Skip to main content

مقدمة الرسالة الأولى

الصفحة 1 من 2

إن تركيب هذه الرسالة القصيرة في مبناها، العظيمة في معناها، تركيب بسيط للغاية. وهي تستمد أساسها من الأربع آيات الأولى من الإصحاح الأول التي تطالعنا بكلمة الحياة المتجسد. فإن الحياة الأبدية التي كانت عند الآب قد أظهرت لشهود مختارين في أكمل صورة ممكنة، وما رآه وما سمعه هؤلاء الشهود قد اخبروه بدورهم للمؤمنين لكي تكون لهم نفس الشركة التي كانت للرسل (أع 2: 42) والواقع أن تلك الشركة لم يكن لها مثيل فهي شركة مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح وفي التخبير عنها يقول الرسول "تكتب إليكم (كما لو كان يكتب باسم الجميع) لكي يكون فرحكم كاملاً".

وبهذا الظهور، ظهور الله في المسيح، تقترن رسالة المسؤولية المسيحية في الأعداد 5 – 10 التي تستحضر صفة الله في النور ليكون لها تأثيرها في سلوك جميع الذين يدعون باسم الرب وتكشف حالة يكتفون بالأقوال دون الأعمال.

ثم يلي ذلك كلمة تكميلية في العديدين الأولين من الإصحاح الثاني حيث يعود اسم الآب فيظهر من جديد بعد أن خلا منه الجزء السابق الفاحص من الإصحاح الأول، لأنه وإن كانت الوصية للجميع أن لا يخطئوا، فإنه إن أخطأ أحد فهناك المحبة الإلهية التي تعمل لرد النفس حيث لنا شفيع عند الأب يسوع المسيح البار، وليس البار فقط بل الكفارة لخطايانا وبصفة عامة لكل العالم أيضاً.

فما السبيل إذن للبرهنة على الحيلة الحقيقية في المسيحي؟ ذلك ما نراه في الأعداد من 3 – 11، أولاً بالطاعة (3 - 6) ثم المحبة (7 - 11) فهذان الأمران يدلان إيجابياً على ما هو حقيقي وسلبياً على ما هو صوري.

بعد ذلك نجد تصويراً لدرجات النضج المختلفة بين أفراد عائلة الله في الأعداد 12 – 28. فهم جميعاً أولاد الله المحبوبون كما في 2: 1 و12 و28، 3: 7 و18، 5: 21، الذين يكتب إليهم الرسول لأن خطاياهم قد غفرت من اجل اسم المسيح. ولكن في هذا الجزء المعترض، المليء بالتعليم، نجد عائلة الله تتكون من (1) "آباء" لأنهم قد عرفوا الذي من البدء، الكلمة الأزلي ظاهراً في الجسد، (2) "الأحداث" لأنهم أقوياء بكلمة الله الثابتة فيهم وقد غلبوا الشرير، (3) "الأولاد" لأنهم قد عرفوا الآب. ثم يعود الرسول مستعرضاً نفس المشهد الجميل مرة أخرى فلا يجد ما يقوله للآباء المحنكين أروع مما قاله لهم سابقاً وهو أنهم عرفوا الذي في البدء، (أليس هو الكل في الكل، الألف والياء، الأول والآخر، البداية والنهاية؟) ولكنه يتوسع أكثر في حديثه للأحداث وأكثر منه في حديثه للأولاد الصغار كمن هم بصفة خاصة أهداف أضداد المسيح الذين يحاولون تضليلهم ولكنهم لهذا السبب محروسون بحراسة خاصة.

ثم من (2: 28) يستأنف الرسول خطابه العام لجميع "الأولاد" المحبوبين محرضاً إياهم كمجموع أن يثبتوا في المسيح حتى إذا أظهر يكون للفعلة الذين يضع الرسول نفسه معهم ثقة ولا يخجلون منه في مجيئه بسبب نقصهم. فالبر العملي إذن هو الدليل على الولادة من الله (2: 29). وهنا أيضاً يورد الرسول عبارة معترضة قصيرة ولكن في محلها في (ص 3: 1 – 3) متحدثاً عن محبة الآب باعتبارها الباعث والقوة اللازمة لتشجيع وتعزية النفس في طريق البر العملي الضيق. ثم يلي ذلك وفي تمام المناسبة الأعداد 4 – 7 عن شخص المسيح وعمله بالانفصال المطلق عن الخطية وكفايته الكاملة لرفع خطايانا وذلك للتأكيد بأن كل من يثبت فيه لا يخطئ وإن كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه. أما بقية الإصحاح فتناول المباينة بين أولاد الله وأولاد إبليس، أولاً من جهة بر أولاد الله من حيث المبدأ والسلوك. وثانياً من عدد 11 من حيث محبتهم المتبادلة على نقيض قايين والعالم حيث تملك البغضة. إن الله ينظر إلى الحق في الإنسان الباطن ولا يرضي بأقل منه سواء في الأمور الصغيرة أو الكبيرة. ونحن كأولاد لا نحب بالكلام ولا اللسان بل بالعمل والحق ومن واجبنا أن نسكن قلوبنا قدامه حتى إذا كانت لا تلومنا تكون لنا ثقة من نحوه وهذا لن يأتي إلا بالطاعة والإيمان باسم ابنه يسوع المسيح. وكل من يثبت هكذا في الطاعة فإنه يثبت في الله والله فيه وذلك بقوة الروح الذي أعطانا.

