الرسالة الأولى: الإصحاح الثاني
يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. (عدد 1)
"يا أولادي" – يبق أن قلنا أنه لا يذكر في هذه الرسالة كاتبها ولا المكتوب إليهم ولكننا نقدر أن نعرف من هذا العدد أن الرسول يوحنا كان يعرف هؤلاء الذين يكتب إليهم لذلك يخاطبهم بالقول "يا أولادي" – أي الأحباء والأعزاء مما يدل على علاقته الوثيقة بهم.
كتب يوحنا رسائله وهو شيخ متقدم في الأيام لأنه عاش بعد أن مات الرسل جميعاً فطبعاً الأولاد الذين كتب لهم كيفما كانوا يعتبرون أولاده في الإيمان.
"لكي لا تخطئوا" – يذكر الرسول هنا أن غرض كتابته إليهم "لكي لا يخطئوا" وكأنه يرد على الذين يعترضون على كلامه الذي في آخر الإصحاح السابق.
قال في الإصحاح السابق أن الذي يقول "ليس لنا خطية" يضل نفسه والذي يقول أنه "لم يخطئ" يكذب الله. وربما يتصور أحد أن الرسول بأقواله هذه يشجع على الخطية. لكن الكلام هنا يثبت عكس ذلك تماماً فهو يكتب لهم لكي لا يخطئوا. الشخص الذي يقول ليس لنا خطية وأننا لم نخطئ يدل على أنه نائم وغافل فيكون بذلك أكثر الناس عرضة للسقوط؟
"إذاً من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 10: 12)
من أين تأتي الخطية؟ من الطبيعة الفاسدة التي فينا – الأصل الفاسد. "وأما الشجرة الردية فتصنع ثماراً ردية" (مت 7: 17). والرسول بولس يقول "فإني أعلم أنه ليس ساكن فيّ أي في جسدي شيء صالح" (رو 7: 18) ومعنى ذلك أن لنا خطية.
وإن قلنا أننا لم نخطئ نكون قد وصلنا إلى درجة الكمال وهذا مستحيل ونحن هنا في العالم. قال واحد: إني بلغت الآن حالة آدم قبل السقوط قبل دخول الخطية. لمثل هذا نقول إذا كان هذا صحيحاً فأقل مؤمن أحسن منك لأن آدم في حالة قبل السقوط أخطأ وسقط. لكن نشكر الله وإن كانت الطبيعة التي فينا فسدت لكن حكم عليها بالموت وأخذنا طبيعة جديدة، وأيضاً الروح القدس فينا وبه نميت أعمال الجسد. لذلك المؤمن، وهو عالم أن فيه الخطية لكن يعتبر نفسه ميتاً عن الخطية والخطية لن تسوده. ووجود الخطية فيه ليس عذراً لأن يخطئ. لذلك يقول الرسول: أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا.
هل يمكن أن المؤمن لا يخطئ؟ نعم. لأن عنده كل الإمكانيات لذلك وكل وسائط النعمة. عنده حياة جديدة وطبيعة جديدة والروح القدس ساكن فيه وعنده كلمة الله التي ترشده واجتماعات القديسين التي فيها الرب يحضر في الوسط.
ويقول الرسول بطرس "كما أن قدرته وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى" فالمؤمن له أن يعيش حياة التقوى لأن كل المؤهلات متاحة له. المصنع فيه العدة كاملة وعلى العامل أن يشتغل ويكون ساهراً.
المفروض أن المؤمن الذي انتقل من الموت إلى الحياة وأصبح في النور كما الله في النور لا يخطئ.
"وأن أخطأ أحد فلنا شفيع" – لماذا يقول "إن أخطأ" طالما أنه لا يخطئ؟ لأن المؤمن قد يزل – قد يعثر لكن يقوم حالاً، الخاطئ يعيش في الخطية ولا يشعر ويشرب الإثم كالماء. لكن المؤمن لا يعيش في الخطية أبداً – لا يعيش في الظلمة بل يسلك في النور لكنه غير معصوم. قد يخطئ وذلك بسبب تغافله وعدم استخدامه للوسائل اللازمة للغلبة مثل السهر والصلاة والمواظبة على كلمة الله وعلى وسائط النعمة.
