Skip to main content

الأصحاح الرابع

"هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ" (ع 1).

يخاطب الرسول هنا الإخوة مبيناً أنه لا مجال للافتخار بالإنسان، فالخدام جميعاً عبيد للمسيح- هذا هو مركزنا. هذه هي مبادئ المسيحية الصحيحة التي تحولت عنها المسيحية الاسمية وجعلت الخدام أسياداً يخاطبونهم بالقول سيدنا. لكن يقول الرسول بولس: "فليحسبنا الإنسان لا كأسياد بل كخدام المسيح وكخدام للمؤمنين أيضاً من أجل المسيح". ففي (2 كو 4: 5) يقول الرسول: "فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا، وَلكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ" فكخدام لا نسود ولا نتسلط على أحد.

"ووكلاء سرائر الله": أي الذين ائتمنهم الله على سرائره التي كانت مخفاة ومكتومة قديماً وأعلنها لنا الآن بالروح القدس وائتمن رسله وخدامه عليها لكي يوصلوها للمؤمنين. وقد رأينا في الأصحاح السابق أن الرسول يقول: "بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا،الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هذَا الدَّهْرِ... بَلْ كَمَا هوَ مَكْتُوبٌ: مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ... فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ" (ص 2: 7- 10). أعلنها كلها حتى أنه لا يوجد شيء مخفي عنا الآن. لقد أخذنا الروح القدس الذي يفحص كل شيء حتى أعماق الله. فالله لم يترك شيئاً في أعماقه لا يزال مكنوناً ومخبوءاً لكن أعلن لنا كل شيء بالوحي في الكتاب. ويقول الرسول أيضاً: "أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ... الَّذِي فِي أَجْيَال أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو الْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ الْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِالرُّوحِ" (أف 3: 3، 5).

ففي البداءة أعلنت الأسرار للرسل وكانوا هم الوكلاء الأمناء على هذه الأسرار لكي يعلنوها للمؤمنين. ولكن الآن لا يوجد طبقة معينة من المؤمنين اختصها الله دون باقي المؤمنين ليودع عندها أسراره التي يظن البعض أنهم لا يستطيعون أن يأخذوها إلا منهم. هذا ولا بد أن يثبت في الذهن أنه لا يوجد سر في مادة.

ارتأى البعض أنه يوجد سر في خبز وخمر عشاء الرب وفي ماء المعمودية وفي الزيت المادي الذي يمسح به الطفل المعتمد. ولكن الحقيقة أن كل ممارسات المسيحية روحية لا تمت إلى الماديات بصلة وأن أسرار الله وسرائره المشار إليها هنا هي عبارة عن أفكاره ومقاصده الحكيمة التي "سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا". كانت الأمور المادية كالذبائح وخبز الوجوه وغيرها مقترنة بالعبادة في العهد القديم لأنها كانت عبادة رمزية لها فرائض جسدية فقط موضوعة في وقت الإصلاح (عب 9: 10) لكن من استخف بالخبز يكون لا مستخفاً بالخبز بل بجسد الرب الذي يشير إليه الخبز. لكن لا يوجد سر في الخبز يجعله يتحول إلى لحم.

أما الأسرار فهي التي كانت مخفية في القديم وأعلنت الآن، مثلاً: "بالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (1 تي 3: 16). وأيضاً سر اتحاد المسيح بالكنيسة حيث نقرأ "فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ... هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ" (أف 5: 29- 32). هل السر العظيم هنا هو سر الزوج كما يظن البعض؟ هل اقتران الرجل بالمرأة سر عظيم؟ لا. السر العظيم هو اتحاد المسيح بالكنيسة وأن يأخذ المسيح لنفسه عروساً من الناس.

وهناك أيضاً سر المؤمنين الذين يبقون أحياء إلى مجيء الرب حيث نقرأ "هو ذا سر أقوله لكم. لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير" (1 كو 15: 51). لم يكن أحد يعرف هذا السر. كانوا يقولون: "كل نفس ذائقة الموت" والموت طريق الأرض كلها، ولا زالوا يقولون ذلك حتى اليوم. لكن الرسول بولس يعلن هذا السر أن أناساً سيبقون أحياء إلى مجيء الرب لاختطاف المؤمنين ولا يموتون.

