمل إذ لا يوجد عضو أشل في الجسد أنت مختوم بالروح القدس والروح القدس فيكم يظهر في خدمتك التي تقوم بها سواء كنت تصلي أو تقوم بخدمة الكلمة حسب ما يعطيك الروح القدس ليس لمنفعتك الشخصية لكن لمجد الله ومنفعة الجسد كله.
يقول الرسول "لكل واحد" أي أن كل الأعضاء لها نصيب في العمل ولها حرية في العمل فعندما يجتمع المؤمنون لا يقيد أحد حرية الأعضاء لكن لكل واحد يعطى إظهار الروح (لا الذات) والغرض مجد الرب ومنفعة الجسد فالحرية ليست للجسد ولا لفرد لكن للروح القدس الساكن في كل مؤمن أما غير المؤمن فليس فيه الروح القدس ولا مجال له في اجتماع المؤمنين.
نلاحظ أن الذي نظهره هو عمل الروح القدس في داخلنا لا يظهر الإنسان نفسه بل يظهر عمل روح الله فيه بواسطة الخدمات لمنفعة الجسد الذي يخدم السيد حقاً ويظهر عمل الروح القدس ليكون مثل يوحنا المعمدان فهو مثال جميل لخادم الرب سألوه من أنت؟ هل المسيا أنت؟ قال لا هل الني أنت؟ (النبي المكتوب عنه) "يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لهُ تَسْمَعُونَ" (تث 18: 15). قال لا. فقالوا له من أنت إذاً؟ قال: أنا صوت صارخٍ (أي أنا صوت شخص صارخ) في البرية، هل صوتك أنت؟ لا. يوجد فرق بين "صوت صارخٌ" فيكون هذا صوتي وبين "صوت صارخٍ" فيكون صوت شخص آخر يصرخ فيَّ وأنا مثل البوق الذي يخرج الصوت فقط.
يقول المرنم في (مز 45: 1): "لساني قلم كاتب ماهر". من هو الكاتب الماهر؟ الروح القدس، والمرنم هو قلم فقط يكتب ما يمليه عليه الروح القدس، هذا هو خادم الرب الأمين الذي يمجد المسيح.
"فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلِآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ" (ع 8).
لو كان واحد من البشر الذي يكتب بذكائه للكورنثيين كان أول شيء يقوله هنا ليس كلام حكمة وكلام علم لكن القوات ومواهب الشفاء والتكلم بألسنة أي الأشياء التي لها مظهر لكن يبتدئ الوحي هنا بالأشياء المختفية الهادئة التي يعطيها الروح القدس فيقول أولاً كلام الحكمة.
الذي يعطي كلام حكمة شخص أقرب إلى فكر الرب يستشيره أخوته في الأمور التي تستشكل عليهم ويجدون عنده الجواب الحكيم وهذه من أعمال الرعاية في وسط الكنيسة كان سليمان حكيماً وسفر الأمثال يعطينا نوراً في مفاهيم الحياة من وجوهها المختلفة ونأخذ منه مشورة في مسائلنا وكان يوسف رجلاً حكيماً فسر حلم فرعون ونصحه بأن يقيم شخصاً حكيماً ليخزن القمح في سني الشبع ويتصرف فيه بحكمة في سني الجوع فقال له فرعون ومن حكيم وفيه روح الله مثلك؟ وأقامه على كل أرض مصر ودانيال أيضاً كان حكيماً وأعطاه الرب حكمة. فكلام الحكمة هو الكلام الخاص بالإرشاد في الحياة العملية وهذا يقترن بخدمة الراعي فالراعي بحكمة من الله يحل مشاكل العائلات المسيحية والخلافات التي قد تنشب بين الأخوة.
"وَلِآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ": المقصود بالعلم ليس العلوم البشرية لكن العلم في كلمة الله أي تفسير كلمة الله "مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة" وهذا يقترن بخدمة المعلم.
"بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ": نلاحظ أن الرسول يكرر عبارة "الروح الواحد" أي أن- الروح القدس هو وحده صاحب السلطان أن يعطي لكل واحد كما يشاء لا أحد له سلطان التعيين ولا أحد يأخذ مركزاً لنفسه لكن الروح الواحد هو الذي يوزع المواهب المتنوعة وتتكرر عبارة "الروح الواحد" سبع مرات.
لماذا يقول الروح الواحد؟ لأن هناك أرواحاً شريرة متعلقة بالأوثان البكم التي كانوا سابقاً منقادين إليها.
"وَلِآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلِآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ" (ع 9).
الإيمان هنا ليس الإيمان بعمل المسيح الذي به نلنا الخلاص لأن جميع المؤمنين متساوون في هذا الإيمان، لكن هذا الإيمان عطية خاصة لممارسة ما يطلبه الرب من الخدمات كما نقرأ في (رو 12: 3): "كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَاراً مِنَ الإِيمَانِ".
في الأصحاح التالي يقول الرسول: "إن كان لي كل الإيمان كل الإيمان حتى أنقل الجبال.." أي أنه ينتصر على الصعوبات الكبيرة التي تبدو كالجبال التي لا تتزحزح- يوجد في تاريخ الكنيسة أشخاص كان عندهم هذه الموهبة، فنقرأ عن "جورج مولر" مثلاً في كتاب "الفقير الغني" أنه كان عنده إيمان عظيم فقد وضع في قلبه خدمة الأيتام وعمل ملجأ وأخذ في النمو حتى اضطر أن يعمل له فروعاً كثيرة ولم يكن يعمل دعاية للملجأ ولا طلب من أحد مساعدة ولا كان يكتب خطابات للمقتدرين بل كان يعتمد على الركب المنحنية فقط أي للصلاة كان يطلب من الله رأساً بإيمان وكان الرب يستجيب بطرق معجزية.
وأيضاً "هيدسون تيلر" أول مرسل لبلاد الصين فهو لم يذهب إلى هناك تبع إرسالية ولا تبع جماعة من المؤمنين بل كان أول من ذهب إلى هناك بقصد التبشير بالاتكال على الله في بلاد وثنية غريبة ولا يعرف لغتها. وقصته عجيبة فقد تشجع بالإيمان في عدة مآزق حرجة والرب استجاب لصلواته والشهداء الذين كانوا يذهبون إلى الموت بالترنيم والفرح ولا يرهبون التعذيب كان عندهم هذا الإيمان العظيم.
قال الرب يسوع للتلاميذ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ" (مت 17: 20).
"وَلِآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ": ما نقرأ عنه في رسالة يعقوب "وصلاة الإيمان تشفي المريض" ليس موهبة لكنه عمل دائم لكل المؤمنين. لكن مواهب الشفاء هي التي كانت عند الرسل وعند بعض المؤمنين في العصر الرسولي، فبطرس قال للأعرج: "بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ. فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي" (أع 3: 6، 8).
وكان رجل مفلوج مضجعاً على سرير منذ ثماني سنين قال له بطرس يا إينياس يشفيك يسوع المسيح قم افرش لنفسك فقام للوقت (أع 9: 34).
لاحظوا أيها الأحباء أن مواهب الشفاء والقوات والتكلم بألسنة- هذه الثلاثة مرتبطة ببعضها وكانت مواهب معجزية لتأسيس الكنيسة وقد انتهت بانتهاء الغرض منها الذي هو الشهادة لتثبيت كلام الله الشفهي قبل أن يدونه الروح القدس في الكتاب المقدس نقرأ في الأصحاح الأخير من إنجيل مرقس أن الرب يسوع قال لتلاميذه: "«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ»... وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ" (مرقس 16: 15- 20). فإتماماً للأمر خرجوا وكرزوا في كل مكان والرب تمم الوعد بالآيات التي كانت تتبعهم. ويقول الرسول في (عب 2: 3، 4): "فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هَذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا، شَاهِداً اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَّوِعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ؟".
