الأصحاح الحادي عشر
"فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ" (ع 2).
عجيب أن يمدح الرسول هذه الكنيسة التي رأينا وسنرى فيها أخطاء وعيوب كثيرة هذه هي عين المحبة التي لا تنظر إلى الأخطاء فقط لكن تنظر إلى المحاسن أولاً ثم تصحح الأخطاء يقول الرسول في ع 2 "فأمدحكم أيها الأخوة" وفي ع 17 يقول "لست أمدحكم" فهناك شيء يستحق المدح وشيء لا يستحق المدح لكن يذكر الرسول أولاً ما يستحق المدح وهذه هي طريقة الرب دائماً، في خطاب الروح القدس للكنائس في سفر الرؤيا يقول "أنا أعرف أعمالك وتعبك وصبرك.. لكن عندي عليك" أنظر (رؤ 2: 2، 4) وأيضاً (رؤ 2: 13، 14، 19، 20).
في هذا مثال جميل لما ينبغي أن نتبعه نحن أيضاً لو سمعنا في أيامنا عن كنيسة فيها هذه العيوب الخطيرة ككنيسة كورنثوس لكتبنا لها خطاباً قاسياً من نار، لكن يبدأ هذا الأصحاح بالمدح مع أنه يتكلم عن التشويش الذي في الكنيسة من جهة العبادة ومن جهة مائدة الرب هذا ليس إطراء أو كلاماً معسولاً لكن الرسول حقيقة يمدح صفة حسنة فيهم أنهم يذكرونه في كل شيء بدليل أنهم كتبوا له عن هذه الأمور.
عرفنا من الأصحاحات الأولى أن الرسول سمع من أهل خلوي عن الانشقاقات وعن الرجل الذي أخذ امرأة أبيه، وكتب لهم عن هذه الأمور. وفي ص 6 كتب لهم عن التقاضي في المحاكم وغير ذلك ثم في ص 7 يقول لهم الرسول "وأما من جهة الأمور التي كتيتم لي عنها" وهو موضوع الزواج، وأكل ما ذبح للأوثان وغير ذلك. فالرسول يمدحهم لأنهم رجعوا إليه كإناء من أواني الوحي وكمن له سلطان رسولي لكي يفصل في الأمور ويقدم لهم التعليم الإلهي الذي يتبعونه فهم ليسوا يذكرونه فقط يحفظون التعليم كما سلمه إليهم.
قول الرسول هنا "وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم" قد يفتح باباً للذهن البشري بأنه توجد تعاليم وتقاليد مُسلمَّة لكن يجب أن نلاحظ أن هذا كان قبل كتابة الوحي حيث كانت التعاليم شفوية وسلمت إليهم بالكلام ثم دونت بعد ذلك الوحي كان لدى الأخوة في كورنثوس الاستعداد ليحفظوا التعاليم وقد ظهر ذلك بصورة واضحة عندما وصلتهم هذه الرسالة إذ أوجدت فيهم غيرة ونشاطاً وسرعة في التنفيذ وقد استراح قلب تيطس جداً بهم ليس من العيب أن نخطئ لأننا معرضون للخطأ لكن العيب أن نتمسك بالخطأ ولا نخضع لتصحيحه.
يتكلم الرسول بعد ذلك عن موضوع الترتيب في الكنيسة الذي بكل أسف يعتبره البعض أمراً قليل الأهمية فنسمع منهم أن تغطية رأس المرأة في الاجتماع مسألة عادات حسب عادة كل بلد لكن هذا إنكار لسلطان الوحي الإلهي لأن ما يهتم به الله ويكتبه لنا في الكتاب بوحي الروح القدس جدير باهتمامنا وخضوعنا له ويجب أن نحني رؤوسنا خضوعاً أمام كل كلمة من كلام الله هذا ليس موضوعاً هيناً لكنه ترتيب إلهي في كنيسة الله.
استخدم داود عجلة جديدة في اصعاد التابوت إلى أورشليم بدلاً من حمله على أكتاف اللاويين كما تقضي بذلك الشريعة (سفر العدد ص 7: 9) ولما مدّ عزة يده إلى تابوت الله ضربه فمات ربما يظن واحد أن عزة لم يرتكب خطأ يستحق علي الموت، ولكنه كان مذنباًُ والله يريدنا أن نفهم كم هو خطير أن نستحسن أفكارنا الخاصة وترتيباتنا البشرية بدلاً من إتباع إرشادات الرب وتوجيهاته بكل دقة خصوصاً عندما يكون الأمر متعلقاً بالعبادة.
كانت خيمة الاجتماع في القديم تشير إلى الرب يسوع المسيح وكانت الألواح فيها تشير إلى المؤمنين وقد صنعت الخيمة حسب المثال الذي أعطاه الله لموسى على الجبل فنجد أن الرب اهتم بكل شيء صغير وكبير في الخيمة حتى العراوي والدبابيس هكذا الترتيب في كنيسة الله ينبغي أن يكون موضع الاعتبار ويتبع في كل الكنائس. يقول الرسول "ليس لنا عادة مثل هذه ولا لكنائس الله" (ع 16) فالمسألة مسألة مجد الله وليست مسألة عادات. فالمرأة تغطي رأسها والرجل يكشف رأسه ولهذا أسباب روحية سنبينها فيما يلي، أن الرجل المغطى الرأس لا يمجد الله والمرأة مكشوفة الرأس لا تمجد الله والملائكة الذين في معية الرب يحضرون في الاجتماع الذي يحضره بحسب وعده يجب أن يروا النظام والترتيب في كنيسة الله.
"وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ الْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ. وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ" (ع 3).
المسيح هو رأس الخليقة وقد أخضع الله كل شيء تحت قدميه "وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده.." (أف 1: 22، 23) عندما خلق الله آدم كان في فكره المسيح، وعندما صنع حواء كانت الكنيسة في فكره، لذلك يقول الرسول في (أف 5: 32) "هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ".
يقول الوحي أن آدم هو الإنسان الثاني فهو الرب من السماء يقول أيضاً أنه مثال الآتي (رو 5: 14) لأنه يوجد آدم الأخير (1 كو 15: 45). فالرجل يخضع للمسيح لأن رأس الرجل هو المسيح. وفي الكنيسة المسيح هو رأس الجسد والجسد مكوّن من رجال ونساء ومن حيث كوننا أعضاء في جسد المسيح فالمسيح رأس الرجل ورأس المرأة.
في النظام الطبيعي جعل الله الرجل رأس المرأة وله سلطان عليها لكنه يعترف بسيادة وسلطان المسيح عليه لأن رأس كل رجل هو المسيح. وبالأسف روح العصر الحاضر هو التخلص من كل ما يسمى خضوع أو ناموس إلهي وكل ما رتبه الله سواء في الخليقة الطبيعية أو في الخليقة الجديدة لأنه في هذا العصر قلبت الأوضاع وأصبح لا فرق بين رجل وامرأة. الرجل يلبس مثل المرأة والمرأة مثل الرجل وشعر الرجل يطيلونه وشعر المرأة يقصرونه. هذا عمل إبليس الذي يريد أن يشوش ويفسد منظر خليقة الله لكن يجب ألا يتأثر المؤمنون بهذا.