فأسرار الله روحية وقد كانت مكتومة في العهد القديم وأعلنت لنا جميعاً على صفحات العهد الجديد. أما خدام المسيح فكانوا وكلاء ائتمنهم الله على هذه الأسرار ليعلنوها للمؤمنين بأمانة كما يقول الرسول لتيموثاوس: "احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2 تي 1: 14). لكن لا توجد بركة في مادة كقطعة خشب من صليب المسيح مثلاً أو قطعة قماش من قميصه.

"ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا. وَأَمَّا أَنَا فَأَقَلُّ شَيْءٍ عِنْدِي أَنْ يُحْكَمَ فِيَّ مِنْكُمْ، أَوْ مِنْ يَوْمِ بَشَرٍ. بَلْ لَسْتُ أَحْكُمُ فِي نَفْسِي أَيْضاً" (ع 2، 3).

من الذي يسأل الوكلاء؟ الرب الذي ائتمنهم سيسألهم في يوم قادم. قال الرب له المجد: "وَكَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ، فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً. كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ... وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيل أَتَى سَيِّدُ أُولئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ" (متى 25: 14- 19). يقول الرسول أن أقل شيء عنده أن يحكم فيه من الناس لأنه أتى معلمون كذبة وأنكروا رسوليته.

"يوم بشر": ما هو يوم البشر؟ هو الوقت الحاضر أي اليوم الذي يحكم فيه لإنسان- الذي فيه الإنسان صاحب رأي وصاحب حكم بالمقابلة مع يوم المسيح الذي سيكون فيه المسيح صاحب الحكم الصحيح وهو اليوم الذي فيه نظهر جميعنا أمام كرسي المسيح.

" فَإِنِّي لَسْتُ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ فِي ذَاتِي. لكِنَّنِي لَسْتُ بِذلِكَ مُبَرَّرًا. وَلكِنَّ الَّذِي يَحْكُمُ فِيَّ هُوَ الرَّبُّ. إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ" (ع 4، 5).

يقول الرسول: "ولا أنا أيضاً أحكم في نفسي لأن الذي يحكم في هو الرب مع أنني أدرب نفسي أن أعيش بضمير طاهر بلا عثرة قدام الله وقدام الناس.

"لست أشعر بشيء من ذاتي": أي لا أشعر بلوم في ضميري لأني أولاً بأول حكم على نفسي وأزيل هذا اللوم فأنا لست أشعر بإدانة في ضميري في شيء ومع ذلك لا ائتمن نفسي لذا يقول لكنني "لست بذلك مبرراً". والرسول هنا لا يتكلم طبعاً عن التبرير الذي يمتلك بالإيمان لكنه يتكلم عن الخدمة التي يقوم بها والتي يقدرها الرب عند وقوفه أمام كرسيي المسيح. ويقول أن الرب أي السيد الذي أخدمه هو صاحب الوكالة وصاحب الحكم. إذاً لا تحكموا أنتم قبل الوقت- وقت الرب الذي فيه سيعطي الحكم الصحيح وهو وقت الوقوف أمام كرسيه.

ألا نرى الآن أيها الأحباء أن بعض المؤمنين يعملون مقارنات بين الخدام ومفاضلة بين الواحد والآخر؟ هذا لا يتفق مع كلمة الله. الإنسان يحكم حسب الظاهر. هل يقدر أن يعرف البواعث الداخلية التي في القلب؟ كلا. لا يعرفها سوى الله- الله هو الذي يعرف خفايا الظلام وهو الذي يظهر آراء القلوب.

أرسل الرب صموئيل إلى يسى البيتلحمي لأنه رأى في بنيه ملكاً ولما رأى صموئيل أليآب الابن الأكبر قال إن أمام الرب مسيحه فقال الرب لصموئيل لا تنظر من منظره وطول قامته لأني قد رفضته. لأنه ليس كما ينظر الإنسان. لأن الإنسان ينظر إلى العينين أما الرب فإنه ينظر إلى القلب. ولما أتى الصغير الذي كان يرعى الغنم قال الرب لصموئيل قم امسحه لأن هذا هو (1 صم 16).

"حينئذ يكون المدح لكل واحد من الله": لا تقبل يا أخي مدحاً من الناس. مدح الناس باطل ومضر يقول الحكيم: "الرجل الذي يطري صاحبه يبسط شبكة لرجليه" (أم 29: 5). لكن ما أثمن وأغلى المدح من الله. انتظر قول الرب لك: "نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (متى 25: 21).

"فَهذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ حَوَّلْتُهُ تَشْبِيهًا إِلَى نَفْسِي وَإِلَى أَبُلُّوسَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا فِينَا:«أَنْ لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ»، كَيْ لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ. لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟" (ع 6، 7).

ما هو هذا التشبيه؟ تشبيه الوكلاء والسيد صاحب الوكالة الذي يحاسب الوكلاء.

"حولته تشبيهاً إلى نفسي وإلى أبلوس": هل أنت أيها الرسول العظيم بولس على قدم المساواة مع أبلوس؟ نعم. نحن خادمان. "بولس المدعو رسولاً ليسوع المسيح بمشيئة الله" (ص1: 1) ومكتوب عن الرسل "فوضع الله أناساً في الكنيسة أولاً رسلاً ثانياً أنبياء..." (ص 12: 28). فالرسل هم الدرجة الأولى في المواهب. ويقول في (أف 20: 2)- "مبينين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية". لكن أبلوس كان في كورنثوس من فترة قصيرة ولم يكن يعرف إلا معمودية يوحنا ولم يعرف شيئاً عن المسيح. من الذي علّمه؟ أكيلا وبريسكلا وهما من تلاميذ بولس أخذاه وشرحا له طريق الرب بالتدقيق والرب أعطاه موهبة. فهو يعد من تلاميذ بولس. هل قال بولس أين هذا مني؟ كلا. لكن بكل حزن نقول أنه توجد الآن رياسات في المسيحية وطبقات ووظائف. أما هنا فنرى بولس يعترف بموهبة أبلوس وخدمته ووضعه مع نفسه على قدم المساواة. هذه هي المسيحية الصحيحة.

"لكي تتعلموا فينا أن لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب": ما هو المكتوب؟ مكتوب أن الرب رأس الكنيسة وهو الذي أعطى للكنيسة خداماً وأنه هو صاحب العطايا والمواهب فلا تسرحوا بأفكاركم فوق ما هو مكتوب لكي لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الآخر. فلا ينتفخ المنتمي لبولس على الذي لأبلوس. لأنه من يميزك؟ لا بولس ولا أبلوس يميزك. ولا شيء من عندك يميزك. أي شيء لك لم تأخذه؟ الكل قد أخذته من الرب وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟ أي كأنك صاحب الشيء وقد أتيت به من عندك. إذاً لا يفتخرن أحد بنفسه ولا بالناس.

كثيراً ما يفتكر الناس فوق المكتوب ويدخلون أنظمة وترتيبات حسب استحسانهم قائلين أنه يلزم أن يكون لكل عمل رئيس والعمل الذي بدون رئيس لا ينجح. لكن المكتوب هو مستندنا الوحيد في كل شيء- لا التقليد ولا ما قاله الآباء بل ما قاله الرب. نحن لا نقلل من قدر الآباء والمعلمين لكن كل إنسان معرض للخطأ أما الله فحاشا له أن يخطئ. لذلك المستند الوحيد المعصوم الذي لا يخطئ هو كلمة الله لأنها موحى بها من الروح القدس.

"كي لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الآخر": هل انتماؤك لشخص يميزك؟ لا. هل انتماؤك إلى كنيسة معينة أو طائفة يميزك؟ لا. لماذا؟ لأنك أنت في ذاتك لا يوجد ما يميزك، والإنسان لا يميزك ولا الكنيسة التي أنت عضو فيها تميزك. كل الخدمات والمواهب من الرب وكل عضو له خدمة. والأهمية ليست للخدمة الكبيرة أو الصغيرة لكن للخدمة بأمانة. وما دام الله هو الذي أعطاك فأنت تفتخر بالله لأن كل ما عندك من الله.

"إِنَّكُمْ قَدْ شَبِعْتُمْ! قَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ! مَلَكْتُمْ بِدُونِنَا! وَلَيْتَكُمْ مَلَكْتُمْ لِنَمْلِكَ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكُمْ!" (ع 8).