فالكلام الذي كان يتكلم به الرسل كان شفوياً وكان الله يثبته للسامعين بالآيات، أما الآن وقد كمل كتاب الله فلا يحتاج إلى معجزات لتثبيته كما هو مكتوب في (لو 16: 31): "إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ".
"وَلِآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ وَلِآخَرَ نُبُوَّةٌ وَلِآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ وَلِآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ وَلِآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ" (ع 10).
القوات مثل ما هو مذكور في (مر 16: 17) يوجد فرق بين مواهب الشفاء وبين القوات لكن كما سبقت الإشارة مواهب الشفاء والقوات والألسنة انتهت بانتهاء مهمتها. لكننا لا نقول أن المعجزات انتهت فالله صانع المعجزات من بدء الخليقة لا يزال يصنع المعجزات وكم من معجزات صنعها معنا في حياتنا ولكن ما انتهى هو السلطان الذي كان يعطيه الله لبعض الأفراد ليقوموا بعمل المعجزات.
وتوجد قوة معجزية في الصلاة بإيمان "صلاة الإيمان تقتدر كثيراً في فعلها" وتوجد أيضاً قوة خاصة قال عنها الرب يسوع: "إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت 18: 19). لا يوجد أحد الآن عنده موهبة إخراج شياطين وإنما ممكن للمؤمنين مجتمعين معاً يصلون بإيمان فتخرج الشياطين.
"ولآخر نبوة": النبوة كما سنرى في ص 14 نوعان:
أولاً: إخبار بالمستقبل وهذه التي نقرأ عنها هنا في ع 28: "فَوَضَعَ اللهُ أُنَاساً فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً ثَانِياً أَنْبِيَاءَ" هؤلاء مؤسسون وقد وضعوا الأساس وأخبرونا عن المستقبل كما نرى في رسالتي تموثاوس ورسالة بطرس الثانية ويهوذا والرؤيا.
وكان يوجد أنبياء مثل الذي تنبأ عن حدوث مجاعة وحدث جمع من الأخوة لمساعدة الكنائس الأخرى وكالذي أخذ منطقة الرسول بولس وربط بها نفسه وقال إن صاحب هذه المنطقة سيقيدونه في أورشليم- النبوة من هذا النوع انتهت كما انتهى الرسل.
ثانياً: "وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ" (ص 14: 3). وهذا النوع من النبوة أي التكلم من كلمة الله للبنيان والوعظ والتسلية فباق لأنه لازم وهو من وسائط النعمة.
"ولآخر تمييز أرواح": هذه خاصة تعطى لأشخاص لتمييز الأرواح بسهولة لكن كل مؤمن قريب من الرب يستطيع أن يميز الأرواح. يقول الرسول هنا ليس أحد وهو يتكلم بالروح القدس يقول "يسوع أناثيما" وليس أحد يقدر أن يقول "يسوع ربي" إلا بالروح القدس.
يقول الرسول يوحنا في (1 يو 4): " كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ (أي أن الله ظهر في الجسد) فَهو مِنَ اللهِ".
"ولآخر أنواع ألسنة": سيأتي الكلام عن موضوع التكلم بألسنة بالتفصيل في ص 14 كان الكورنثيين يفتخرون بهذه الموهبة ويعتبرونها أعظم المواهب لأن لها منظراً خارجياً يلفت الأنظار لكن الرسول يضع "أنواع الألسنة" في آخر القائمة هنا وفي ع 28.
"ولآخر ترجمة ألسنة": كان يعطى لواحد موهبة ألسنة ويعطى لآخر ترجمة ألسنة فكان الأخير عندما يسمع الكلام بلسان وهو لا يعرفه يعطيه الروح القدس الترجمة الحقيقية لهذا اللسان لكن في ص 14 يقول الرسول أنه من الممكن أن يكون لواحد موهبة ألسنة وترجمتها وهذا أفضل لأنه إن لم يوجد مترجم يسكت المتكلم بلسان لأنه لا فائدة من كلامه.
"وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ" (ع 11).