يقولون لنا أنتم تسيرون على نظام عتيق! فليكن هذا هو الأصل الذي رسمه الله ولا يتغير فعندما لا تخضع المرأة للرجل وتريد أن تكون مثله تفسد الرمز لأنها رمز للكنيسة والرجل رمز للمسيح.
"وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ. وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ": المسيح له المجد تعلم الطاعة مما تألم به وهو المنزه عن الطاعة وعن الخضوع لأنه هو الله الذي كل الملائكة والسلاطين والقوات مخضعة له، لكنه عندما صار إنساناً أخذ صورة عبد، إذ نقرأ عنه "عبد يهوه"، ومن هو كامل مثل عبدي "فتاي" أي عبدي الذي سررت به. هذا هو مركزه في التجسد- عبد يهوه الخاضع له، وذلك إلى أن يسلم الملك لله الآب فحينئذ الابن نفسه أيضاً كالإنسان الثاني سيخضع للذي أخضع له الكل كي يكون الله (الآب والابن والروح القدس) الكل في الكل (1 كو 15: 28)- المسيح كإنسان سيبقى بناسوته الكامل إلى الأبد وسيخضع لله إلى الأبد.
العجيب أن المرأة لا تريد أن تخضع للرجل!.. والمسيح نفسه له المجد لما أخذ صورة عبد يقول "الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ" (يو 14: 10) فالمسيح كان يعترف كإنسان بالخضوع لله فبالأولى المرأة تخضع للرجل.
"كُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ يَشِينُ رَأْسَهُ. وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغَطّىً فَتَشِينُ رَأْسَهَا لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ" (ع 4، 5).
من هو رأس الرجل؟ المسيح فعندما يغطي الرجل رأسه يغطي سلطان المسيح عليه لذلك يجب أن يكشف الرجل رأسه لكي يكون المسيح هو الظاهر."وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغَطّىً فَتَشِينُ رَأْسَهَا": من هو رأسها؟ الرجل، يعني كأنها تتمرد عليه لأن الغطاء إشارة إلى خضوعها للرجل. الرجل يكشف رأسه أي يظهر مجد الله إذ يعلن أن المسيح هو رأس الرجل بينما المرأة لا تكشف رأسها (أي لا تظهر نفسها) بل تغطي رأسها وذلك علامة الخضوع لرجلها. هل معنى قوله "أما كل امرأة تصلي أو تتنبأ" أن المرأة لها الحق أن تصلي أو تتنبأ في الكنيسة؟ لا لا يجوز أن نأخذ جزءاً من كلمة الله وحده لكن نأخذ كلمة الله كلها مع بعضها فكلمة الله تعلمنا في مواضع أخرى أن المرأة لا تتكلم في الكنيسة "لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُوناً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضاً. وَلَكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئاً فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ" (ص 14: 34، 35).
وأيضاً: "وَلَكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ" (1 تي 2: 12).
لكن ليس ممنوعاً أن تخدم المرأة في مجالها ليس في الكنيسة في حضور الرجال لقد أعطاها الرب مواهب ويوجد لها مجال خدمة للأطفال وبين الشابات وفي اجتماع الأخوات كان لفيلبس المبشر أربع بنات عذارى كن يتنبأن وذلك طبعاً في مجالهن الخاص.
"لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ": أي كأنها تريد أن تكون رجلاً أو بعبارة أخرى تريد أن تأخذ مركز الرجل وتنكر أن الله أعطاها شعراً لترخيه وتغطيه ويكون مجداً لها.
"إِذِ الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا . وَإِنْ كَانَ قَبِيحاً بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ فَلْتَتَغَطَّ" (ع 6).
إذا كانت المرأة لا تريد أن تتغطى فكأنها تريد أن تكون رجلاً وفي هذه الحالة نقص شعرها الطبيعي الذي أعطاه لها الرب عوض برقع إذن إن كان قبيحاً بالمرأة أن تقص فلتتغط أي تغطي رأسها.
"فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ" (ع 7).
لنرجع إلى ما تعلنه الخليقة في مز 19 حيث نقرأ: "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاَماً وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً. لاَ قَوْلَ وَلاَ كَلاَمَ. لاَ يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. فِي كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ"- هذا ما تحدثنا عنه الخليقة. ثم نقرأ بعد ذلك عن ناموس الرب أي كلمته المعلنة في كتابه وهي أيضاً تحدثنا عن مجد الله.
في (تك 1: 26) نقرأ: "وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإنسان عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ..." فالرجل لا يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده إذ جعله الله على صورته في السلطان وسلطه على كل شيء- سمك البحر وطير السماء وبهائم الأرض.. الخ فمجد الله يظهر في الرجل ممثله في السلطان على الخليقة وعلى ذلك فالرجل إذا غطى رأسه يهين مجد الله.
وبذلك فإننا نجد تعبير مجد الله في الرجل وتعبير مجد الله في المرأة ومجد المرأة في إرخاء شعرها وفي خضوعها لرجلها (ع 15).
"لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ" (ع 8، 9).
"الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ" لكن "الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ" إذ نقرأ في (تك 2: 21، 22) أن الرب عمل المرأة من واحدة أخذها من أضلاع الرجل.
"والرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ": نقرأ في (تك 2: 18): "وَقَالَ الرَّبُّ الإله: «لَيْسَ جَيِّدا أن يَكُونَ ادَمُ وَحْدَهُ فَاصْنَعَ لَهُ مُعِينا نَظِيرَهُ»" فصنع الله المرأة من أجل الرجل لتكون معيناً له.
"لِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ. غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ" (ع 10، 11).
"يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا": أي اعتراف بالسلطان بأن تضع الغطاء على رأسها والغطاء يشير إلى الخضوع- يشير إلى أن لها سلطان أي لها رأس هو الرجل فالغطاء رمز لأنها تحت سلطان الرجل.
في الخليقة الجديدة ليس رجل وامرأة فجسد المسيح مكوّن من رجال ونساء والجميع أعضاء فيه ولا يستغني الرجل عن المرأة ولا المرأة تستغني عن الرجل.
"الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ": أي الرجل ليس بدون المرأة وكذلك المرأة ليست بدون الرجل ولا يستغني أحدهما عن الآخر.
"لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ هَكَذَا الرَّجُلُ أَيْضاً هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلَكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ" (ع 12).
"هَكَذَا الرَّجُلُ أَيْضاً هُوَ بِالْمَرْأَةِ": الرجل عبارة عن جسد ورأس فهو رأس بالمرأة التي هي جسده هل يوجد رأس من غير جسد؟ لا. فهو رجل كامل بالمرأة- هي مكملة له صحيح هي منه لكن هو أيضاً بها كما يقول الكتاب عن الكنيسة التي هي "الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أف 1: 23) الرب له كل المجد رأس والكنيسة ملء. الرب كالرأس لا يستغني عن الكنيسة.