ليس من الضروري أن يخطئ لكنه معرض أن يخطئ وإذا أخطأ يكون هو المسئول وهو المقصر وغير ممكن أن يلقي اللوم إلا على نفسه.
أخطأ لأنه تغافل لكن هل يضيع؟ كلا. كان ممكناً أن يضيع لو أنه ليس له شفيع لكن "لنا شفيع" وضامن وراع ممسك بنا في يده ولا يقدر أحد أن يخطفنا من يده فلن نضيع.
لاحظوا يا أحبائي أنه لا يقول: إن أخطأ أحد فله شفيع أي للمخطئ لكن الشفيع لنا كلنا – هذا امتياز لكل المؤمنين.
كلمة "شفيع" أي معزي ومعين. في الإنجليزية Advocate أي محامي أو مدافع. أين هذا الشفيع؟ جالس عن يمين الله لأجلنا لا يقدر العدو أن ينال منا لأن لنا شفيعاً – لكل مؤمن.
والشفيع عند الآب – لاحظوا أيها الأحباء أن كل كلمة من الله في مكانها. لا يقول: فلنا شفيع عند الله لكن عند الآب. فالمؤمن وإن أخطأ لا يفقد نسبة البنوية الله أبوه – هذه نسبة ثابتة وهذا يشجعنا ويعزينا. الشفيع للمؤمن عند الآب لكن الوسيط للخاطئ عند الله. كما يقول بولس الرسول "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح" (1 تي 2: 5).
ماذا عمل الوسيط؟ عمل الصلح بدم صليبه وفتح الباب للإنسان ليصطلح مع الله. وبعدما تمم الرب يسوع العمل يطلب من المؤمنين أن يخبروا الناس "إذا نسعى كفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح (أي بالنيابة عن المسيح) تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 20).
وإذا سألونا: هل يقبلنا الله؟ نقول: نعم بالتأكيد. والسبب هو "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2 كو 5: 21). الصلح قد تم إعداده وكل من يأتي إلى الله يجد الترحيب والقبول.
الآن عرفنا الرب كالوسيط والشفيع وهو أيضاً الكاهن العظيم رئيس الكهنة – الوسيط صنع الصلح بين الإنسان الخاطئ والله بدم الصليب، الشفيع للمؤمن قائم من يمين الله معزياً ومعيناً له ويرده إن أخطأ، رئيس الكهنة من حيث حرية الاقتراب إلى الله. كان رئيس الكهنة في العهد القديم يمثل الشعب أمام الله. رئيس الكهنة يشجعنا أن نقترب إلى الله "فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات يسوع ابن الله... فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة نجد نعمة عوناً في حينه" (عب 4: 14، 16).
وخدمة الرب يسوع كرئيس الكهنة تختص بها رسالة العبرانيين لا رسالة يوحنا. في رسالة يوحنا الله لأولاده وهو ضامنهم لكن هناك بما أنهم عبرانيين وكانوا يعتزون بهرون رئيس الكهنة يقول لهم: الآن – لنا رئيس كهنة أعظم من هرون على رتبة ملكي صادق لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي. لنتمسك بإقرار الرجاء راسخاً لأن الذي وعد هو أمين" (عب 10: 22، 23). في الرب يسوع المسيح كل الكفاية لجميع المؤمنين.
متى يعمل الشفيع؟ هل عندما نخطئ؟ نعم وقبل أن نخطئ أيضاً. نأخذ بطرس مثال، قد كان أمامه خطر لا يراه لكن الرب يراه وكان الشيطان عازماً على غربلته هو والرسل. وقال له الرب يسوع "سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم[1] لكي يغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لو 22: 21).
لا يقول طلبت من أجلك لكي لا تسقط لكن حتى إذا سقطت تقوم ولا يفنى إيمانك.
من قبل أن يخطئ بطرس طلب الرب لأجله وقد سقط بطرس مع أن الرب حذره وقال له "لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني" (لو 22: 34).
لماذا سقط بطرس؟ لثقته في ذاته حيث قال "إن سك فيك الجميع فأنا لا أشك أبداً" (مت 26: 32) ولم ينتبه بل تغافل وسقط.
