السفر الثاني
في هذا السفر (مز 42 - 72) تجد البقية التقية نفسها في ظروف أشد ألماً وقسوة مما نراه في السفر الأول. فضد المسيح سيقوم في الأرض ويقبل من جماعة اليهود المرتدة باعتباره أنه ماسياهم (الكاذب) (يو 5: 43، دا 11: 36 - 39). وأكثر من ذلك فإن ضد المسيح سيقيم صورة وثنية وهي رجسة المخرب (متى 24: 15، رؤ 13: 14 - 15) في الهيكل وسيفرض على الجميع في الأرض أن يعبدوه. وعندما ترفض البقية التقية بسبب الضمير أن تسجد للصورة فإن مرارة بغضة الوحش وضد المسيح ستتبعهم. وسيطلقون مكامن الاضطهاد المخيف الذي عرفه العالم (مت 24: 21 – 22، دا 12: 1، رؤ 12: 13) في كل دائرة الأرض لتصيب كل من يرفض أن يسجد للصورة وخاصة للبقية التقية. وهذه هي الضيقة العظيمة التي ستستمر لمدة ثلاثة سنيين ونصف التالية من الأسبوع السبعين من أسابيع دانيال. ومفتاح السفر الثاني هو أشعياء 66: 5. وبسبب أن مدينة أورشليم وأرض إسرائيل ستترك لشرور الوثنية فإن ضد المسيح سيقوم فيها بإثارة الاضطهاد المرعب الذي سيسببه، وستضطر البقية التقية أن تهرب خارج أورشليم (مت 24: 15 - 21) إلى الجبال والكهوف ومغاير الأرض طلباً للأمان والحماية.
في السفر الأول يرون أنهم خارجون مع الجموع إلى بيت الله ولكنهم الآن لم يعودوا قادرين أن يكرروا ذهابهم إلى الهيكل (مز 42: 4، مز 55: 14). ويرون أنهم مطرودون من إخوتهم. والمزامير في السفر الثاني تصف مشاعر البقية التقية خلال تلك الفترة (الثلاث سنين ونصف التالية من أسبوع دانيال السبعين)[31].
إن روح الله انتخب بعض المزامير التي كتب في أزمنة وأماكن مختلفة عندما كان الكاتب بعيداً عن بيت الله. وعناوين المزامير في هذا السفر تبين لنا أن معظم هذه المزامير قد كتبت في وقت عندما كان داود (كمثال للمسيح) غير مقبول من شعبه كالملك. وكتبت عندما كان هو وبقية من الأمناء (إشارة للبقية التقية) مطرودين خارجاً من شاول وأخيراً من أبشالوم (وكلاهما رمز لضد المسيح). وهذه المزامير تكون الخلفية للتطبيقات النبوية عندما تستبعد البقية التقية من إخوتهم وهم اليهود المرتدين. ومن جهة عملية، في كل مزمور حيث ترى البقية مضطهدة وتحت الضغط، فإننا نجد ما يبين أنهم خارج أورشليم وعلى مسافة من الهيكل و امتيازاته مز 42: 4 و6، مز 43: 3 – 4، مز 44: 11 و 14 و19 ("مكان ابن آوى" - البرية)، مز 52 (عنوانه)، مز 55: 6 – 7 و9 و14، مز 56 (عنوانه) و8، مز 57 (عنوانه) و9، مز 60: 1، مز 61: 2، مز 63 (عنوانه) و 1 – 2، مز 65: 4 – 5، مز 66: 13 – 15، مز 68: 6 و13 "الحظائر" وهي تقع في الأماكن النائية للريف، مز 69: 8، مز 71: 20. وكنتيجة لهذا فإن صلواتهم لا تخاطب الرب يهوه كما في السفر الأول ولكنه تخاطبه كإيلوهيم والتي تشير إلى بعدهم عن الأقداس ونقص تمتعهم ببركات العهد. وترد كلمة "إيلوهيم" في السفر 164 مرة. وكلمة "الرب" تستخدم أحياناً في هذا السفر ولكن عادة تأتي "Lord" بالحروف الصغيرة تعني "أدوناي" أي "السيد" والتي تختلف عن يهوه (أي الرب LORD بحروف كبيرة). هذه المزامير تخاطب الله كإيلوهيم وتسمى (مزامير إيلوهيمية). مز 42 – 83 ويمتد جزء منها حتى السفر الثالث، عندما يدين الرب أعداء إسرائيل ويستردهم لنفسه ( مز 83: 18). أما المزامير ما بعد ذلك (مز 84 - 150) فتتجه بالمخاطبة للرب (يهوه) والتي تعني في الحقيقة استقرار علاقة العهد مع شعبه إسرائيل (خر 6: 2 - 4).