وفي (ص 12: 12) نقرأ "لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة.. كذلك المسيح أيضاً". فالمسيح رأس وله أعضاء- أي إنسان كامل له ملء.
"وَلَكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ": هو الذي خلق كل شيء جميلاً.. فترتيب الله في الخليقة ما أجمله!.. المرأة تكون في منظر جميل كما خلقها الله بشعرها الطويل الذي أعطاه لها- ليكون مجدها عوض برقع. ووجهها بدون تزيين بشري وبدون مساحيق بشرية خليقة الله جميلة لا تحتاج إلى تدخل الإنسان والنظام الذي خلقه الله في الخليقة ما أبدعه!
"احْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: هَلْ يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى اللهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟ أَمْ لَيْسَتِ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِنْ كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ؟" (ع 13، 14).
يقول الرسول في (ص 10: 15) "أقول كما للحكماء احكموا أنتم فيما أقول" إن كنتم حكماء في الرب احكموا. من الذي يحكم؟ هل الإنسان الطبيعي؟ لا. الإنسان الطبيعي لا يعرف أن يحكم لأنه لا يفهم أمور الله (ص 2: 14) لكن الإنسان الروحي هو الذي يحكم في كل شيء ولا يحكم فيه من أحد ثم إن الطبيعة نفسها تعلمنا أنه لا يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غير مغطاة. والطبيعة نفسها تعلمنا أيضاً أن الرجل الذي يرخي شعره فهو عيب له.
ليت الشبان الذين يرخون شعورهم يتعلمون من الطبيعة أن هذا عيب لأن الله خلقهم رجالاً ليكونوا صورة الله ومجده ولكن لماذا كان النذير يرخي شعره؟ لكي يتحمل العيب النذير كان ينكر ذاته وكان يمتنع عن الخمر الذي كان مباحاً للناس حتى العنب الذي يأكله الجميع. فكان طول الشعر علامة على إنكار الذات والخضوع للرب دليلاً على موت الإرادة الذاتية.
من عهد قليل كان الشاب يغضب إذا قيل أنه يشبه المرأة، أما الآن فبكل أسف يتشبه بالمرأة في لبسه ومظهره وإطالة شعره بدون حياء. يقول الرب في الشريعة "لا يكن متاع رجل على امرأة ولا متاع امرأة على رجل"- يجب أن يكون التمييز واضحاً لكن الشيطان قلب الأوضاع في هذه الأيام فلا نستطيع أن نميّز الشاب من الفتاة في الطريق.
"وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ تُرْخِي شَعْرَهَا فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا لأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ أُعْطِيَ لَهَا عِوَضَ بُرْقُعٍ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ الْخِصَامَ فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هَذِهِ وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ" (ع 15، 16).
إرخاء شعر المرأة مجد لها وقد استخدمت المرأة (الخاطئة) في بيت الفريسي شعرها في مسح قدمي الرب بعد أن بللتهما بدموعها أي أنها وضعت مجدها عند قدمي المسيح (لو 7) وكذلك مريم أخت لعازر سكبت الطيب على قدمي الرب ومسحتهما بشعرها تعبيراً عن حبها وولائها للرب (يو 12). والشعر أُعطي للمرأة عوض برقع فالطبيعة تعلمنا أنها تحتاج برقع وتعلمنا أنه يجب أن تضع غطاء على رأسها في الاجتماع.
ولكن إن كان أحد يحب الخصام ويريد أن يناقش ويجادل بأننا في عصر الحرية والمساواة إلى غير ذلك من المناقشات الغبية فالرسول يقول ليس لنا نحن الرسل عادة الخصام والمجادلات ولا لكنائس الله أي ولا للمؤمنين واجبنا أن نخضع لصوت الله وللمكتوب وللنظام العام في الكنيسة فيرى الملائكة ويتعجبون من دقة نظام الكنيسة.
ماذا نقرأ عن الملائكة في (أش 6)؟ لكل واحد ستة أجنحة باثنين يغطي وجهه في حضرة الرب وباثنين يغطي ورجليه وباثنين يطير" لكن شكراً للرب الذي جعل الرجل يكشف رأسه ووجهه في حضرته لكي يظهر مجد الله في حين يغطي الملاك وجهه، لأن الملاك لم يخلق على صورة الله وليس له الامتياز الذي للمؤمن أنه "صورة الله ومجده".
"وَلَكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهَذَا لَسْتُ أَمْدَحُ كَوْنَكُمْ تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ بَلْ لِلأَرْدَأ. لأَنِّي أَوَّلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ وَأُصَدِّقُ بَعْضَ التَّصْدِيقِ" (ع 17، 18).
بعد أن تكلم الرسول عن النظام في الكنيسة من حيث غطاء الرأس أو كشفه يتكلم عن الولائم الحبية وعشاء الرب هنا في ص 11 وعن المواهب الروحية في ص 12 وعن المحبة في ص 13 وعن ممارسة المواهب الروحية في ص 14.
هل عشاء الرب ضمن المواهب الروحية؟ لا. إنه سجود. فقبل أن يتكلم عن المواهب وعن الخدمة يتكلم عن عشاء الرب. والكورنثيون خلطوا ولائمهم الحبية الخاصة مع عشاء الرب وكان الغني يحضر أكلاً كثيراً ليبين غناه وكان الفقير يخجل، ثم يعملون عشاء الرب بعد ذلك لأن المسيح له المجد بعد الأكل من عشاء الفصح رسم لهم العشاء الرباني ولأن الرسل في أيام الكنيسة الأولى كانوا يكسرون الخبز في البيوت ويتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب.
لكن بكل أسف كان بينهم انشقاقات فكيف يتفق ذلك مع الولائم الحبية ومع عشاء الرب الذي يشير إلى وحدة المؤمنين كجسد المسيح وإلى الشركة بينهم؟ عشاء الرب هو أسمى نوع من السجود عندما نجتمع في خشوع لنذكر الرب في موته وقلوبنا ممتلئة من الحمد وألسنتنا تنطق بالتسبيح لشخصه الكريم وهو امتياز لكل المؤمنين.
لم يكن اجتماع المؤمنين في كورنثوس أمراً يستحق المدح لأنه لا يمجد الله ولا يبني المؤمنين بل بالعكس أوجد شقاقاً وخجلاً عند الفقراء وغير القادرين فكانوا يجتمعون للأردأ وليس للأفضل الأفضل هو ممارسة عشاء الرب بحسب الرسم الإلهي لكن الأردأ هو ما كان يصنعه الأخوة في كورنثوس.
"حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ": "أو في اجتماع" في حاشية الكتاب المشوهد ليس معنى ذلك أن الكنيسة مكان يجتمعون فيه بل يجتمعون ككنيسة، فالكنيسة هي جماعة المؤمنين.
"لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضاً لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ. فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعاً لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ الرَّبِّ. لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ. أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ اللهِ وَتُخْجِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ؟ مَاذَا أَقُولُ لَكُمْ! أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هَذَا؟ لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ!" (ع 19- 22).