ماذا عمل الشفيع بعد ذلك؟ التفت ونظر إلى بطرس نظرة لها معناها وقوتها فخرج إلى خارج وبكي بكاءً مراً. لماذا؟ عرف شناعة خطيته وقال في نفسه لقد أنكرت سيدي وحبيبي الذي قلت أضع نفسي عنه – نسيت خيره وأفضاله. عذاب الضمير جعله يبكي بكاءً مراً.
هل ينظر الرب الآن مثل هذه النظرة من السماء للمؤمن العاثر؟ لا. كان موجوداً هنا على الأرض فنظر إلى بطرس. لكن الآن يوجد شفيع ثان داخل المؤمن يوجد شفيع عند الآب جالس عن يمين الله ويوجد شفيع داخل المؤمن وهو الروح القدس. يقول الرسول بولس "لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها" (رو 8: 26).
الشفيع الذي في السماء يستخدم الروح القدس فعندما يخطئ المؤمن يحزن الروح القدس فيه ويبكته فيعمل على رد نفسه – هذا هو عمل الشفيع.
هل يستخف المؤمن بالخطية؟ بالعكس فإنه يرتعب من الخطية لأن الخطية تجعل الآب يهتم والابن يهتم والروح القدس يهتم. الله المثلث الأقانيم يهتم بالمؤمن إذا أخطأ فما أشنع الخطية وما أرداها! كم يجب أن نبغضها وننفر منها.
ماذا تعمل الخطية؟ قلنا أن الخطية لا تفقد خلاص المؤمن ولا تضيع البنوة ولا تقطع الشركة نهائياً لكن تعطلها وتحزن الروح القدس فينا والروح القدس هو المعزي فإن كنت أحزن المعزي فمن يعزيني؟
داود أخطأ وسكت عن الاعتراف. توجد معاملة ثانية من الشفيع. يقول داود "لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله تحولت رطوبتي إلى يبوسة القيظ" يحاول أن يفتح فمه بالترنيم وهو مرنم إسرائيل الحلو وفي يده العود لكن لما أخطأ لم يستطع أن يرنم بل تعطلت الشركة وتحولت الرطوبة إلى يبوسة هذه هي جهنم المؤمن – التأديب المر.
فابتداء القضاء من بيت الله.
يا أحبائي: لا أعتقد أن المؤمن يستهين بالخطية. الذي يستهين بالخطية هو الشرير. لكن المؤمن ولو تمادى وقتاً ما في خطئه لكن لا يستخف بالخطية. الخطية تعطل الشركة مع الله وتحزن الروح القدس وتوقف التسبيح وتجعل حالة المؤمن في جفاف لا يحتمل.
"فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار" – هذا شرط الشفيع هو البار في ذاته وهو برنا. "صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء" (1 كو 1: 30). مسكين الإنسان الذي يتخذ لنفسه شفعاء آخرين! هل يوجد إنسان أو ملاك بار ينفع أن يكون شفيعاً؟ يقول الكتاب عن البشر: "ليس بار ولا واحد" (رو 3: 10) وعن الملائكة "وإلى ملائكته ينسب حماقة" (أي 4: 18) – لماذا تبحث عن شفيع والشفيع موجود والكتاب يقول: لنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو المعيّن من الله شفيعاً؟ لماذا تبحث عن محام والمحامي موجود وموكل لصالحك في كل قضية؟
وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً. (عدد 2)
"وهو كفارة لخطايانا" – هل الخطية التي أخطأت بها وأنا مؤمن تحتاج إلى تكفير؟ نعم. وقد قدمت الكفارة على الصليب ومفعولها دائم أمام الله إلى الأبد ولا تتكرر. وشفاعة المسيح عند الآب مقبولة لأنه هو الذي قدّم الكفارة فأرضى الله بها تماماً.
"بل لكل العالم أيضاً" – الخطايا التي كفر عنها بالذات هي خطايا جميع المؤمنين التي حملها المسيح على الصليب "الذي حمل هو نفسه خطايانا (نحن المؤمنين) في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر. الذي بجلدته شفيتم" (1 بط 2: 24). "والرب وضع عليه أثم جميعنا (جميع المؤمنين)" (1 ش 53: 6).