مضافاً إلى أحزان البقية التقية أنها تتألم من رفض إخوتهم اليهود المرتدين، إذ سيختبرون القهر من الأمم وبخاصة الأمم العربية. ويشار إلى هؤلاء الأمم بالعدو (انظر يوحنا داربي – الموجز في أسفار الكتاب مز 42 - 44). مز 42: 9 – 10، مز 43: 2، مز 44: 11 – 14، مز 54: 3، مز 55: 3، مز 56: 1 – 2، مز 59: 1 – 2، مز 64: 1 – 2، مز 68: 1.
ومع أن السفر الثاني بصفة خاصة يركز على آلام البقية التقية في الضيقة العظيمة عندما يستبعدون من إخوتهم، فإن بعضاً من هذه المزامير في هذا السفر تتطلع إلى خلاص البقية وتأسيس مملكة المسيح.
ويشار إلى هذا السفر من المزامير بأنه فصول مزامير الخروج. وفي سفر الخروج فإن بني إسرائيل اختبروا من جهة المبدأ نفس الشيء مما تختبره البقية في يوم قادم. فقد كان بنو إسرائيل في أرض غريبة (مصر) بعيدين عن أرض الموعد (كنعان) تحت قسوة واضطهاد ملك شرير (فرعون). والبقية التقية في هذه المزامير كما لاحظنا يُرون أيضاً بعيدين عن أرض الموعد بسبب الملك الشرير (أي ضد المسيح) الذي سيحكم هناك. وبنو إسرائيل في الإصحاحات الأولى من الخروج لم تكن لديهم معرفة بالرب كيهوه.
كذلك أيضا البقية التقية ستصرخ بالحري لله (بدلاً من يهوه). وعندما صرخ بنو إسرائيل في مصر وهم يئنون تحت هذه المظالم فإن الرب سمعهم ونهض لخلاصهم في الحال ليحكم على الملك القاسي فرعون. ويبدأ الخروج بنواح وعويل وأنين شعب الله وينتهي بخلاصهم ومجد الرب الذي ينزل ويسكن في مسكنه على الأرض (خر 40: 34 - 35). وهكذا السفر الثاني من المزامير يبدأ أيضاً بأنات البقية المتألمة وتنتهي بخلاصهم في ملكوت المسيح المجيد.
والمجموعات المتنوعة من المزامير في السفر الثاني هي من مزمور 42 – 49، مز 50 – 51، مز 52 – 60، مز 61 – 86 (انظر يوحنا داربي ملاحظات وتعليقات المجلد 3 صفحة 137)، مز 69 – 72. وكل مجموعة من هذه (باستثناء مز 50 – 51، والتي هي بحق تذييل للمجموعات السابقة)، وتبدأ بآلام البقية (المطرودة) وتنتهي بمجيء الرب بالقوة ليخلصهم ويؤسس ملكوته.
مزامير 42 – 49
مزمور 42:
إن البقية التقية اليهودية مطرودة ومستبعدة من إخوتهم المرتدين (إش 66: 5)، ويُوصفون وكأنهم أيل محاصرة بعيدة عن جداول المياه المحلية وهي تلهث وراء الماء. وهم مطروحون بفشلهم فإنهم يحزنون بسبب حرمانهم من امتياز العبادة في بيت الله (ع 1 - 5). وهم خارج الأرض (ع 6) يصرخون إلى الله ليؤازرهم في تجربتهم (ع 6 - 11).
مزمور 43:
إن البقية التقية وهي مطروحة وحزينة تتألم من اضطهاد يأتيها من جانبين من أخوتهم المرتدين "أمة غير راحمة" (أو أمة فاجرة) ع1، ومن الأمم ( "العدو" ع2) الذين أرضهم متاخمة لحدودهم ويدفعونهم للهروب. إن البقية تدعو الله (إيلوهيم) لإرجاعهم حتى يقتربوا من مذبح الله مرة أخرى ويتمتعوا بامتيازات الهيكل (ع 3 - 5).