عشاء الرب رمز الوحدة إذ نأكل خبزاً واحداً (رغيفاً واحداً) دلالة على وحدة جسد المسيح، وعشاء الرب هو أيضاً رمز للشركة بعضنا مع بعض. الكأس هي شركة دم المسيح والخبز الذي نكسره هو شركة جسد المسيح. ولكن الكورنثيين كانوا يجتمعون لأجل عشاء الرب وبينهم انشقاقات- وهو أمر لا يتفق مع نفس طبيعة الأشياء.
"بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضاً": البدع هي الانحراف عن الحق. ويقول الرسول في مكان آخر: الرجل المبتدع أنذروه وإذا لم يرجع عن هذه البدع أعرضوا عنه ووجود هذه البدع يجعل المؤمنين الذين يتمسكون بالحق ظاهرين مزكين أمام الله أي ممدوحين من الله. يقول الرسول لتيموثاوس "اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ ِللهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى" (2 تي 2: 15).
كان المؤمنون في الأيام الأولى يواظبون على تعاليم الرسل وكسر الخبز والشركة فكسر الخبز هو عشاء الرب. والشركة هي الولائم الحبية التي يشير إليها الوحي في رسالة يهوذا ع 12 بالقول "هؤلاء صخور في ولائم المحبية..".
"لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزاً" (ع 23).
الكلام هنا عن عشاء الرب وهو موضوع خطير يجب أن نتأمل فيه هنا.
"لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ": متى تسلم بولس من الرب ذلك من الرب وكيف؟؟ تسلم بإعلان إلهي لأنه يقول في رسالة أفسس ص 3 "بإعلان عرفني بالسر"- سر اتحاد المسيح بالكنيسة فالرسول تسلم الحقائق الإلهية من الرب بإعلان خاص لأنه لم يكن موجوداً مع التلاميذ ليلة أن رسم الرب العشاء.
توجد فريضتان هامتان في المسيحية: العشاء الرباني والمعمودية. والرسول بولس لم يكن موجوداً ساعة رسم الرب للعشاء ولا ساعة أن قال الرب للتلاميذ "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" لكن لا يقول الرسول أنه تسلم المعمودية بل يقول في أول هذه الرسالة "الرب لم يرسلني لأعمد بل لأبشر" فالمعمودية لم يسلمها له الرب لكن سلم له رسم العشاء لأن عشاء الرب هو رمز لوحدة جسد المسيح- رغيف واحد يمثل الجسد الواحد وهذا التعليم كان من اختصاص الرسول بولس لأن أول عبارة سمعها من فم الرب هي "شاول شاول لماذا تضطهدني؟" ففهم الرسول من هذا أن المؤمنين الذين كان شاول يضطهدهم كانوا متحدون بالمسيح وعندما اضطهد المؤمنين فكأنه اضطهد المسيح وهذا هو التعليم المكتوب في رسالة أفسس "وإياه جعل رأساً للكنيسة فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده" (أف 1: 22).
"مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً": أي أنه سلمه لجميع المؤمنين فجميع المؤمنين لهم حق كسر الخبز والشكر على العشاء. حيثما اجتمع مؤمنون حقيقيون فمن امتيازهم أن يكسروا خبزاً سواء كان بينهم خدام أو لم يكن.
"إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزاً": كل كلمة في الكتاب لها غرض فقوله في الليلة التي أسلم فيها يبين أن هذه أخر وصية قبل ذهاب الرب للصليب في آخر ليلة في حياة الرب على الأرض.
لقد سلم المسيح له المجد التلاميذ تعاليم كثيرة لكن في الليلة التي أسلم فيها لم يسلمهم سوى هذه الوصية العزيزة والأخيرة قبل مفارقته لهم. يا للأسف على المؤمنين الذين يحبون الرب وقد يخدمونه ولا يذكرون موته ولا يطيعون وصيته الأخيرة! هل هذه محبة للرب؟ قال الرب "الذي يحبني يحفظ وصاياي" وهذه هي أغلى وصية: اصنعوا هذا لذكري. كيف ننسى؟ هل بعد كل محبة الرب لنا هذه نحتاج إلى وصية؟ لكن لعلم الرب بضعفنا ونسياننا قال: اصنعوا هذا لذكري. لنفرض أن شخصاً محباً قال لي اذكرني، فمتى أذكره؟ هل كل سنة أو سنتين؟ لا.
يعلمنا الكتاب "وفي أول الأسبوع إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً" (أع 20: 7) يقول البعض أنه لم يقل في أول كل أسبوع! كان الرسول يتكلم عن أول ذلك الأسبوع لأن الكتاب يقول قبل ذلك مباشرةً "ووافيناهم من خمسة أيام إلى ترواس حيث صرفنا سبعة أيام" واليوم الثامن كان أول الأسبوع أي يوم الأحد فلم يكسروا خبزاً في أي يوم من الأيام إلا يوم الأحد كعادتهم.
إذا كنت أحب الرب وأريد أن أذكره، فكلما ذكرته أكثر كان هذا دليلاً على أني أحبه أكثر يفترض البعض بأنه عندما نصنع الذكرى دورياً كل أسبوع تصبح كأنها عادة. فليكن فهي عادة جميلة أن أذكر حبيبي الذي مات لأجلي على الصليب. يقولون تصير ممارسة ليس لها تقدير! بالعكس فإن ذلك يجعلنا نعمل لها حساباً بصفة مستمرة. يقولون أنها تحتاج إلى استعداد. حسناً ولماذا لا نعمل هذا الاستعداد باستمرار لا نعطي أنفسنا فرصة نوم ومشغولية بمصالحنا ونسمح للخطايا الصغيرة أن تدخل في حياتنا كالخصام مثلاً ولما يأتي الأسبوع الذي نعمل فيه الذكرى بعد ثلاثة أو أربعة شهور نصّفي حسابنا. يقول الرسول في ع 28 "ليمتحن الإنسان نفسه وهذا يأكل" كل أسبوع يمتحن الإنسان نفسه لكي تكون دائماً دورة الأسبوع نقية مثل الفصح والفطير فإن " فصحنا المسيح ذبح لأجلنا إذاً فلنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق" (ص 5: 7). فالفطير طوال دورة الأسبوع ثم نعيّد بصنع ذكرى موت الرب.
"أَخَذَ خُبْزاً": نحن نعلم أنهم كانوا يأكلون من عشاء الفصح أولاً ثم أخذ الرب رغيفاً كاملاً من الخبز الموجود على مائدة الفصح ولا يهم نوع الفصح سواء كان خالياً من الخمير أو لا لأن خلو خبز الفصح من الخمير له دلالة روحية وليست دلالة مادية. الخبز العادي فيه خمير لكن تعليم الخلو من الخمير خاص بخمير الشر والخبث.
"وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي»" (ع 24).
أولاً أخذ خبزاً وثانياً شكر وثالثاً كسر ورابعاً أعطى التلاميذ وقال لهم خذوا كلوا هذا هو الترتيب كما رسمه الرب. هل نكسر الخبز ثم نشكر؟ لا"جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ": في لوقا 22 يقول "الذي يبذل عنكم" المهم أن عظماً منه لم يكسر كما هو مكتوب أما الجسد فقد طعن بالحربة وفي بعض النسخ القديمة لا توجد كلمة "المكسور" بل هذا هو جسدي الذي لأجلكم.