هذا الكلام لاذع وفيه توبيخ مقنع ومعناه أن هؤلاء الكورنثيين استغنوا في كل علم كما أنهم كانوا في أمور الزمان في سعة وترف فجلسوا كما على عروش كملوك ليحكموا في بولس ويحكموا في أبلوس وفي صفا ويقولون هذا أحسن وهذا أكثر فصاحة. ويحكمون في خدام الرب التاعبين الذين يحتملون المشقات في خدمة الرب. وكانوا يتفاخرون بالعلم والحكمة كما كانوا قبلاً في الوثنية فيقول لهم الرسول قد شبعتم واستغنيتم مادياً وأيضاً في المواهب وكملوك تجلسون هكذا لتحكموا في هذا وذاك...! الآن ليس وقت الملك. الآن وقت الصبر. "إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معه" (2 تي 2: 12) الآن ضيق وآلام. يقول الرسول يوحنا: "أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ" (رؤ 1: 9). ليس وقت الملك الآن ولكنكم تريدون أن تملكوا قبل الوقت. يا ليت كان الوقت قد جاء فكنا ملكنا معكم.

أين أنتم من طريق السيد هنا على الأرض؟ كيف كانت حياة ربنا يسوع المسيح هنا؟ كانت حياة الآلام التي للمسيح أما الأمجاد فتأتي بعدها. إن طريق الخادم وطريق المؤمن "في العالم سيكون لكم ضيق" (يو 16: 33). "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني" (لو 9: 23). فالملك ليس الآن. في الأول مجيء المسيح للاختطاف ثم كرسي المسيح حيث تفحص الأعمال وتعطى المكافآت ويأخذ كل واحد المدح لا من الناس بل من الله الذي يزن الخدمات. ثم بعد ذلك يأتي الظهور والملك. لكن أنتم تعجلتم الملك وتجاوزتم المشقات وإنكار الذات وحمل الصليب واتباع السيد المرفوض من العالم ووصلتم إلى يوم المسيح الذي يحكم على أعمالنا الحكم الصحيح كأنكم وصلتم إلى عروش الملك وجلستم تحكمون....! هذا كلام استنكاري.

"فَإِنِّي أَرَى أَنَّ اللهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ آخِرِينَ، كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْمَوْتِ. لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ" (ع 9).

الله أبرزنا نحن الرسل آخرين أي في الآخر. الكلام في هذا العدد تشبيه مأخوذ من عادة كانت متبعة عند اليونانيين في محاكمة المجرمين في الجرائم الكبيرة مثل محكمة الجنايات عندنا فكانت تُقام المحاكمة في قاعة كبيرة ويجلس القضاة على منصة عالية ويؤتى بالمتهمين الذين يحاكمون وتجرى المحاكمة في وجود مشاهدين كثيرين يجلسون للاستماع لوقائع الجلسة والأحكام المختلفة التي تصدر على المتهمين وكانوا يحتجزون الذين يحكم عليهم بالإعدام إلى الآخر وينفذون الحكم بأن يلقوهم إلى الأسود المفترسة.

فالرسول يقول أنتم جلستم وكأنكم ملكتم ونحن واقفون أمام المحكمة وكأنه قد حكم علينا بالموت والله أبرزنا آخرين كأننا محكوم علينا بالموت. يقول الرسول في (2 كو 1: 9) "لكِنْ كَانَ لَنَا فِي أَنْفُسِنَا حُكْمُ الْمَوْتِ، لِكَيْ لاَ نَكُونَ مُتَّكِلِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُقِيمُ الأَمْوَاتَ". فالمؤمن عاقد النية على أن يتبع الرب في طريق إنكار الذات واحتمال المشقات كما يقول الرسول لتيموثاوس: "فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح" (2 تي 2: 3). إلى أي حد؟ إلى الموت. "الآن يتعظم المسيح في جسدي سواء كان بحياة أم بموت" (في 1: 20) "لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ" (رو 14: 8).

هذه هي المسيحية الحقيقية ليس أن تجلسوا على مقاعد الحكم- ليس أن تملأوا الأماكن في اجتماعات العبادة لمشاهدة واستماع الوعاظ والحكم على عظاتهم. لكن المسيحية هي حياة السير خلف المسيح حياة إنكار الذات وحمل الصليب.

كان في إمكان موسى أن يجلس على عرش مصر لأنه كان في مركز ابن ابنة فرعون لكنه تخلى عن هذا المركز حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر إلى المجازاة (عب 11: 25، 26). ليس لنا اتفاق مع العالم "من أراد أن يكون محباً للعالم فقد صار عدواً لله" (يع 4: 4).