مزمور 44:
بينما البقية التقية تنتظر الخلاص فإنها تسترجع في تاريخ إسرائيل عندما سُلمت الأرض للشرور والوثنية أثناء امتلاك الكنعانيين للأرض. ولكن قوة الله هي التي استأصلت هذه الشعوب الوثنية القديمة وغرست بني إسرائيل مكانها. إنهم واثقون أن الرب عندما يرجعهم فإنما يرجعهم بذات القوة الإلهية (ع 1 - 8). إن الشعور بظلم الأمم جعلهم يهربون من الأرض (ع 9 - 22) ولذلك يدعون الرب (أدوناي) لكي يأتي ويخلصهم.
مزمور 45:
إن الإجابة لصراخهم في المزامير السابقة نجده في ابتهاج البقية عندما يرون المسيا آتياً في مجده الملكي وقوته (ع 1 - 5). والرب كالملك المحارب المنتصر يخضع أعدائه بسيف الدينونة (تث 32: 41 - 43)[32]. إذ اتخذ عرشه في صهيون (أورشليم) فإن الرب يعترف ويعلي البقية المتألمة ويوحد نفسه معهم جميعاً في كل مجده، كما في محفل عرس أمام كل الأرض (ع 6 - 17). فالملكة هي أورشليم، وبنات الملك هم مدن يهوذا. والعذارى هم البقية التقية التي حفظت نفسها بلا دنس من رجسة المخرب التي أقامها ضد المسيح. إن ابنة صور والشعوب الغنية هي الأمم المتجددة (زك 2: 11). والجميع يسجدون للملك في خضوع.
مزمور 46[33]: المزامير من 46 – 49 ترينا النتائج المجيدة لنزول الملك.
مزمور 46:
يرينا أنه على الرغم من رجوع الرب (مز 45) غير أن البقية لم تجد راحتها تماماً في أرضهم. ويتطلعون إلى الله مرة أخرى طلباً للملجأ والخلاص إذ يرون الأمم (وبخاصة أولئك الذين تحت حكم جوج - روسيا[34] ) يقومون ضدهم كأمواج بحر هائج (ع1 - 3). والبحار في الكتاب صورة معروفة جيداً لأمم الأرض المتمردة (رؤ 17: 15، مز 65: 7، مز 93: 3- 4، أش 17: 12، إلخ...). وعند بداية حكم المسيح الألفي، عندما يسكن الرب في صهيون كالعلي (وهذا هو اسمه في الملك الألفي) فلن يسمح للمدينة أن تؤخذ (ع4 - 5). قارن أش 59: 19 – 20، زك 9: 8، 12: 8، نا 1: 9. فيقوم الرب لأجل إسرائيل التي استردها ويخرب جيوش الأمم ويأتي بالسلام للعالم المضطرب (ع 6 - 11).
مزمور 47:
كل الأعداء قد أُخضعوا الآن والأرض مدعوة لتعرف المسيح كالملك (ع 1 - 2). ويستحضر إسرائيل إلى مكان الرأس فوق جميع الأمم ملكوته فإن الرب يعود إلى عرشه في السموات حيث يحكم كملك على العالم بأسره (ع 5 - 9) قارن مز 130 – 19. والأمم المتجددة ترغب أن تربط نفسها بإسرائيل وبإلههم (ع 9). انظر زك 2: 11.
مزمور 48:
تتأسس أورشليم كمركز عاصمة الأرض الألفية، عاصمة العالم كله. قارن أش 2: 2 – 3. إنها مدينة الملك العظيم الرب يسوع المسيح (ع 1 - 3). وكل الأمم التي حاربتها قد سحقت بقوته (ع 4 - 7). وتصبح المدينة الآن مكان فرح إسرائيل وعبادتها.
مزمور 49:
وتأسيس مملكة المسيح يعلن في كل العالم. فالجميع عال ودون، أغنياء وفقراء قد دعوا لا لكي يثقوا في غناهم بل في الرب.
مزامير 50 – 51
ويكوّن المزموران تذييلاً للمجموعة السابقة لأنها ترينا الطريق الذي ينشئ به الرب التوبة في شعبه (إسرائيل) والتي ستقود حتماً إلى بركتهم.