أيها الأحباء لا أرى داعياً للرد على فكرة الاستحالة الخاطئة وأن الجسد ليس هو جسد المسيح المادي يظن البعض أنه بعد الصلاة على الخبز يتحول إلى جسد المسيح نفسه فالذي يأكل منه كأنه يأكل جسد المسيح الحرفي. هذا شيء يرفضه الذهن الروحي. كما يفسر البعض المكتوب في يو 6 "من يأكلني يحيا بي" بأنه يأكل شخص المسيح جسده و نفسه وروحه! مع إن هذا كلام روحي لا حرفي.
"هَذَا هُوَ جَسَدِي": يقولون نأخذه بالإيمان باعتباره جسد الرب في حين أني أراه خبزاً ولما آكله أجده خبزاً هل الإيمان يغير طبيعة المادة التي أراها بعيني وأتذوقها بفمي؟ لا.
لا توجد صعوبة في قوله "هذا هو جسدي" ألم يقل في الأصحاح السابق أن المؤمنين جسد واحد خبز واحد فهل صرنا بالإيمان خبزاً؟ لا. لكنه يشبه وحدة المؤمنين بوحدة الرغيف هكذا لما نتناول الخبز نتذكر جسد المسيح الذي بذل عنا. فالخبز يمثل جسد المسيح ولكنه يبقى في مادته خبزاً.
في ع 27 يقول الرسول " أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه". ولا يقول الرسول أي من أكل هذا الجسد يكون مجرماً.. لكن من يأكل هذا الخبز باستهانة يكون مجرماً في جسد الرب المادة خبز لكن له قيمة جسد المسيح لأنه يمثل جسد المسيح يقول النبي مثلاً في مز 84: 11) "لأن الرب الله شمس ومجن" هل نسجد للشمس ونقول هي الرب؟ كلا فهذا تشبيه فقط ويقول في (مز 18: 2) "الرب صخرتي" هل هو صخرة؟ لا. كان الرب له المجد يقدم الخبز للتلاميذ ويقول هذا هو جسدي أي رمز لجسده. أما الجسد الحقيقي المادي فهو الذي كان يقدم به الخبز.
"اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي": ما هو هذا؟ ما صنعه الرب حين أخذ خبزاً وشكر وكسر وقال خذوا كلوا إذا صنعتم هذا أي أخذتم الخبز وأكلتموه تذكرونني الرب ينبه بهذا النداء عواطف الذين يهملون صنع ذكرى موته ويكلم قلوبنا جميعاً للاهتمام بهذه الذكرى إذاً الغرض الأساسي من عشاء الرب هو أن نذكره والعجيب أننا نذكره وهو حي وحاضر في الوسط. نذكر موته لأجلنا على الصليب ونذكر آلامه التي تحملها في جسده لأجلنا لماذا نخسر المعنى الروحي للعشاء الذي قصد به الرب أن يحرك عواطفنا نحوه؟ قال أحد المفسرين: كون الكورنثيين خلطوا بين العشاء وبين ولائمهم الحبية دليل أنه لم يكن عندهم فكرة التحول وكذلك لم يكن عندهم فكرة اختصاص أصحاب المواهب بخدمة العشاء لأنه لو كانت عندهم فكرة كهذه ما كانوا خلطوا بين الأمرين.
"كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلاً: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي»" (ع 25).
يقول الرب في (مت 26: 28): "لأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" فمغفرة الخطايا بسفك الدم لأنه "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" (عب 9: 22).
"يسفك .. لمغفرة الخطايا" معروف في اللغة العربية أن "لمغفرة" جار ومجرور متعلق بالفعل "يسفك" فمغفرة الخطايا نتيجة لسفك الدم. توجد كلمة حشرها الناس وهي غير موجودة في الكتاب وهي "يعطى" لمغفرة الخطايا وهذه كلمة تغيّر المعنى تماماً كأن مغفرة الخطايا نتيجة الأخذ من الكأس لكن مغفرة الخطايا كما سبقت الإشارة هي نتيجة سفك دم ربنا يسوع المسيح له المجد هذا هو أساس غفران الخطايا وغفران الخطايا لا يكتسب بشيء مادي على الإطلاق أما العشاء فلا علاقة له أبداً بغفران الخطايا.
"هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي": كان يوجد عهد قديم لكن نحن الأمم ليس لنا عهد قديم العهد كان بين الرب وبين شعبه القديم وكان العهد مشروطاً بين طرفين نقرأ في (تث 11: 26- 28) "«اُنْظُرْ! أَنَا وَاضِعٌ أَمَامَكُمُ اليَوْمَ بَرَكَةً وَلعْنَةً. البَرَكَةُ إِذَا سَمِعْتُمْ لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ.. البَرَكَةُ إِذَا سَمِعْتُمْ لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ" يقول الرسول في رسالة العبرانيين أنهم لم يحفظوا العهد لذلك سيصنع معهم عهداً جديداً ونقرأ في (عب 8: 8- 13) «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً. لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لِأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَهْدِي، وَأَنَا أَهْمَلْتُهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً.. لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحاً عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ». أنظر أيضاً (أرميا 31: 31- 34).
سيتمتع الشعب بهذا العهد بعد اختطاف الكنيسة عندما يرجعون بقلوبهم للرب ولكن أساس العهد الجديد دم المسيح والمسيح ضامن هذا العهد ويقول الرسول في (عب 13: 20)
"وَإِلَهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ" وفي (عب 7: 22) نقرأ "قَدْ صَارَ يَسُوعُ ضَامِناً لِعَهْدٍ أَفْضَلَ".
والكأس في عشاء الرب تشير إلى دم المسيح الذي هو للعهد الجديد نحن مضمونون للخلاص على أساس دم المسيح والله لا يذكر خطايانا على هذا الأساس ونحن المؤمنون في الوقت الحاضر نتمتع ببركات هذا العهد قبل أن يتمتع به الذي كان لهم العهد القديم فأولئك سيتمتعون به في المستقبل أما نحن فيقول المسيح "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد" فنحن نطمئن على أننا مغفورو الخطايا إلى الأبد كلما نذكر دم المسيح الذي سفك لأجلنا.
"اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي": قوله "كلما شربتم" يفيد صنع التذكار باستمرار بغرض الذكرى. صنع التذكار من أكبر وسائط النعمة التي تساعد على الحياة التقوية شبه أحد خدام الرب ممارسة عشاء الرب تشبيهاً جميلاً فقال: عندما كنت ولداً صغيراً كنت أرى الأولاد في الشارع يلعبون بطوق حديدي يضربونه بالعصا فيجري الطوق وهم يجرون وراءه وعندما يرونه بدأ يبطئ يضربونه مرة أخرى وهكذا. وبذلك يستمر الطوق في الجري بدفعة صغيرة يدفعونه بها بين حين وآخر وهكذا ممارسة العشاء تكفي المؤمن طوال الأسبوع ولكي يأخذ دفعة روحية جديدة يصنع الذكرى في أول الأسبوع التالي وهكذا فيستمر ذاكراً محبة الرب وموته وقيامته ومجيئه الثاني.