رأينا في الأعداد 4- 6 أن الروح واحد والرب واحد والله (الآب) واحد وفي هذا تظهر أقانيم اللاهوت الثلاثة. وهنا في ع 11 نجد أحد البراهين الواضحة على لاهوت الروح القدس حيث نقرأ: "يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء" فالروح القدس ليس قوة أو تأثير لكنه أقنوم إلهي هو الله الذي له مشيئة حرة يقسم كما يشاء لكل واحد من هذه المواهب.
وفي آخر الأصحاح نقرأ: "ألعل الجميع رسل ألعل الجميع أنبياء..." هذه مواهب خاصة لكن توجد أعمال عامة لأعضاء الجسد لأن كل أعضاء الجسد لهم عمل بالروح القدس.
لماذا يكرر الرسول عبارة "الروح الواحد"؟ لأنه توجد أرواح شريرة كثيرة لكن الروح القدس واحد وهو يعمل هذه كلها. فكل الأعمال والخدم التي سبق ذكرها لكن يجب أن تعمل بالروح القدس وليس بواسطة انتخاب الكنيسة ولا بتعيين من أي سلطة بشرية لا شيء يحل محل الروح القدس لقد تداخل الإنسان بكل أسف ليعطي الخدمة والموهبة بدلاً من الروح القدس لو اعترفت المسيحية بشخصية الروح القدس الذي يقسم لكل واحد كما يشاء وليس مركزاً الخدمة في شخص لما كان نظام العبادة في الكنيسة الاسمية ما نراه الآن.
"لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً" (ع 12).
الجسد هنا أي جسد الإنسان- جسدي أنا وجسدك أنت هذا الجسد له أعضاء كثيرة وكلها تكون الجسد الواحد. العين من الجسد واليد من الجسد والأنف من الجسد... وهكذا والرسول يمثل جسد المسيح وأعضاءه بهذا الجسد وكنا نتوقع أن يقول الرسول: كما أن الجسد هو واحد... كذلك الكنيسة أيضاً لكن العجيب أنه يقول كذلك المسيح أيضاً لأن المسيح (الرأس) والكنيسة الجسد (شخص واحد) والأعضاء ليست أعضاء الكنيسة ولكن أعضاء المسيح يقول الرسول في (أف 1: 22، 23): "وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ"- الكامل في ذاته لكن لكي يكون إنساناً كاملاً يجب أن يكون له جسد يكمله أي الكنيسة ملؤه.
ونقرأ أيضاً في (عب 2: 10): "يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ" هو الكامل ولكن لكي يصبح رئيس خلاصا كان يجب أن يكمل بالآلام. قال الرب لشاول الطرسوسي: "شاول شاول لماذا تضطهدني؟" لم يقل له لماذا تضطهد كنيستي؟ لكن لماذا تضطهدني هذه حقيقة عجيبة...! حقيقة اتحاد المسيح بالكنيسة وهذا مقام عظيم جداً والجسد له أعضاء كثيرة وكل عضو له عمل. لو قام عضو واحد بكل العمل فأين الجسد؟ إذا كان شخص واحد يقوم بكل الخدمة في اجتماع كنيسة فأين الجسد؟؟.
"لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ عَبِيداً أَمْ أَحْرَاراً. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً" (ع 13).
في هذه الآية جواب واضح وبسيط على التعليم الخاطئ الذي يقول أن بعض المؤمنين اعتمد بالروح القدس والبعض الآخر لم يعتمد ورد على أن المؤمن يطلب معمودية الروح القدس ويحصل عليه بعد جهاد لكن الرسول يقول صريحاً: "لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا" فجميع المؤمنين اعتمدوا بالروح الواحد إلى الجسد الواحد- جسد المسيح قبل مجيء يوم الخمسين ونزول الروح القدس لم تكن الكنيسة جسد المسيح قد تكونت. عندما كان المسيح له المجد هنا على الأرض قال: "أبني كنيستي"- كما بنيت الكنيسة؟ ابتداءً من يوم الخمسين "وكان الرب يضم إلى الكنيسة كل يوم الذين يخلصون" فالمؤمن ينال حياة بالروح القدس لأن الروح هو الذي يحيي ويختم المؤمن بالروح القدس الذي يسكن فيه- هذا فردياً والروح القدس يعمده إلى جسد المسيح أي يضمه إلى الجسد ويخصصه للمسيح، فالروح القدس يربط المؤمن بالرأس ويربطه أيضاً بالجسد في نفس الوقت أي أن كل مؤمن مرتبط بالمسيح كالرأس ومرتبط بباقي الأعضاء.