مزمور 50:
وإذ اتخذ مكانه في صهيون فإن الرب يتولى الحكم على شعبه إذ يعزل المتمردين من غير الأتقياء قارن حز 11: 9 – 10، 20: 34 – 38. إن الرب يجمع شعبه أمامه، ويدعو السموات والأرض لتشهد ببره وعندما يجري القضاء عليهم (ع 1 - 6). وشعبه البار يتنقى أولاً من الطقسية الفارغة. ويحرضهم للعبادة الحقيقية أن تكون من القلب (ع 5 - 17). ثم يخاطب الأشرار إذ يعلن الرب أنه ليس لهم نصيب معه في عهده لأنهم أبغضوا تعليم الكلمة وتساهلوا في الشر و الزنى والكذب والشهادة الرديئة (ع 16 - 21). ويختم المزمور بنداء لتقديم التسبيح لله من القلب أو يفترسهم بقضائه (ع 22 - 23).
مزمور 51:
هذا المزمور هو التجاوب إزاء المتطلبات الموضوعة في المزمور السابق فقد حُرِّضوا بأن يدعو الرب في زمان الضيق (مز 50: 51) والآن البقية تتوب بانكسار ويسكبون نفوسهم باعتراف كامل لخطاياهم. وكم تصبح توبتهم عميقة إذ يتتبعونها حتى الجذور – طبيعة الخطية (ع 1 - 6).
إنهم يدعون الرب ليطهرهم تماما من خطاياهم ويرد لهم بهجة خلاصهم (ع 7 – 13) ويعترف اليهود (السبطان) بصفة خاصة بذنب الدماء – أي بموت المسيح – انظر مت 27: 25، أع 2: 23، 3: 13 – 15. ولا توجد أي محاولة الآن لتقديم ذبائح طقسية خارجية (قارن مز 50: 7 - 14) إذ صار لهم ببساطة القلب المنكسر والنادم، هذه التي يقبلها الله. وهذا يقود إلى رد نفوسهم تماماً (ع 14 - 19).
مزامير 52 – 60
مزمور 52:
يبدأ هذا المزمور مجموعة جديدة تعود بنا إلى الضيقة العظيمة حيث تُرى البقية التقية تتألم تحت ضغط الاضطهاد من إخوتهم المرتدين ومن ضد المسيح. وعناوين المزمور تُرينا البقية هاربة. وداود والذين ارتبطوا به في زمن هروبه من شاول هو صورة للمسيح مطابقاً نفسه بالروح مع البقية التقية التي يجب أن تهرب بسبب اضطهاد ضد المسيح والذي كان شاول رمزاً له. فقد رفع ضد المسيح نفسه على كل ما يدعى إلهاً أو معبوداً بين جماعة اليهود المرتدة وصار مقبولاً منهم. وإذ ترى البقية التقية صفات الشر حقيقة فيه (ع 1 - 4)، فتتيقن أنه لا يمكن أن يستمر، ولذلك تسبق وتخبر بقضائه (ع 5 - 7) بينما يثقون برحمة الله لأنفسهم وينتظرون خلاصهم.
مزمور 53:
وإذ نراهم مشتتين في الأرض وبين الأمم (مز 55: 6 – 7 و9 و14، مز 56: 8، مز 57: 9، الخ....) فإن نظرة البقية التقية إلى تيار الارتداد أنه يزداد بين الناس[35]. وهم يلاحظون أن بني البشر قد طرحوا عنهم كل معرفة بالله، ويرون أن "كلهم قد ارتدوا معاً، وفسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد". ومزمور 14 شبيه تماماً بهذا المزمور، والاختلاف هو أن مزمور 14 أكثر وصفاً للفساد الأممي. والكتاب الثاني من المزامير يرى البقية خارج مدينة أورشليم وغالباً خارج أرض إسرائيل، حيث الأمم التي تحيطهم ويرون الارتداد بينهم.
مزمور 54:
هذا المزمور مكتوب مرة أخرى من مكان خارجاً – من برية زيف حيث كان داود ورفقاؤه هاربين من شاول، وهذا يوضح لنا هروب البقية. إنهم يعانون من اضطهاد مزدوج من الأمم ("الغرباء ع 3"). الذين أراضيهم متاخمة لإسرائيل والتي هربوا إليها، ومن إخوتهم المرتدين ("عتاة" ع 3). ولكنهم واثقون أن الله يستمع إلى صلاتهم وتتطلع البقية إلى الوقت عندما يخلصهم الرب وتكون لهم مرة أخرى الحرية أن يعبدوه (ع 4 - 7).