هل تريد أيها الأخ حياة مريحة في العالم وفي الآخر تذهب إلى السماء والمجد؟ ليس هذا طريق المؤمن. لأن التلميذ ليس أفضل من معلمه ولا العبد أفضل من سيده. الرب لا يرغم أحداً على السير في طريق معين. الإنسان حر الإرادة ويوجد طريق واسع مريح الجسد، هو طريق الذين لهم صورة التقوى لكنهم ينكرون قوتها- طريق فيها يجدون الترف والمسرات العالمية ولا مانع من الذهاب إلى الكنيسة في يوم الأحد وفي بقية الأسبوع يذهبون إلى السينما والملاهي ومبدؤهم أن يعطوا جزءاً للرب وجزءاً للقلب كما يقول الناس. لكن هذا غير مقبول بالمرة. لا يقدر أحد أن يخدم سيدين. الطريق الواسع نهايته الهلاك.

لكن "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة" (مت 7: 14). على أن مدة السير في هذا الطريق الضيق هي لحظات بالنسبة للأبدية، وآلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا.

أما الذي يسير في الطريق الواسع وشعاره أحيني اليوم وأمتني غداً مثل عيسو الذي من أجل أكلة عدس يملأ بها بطنه باع بكوريته وحياته الأبدية، فهذا مسكين لأنه اختار لنفسه طريق الهلاك الأبدي. ما أشرف طريق الرب..! يكفي أن الرب معنا فيه ويسير أمامنا ويقول الكتاب عن السائرين فيه "وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم" (عب 11: 38).

"لأننا صرنا منظراً للعالم للملائكة والناس": ليس العالم فقط ينظر إلينا لكن الملائكة من فوق ينظرون إلينا. نقرأ في (1 كو 11: 10): "لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ". فالملائكة ينظرون الترتيب في كنيسة الله. المرأة تغطي رأسها لأنها خاضعة للرجل والرجل صورة الله فيرون الخضوع في كنيسة الله.

وفي أف (3: 10) يقول الرسول: "لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ (رتب الملائكة)، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ". عندما ظهر الرب يسوع المسيح في الجسد يقول الوحي عنه "تبرر في الروح تراءى لملائكة" (1 تي 3: 16).

كان الملائكة يسبحونه قائلين: "قدوس قدوس رب الجنود" سبحوا عند مولده: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو 2: 14). وفي البرية جاءت الملائكة وصارت تخدمه. وفي بستان جثسيماني نظروا إليه متألماً وجاء ملاك ليقويه.

وأنت يا أخي الحبيب ينظر إليك الناس كمسيحي تابع للمسيح فهل أنت سائر في طريق المسيح؟ وأنت أيتها الأخت هل تسيرين في طريق سيدك؟ هل يرى الناس فرقاً بيننا وبين أهل العالم؟ هل يرون المسيح فينا؟ هل نحن شهادة لامعة لشخص الرب يسوع المسيح؟ الملائكة أيضاً ينظرون إلينا، والرب نفسه عيناه علينا فلنحرص يا أحبائي أن نكون أتباعاً حقيقيين للرب مرضيين عنده.

"نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ!" (ع 10).

يقول الرسول نحن نقبل أن نوصف بالجهل من أجلكم، أما أنتم فحكماء لكن حكمتكم كانت حسب الجسد. الحكيم حقاً هو الحكيم في المسيح. نحن ضعفاء في أنفسنا ونعترف بذلك والرسول يقول أسر بالضعفات (الجسدية طبعاً وليست الروحية) وأنتم أقوياء.

"أنتم مكرمون أما نحن قبلاً كرامة": يكفي أنه مكتوب عن سيدنا "محتقر ومخذول من الناس" (أش 53: 3). وقال له المجد: "إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم" (يو 15: 18). عندما نكون بلا كرامة في العالم ومحتقرين من أجل المسيح فهذا شرف عظيم لنا. من هم الذين يقول عنهم الرسول هنا "بلا كرامة"؟ هم خدام المسيح المنكرون لذواتهم وليس الذين يتقبلون سجود الناس لهم أليس واجباً أن نكرم خدام الرب ونعتبرهم كثيراً جداً في المحبة؟ نعم بكل تأكيد لكن لا نقبل أيديهم ولا نسجد لهم.

"إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ" (ع 11).

ليس فقط في بدء الخدمة لكن طول مدة الخدمة اختبر رسل المسيح الجوع والعطش. هل جاع السيد؟ نعم. يقول لوقا عنه: "ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيراً" (لو 4: 2). وكان جائعاً عندما تعب من السفر وجلس على البئر ومضى تلاميذه إلى المدينة ليبتاعوا طعاماً (يو 4).

هل عطش السيد؟ نعم. قال للمرأة السامرية أعطيني لأشرب.

وعلى الصليب قال: "أنا عطشان" (يو 19: 28). هل احتمل سيدنا العري؟ نعم. يقول الإنجيل: "فعروه وألبسوه رداءً قرمزياً" (متى 27: 28). هل لكم سيدنا؟ نعم. "حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه" (مت 26: 67). وأيضاً في (مر 14: 65) نقرأ: "فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: «تَنَبَّأْ». وَكَانَ الْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ". والرب لم يكن له أيضاً إقامة. يقول يوحنا في إنجيله: "فَمَضَى كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ" (يو 7: 53). وجاء رجل يطلب إليه أن يجعله يتبعه فقال له الرب: "«لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ»" (متى 8: 20).

والمؤمن الحقيقي ليس له هنا مدينة باقية لكن يطلب العتيدة (عب 13: 14). والرسل قد اجتازوا في هذه الظروف كلها وبالأخص الرسول بولس حيث يقول: "في تعب وكد... في جوع وعطش في برد وعري" (2 كو 11: 27).

"وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ" (ع 12).

كانت تصل للرسول بولس خدمات مالية بسيطة لكنه كان يتعب عاملاً بيديه في صناعة الخيام. يبشر في النهار ويشتغل بيديه في الليل.

"نشتم فنبارك": وسيدنا الكريم: "إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ" (1 بط 2: 23). وهو الذي قال: "بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ" (مت 5: 44). ومكتوب في (أع 5: 40، 41) "وَدَعُوا الرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ... وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ".

"يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ" (ع 13).

هؤلاء هم رسل المسيح المكرمون لكن لم يكن لهم مركز في العالم كأقذار العالم ووسخ كل شيء. كلام عجيب أن ينسب للرسل لكن هذا معناه أنهم مرفوضون من العالم كأشياء غير مقبولة. إن كان لنا مكان في العالم نكون خائنين لسيدنا الذي كان مرفوضاً من العالم والذي يريد منا أن نحمل الصليب ونتبعه. "فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب 13: 13). حتى رجال الله الأمناء في العهد القديم كانوا "مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ" (عب 11: 37، 38). وهم الذين سيجلسون على العروش الذهبية وعلى رؤوسهم الأكاليل في المجد.

"لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهَذَا بَلْ كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ. لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ لَكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ" (ع 14، 15).

لم يقصد الرسول أن يخجلهم بكتابة هذا الكلام لكن قصد أن ينذرهم كأولاده المحبوبين الذين ولدهم في المسيح. الأب الغني يعلم أولاده ويربيهم عن طريق مربين ومعلمين فلهم مرشدون كثيرون لكن أب واحد. هكذا الرسول يقول لهم ليس لكم آباء كثيرون وإن كان لكم مرشدون كثيرون. أنا فقط الذي ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل وعن طريقي أنا وصلت إليكم بشارة الإنجيل وتمتعتم بالحصول على الولادة الثانية وصرتم أولاد الله. هل بالمعمودية؟ لا. بل بالإنجيل بكلمة الله "شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يع 1: 18).

"فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي. لِذَلِكَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ الَّذِي هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ وَالأَمِينُ فِي الرَّبِّ الَّذِي يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي الْمَسِيحِ كَمَا أُعَلِّمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ" (ع 16، 17).

يطلب الرسول إليهم أن يتمثلوا به فيتخلوا عن الترف ويسيروا في طريق الاتضاع واحتمال المشقات لأن هذا هو طريق المسيح. نقرأ في ص 11: 1: "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضاً بِالْمَسِيحِ" ويقول في فيلبي 3: 17: "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي مَعاً أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَلاَحِظُوا الَّذِينَ يَسِيرُونَ هَكَذَا كَمَا نَحْنُ عِنْدَكُمْ قُدْوَةٌ".