ولكن هنا تبرز الحاجة لقوة التمييز وضرورة إدراك الحق حتى لا نكون عرضة للتهاون والاغترار بالظواهر. وهذا ما نجده في الأعداد 1 – 6 من الإصحاح الرابع فالمحك الأول لتمييز الضلال هو الحق الخاص بيسوع المسيح آتياً في الجسد، لأن غرض الروح القدس الأول هو تمجيد المسيح وعلى ذلك فكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو ليس من الله بل هو روح ضد المسيح. والمحك الثاني الذي نمتحن به الأرواح ليس هو الناموس والأنبياء (مع اعترافنا بأنهم كانوا آنية الوحي الإلهي) بل شهادة المسيح لنا، ومن ليس من الله لا يسمع لنا. فالعهد الجديد أيضاً لا بد منه لوقايتنا من روح الضلال.

ثم من ص 4: 7 يستأنف الرسول موضوع المحبة المتبادلة في أكمل صورة وأروع فيضان باعتبارها صادرة من الله وغير منفصلة عن محبته ومعرفته كمن أظهر محبته من نحونا إذ أرسل ابنه الوحيد لكي نحيا به إذ كنا أمواتاً، بل أكثر من أكثر من ذلك، لكي يموت كفارة لخطايانا لأننا كنا أثمة مذنبين. فمادام الحال كذلك ومادام الله قد أحبنا هكذا فمن الواجب علينا أن نحب بعضنا بعضاً، وإن فعلنا هذا فالله يثبت فينا ومحبته قد تكملت فينا. فكما المسيح في البداءة قد أعلن الله الذي لم يره أحد هكذا هو واجبنا الآن، وفي هذا لا تعوزنا القوة لأنه له المجد أعطانا من روحه، وهذا نصيب كل معترف أن يسوع هو ابن الله بحسب الشهادة أن الآب أرسل الابن مخلصاً للعالم. هذه هي محبته فينا ليكون لنا ثقة في يوم الدين لأنه كما هو هكذا نحن أيضاً في هذا العالم. وهذه حقيقة مدهشة وعجيبة ولاسيما إذا قورنت بالعدد الثاني من الإصحاح الثالث. هذه هي المحبة الكاملة التي تطرح الخوف إلى الخارج، وهكذا نستطيع أن نقول بملء الفم نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً. وينتهي الإصحاح بفضح الادعاء الكاذب إذ يقول أحد بأنه يحب الله وهو يبغض أخاه لأن الأمرين مرتبطان معاً تمام الارتباط ولا يمكن أن يوجد أحدهما بدون الآخر.

والإصحاح (5: 1 – 5) يفترض السؤال "من هو أخي" ويجيب عليه. "كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله" وهكذا يشير الرسول إلى الجانب الأسمى من هذه العلاقة العائلية ولكنه يبين أيضاً بنفس الوضوح أن محبة الآب تتضمن بالضرورة محبة المولود منه والبرهان على أننا نحب أولاد الله هو أننا نحب الله ونحفظ وصاياه فإن محبة الله تظهر في طاعته. وإذ نطيعه بدافع المحبة فإن وصاياه لا تكون ثقيلة بل صالحة ومليئة بالبركة والتعزية. ولا عجب فإن كل من ولد من الله يغلب العالم. والإيمان هو الذي حاز هذه الغلبة. وإن شئت تحديداً أدق فها هو الوحي يقدمه لك على الفور "من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله".

وفي الأعداد (6 – 12) لنا الثلاثة شهود وشهادتهم الواحدة الموحدة ليسوع والحق الذي فيه: الروح والماء والدم – ليس التطهير والكفارة فقط بل الروح القدس كالقوة على تحقيق ذلك. في الإنسان الأول كانت الخطية والموت. أما الحياة الأبدية ففي الإنسان الثاني بحيث نستطيع بالروح أن نتمتع بالآب والابن. ولا يمكن أن يكون غير ذلك لأن الله قد أعطانا الحياة الأبدية وهذه الحياة هي في ابنه دون سواه.

ثم تأتي الخاتمة من عدد 13. فكما بدأ الرسول بالابن المتجسد موضوع الإيمان ووسيلة هذه الشركة العجيبة للفرح الكامل هكذا هو يختم بالقول أنه كتب لنا هذه الأمور لكي نعلم في قرارة نفوسنا أن لنا حياة أبدية كمؤمنين، ثم يكرر الإشارة إلى الثقة التي توحي بها إلينا هذه النعمة وهي أننا إن طلبنا شيئاً حسب مشيئة الله يسمع لنا. وإنما هو يستثني حالة واحدة وهي حالة الأخ الذي يكون واقعاً تحت التأديب بسبب ارتكابه الخطية في ظروف خاصة ولذلك لا يتركه الله على الأرض فيما بعد. ثم في هذه الكلمات الختامية من العدد 18 يواجه الرسول روح اللأدرية، روح المتفلسفين الأغنسطيين، الذين يدعون بأنهم ينشدون العلم والمعرفة فيتعلمون دائماً ولكنهم لا يصلون أبداً إلى معرفة الحق بالمقابلة مع العلم اليقين والاقتناع العميق الداخلي البهيج الذي يتمتع به القديسون أولاً في صورته المعنوية من حيث الحفظ والصيانة ضد الخطية والشيطان التي هي نصيب كل من ولد من الله وثانياً في علمنا الشخصي بأننا من الله وبالمقابلة مع كل العالم الذي هو في قبضة الشرير وثالثا في نفس هذا العلم الشخصي بموضوع الإيمان الأعظم الذي هو ابن الله، فضلاً عن البصيرة التي أعطاها لنا لنعرف الحق ونكون فيه، في ابنه يسوع المسيح، الذي هو الإله الحق والحياة الأبدية، كما هو الحصن الحصين ضد الأصنام. 

مقدمة الرسالتان الثانية والثالثة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9217