مزمور 55:
كتب هذا المزمور عندما وصلت الأنباء التي تجلب الأسى وهي خيانة اخيتوفل[36]، إلى داود والشعب الذي هرب من أورشليم (2صم 15: 31). وهي تصف في تطبيقها النبوي أحزان البقية التقية الآتية عندما يعرفون أن العهد مع الوحش الروماني (دا 9: 27) قد كسر (ع 20). وهم يجتازون اضطهادات من كل من الأمم واليهود الأشرار المرتدين (ع 3)، وهكذا فإن البقية التقية تكتسحها المخاوف والفشل (ع 4 - 5)، ومصدرهم الوحيد كالملجأ هو البرية (ع 6 - 8) عندما يرون أن أورشليم قد صارت في يد الأشرار (ع 9 - 11). إن ضد المسيح في كل شروره وخداعه قد اعترف أنه من بين الأتقياء وقد ذهب معهم إلى بيت الله في الثلاث سنين ونصف الأولى من الضيقة (الكتاب الأول من المزامير) ولكنه تحول الآن ضدهم. وهذا يجعل البقية التقية تنطرح على الله لكي تحفظ.
مزمور 56:
ومرة أخرى فقد كتب هذا المزمور عندما كان داود خارج الأرض (أنظر العناوين)[37] والبقية التائهة (ع 8) تستمر في الشعور بالظلم من كل إخوتهم المرتدين ومن الأمم. ولكنهم يتحولون إلى كلمة الله للتعزية والتشجيع والإرشاد (ع 4 و10). وإذ لهم الثقة المتجددة في الله فإنهم يرفعون قلوبهم بالحمد بينما ينتظرون الخلاص (ع 10 - 13).
مزمور 57:
إن البقية المضطهدة وضعت كل ثقتها في كلمة الله (مز 65) وهي تتطلع للعون من السماء. وهم متحققون انه إذا كان الخلاص سيأتيهم فإنه لن يكون إلا من الأعالي. ويتطلعون إلى الله ليرسل مسيحه لخلاصهم (ع 1 -3). ولا يزالوا يشعرون بالظلم من أولئك الذين يطلبون نفوسهم (ع 4 - 6). وتبقى قلوبهم ثابتة ومستقرة في الله (ع 7 - 11). ومع أن البقية خارج الأرض ("بين الشعوب" أي الأمم) وبعيداً عن الهيكل، فهذا لا يوقف تسبيحهم وتعظيمهم لله.
مزمور 58:
يصف هذا المزمور حالة الأمور في ارض إسرائيل قبلما يجيء الرب (أي قبل ظهور المسيح) لكي يخلص البقية التقية. سيكونون تحت حكم ضد المسيح الملك الشرير (دا 11: 36 - 39) في حالة التشويش التام. والقضاة (أي أجهزة الحكم كلها) تعمل بالشرور والمظالم. أما البر فقد صار بعيداً (ع 1 - 5). وتتيقن البقية أن الإثم لن يعبر دون أن يحكم عليه. إنهم يصرخون إلى الله لمعاقبة الأشرار.
مزمور 59:
بينما يستمر ضد المسيح في اصطياد البقية المتألمة (انظر العنوان) فإن مدينة أورشليم تحاط فجأة بقوى الأمم ("الكلاب" ع 5 – 6 و14). ويدخل الآشوري الأرض ساعياً لتخريبها – وهذا هو الهجوم الأول للآشوري – ملك الشمال والتحالف العربي دا 11: 40 – 34. وإذ ينظرون قوى الجيوش الأممية فإن البقية تطرح نفسها أمام الله لكي تحفظ (ع 9). إنهم يصرخون إلى الله لكي يدين العدو (ع 10 - 13) ويتطلعون إلى صباح الانتصار عندما شمس البر (ملا 4: 2) تشرق والشفاء في أجنحتها (أو أجنحته His Wings) (ع 16 - 17).