فخطايا المؤمنين الفعلية حمل المسيح قصاصها على الصليب نائباً عنهم ولذلك "لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع" (رو 8: 1) لكن الكفارة بصفة عامة هي لكل العالم وهي رد المجد لله. وعلى أساسها يقدم الله الإنجيل للعالم معطية له الفرصة فيخلص ولا يهلك كل من يؤمن بالمسيح.
لو لم يكن الله قد تمجد في عمل المسيح الكفاري لأهلك العالم، ولما استحق الخاطئ أن يعيش لكن الله يقدم الفرصة ويطيل أناته ويرسل بشارة الإنجيل لكل الناس على أساس الكفارة لأنه لا يريد أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع على التوبة.
كان في العهد القديم يوم اسمه يوم الكفارة في الشهر السابع في عاشر الشهر فيه يصوم الشعب ويذللون أنفسهم (لا 16: 29). وهو اليوم الوحيد الذي كان فيه صوم رسمي. كان بنو إسرائيل يصومون في أي يوم صوماً شخصياً كل واحد بحسب ظروفه ولكن يوم الكفارة يوم صوم عام لكل الشعب. في ذلك اليوم كان رئيس الكهنة يأتي بتيسين ويلقي عليهما قرعة: واحد للرب وواحد لعزازيل (التيه) الأول رمز لرد المجد لله (الكفارة) والآخر رمز لإبعاد خطايا الشعب فلا يذكرها الله فيما بعد[2].
ويوم الكفارة هو اليوم الوحيد الذي كان فيه يدخل رئيس الكهنة إلى قدس الأقداس مرة واحدة في السنة لأن طريق الأقداس كان مغلقاً (عب 9: 8).
وكان يدخل بدم الكفارة على يديه – يدخل إلى داخل الحجاب لا بوجهه أولاً بل بيديه لكي يرى الله الدم (عب 9: 7) الذي يشير إلى دم المسيح الكريم فيتسامح مع الشعب سنة كاملة كما نقرأ في رسالة العبرانيين "لكن فيها كل سنة ذكر خطايا" (عب 10: 3).
من الذي ينتفع بالكفارة؟ الذي يؤمن – "متبريين مجاناً بنعمة الفداء الذي بيسوع المسيح. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله" (رو 3: 24، 25)، الله تمهل على مؤمني العهد القديم (السالفين) وصفح عنهم على حساب الكفارة.
وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. (عدد 3)
الذي لا يحفظ وصايا الله لا يعرف الله – لا يعرف قداسته ولا يعرف مطاليبه. الذي يعرف الله يعرف مشيئته ويعرف ما يرضيه ويتممه.
صفة المؤمن هي أنه يعرف الله. لكن كيف نعرف أننا نعرفه؟ الجواب: إذا كنا نحفظ وصاياه وهذا لا يعني أن يوضع المؤمن تحت الناموس مرة أخرى فنحن لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة.
مَنْ قَالَ قَدْ عَرَفْتُهُ وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ. (عدد 4)
رأينا في الإصحاح الأول ثلاثة ادعاءات:
1-إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق (ع 6)
2-إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا (ع 8)
3-إن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذباً وكلمته ليست فينا (ع 10)
ونجد هنا في الإصحاح الثاني ثلاثة امتحانات للحياة المسيحية الحقيقية، الحياة كانت عند الآب في المسيح يسوع وأظهرت لنا. والرسل عاشوا مع المسيح ولمسوا هذه الحياة وتمتعوا بها وكتب لنا الرسول يوحنا لتكون لنا شركة معهم وشركتنا هي مع الآب ومع أبنه يسوع المسيح, وهي أسعى شركة وفي هذه الشركة لنا فرح كامل. وهذه الامتحانات هي:
1- من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه (ع4)
2- من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً (ع6)
3- من قال أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة (ع9).
المدّعي الأول هنا مثل الأول في ص1 كلاهما كاذب لأن أعماله غير مطابقة لأقواله والكذب ضد الحق, فالحق ليس فيه.
