مقدمة الناشر
تحتل المزامير قلب الكتاب المقدس ووسطه. وقد شهد الرب يسوع عن داود أنه كتبه بالروح القدس (متى 22: 43). وقيل عنه "مرنم إسرائيل الحلو"، ونطق قائلاً: "روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني" (2صم 23: 1 و2). لا شك أن داود كان هو الإناء ذات النصيب الأوفر في كتابة المزامير، إذ كان له التدريب العميق في الآلام، واختبر ظروف النفس المختلفة التباين، وواجه الاضطهادات والرفض من شاول ومن شعب إسرائيل، ولا ننس أنه كان يحمل قلب الراعي من نحو شعبه، كل هذا مما جعل الروح القدس ينشأ فيه عواطف وحاسيات تقوية استطاع أن يعبر عنها بكلمات الوحي بما فيها من رجاء واتكال، ومخاوف وأحزان، واعتراف وتسبيح، وفيها من التذكر للتاريخ المقدس والشريعة كما استخدم الروح كذلك أواني أخرى لكتابة المزامير مثل آساف وموسى وسليمان وبني قورح وإيثان الأزراحي وهيمان ويدوثون وعزرة وغيرهم. ومن عناوين بعض المزامير نستطيع أن نفهم الظروف التي أحاطت بكتابة بعضها.
وكانت المزامير ترنم في بيت الرب أيام داود وسليمان بمصاحبة الأدوات الموسيقية كالرباب والعيدان والصنوج. وكان آساف ويدوثون وهيمان مع إخوتهم وبنيهم وعددهم 288 يقول عنهم الكتاب أنهم خبيرون ومتعلمون الغناء للرب (1أي 25).
ونتعلم من الرسول بطرس أن هؤلاء الأنبياء كان فيهم روح المسيح. وأنهم شهدوا للآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. وبذلك كانوا يخدموننا بهذه الأمور. وهذا ما نجد بوضوح في المزامير كذلك. لقد ردد داود كلمات المسيح على الصليب، في مزمور 22 "إلهي إلهي لماذا تركتني" وهو لم يكن يعلم. وهكذا نجد روح النبوة تتغلغل في المزامير. وهناك بعض المزامير تختص بالمسيا وحده مثل مزمور 22 ولكن نجد بعضها يتكلم عن المسيا وهو يأخذ مكانه مع البقية المتألمة.
ولا تنصرف النبوة إلى حياة المسيح وآلامه وموته وقيامته وارتفاعه إلى المجد وكهنوته فحسب، بل أيضاً إلى تصوير المسيح في مشاركته لأحزان وآلام البقية من إسرائيل في وقت لاحق، وبعد اختطاف الكنيسة في "مبتدأ الأوجاع" و "الضيقة العظيمة". وسوف تعاني البقية من تغيرات إخوتهم المرتدين من اليهود ومن النبي الكذاب الذي سيضطهدهم ويقتل بعضاً منهم. كما ستتجرع الآلام والمذلة والقتل من الأعداء الخارجيين أي الآشوري في غزوته الأولى وجوج في غزوته الثانية. ولكنهم سيختبرون حفظ الرب وإنقاذه لهم.
وتمتد الفترة النبوية في المزامير من وقت رفض المسيح (في مزمور 2، أع 4: 25 - 28) حتى نصل إلى مزامير الهلليلويا التي تهتف فيها كل الأرض باستعلان تأسيس ملك المسيح الألفي. ولا تدخل فترة الكنيسة – وهي فترة معترضة - ضمن حسابات النبوة، ذلك لأن النبوة تتعلق بالشعب الأرضي إسرائيل وشعوب الأمم الأخرى، وملك المسيا الألفي، والهيكل الألفي، وبركة الرب الألفية للأرض، وتحقيق المواعيد للشعب.