مزمور 60:
إنه يختلف عن بقية المزامير في تلك المجموعة التي كتبت عندما كان شاول (وهو رمز لضد المسيح) يحكم، وداود (رمز للمسيح) غير مقبول من شعبه، أما هذا المزمور فكتب عندما أزيل شاول من الحكم وصار داود ملكاً. وأكثر من هذا فإن عنوان المزمور يبين أن داود أحرز الانتصار بهزيمته لأعداء إسرائيل (2 صم 8: 3 و12 – 13، 1مل 11: 15، 1أي 18: 12). إذن فهذا المزمور من وجهة نبوية يرى الأشياء في وقت عندما يعود المسيح بالقوة ويدين الأمم الوثنية التي أغارت بغزاتها أرض إسرائيل كما لاحظنا في المزمور السابق. وتصلي البقية لاسترداد أمة إسرائيل التي تشتت في أربع زوايا الأرض (مت 24: 31 – أي الأسباط العشرة) ع 1 – 5. ويجيب الرب لمطلبهم لميراث إسرائيل الكامل على جانبي نهر الأردن (ع 6 - 8)[38]. والأعداد الختامية ترينا جيوش إسرائيل التي استردت بالرب وهو يقودهم بالانتصار لتمتلك ميراثها الصحيح حسبما كان هو يطالب عنهم (ع 9 – 12).
المزامير من 61 – 68[39]
مزمور 61:
يبدأ هذا المزمور مجموعة جديدة تعود بنا إلى الضيقة العظيمة حيث ترى البقية التقية مرة أخرى تتألم تحت اضطهاد ضد المسيح. وشعور البقية بعزلتها يغمرها بالإحباط والفشل. وهم يصرخون إلى الله للمعونة من خارج الأرض (ع 1 - 2) ومع أن الإحباط يهزمهم غير أن إيمانهم يرتفع إلى حالة الشكر لله لحفظه إياهم. إنهم يتطلعون إلى الأمام إلى الوقت عندما يعودون إلى الهيكل وإمتيازاته (ع 3 - 8).
مزمور 62:
في هذا المزمور لا يزال إيمان البقية التقية وثقتها قوية. وعلى الرغم من اعتزاز وسيطرة الشر المحيط بهم فإنهم قادرون على أن يستريحوا في الله بسلام وينتظرون خلاصه. وإذ هم ينتظرون بسكون يشجعون أحدهم الآخر لكي يثقوا في الله وحده (ع 7).
مزمور 63:
لا تزال البقية خارج أورشليم (أنظر العنوان "في برية يهوذا") تنتظر الخلاص. لكنهم محرومين من امتيازات الهيكل فإنهم يعطشون إلى الله. إنهم يتوقعون أن يبصروا قوته ومجده كما في الأيام الماضية إذ كانوا يترددون على بيت الله في الثلاث سنوات ونصف الأولى (ع 1 - 2). ولكن الآن في الأماكن التي يقيمون فيها في الأرض وهم محرومون من الهيكل ولكنهم يستمتعون برحمة الله نفسه. وهذا يقود قلوبهم لتسبيحه (ع 3 - 7).
مزمور 64:
تستمر البقية التقية في شعورها بالصفة المزدوجة للاضطهاد فهو من الأمم ("العدو") ومن المرتدين التابعين ضد المسيح ("الشرير أو فاعلي الإثم") ع 1 – 2. وهم يناشدون الله تجاه مضطهديهم الذين يصطادونهم نهاراً وليلاً (ع 3 - 6). وفي إجابة الله لصلواتهم الكثيرة فإن الله في النهاية يتدخل[40] في الحال (وهو ظهور المسيح) لكي يدين مقاوميه وينقذهم (ع 7 - 8). قارن لوقا 18: 1 – 8 فالأرض كلها ستخافه وتتذلل أمامه (ع 9، مز 66: 3، مز 81: 15) فالذين قلوبهم بارة سيفرحون لأن الرب سيعود بالقضاء ويخضع الأشرار ويؤسس ملكوته. وبرجوع المسيح نجد أن اسم "الرب" الرب يرد بصفة خاصته أكثر من اسم "الله" (إيلوهيم) والتي تميز السفر الثاني (ع 10).
مزمور 65:
هذا المزمور مع المزامير التالية من هذه المجموعة تفتتح النتائج المجيدة لرجوع المسيح. فالتسبيح في البداية سيكون هادئاً في صهيون لأن إسرائيل يحتاج أولاً أن يسترد للرب (ع 1 - 2). ولكن بعد الاعتراف بخطاياهم ونزعها يقتربون إلى الرب فرحين بخلاصهم (ع 3 - 5). وبعدما يرى إسرائيل عائداً إلى الرب وفرحاً في حضرته، تأتي الإشارة إلى عجيج البحار والأمواج الهائجة. فالبحر هو صورة معروفة جيداً للأم الأرض (رؤ 17: 15، مز 64: 2 – 3، مز 93: 3 – 4، أش 17: 12، الخ....). إنها الأمم التي تقودها روسيا والتي ستستيقظ بعد رجوع الرب وعودة إسرائيل. ويسكت الرب أمواج البحر الهائجة بقوته العظيمة. أما الأمم التي جمعت نفسها في تمرد فقد قضي عليها (ع 6 - 7). وبعد ذلك يستعلن مجد الرب في كل الأرض أثناء الملك الألفي (ع 8 - 13).