ونلاحظ أن معمودية الروح القدس لا تذكر في كل الرسائل إلا هنا نقرأ في (أع 1: 5): "لأَنَّ يُوحَنَّا (المعمدان) عَمَّدَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ لَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ (أي في يوم الخمسين)". وجاء الروح القدس وعمد جميع الذين آمنوا وكون منهم جسد المسيح.
فمعمودية الروح القدس معناها ضم المؤمن إلى جسد المسيح وليس لها معنى آخر ولا علاقة لها بالتكلم بألسنة. يقول الرسول هنا في ع 13 الجميع اعتمدوا إلى جسد المسيح لكن في ع 30 يقول: "ليس الجميع يتكلمون بألسنة" فالقول أن البرهان على معمودية الروح القدس هو التكلم بألسنة قول غير صحيح.
لما نخس اليهود في قلوبهم عندما كلمهم بطرس قالوا ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟ قال لهم بطرس: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 2: 37، 38). وفي بيت كرنيليوس الأممي نقرأ: "فَبَيْنَمَا بُطْرُسُ يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ" (أع 10: 44). فالمؤمن يقبل عطية الروح القدس ويسكن فيه الروح القدس ويمكث معه إلى الأبد ويضمه إلى جسد المسيح وهذه هي معمودية الروح القدس.
ويقول الرسول بولس: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ" (أف 5: 18). وهذا بخلاف الاعتماد بالروح القدس.
وجسد المسيح مكون من اليهود والأمم (اليونانيين) كما نقرأ في (أف 2: 17): "فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ (الأمم) وَالْقَرِيبِينَ (اليهود)".
"وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً": والروح القدس كالماء المروي "«إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ" (يو 7: 37- 39). الذي ليس عنده الروح القدس (أي غير مؤمن) في قلبه عطش وفراغ، لكن الروح القدس يملأ القلب بالتعزيات "جميعنا سقينا روحاً واحداً" أي جميع المؤمنين ارتووا بسكنى الروح القدس فيهم ولهم طابع واحد وأميال واحدة وأشواق واحدة لأن الروح الواحد هو الذي ينشئها.
"فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضاً لَيْسَ عُضْواً وَاحِداً بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ" (ع 14).
كما إن جسد الإنسان يتكون من أعضاء كثيرة، وكلها تعمل- هكذا جسد المسيح يتكون من أعضاء كثيرة ولكل عضو عمل. لا يستحوذ عضو واحد على المسئولية ويبقى بقية الأعضاء بلا عمل كأنهم ليسوا من الجسد.
"إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: «لأَنِّي لَسْتُ يَداً لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذَلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟ وَإِنْ قَالَتِ الأُذُنُ: «لأَنِّي لَسْتُ عَيْناً لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذَلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟" (ع 15، 16).
يأتي الرسول هنا بأشياء لا تحصل في جسد الإنسان الطبيعي ولكنها بالأسف تحدث في جسد المسيح (في المؤمنين)! أليس هذا عجيباً؟ يفترض الرسول هنا حدوث تمرد بين أعضاء الجسد الواحد فتقول الرجل لأني لست يداً فلست من الجسد...! مع أن هذا لا يحدث في الجسد الطبيعي لكن يحدث بالأسف بين المؤمنين التفاخر والحسد وإظهار الذات، وينتج من ذلك الاستعفاء فيقول الواحد طالما ليس لي تقدير مثل هذا الأخ الظاهر بين الأخوة استعفى من الخدمة. لكن الطبيعة نفسها تعلمنا أن اليد تعمل كيد باستمرار ولا تقدر أن تعمل عمل الرجل وتعمل لمصلحة الجسد كله- تحامي عن العين فتطرد عنها الذبابة والرجل تقود الإنسان إلى المكان الذي يريده وكل عضو يؤدي عمله من غير نزاع أو تشاجر أو تذمر.