ويلزمنا التأكيد على أن المزامير تتضمن خمسة أسفار وليست سفراً واحداً بحسب النسخة العبرانية الأصلية. كما وجد فيه العبرانيون أنه نظير كتب موسى الخمسة[1] (البنتاتوك). وهكذا رأى الدارسون مشابهة ترتيب الأسفار مع أسفار موسى. فالأول (من 1 - 41) يتمشى مع التكوين، والثاني (من 42 - 72) مع الخروج، والثالث (من 73 - 89) مع اللاويين، والرابع (من 90 - 106) مع العدد، والخامس (من 107 - 150) مع التثنية.
والجدير بالملاحظة أن أسفار المزامير تتناول اختبارات يهود أتقياء وهم تحت الناموس. والرجاء الذي يتطلعون إليه في ضيقهم واضطهاداتهم هو مجيء المسيا لخلاصهم من أعدائهم وإقامة الملكوت المؤسس على البر والعدل والسلام. نلاحظ أنه رجاء يهودي سيتحقق بظهور المسيا للقضاء على الأشرار وتأسيس الملكوت الألفي السعيد. وهذا يختلف تماماً عن رجاء المسيحي الذي فيه يأتي الرب لأخذ قديسيه إلى بيت الآب. وبالطبع فإن مركز المسيحي يختلف تماماً عن اليهودي التقي المولود من الله، فهو يقيم دائرة النعمة كابن لله.
وما هو شائع لدى كثيرين من المسيحيين أنهم ينظرون إلى المزامير ككتاب مسيحي تعبر اختباراته عن المركز المسيحي للمؤمن الآن. من هنا يحدث التشويش مما يوقع المسيحي في ارتباك كثير. والحال أنه ما لم يفهم المسيحي دائرة الفداء التي يقيم فيها وخلاصه الأبدي المؤسس على كفاية ذبيحة المسيح أمام الله، ونواله بر الله بقيامة المسيح من الأموات، وعطية الروح القدس التي ختم بها كمن تمتع بعمل المسيح بالإيمان – ما لم يدرك المسيحي هذه الحقائق الخلاصية – فكيف يمكنه أن يفهم المزامير فهماً صحيحاً؟.
الخلاص في المزامير ليس هو الخلاص الأبدي الذي يناله المسيحي بالإيمان بالمسيح يسوع والثقة في كفاية عمله على الصليب. فاليهودي التقي أو البقية في عصر الناموس أو زمان الضيقة الآتية، الخلاص عندهم بمعنى النجاة من أيدي المرتدين من إخوتهم ومن الأعداء الخارجيين، والقضاء على الأعداء ومحاكمة الأشرار وتطهير الأرض من الشرور وإقامة ملكوت الله بالعدل والبر، هذا الذي لن يتحقق إلا بظهور المسيا ومجيئه للملك.
أما طلب الانتقام من الأعداء وإجراء القضاء عليهم فهذا يتفق مع مبدأ الناموس، لهذا نرى صراخ البقية وهم تحت المذبح يطلبون النقمة من الأشرار (رؤيا 6: 9 - 11). وهذا طلب يتفق ومجيء المسيح للملك، ولكنه لا يتفق مع تدبير النعمة الحاضر الذي تسود فيه النعمة والغفران والصلاة لأجل الأشرار والأعداء، كما يؤجل فيها القضاء.
والمزامير كنز فائض ومعين لا ينضب نتعلم منها الكثير من مبادىء النعمة ومراحم الرب الواسعة، كذلك نرى سياسة الله القضائية على الأشرار و التأديبات التي تقع على شعبه وقديسيه. وهكذا يتدرب التقي على انتظار الرب والاتكال عليه والثقة الشديدة به. ولا تجد النفس في كل الظروف المتنوعة إلا أن ترتمي على الله بحسب أمانته وجوده ومواعيده فتجد منه المعونة والتسنيد في كل حين. أما التسبيح والترنيم فلا ينقطع من خيام الصديقين مهما كانت قسوة الظروف وشدة الآلام، وهذا ما نحتاج أن نتعلمه كمسيحيين.