مزمور 66:
إن إسرائيل في عودته يدعو الأرض لتخضع للرب وتعبده (ع 1 - 4). وستقوم البقية بنشر معرفة الله وطرقه للأمم معلنة صلاحه في خلاصهم (ع 5 - 20).
مزمور 67:
تصبح إسرائيل مجرى البركة للشعب في الأرض الألفية ويعلمون الأمم عبادة الله.
مزمور 68:
هذا المزمور تاج للمجموعة كلها وكأنه نوع من التقييم أو التلخيص لمزامير المجموعة السابقة. وبمعنى ما يقف هذا المزمور منفرداً وكاملاً في حد ذاته. يبدأ المزمور بصراخ البقية لله لكي ما يقوم ويخلصهم بتشتيت أعدائه وبإيقاع القضاء عليهم (ع 1 - 2). ويتبع هذا فرحهم عندما يرون الرب آتياً ("الراكب على سماء السموات") لخلاصهم (ع 3 - 6). ويرى الرب خارجاً لكي يدين جيوش الملوك الذين اجتمعوا في الأرض. وفي وسط القضاء المنصب على أعدائهم فإن البقية ترى كحمامة (وهو الاسم المحبب الذي يستخدمه الرب لبقية المحبوبة – انظر نشيد الإنشاد 2: 14، الخ....) بأجنحة مغشاة بفضة وريشها بصفرة الذهب التي تتحدث عنهم وهم في جمال فدائهم[41] (ع 7 - 14). وكملك ظافر فإن الرب يحفظ صهيون ("جبل الله") لله ليربط نفسه بالبقية هناك (ع 15 - 20).وترتبط هذه المناسبة بتاريخ إسرائيل في سيناء عندما دخلوا في عهد مع الرب (خر 19، عب 9: 18 - 20) ولكنهم الآن يصبحون في عهد جديد يصنعه الرب مع شعبه (ار 31: 31 - 34). ويرى العشرة الأسباط أيضاً عائدين للأرض من بين الأمم مرتبطين بالفرح (ع 22). وبينما كل إسرائيل يفرح أمام الرب (ع 24 - 29). وجماعة أخرى من المحاربين يجتمعون للحرب (ع 30). وربما كانت هذه جيوش جوج تحاول أن تفتك بإسرائيل المستقر في الأرض (حز 38: 11 - 12). وبعد أن تحاكم هذه الجماعات فإن كل الأمم الباقية ستخضع بسرور للرب بسبب قوته العظيمة (ع 31 - 35).
مزمور 69 – 72
مزمور 69:
يبدأ هذا المزمور المجموعة الخيرة للكتاب الثاني من المزامير، إذ يعود بنا إلى الضيقة العظيمة عندما تعاني البقية اليهودية التقية من آلام ضد المسيح. والبقية يكون مكروهة بلا سبب بين إخوتهم المرتدين (ع 1 - 6). ويدخل الرب تماماً في أحزانهم. والعداوة التي عانوها من الأمة اليهودية استشعرها الرب بنفسه تماماً على الصليب عندما كان مكروها من الأمة بلا سبب (يو 15: 23 - 25). والشعور العميق بتعيير إخوتهم بسبب غيرتهم للرب (ع 7 – 21)، إنهم يصرخون إليه لخلاصهم (ع 13 - 21). وتصلي البقية لخراب الأمة اليهودية الشريرة التي تذلهم (ع 22 - 28). وتشجيعهم الوحيد أن يتطلعوا للأمام للوقت عندما يتدخل الرب بالقضاء لصالحهم. وهذا يجعلهم فرحين وهم يقدمون التسبيح والشكر (ع 29 - 36).
مزمور 70:
والبقية تصرخ بأكثر إلحاح ("أسرع" تذكر ثلاث مرات في خمسة أعداد) إلى الله ليعود سريعاً ليخلصهم من الظلم الذي يعانونه من اليهودية المرتدة.