عندما يقول الواحد: أنا ليس لي مركز في وسطكم لا تعتبروني منكم وينقطع عن الاجتماع تكون الذات هي المتكلمة فيه. يقول الرب له المجد: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم".
"لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ عَيْناً فَأَيْنَ السَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ الْكُلُّ سَمْعاً فَأَيْنَ الشَّمُّ؟ وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ كَمَا أَرَادَ." (ع 17، 18).
العين عضو مرموق لكن لو كان الجسد عين فأين السمع؟ أليس السمع ضرورياً للجسم؟ وهكذا كل أعمال الأعضاء لازمة للجسد كله في معظم الاجتماعات تلاحظ أن كل الجسد "سمع" كل الجالسين آذان تسمع فقط وعضو واحد فقط شغال لو انتبه كل الجسد أن الله هو الذي وضع الأعضاء كلاً في مكانه كما أراد لما حدث تذمر.
من الذي وزع المواهب؟ الروح القدس الواحد "قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء" (ع 11) والروح القدس هو الله. الذي وضع بسلطانه الإلهي كل واحد بحكمة إلهية كما أراد هو وليس كما أريد أنا لا أحد يأخذ الخدمة التي يريدها بل التي يريدها الله.
"وَلَكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْواً وَاحِداً أَيْنَ الْجَسَدُ؟ فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ" (ع 19، 20).
يندد الكتاب بالعضو الواحد لا يوجد جسد مكون من عضو واحد "لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضاً، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ" (1 بط 4: 10). لما كان المسيح هنا على الأرض وفيما هو مجتاز استقبله عشرة رجال برص فقالوا له: "يا معلم ارحمنا" فشفاهم وفيما هم ذاهبون ليروا أنفسهم للكهنة طهروا فواحد منهم لما رأى أنه شفي رجع يمجد الله بصوت عظيم لكن الرب له المجد سأل عن الباقين وقال: "أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة؟" (لو 17: 11- 18).
"لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَنْ تَقُولَ لِلْيَدِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ». أَوِ الرَّأْسُ أَيْضاً لِلرِّجْلَيْنِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا». بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ" (ع 21، 22).
هذا موضوع آخر:
كان الموضوع الأول رغبة في التعالي والظهور وأخذ مركز خلاف الذي وضعنا فيه الله الرجل تريد أن تكون يداً أي ترتفع. لكن الموضوع الآخر هنا هو أن العضو المرتفع الذي عنده خدمة كبيرة يحتقر الأعضاء الأخرى وبكبرياء يظن أنه يقدر أن يملأ الفراغ بدون غيره فالعين العضو الظاهر والتي لها مركز مهم في الجسد تقول لليد لا حاجة لي إليك والرأس تقول للرجلين لا حاجة لي إليكما...! هل حقاً يمكن الاستغناء عن اليد أو الرجلين؟ كلا لكن جميع الأعضاء تعمل معاً بالتعاون لمصلحة الجسد الواحد ولا يستغني الجسد عن أي عضو.
في (1 كو 13: 4) يقول الرسول: "المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ" فالخطية الأولى أن العضو يحسد غيره ويريد أن يأخذ مركز غيره. والخطية الثانية: أن يتفاخر العضو وينتفخ ويقول لغيره لا حاجة لي إليك.
شكراً للرب لأن الرأس (المسيح) لا يقول أبداً لأحد الأعضاء لا حاجة لي إليك فبالأولى أعضاء الجسد يجب أن يكون لها نفس الشعور بعضها نحو بعض. فأضعف عضو هو ضروري للجسد وخدمة أبسط أخ لازمة للكنيسة الأعضاء الأضعف لا تقدر أن تدافع عن نفسها لكن أعضاء الدفاع موجودة.
"وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ. وَأَمَّا الْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا احْتِيَاجٌ. لَكِنَّ اللهَ مَزَجَ الْجَسَدَ مُعْطِياً النَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَاماً وَاحِداً بَعْضُهَا لِبَعْضٍ" (ع 23- 25).
الأعضاء التي نحسب أنها بلا كرامة نسترها فالوجه لا نستره لأنه له كرامة ورأس الرجل لا يغطيها لأنها صورة الله ومجده. لكن الأعضاء التي تحسب بلا كرامة نعطيها كرامة بأن نكسوها ونغطيها. ولنلاحظ أنه لا يوجد عضو في جسد المسيح بلا كرامة هنا تشبيه فقط يقول الرب في (أش 43: 4) "إذ صرت عزيزاً في عيني مكرماً وأنا قد أحببتك" لإلهنا كل المجد.
لقد اتحدنا بالمسيح وصرنا فيه مكرمين وكل أعضاء المسيح مكرمون. عندما سقط الإنسان الأول عرف أنه عريان لكن الله صنع له أقمصة من جلد وكساه إشارة إلى ذبيحة المسيح الكاملة ونقرأ في (رؤ 3: 18): "أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ...لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ" لكن الأعضاء الجميلة فينا لا نغطيها والله مزج الجسد معطياً الناقص كرامة أفضل. يوجد أعضاء في جسد المسيح ليس لهم خدمة ظاهرة لكن لهم خدمات مستترة والرب يقدر خدماتهم فمثلاً شخص مريض- عن هذا يقول العقل البشري الرب يأخذه ويريحه فلا فائدة من وجوده سوى التعب والألم له لكن في وجوده صابراً ومحتملاً وشاكراً في الآلام شهادة ودرس للآخرين.
شخص آخر يستطيع الخروج ولا حضور الاجتماعات قد نظن أنه بلا فائدة لكنه يصلي من أجل المؤمنين في بيته وجزء كبير من الفضل في قوة ونشاط المؤمنين والخادمين راجع إلى الركب المنحنية المستترة. لا يمكن أن يكون انشقاق في الجسد الطبيعي الذي خلقه الله أقرب علاقة هي علاقة أعضاء الجسد ببعضها. لا ينشق الواحد على ذاته هكذا يجب أن يكون الحال بين أعضاء جسد المسيح.
"فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً" (ع 26، 27).
في الجسم الطبيعي يظهر هذا الارتباط بصورة واضحة عندما يكون الشخص في قلق وخوف من جهة أمر ما تتعب أعصابه بسرعة وتضطرب معدته ويكون لديه ميل لأن يتقيأ وهكذا فجميع الأعضاء تشترك معاً ولها حاسة وشعور مشترك. إذا كان جرح أو ألم في أحد الأصابع يشعر الواحد بألم في جسمه كله هذا ارتباط إلهي عجيب في جسم الإنسان وهو مثال جميل للمؤمنين كنيسة المسيح المتحدة يقول الرسول: "فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين مهتمين بعضكم لبعض اهتماماً واحداً" (رو 12: 15، 16) ويقول أيضاً: "فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْراً وَاحِداً وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ... بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضاً" (في 2: 2- 4). فلا مجال للغيرة أو للحسد بل تفرح جميع الأعضاء للعضو الذي ينال كرامة وتتألم مع المتألمين- مشاركة وجدانية حقيقية في كل الظروف.
"فَوَضَعَ اللهُ أُنَاساً فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً ثَانِياً أَنْبِيَاءَ ثَالِثاً مُعَلِّمِينَ ثُمَّ قُوَّاتٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ أَعْوَاناً تَدَابِيرَ وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ" (ع 28).
هنا شيء آخر. سبق أن عرفنا أن لكل عضو من أعضاء الجسد عمل وكل واحد له خدمة وتوجد خدمات ظاهرة وخدمات مستترة. لكن هنا نجد مواهب ليست معطاة لجميع الأعضاء في كنيسة الله وإنما المواهب يوزعها الروح القدس حيث نقرأ في (أف 4: 8- 12): "لِذَلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْياً وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا»... وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ".