الذي يهمل صنع الذكرى يجرح عواطف الرب، الرب يقول أنا أحببتك ومت لأجلك أذكر حبي وموتي فهل تكتفي بقراءة فصل في بيتك يوم الأحد عن الصليب وترتل وتصلي؟ هل هذه هي الطريقة التي قال عنها الرب لصنع ذكراه؟؟ هل هذا ما أسلمه الرب لبولس؟ أين التخبير بموت الرب ذكرى موت الرب يجب أن تكون جماعية وجهارية.
"فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ" (ع 26).
لا يقول كلما أكلتم هذا الجسد بل كلما أكلتم هذا "الخبز" وشربتم هذه الكأس "تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" إذاً أولاً نذكر- اصنعوا هذا لذكري.
ثانياً نخبر- نخبر بموت الرب. الإخبار أي الإعلان- نذيع موت الرب وهذا غرض آخر لعشاء الرب- نذيع أن المسيح مات لأجلنا.
وثالثاً ننتظر- "إلى أن يجيء"- وهذا غرض ثالث لعشاء الرب في كل أسبوع نتذكر أن الرب آت سريعاً فذكرى موت الرب مرتبطة ارتباطاً مباشراً بانتظار مجيئه.
وعلى ذلك تكون فوائد صنع ذكرى موت الرب:
التنبيه إلى وحدة المؤمنين كجسد المسيح ص 10.
التنبيه إلى شركة المؤمنين معاً ص 10
الذكرى- نذكر الرب ص 11
التخبير بموته ص 11
التنبيه إلى العهد الجديد بدم المسيح ص 11
انتظار مجيء الرب ص 11
هذه بعض فوائد صنع عشاء الرب لكن ليس من ضمنها غفران الخطايا ولا نوال الحياة الأبدية فهاتان البركتان ننالهما على أساس إيماننا بالمسيح وموته لأجلنا وقيامته وليس على أساس التناول من عشاء الرب.
وعشاء الرب أيضاً ليس ذبيحة. ولو كان ذبيحة ونحن نكرره كيف يقول الرسول أن المسيح "قدّم عن الخطايا ذبيحة واحدة" وأنه "بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين"؟ (عب 10: 12، 14).
وإذا كان العشاء ذبيحة متكررة نكون قد أنزلناه إلى مرتبة الذبائح الناقصة التي كانوا يقدمونها على الدوام ويقول عنها الرسول "أن دم تيوس وعجول لا يمكن أن يرفع خطايا" فتكرار ذبيحة المسيح يدل على أنها لم تنفع ولم تتم الغرض منها وحاشا أن يكون كذلك. رأينا في ص 10 عبارة "مائدة الرب" (ع 21) وهنا في ص 11 "عشاء الرب" (ع 20) فكسر الخبز له اسمان:
1- مائدة الرب باعتبارها رمزاً لشركة المؤمنين بعضهم مع بعض ووحدتهم مع بعضهم كجسد المسيح الواحد.
2- عشاء الرب باعتباره ذكرى موت الرب. فالمؤمنون المجتمعون حول الرب لصنع العشاء يحققون الصفتين للكهنوت المسيحي:
1- كهنوت مقدس: لتقديم ذبائح روحية، فأثمن فرصة للتسبيح والسجود هي عندما نذكر الرب في موته لأجلنا فنقدم ذبائح الحمد ونسكب قلوبنا كسكيب الطيب عند قدمي المسيح كما فعلت مريم تعبيراً عن محبتها للرب.
2- كهنوت ملوكي: لتخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب ونحن نصنع العشاء نخبر بموت الرب أي نذيعه. ففي المائدة صوت لنا نحن المؤمنين يذكرنا بمحبة الرب، وصوت يذاع للآخرين بمعنى ما يفعله المؤمنين حول المائدة إذ يذكرون أن الله ظهر في الجسد وتألم على الصليب "البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلى الله" "وحمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة" فإن كانت المائدة صامتة إلا أنها تتحدث عن عمل المسيح كما أن السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبرنا بعمل يديه بدون صوت إن العناصر البسيطة التي في مائدة الرب تذيع موت الرب وأنه بذل نفسه وسفك دمه لأجل خلاص الخطأة وأيضاً تذيع أنه سيجيء ثانية. وكل أسبوع يمضي يقربنا إلى لحظة مجيئه ونرجو أن يكون هذا الأسبوع هو الأخير لنا على الأرض قبل أن نرى الرب بالعيان ونرى يديه وجنبه- أثار الصليب المعبر عنها في رؤ 5 بخروف قائم كأنه مذبوح- هذا المنظر الذي يضرم عواطفنا فنرنم الترنيمة الجديدة الخالدة:
مستحق أنت.... .... .... لأنك ذُبحت واشترينا لله بدمك....
"إِذاً أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِماً فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ" (ع 27).
نحن نقدر قيمة العشاء لكن لا نقدس المائدة، فالمائدة تظل كما هي لكننا نقدس ذكرى تقديم جسد الرب وسفك دمه. فالمادة خبز وخمر (عصير العنب) لكن من يأكل ويشرب باستخفاف يكون مجرماً لا في الخبز والخمر لكن فيما يشيران إليه أي جسد الرب ودمه. فمثلاً عندما نرى صورة رئيس الجمهورية نقول إن هذا هو الرئيس. فلنفترض أن شخصاً أخذ الورقة التي عليها صورة الرئيس ومزّقها يُقبض عليه لأنه أهان الرئيس. فنحن نأكل خبز العشاء ونقدسه ونحترمه لأنه يصور لنا الرب يسوع المسيح. فلا نستخف به ومن يأكل ويشرب باستخفاف أي بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه.
يعترض البعض قائلين مكتوب في (يو 6: 54- 56) "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" واضح أيها الأحباء أن هذا ليس له علاقة إطلاقاً بعشاء الرب كما سبق أن ذكرنا لأن الرسول يقول أن الرب رسم العشاء في الليلة التي أُسلم فيها وقبل ذلك لم تكن عندهم فكرة عن عشاء الرب على الإطلاق فالعشاء لم يعرف عند التلاميذ إلا في الليلة الأخيرة.
في أول يو 6 نجد معجزة إشباع الجموع التي صنعها الرب يسوع. وجاء الجمع في اليوم التالي يفتشون عن الرب يسوع فقال لهم: "أَنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي لَيْسَ لأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ آيَاتٍ بَلْ لأَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ مِنَ الْخُبْزِ فَشَبِعْتُمْ. اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ" (يو 6: 26، 27). هل هذا الطعام الباقي شيء مادي؟ هل يوجد طعام نأكله فنحصل على الحياة الأبدية؟ لا طبعاً. إذاً ما هو الطعام الباقي للحياة الأبدية؟ هو الإيمان بشخصه. الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية. "أنا هو الخبز النازل من السماء (أي شخصه الكريم) لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت" (يو 6: 47- 50).