وليس صحيحاً أن المسيحي يجعل المزامير صلاته أو ترنيماته كما أوضحنا الأسباب سابقاً. وما لم نتحقق أن المزامير ذات طابع نبوي وله وجهة مستقبلية اتجاه البقية وظهور المسيا فإننا سنتخبط في محاولة تطبيق السفر على حالتنا. وهناك من يحاول أن يروحن معنى المزامير ليجد تطبيقها على حالته ويضع تفاسير رمزية تتفق مع اتجاهه، فمثلاً يقول أن الأعداء هم إبليس، وأورشليم أو صهيون هي النفس، إلى غير ذلك من الاتجاهات السائدة للذين يصلون أو يرنمون بالمزامير.
وهذا البحث مهم للغاية لأنه يرسم الخطوط النبوية الدقيقة في أسفار المزامير بأدلة كتابية صحيحة. وننصح القارىء العزيز أن يتتبع هذه الدراسة بإتمام وتدقيق حتى يفيد منها. وفي الكتب العربية يندر أن نجد مثل هذا البحث الكتابي النبوي. ومتى تيقن القارىء من خط النبوة في المزامير فإننا نشجع انتشار هذا الحق النبوي بين القديسين في اجتماعات قراءة ودراسة العهد القديم وخاصة المزامير.
نستودع هذا الكتاب بين يدي الرب لفائدة القديسين وبركتهم.
ثروت فؤاد
ملاحظة حول مراجع الكتب:
نضع أمام القارئ أسماء المراجع المشار إليها في هذا البحث بالعربية والإفرنجية فربما يكون مألوفاً لدى البعض قراءتها بالإنكليزية.
يوحنا داربي، ترجمة الكتاب المقدس بالإنكليزية | J.N.D. New Translation |
يوحنا داربي، الموجز في أسفار الكتاب | Synopsis of the Books of the Bible |
يوحنا داربي، مجموعة من الكتابات | J.N.D., Collected Writings |
يوحنا داربي، ملاحظات وكلمات مختصرة | Notes & Gottings |
يوحنا داربي، ملاحظات وتعليقات | Notes & comments |
يوحنا داربي، خطابات المجلد 1 | J.N.D Letters, Vol.1 |
وليم كيلي، ملاحظات موجزة في المزامير | W. Kelly, Brief Hints on the Psalms |
ف جراند، الكتاب العددي (المزامير) | F.W.Grant, Numerical Bible, Psalms |
أرنوجيبلين، أسفار المزامير | A.C.Gaebelein, The Book of the Psalms |
ج. جل، المستقبل | J.R.Gill, The Future |
ج.ف. ويجران، دراسة في المزامير | G.V.Wigram, A Study Of the Psalms |
مجلة الحق المسيحي | Christian Truth |
يوحنا بيلت، تأملات موجزة في المزامير | J.G. Bellet, Short Meditations on the Psalms |
أ. هـ أيرنسيت، دراسات في المزامير | A.H.Ironside, Studies on the Bible |
س. هادلي، الأحداث النبوية | E.C.Hadley, Prophetic Events |
س. هـ. لوندين، الكتابات المقدسة النبوية | C.E. Lunden Prophetic Scriptures |
س. هـ. لوندين، إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال | C.E. Lunden, Unit the Day Break and the Shadows Flee Away |
س. هـ. لوندين، ملاحظات على الكتابات النبوية | C.E.Lunden, Notes For Prophetic Scriptures |
س. هـ. لوندين، مصر، آشور، إسرائيل | C.E. Lunden, Egypt, Assyria, Israel |
هـ. هاي هو، عشرة أسباب كتابية لعدم اجتياز الكنيسة الضيقة العظيمة | H.E.Hayhie, Ten Scriptures Reasons Why the Church Will Not Go Through the Tribulation |
س. ستيوارت، المزامير | C.E Stuart, The Psalms |
[1] وبهذا لزم تصحيح ما هو شائع لدى الكثيرين من المسيحيين الذين يظنون أن أسفار الكتاب 66 سفرا، والحقيقة أنهم 70 سفراً. ومعلوم أن الرقم 66 يشير إلى النقص البشري وقوة الشر وهذا ما لا يجوز أن نطلقه على عدد أسفار الكتاب. أما الرقم 70 فهو 7×10، وسبعة هو رقم الكمال، وعشرة هو رقم المسؤولية والطاقة.
- عدد الزيارات: 10446