مزمور 71:
تستمر البقية في صراخها لله طالبة الخلاص من مظالم ضد المسيح "من فاعل الشر والظالم" (ع 1 - 4). وإذ تتطلع إلى الوراء في كل تاريخ أحزانها التي سارت فيها وتتعجب لحفظ الله لها بشكل معجزي (ع 5 - 8). وشعور البقية بالمحنة التي أبليتهم وأرهقتهم، ويقارنون أنفسهم بزمن الشيخوخة التي تفنى فيها القدرة، فمن ثم يطرحون أنفسهم على الرب الذي يمنح القوة (ع 9 - 18). وفي النهاية يأتي الخلاص للبقية في ختام المزمور. وهذا بالطبع سيكون وقت رجوع المسيح وظهوره كابن الإنسان. ويتحدثون عن إحيائهم ورجوعهم مرة أخرى من أعماق الأرض (ع 19 - 21). والنتيجة أنهم يرنمون بالتسبيح لله لخلاصهم ويفرحون بفدائهم من مقاوميهم الأشرار الذين خزوا وخجلوا (ع 22 - 24).
مزمور 72:
ومع خلاص البقية من اليهود (مز 71: 19 - 24) فإن مملكة المسيح تتأسس بالقوة وبالمجد. وتخضع كل الأمم تحت سيادته إذ يرتفع ويحكم على الجميع متعالياً ومرتفعاً – وهذا هو الملك الألفي.
[31] يوحنا داربي – مجموعة من الكتابات مجلد 6 صفحة 181، مجلد 30 صفحة 129.
[32] الأعداء بصفة خاصة في ذلك الوقت هم الوحش (القوة الغريبة) وملك الشمال والتحالف العربي على الرغم من عدم تحديدهم هنا. وهناك أعداء آخرون مثل جوج (روسيا) الذي سيتعامل معهم أخيراً بعد استرداد الرب لإسرائيل.
[33] عنوان هذا المزمور "ترنيمة على الجواب A song upon Alamoth" وتعني أصوات عذارى أو شابات صغيرات، وهذا يفترض نقاوة مفديي إسرائيل كمتجددين حديثاً.
[34] توضح النبوة أن الأمم الذين أتوا إلى الأرض بعد رجوع المسيح واسترداده إسرائيل لنفسه هم هؤلاء الذين يقودهم جوج – انظر هيدلي "الأحداث النبوية" صفحة 71.
[35] علينا أن نتذكر أن هذا سيحدث عندما يؤخذ روح الله من هذا المشهد، ذاك الذي يكبح جماح الشر (2 تس 2: 6 - 7).
[36] أبشالوم (الأمير الملكي) وأختيوفل (المشير) معاً رمز لضد المسيح في صفته المزدوجة كالملك الشرير (دا 11: 36 - 3) والنبي الكذاب (2تس 2: 3 – 8، رؤ 13: 11 – 18 "القرنان") 16: 13 و 19 – 20 وليم كيلي، والترسكوت
[37] جت في أرض الفلسطينيين "جوناث – إيليم - ريشكوكيم" ونعني "الحمامة البكماء في الأرض البعيدة".
[38] "على أدوم أطرح نعلي" – وطرح النعل في إسرائيل كانت عادة مستخدمة في إسرائيل لتعني المطالبة بحق الميراث. إنه يأخذ نعله ويطرحه في قطعة الأرض التي يطالب بها، وهذا يعني أنها ترتبط رسمياً كالمالك الجديد لها (يش 1: 3، را 4: 6 - 8).
[39] هذه المجموعة من المزامير، في ترجمة داربي لا يضعها كبقية مجموعات المزامير ليسبقها بنجمة، ولكن في كتاباته "ملاحظات وتعليقات مجلد 3 صفحة 137" يقول بأن هذه المزامير تكون مجموعة معاً.
[40] بالنسبة للقضاء الوارد في ع 7 – 8 يرى أن القضاء يأتي في زمن المضارع بحسب ترجمة داربي وكذلك البيروتية (وليس كما جاء فيK.J.V.. "shall") ونراه هنا كتوقع البقية لما سيحدث فعلاً - أنظر يوحنا داربي "الموجز أسفار الكتاب".
[41] الفضة صورة للفداء في الكتاب، والذهب صورة للبر الإلهي.
- عدد الزيارات: 3924