إذاً في يو 6 يتكلم الرب عن الإيمان بشخصه وليس عن عشاء الرب ولا عن أكل وشرب مادي وتتكرر كلمة الإيمان في هذا الأصحاح ثماني مرات. وواضح جداً أنه لا علاقة بين الأكل والحياة الأبدية "لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الاِبْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ" (ع 40).
ولما تذمروا وقالوا هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه قال لهم: "اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فلاَ يُفِيدُ شَيْئاً. اَلْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ" (ع 63) فكلامه عن أكل جسده وشرب دمه المقصود به الإيمان بشخصه هذا كلام روح وحياة وليس كلاماً حرفياً.
"وَلَكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ" (ع 27).
عشاء الرب في حقيقته فريضة جماعية يمارسها المؤمنون معاً باعتبارهم جسد الرب وكلما أكلوا الخبز وشربوا الكأس يذكرون الرب ويخبرون بموته إلى أن يجيء والخبز الواحد يرسم أمامهم هذه الوحدة لكن هناك أيضاً مسؤولية فردية فنقرأ: "أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِماً فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. وَلَكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا يَأْكُلُ" (ع 26، 27). إذاً توجد مسؤولية جماعية لأن الجماعة وحدة في نظر الرب ومسؤولة عن عزل الخمير، وتوجد مسؤولية فردية على كل من يكسر خبز بدون استحقاق. والامتحان هو الحالة الروحية النقية التي تتناسب مع صنع ذكرى موت الرب طبعاً ليس لأحد استحقاق في ذاته لكن المؤمنين يصنعون ذكرى موت الرب على أساس عمله الكريم الذي عن طريقه غسلنا من خطايانا بدمه هو الذي أهلنا وكل مؤمن حقيقي له استحقاق أن يتناول من عشاء الرب لكن بأية حالة؟ ليمتحن الإنسان نفسه وهذا يأكل. أي يفحص المؤمن نفسه فإذا وجد في حياته أي لوم يقضي عليه وهذا واضح من كلامه بعد ذلك: "لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا" فلكي يأكل المؤمن ويشرب باستحقاق عليه قبل أن يحضر إلى اجتماع كسر الخبز أن يفحص نفسه جيداً في نور حضرة الله ويستعرض أحداث الأسبوع الذي مضى ويحكم على كل شيء لا يتفق مع فكر الرب.
ولأن ذكرى موت الرب تتم أسبوعياً فلا يحتاج المؤمن إلى مراجعة قائمة حسابات طويلة وكما كانوا يعملون الفصح ويستمرون بعده سبعة أيام يأكلون فطيراً، كذلك هو برنامج الحياة المسيحية في أول الأسبوع نكسر خبزاً ونتذكر محبة الله وموته لأجلنا ونعيش طوال الأسبوع في الفطير أي في الحياة النقية المرضية للرب. يقول الرسول يوحنا: "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا" (1 يو 2: 1)- هذا هو المبدأ العام " كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ" (1 يو 3: 9).
المولود من الله يصنع البر- هذا هو مبدأ حياتنا، لكن قد يتغافل المؤمن ويزل فالعلاج كما هو مكتوب "إِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا" (1 يو 2: 1، 2) وأيضاً " إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (1 يو 1: 9) هذا الغفران ليس للخلاص الأبدي لكن لرد الشركة ومنع التأديب وهو للمؤمنين الذين خلصوا بالإيمان ونالوا الحياة الأبدية، أما الغفران الأبدي فيناله المؤمن لحظة إيمانه مرة واحدة ويدوم إلى الأبد وهو ليس نتيجة اعترافه بخطاياه لأنه مولود بالخطية وكل يوم يفعل خطية والاعتراف ليس ثمن الغفران بل ثمن الغفران هو دم المسيح لأنه مكتوب "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة".
لاحظوا أيها الأحباء قوله "وهذا يأكل" يعني يوجد شيء اسمه "يمتنع عن المائدة" الامتناع عن المائدة معناه أن هناك شر يصر عليه المؤمن ولا يريد الاعتراف به. فنتيجة الامتحان واحدة: إن لم يجد لوماً يأكل وإن وجد يحكم عليه ويعترف به وهكذا يتقدم لكسر الخبز لكن ماذا عمل الناس؟ قالوا أن الاعتراف ليس للرب لكن للكاهن وبعد الاعتراف يتناول الشخص من مائدة الرب وتكون المائدة واسطة لغفران خطاياه فجعلوا مائدة الرب هي التي تغفر الخطايا لكن في الواقع أنه لا علاقة لمائدة الرب بغفران الخطايا جميع خطايانا غفرت غفراناً أبدياً بسفك دم المسيح عندما آمنا به وقبلناه مخلصاًَ لنا أما من جهة خطايانا اليومية فهي تغفر لنا الغفران الزمني برفع التأديب بالاعتراف بها للرب مباشرة.
يقول البعض أن الذي غفر بدم المسيح هي الخطية الأصلية الموروثة من آدم (مع أن هذه لا تغفر لأنها طبيعة) ويقولون أيضاً أن الخطايا الفعلية لا تغفر إلا بالاعتراف والتناول من المائدة وسبق أن أوضحنا أن هذا لا يتفق مع تعاليم كلمة الله مرة أخرى نقول أن عشاء الرب ليس فيه غفران خطايا ولا استحالة ولا هو ذبيحة لأن الذبيحة قدمها المسيح "إذ لم يكن له شيء يقدمه قدم نفسه".
"لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ" (ع 29).
الدينونة هي تأديب لأنه مفروض أن الذي يأكل من عشاء الرب هو المؤمن فقط أما غير المؤمن فلا نصيب له في عشاء الرب. فإذا تغافل المؤمن وأكل بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه أي يؤدب من الرب فالذي يأكل بدون استحقاق يكون:
أولاً: مجرماً في جسد الرب ودمه وليس في الخبز والكأس لأنهما اكتسبا قيمة خاصة بكونهما يشيران إلى جسد الرب ودمه.
ثانياً: يأكل ويشرب دينونة لنفسه لأن المجرم أمامه المحاكمة والقصاص أي الدينونة.
ثالثاً: "فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون" هل نتيجة الدينونة للمؤمنين هي الهلاك والعذاب الأبدي؟ لا. لكن كما قلنا المقصود بالدينونة هنا هو التأديب "نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم" .
يقول البعض: "لماذا نمنع الآخرين من الاشتراك في مائدة الرب؟" إنها مائدة الرب والمتقدم يقول أنه مؤمن وإن كان غير معروف لنا. افرض أنه كان يتقدم من غير استحقاق وعنده خمير فهو يأكل ويشرب دينونة لنفسه الإجابة على هذا هي أن مائدة الرب شركة "نحن الكثيرين جسد واحد لأننا نشترك في الخبز الواحد" ولذلك فمسؤولية الاشتراك فيها مزدوجة: فردية لمن يخطئ والجماعة لا تعلم بخطيته، وجماعية إذا كانت الجماعة تعلم وتتساهل.