فالرسول كان قدوة وأوصى تيموثاوس قائلاً: "كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ" (1 تي 4: 12). وقد أرسله إليهم ليذكرهم بطرق الرسول في المسيح. ويكتب الرسول عن تيموثاوس هذه الشهادة الجميلة الابن الحبيب والأمين في الرب. هل أرسله لكي يعظم أو يعلمهم؟ لا. لم يكونوا ناقصين في العلم، لكن ليريهم نموذجاً عملياً للسلوك. يقول الرسول لتيموثاوس: "لاحظ نفسك والتعليم" (1 تي 4: 16).

"كما أعلّم في كل مكان في كل كنيسة": كانت طرق الرسول مثل تعليمه. إذا اختلفت طرقنا عن تعليمنا فلا تأثير لتعليمنا على الإطلاق. قال الرب يسوع: "أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به" (يو 8: 25) أو بعبارة أخرى "كلامي هو شخصي".

"فَانْتَفَخَ قَوْمٌ كَأَنِّي لَسْتُ آتِياً إِلَيْكُمْ. وَلَكِنِّي سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعاً إِنْ شَاءَ الرَّبُّ فَسَأَعْرِفُ لَيْسَ كَلاَمَ الَّذِينَ انْتَفَخُوا بَلْ قُوَّتَهُمْ" (ع 18، 19).

انتفخ قوم وقالوا أن الرسول غير قادر أن يأتي إلينا لأنه لا يقدر أن يواجهنا لذلك أرسل تيموثاوس لكن الرسول يقول لهم أنه عازم على المجيء إليهم إن شاء الرب فلا شيء يمنعه من المجيء إليهم كما يتصور هؤلاء المعترضون لكنه يقدم مشيئة الرب فيقول سآتي إليكم سريعاً إن شاء الرب.

"فسأعرف ليس كلام الذين انتفخوا بل قوتهم": وكأنه يقول لهم أنتم تظنون أني غير قادر أن أواجه علمكم وما تفتخرون به لكني سأعرف ليس كلامكم فقط بل قوتكم أيضاً.

"لأَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ لَيْسَ بِكَلاَمٍ بَلْ بِقُوَّةٍ. مَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَبِعَصاً آتِي إِلَيْكُمْ أَمْ بِالْمَحَبَّةِ وَرُوحِ الْوَدَاعَةِ؟" (ع 20، 21).

ليس ملكوت الله بالكلام والحكمة فقط بل بالقوة. وكرازتنا بملكوت الله لم تكن بكلام الحكمة الإنسانية بل بقوة الروح القدس. يقول الرسول في (1 تس 1: 5): "أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِالْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِالْقُوَّةِ أَيْضاً، وَبِالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ". ثم يقول لهم ماذا تختارون؟ أمامي طريقان: آتي إليكم بعصاً أي بسلطاني الرسولي لتوقيع التأديب أم آتي إليكم بالمحبة وروح الوداعة إذا استجبتم لنداء المحبة.

يقول واحد: يتضح من ذلك أن للرسل سلطاناً. نعم. لكن ليس السلطان للحرمان من السماء أو غفران الخطايا بل للتأديب الزمني كما قال الرسول بطرس لحنانيا أنت لم تكذب على الناس بل على الروح القدس فسقط ميتاً. ورأينا ذلك السلطان أيضاً عندما قال الرسول بولس لعليم الساحر: "تكون أعمى لا تبصر الشمس إلى حين" وفي الحال لم يبصر. كان للرسل سلطان لتثبيت الكلام الموحى به من الله الذي لم يكن مكتوباً وقتئذ. لكن هذه الموهبة انتهت إذ أتمت الغرض منها وتثبت الكلام في الكتاب المقدس. فالرسول يقول لهم أن لي سلطاناً وعندي عصا أؤدب بها أولادي لكن عندي المحبة وروح الوداعة أيضاً.

فإذا كانت هذه الرسالة تؤثر فيكم وتنجح فيما أرسلتها له سآتي إليكم بالمحبة وروح الوداعة. ونشكر الله أنهم اختاروا طريق المحبة واستجابوا لصوت بولس.

  • عدد الزيارات: 4346