"وضع الله أناساً في الكنيسة": هؤلاء ليسوا كل الكنيسة بل هم أناس زودهم الله بمواهب خاصة للبنيان أولاً رسلاً- هؤلاء وضعهم الله في الكنيسة في عصرها الأول بغرض التأسيس وأدّوا خدمتهم وانتهت مهمتهم ولا يوجد الآن رسل ولا خلفاء لهم لأن الكنيسة تأسست وكتاب الله كمل ثانياً أنبياء- هؤلاء أيضاً مؤسسون وقد تنبأوا عن أمور آتية وكتبت في الكتاب وانتهت مأموريتهم أما الأنبياء الذين يتكلمون للبنيان والوعظ والتعزية فباقون لأن هذه خدمة مستديمة لمنفعة الجسد في كل العصور ثالثاً معلمين- وهؤلاء معلمون خدمتهم التعليم من كلمة الله وهذه موهبة يعطيها الله لأشخاص يفسرون كلمة الله بالاستقامة- وهي خدمة دائمة.
ونلاحظ أن الرسول لا يقول بعد ذلك "رابعاً" لكن يقول ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء: وهذا كما سبقت الإشارة هي مواهب معجزية لازمت تأسيس الكنيسة وانتهت بإتمام الغرض منها ونلاحظ أن التكلم بألسنة يأتي في آخر القائمة. لماذا؟ لأن الرسول يريد أن ينبه الكورنثيين لعدم الافتخار بهذه الموهبة والعجيب أنه يذكر بين هذه المواهب العظيمة "أعواناً تدابير". فالذي يكون عوناً لأخيه يؤدي خدمة مذكورة بالمدح مقدرة عند السيد الذي لا يضيع أجر كأس ماء بارد.
نقرأ في رسالة يعقوب: "مَنْ رَدَّ خَاطِئاً (مؤمناً أخطأ الطريق) عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْساً مِنَ الْمَوْتِ (تحت التأديب)، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا" (يع 5: 20).
"أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟ أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟" (ع 29، 30).
هذا يعني أن هذه المواهب الخاصة ليست للجميع وليس جميع أصحاب المواهب أنبياء أو معلمين لكن المواهب مختلفة ويوزعها الله الروح القدس كما يشاء ألعل الجميع يتكلمون بألسنة؟ هذا السؤال يفيد أن ليس الجميع يتكلمون بألسنة مع أن الجميع اعتمدوا بمعمودية الروح القدس إلى جسد المسيح فلا يوجد ارتباط بين معمودية الروح القدس والتكلم بألسنة كما يقول البعض وكما سبقت الإشارة.
"وَلَكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ" (ع 31).
المواهب الحسنى أي التي لفائدة المؤمنين للبنيان وليست مظاهر قوة فقط لا نجد في كل رسائل العهد الجديد كلاماً عن المواهب المعجزية ولا عن الألسنة إلا في هذه الرسالة لأنهم كانوا أطفالاً في المسيح وقد تفاخروا بالمواهب وكان يقيس الواحد نفسه على الآخر.
"أريكم طريقاً أفضل": هنا طريق عمومي لكل مؤمن وليس موهبة وهذا الطريق هو طريق المحبة كما سنرى في الأصحاح التالي- طريق المحبة هو الطريق الأفضل لبنيان ولمجد الله لأن المحبة هي طريق الله نفسه.
[1]- لقد ذكر الروح القدس اسم الرب يسوع في (أع 19: 13- 17) وأربع مرات: فأولاد سكاوا المزمعين الأشرار قالوا: "نقسم عليك بيسوع". والشيطان الروح الشرير الموجود في الإنسان رد عليهم قائلاً: "أما يسوع فأنا أعرفه". ولكن عندما ذكر الروح القدس شخص الرب في عددي 13، 17 قال الرب يسوع... وكان اسم الرب يسوع يتعظم.
- عدد الزيارات: 4560