عندما أخطأ عاهان في القديم قال الله: "إسرائيل أخطأ وأخذ من الحرام" مع أنه واحد فقط لكن الجماعة أمام الله وحدة، ووقع القصاص على الجماعة كلها لذلك يقول الرسول في (1 كو 5): "اعزلوا الخبيث من بينكم خميرة صغيرة تخمر العجين كله. نقوا منكم الخميرة العتيقة" وفي الرسالة الثانية بعدما عزلوا الخبيث قال لهم الرسول: "أظهرتم أنفسكم أبرياء".
إذاً المشترك في مائدة الرب يجب أن يكون خالياً من الخمير بنوعيه- خمير التعليم وخمير السلوك والجماعة يجب أن تتحقق من ذلك بالفحص وإذا لم تفحص تكون الجماعة مسؤولة لأن الاشتراك في مائدة الرب شركة وليس ممارسة فردية. فإذا وجد بين أخوين والكنيسة تعلم بذلك وهما يشتركان في مائدة الرب تكون الدينونة عليهما وعلى الكنيسة أيضاً لأن الكنيسة يجب أن تصلح الخطأ وإلا تقع عليها دينونة يوجد في الكنيسة ملاحظون (الأساقفة)- الأسقف معناه ناظر أو ملاحظ أي أن عليه ملاحظة الذي يسلك سلوكاً شائناً والذي يهين الرب، للعمل (بواسطة اجتماع الكنيسة) على إبعاده عن مائدة الرب لكي تكون الجماعة نقية وبريئة أمام الرب. إذاً امتحان النفس باستمرار في نور حضرة الله أمر ضروري للمؤمن. يقول داود: "اخْتَبِرْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ وَاهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً" (مز 139: 23، 24).
فأولاً: يمتحن المؤمن نفسه.
ثانياً: يحكم على ذاته.
ثالثاً: يميز جسد الرب، وبعد أن يعمل هذه الأمور الثلاثة يأكل ويشرب باستحقاق- يتقدم دائماً ولا يتأخر أبداً.
"غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ": الذي يستخف بالمائدة ويتقدم إليها بدون امتحان هو شخص غير مميز لقيمة جسد الرب ويصدر عليه الحكم من الرب وهو التأديب.
"مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا وَلَكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ" (ع 30- 32).
وهنا نرى ثلاث درجات في التأديب:
الدرجة الأولى:- الضعف. فعندما يشعر المؤمن بالضعف سواء الضعف الجسدي أو الروحي يفحص نفسه في نور حضرة الله ويحكم على ذاته ويرجع إلى الله. وإن لم يفهم ويرجع ينطبق عليه القول في (مز 32: 9) كَفَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ بِلاَ فَهْمٍ. بِلِجَامٍ وَزِمَامٍ زِينَتِهِ يُكَمُّ لِئَلاَّ يَدْنُوَ إِلَيْكَ".
الدرجة الثانية- المرض. أحياناً يكون المرض للتأديب. يقول يعقوب "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ (هذه هي الواسطة التي تستعمل)
وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ" (الغفران الزمني من التأديب) (يع 5: 14، 15) فالمرض كان في هذه الحالة نتيجة خطية.
يقول الرسول يوحنا "توجد خطية للموت. ليس لأجل هذه أقول أن يطلب (أي يصلي من أجله).. .. وتوجد خطية ليست للموت (أي ليست نتيجتها الموت تحت التأديب)" (1 يو 5: 16، 17). الخطية التي للموت لا يصلي المؤمنون لأجلها لأن الله أصدر الحكم على صاحبها بالموت فقد تعامل الرب معه وأطال أناته عليه عدة مرات وأصبحت حياته مهينة لاسم الرب وغير صالح للشهادة ولا يصلح وجوده على الأرض مثل شجرة التين التي تمهل عليها صاحبها سنة وسنتين ولم تأت بثمر فالمؤمنون يدركون أن السنة الثالثة سنة القطع فلا يقدرون أن يصلوا لأجله، أما الخطية التي ليست للموت فيطلبون من الله لأجل صاحبها.
لا توجد خطايا معينة للموت وأخرى أبسط منها ليست للموت لكن الموت هنا تأديب لعدم استجابة المؤمن لمعاملات الله معه.
الدرجة الثالثة والأخيرة- الموت- "وكثيرون يرقدون" لأننا لو حكمنا على أنفسنا لما حكم علينا ما هو الحكم؟ إذ قد حكم علينا نؤدب من الرب يعني بالضعف والمرض حتى الموت تحت التأديب لكي لا ندان مع العالم. فالمؤمن عليه تأديب وليست دينونة. يقول تعليم خاطئ أن المؤمن إذا أخطأ وتعوج يهلك!.. كلا. إن تعوج يؤدب من الرب لكي لا يدان من العالم لأن الدينونة بالنسبة للمؤمن انتهت حملها المسيح وأصبح لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع (رو 8: 1) لكن الله عادل سيدين الأشرار أفلا يدين أولاده؟ ابتداء القضاء من بيت الله- إلى هنا انتهى الكلام عن عشاء الرب.
"إِذاً يَا إِخْوَتِي حِينَ تَجْتَمِعُونَ لِلأَكْلِ انْتَظِرُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجُوعُ فَلْيَأْكُلْ فِي الْبَيْتِ كَيْ لاَ تَجْتَمِعُوا لِلدَّيْنُونَةِ. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا" (ع 33، 34).
هنا الأكل ليس من عشاء الرب لكن الأكل الخاص بالولائم الحبية التي كانوا يعملونها فبعدما انتهى من الكلام عن عشاء الرب عاد إلى الولائم الحبية التي كانوا يخطئون التصرف فيها فيقول عندما تعملوا وليمة انتظروا بعضكم بعضاً وإن كان أحد يجوع فليأكل في البيت وليس في الوليمة كي لا تجتمعوا للدينونة عندما يجتمعون للأكل ويحتقرون الفقير يؤدبهم الرب على ذلك أيضاً فالدينونة هنا تأديب أيضاً لكن يجب أن نلاحظ أنه في عشاء الرب يجب تحديد موعد لبدء الاجتماع وفي الميعاد المحدد يبدأ الأخوة ولا ينتظرون بعضهم بعضاً.
"وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا": كم تداخل الشيطان وأدخل تعاليم خاطئة مستغلاً أقوال كهذه!. قال الرسول: توجد أمور باقية سأرتبها عند مجيئي وعلى ذلك توجد أمور ترتبها الكنيسة وليس كل شيء موجود في الكتاب المقدس! لكن هذا خطأ لأن الكتاب كامل وكاف لجميع الأغراض ولا يضاف عليه شيء ولا نقبل شيئاً من عمل الإنسان.
هذه الأمور الباقية لا علاقة لها بالتعليم والمبادئ المسيحية لا توجد أمور تركت ليرتبها الناس ولم تكتب في الكتاب. وقد قال الرسول بولس: "لم أؤخر شيئاً من الفوائد إلا وأخبرتكم بها" فالله لم يؤخر شيئاً.
- عدد الزيارات: 4914