الامتحان الأول لمعرفة الحياة الأبدية التي في المؤمن هو الطاعة. فالطاعة هي الصفة المميزة للحياة المعطاة للمؤمن من الله وتظهر في عمل مشيئته. المسيح سار على الأرض في طاعة كاملة. كان طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله. وبما أن حياته فينا كمؤمنين فيجب أن تظهر نفسها في الطاعة لمشيئة الله وهذا ما نجده في ابط 1: 2 في تقديس (فرز) الروح للطاعة "(لطاعة الرب يسوع المسيح) لكي نطيع كما أطاع هو. ليست الطاعة مقترنة بالعصمة كما كان هو لكن بينما المؤمن يضع في قلبه أن يطيع الله ويعمل مشيئته فإنه أحياناً يعثر, لكنه يستمر في جعل هدفه عمل مشيئة الله لأن هذه هي طبيعة الحياة الجديدة.
الذي يعترف بأنه يعرف الله ولا يظهر الطاعة ليس مؤمناً على الإطلاق. بل وهو كاذب ويفتقر إلى معرفة الرب بالحق. إنه مجرد معترف بالمسيحية له صورة التقوى لكنه منكر لقوتها.
وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقّاً فِي هَذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ. بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ (عدد 5)
"كلمته" أهم وأشمل وأوسع مدى من "وصاياه" الوصايا محددة مثل الناموس. لكن نحن في العهد الجديد لسنا تحت الناموس يقول: افعل هذا ولا تفعل ذلك، لكن المؤمن ليس محتاجاً لوصايا كهذه لأن فيه طبيعة جديدة ويسكن فيه الروح القدس الذي يعلمه ويرشده. فيقول الرسول هنا "من حفظ كلمته" ليس وصاياه بل فهم غرض الله وفكره وما يرضيه ويسرّه. كما قال الرب لتلاميذه "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي "ثم يضيف" إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً (يو 14: 12-23).
قال أحد المؤمنين لتوضيح الفرق بين وصاياه وكلمته مثلاً: شخص له ابنان. الأول يحب أباه ويعمل الأشياء التي تسره من تلقاء ذاته لا نتيجة وصية من أبيه بل محبة لأبيه. والثاني عكس ذلك فاضطر أبوه أن يعمل له ضوابط فيوصيه أن لا يلعب بالقرب من الأشياء القابلة للكسر وأن لا يتلف شيئاً ولا يعبث بترتيب البيت وهكذا.
فالأول غير محتاج إلى وصايا هذا هو ما يعنيه الرب بقوله "يحفظ كلمتي"[3].
والثاني محتاج إلى وصايا محددة.
فالطبيعة الجديدة التي في المؤمن صفتها الطاعة والطاعة هي حفظ كلمة الله. والمسيح له المجد لما كان هنا على الأرض قال: طعامي أن أفعل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله. لم آت لأفعل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني. شريعتك في وسط أحشائي – لكن نحن فينا إرادة عاصية ويجب أن نحكم على إرادتنا لكي ننفذ إرادة الله. أما المسيح فكانت إرادته مطابقة إرادة الله تماماً.
يوجد فرق كبير جداً بين هذه الطاعة والطاعة الناموسية، لم يقدر أحد على الطاعة الناموسية وتعدينا الوصية وسقطنا لكن بأخذ الطبيعة الجديدة طبيعة النور أصبحنا نحب النور ونسلك في النور ونطيع الله ونحفظ كلمته. أما من حفظ كلمته فحقاً في هذا تكملت محبة الله وبرغبة وشوق يطيع الله ويتمم مشيئته. هذه أثمار الطبيعة الجديدة.
فالامتحان الأول: هو الطاعة إن كنا نعرف الله نحفظ كلمته لا وصاياه فقط.
يسأل البعض: هل التدخين حرام؟ هل التلفزيون حرام؟ يقول الرسول بولس "كل الأشياءتحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق". المهم هل هذا يرضي الله؟ يقول مثالنا الأعظم "إني في كل حين أفعل ما يرضيه" ونلاحظ التدريج: الذي يعرف الله يحفظ وصاياه، ثم من يحفظ كلمته تتكمل فيه محبة الله – يعرف محبة الله الكاملة ويعمل مرضاته.
مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ، يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هَكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضاً. (عدد 6)
عرفنا الامتحان الأول – الطاعة وحفظ وصاياه (ع 4).
هنا الامتحان الثاني – السلوك كما سلك هو. قال الرب في صلاته للآب "ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم، وأيضاً كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم" (يو 17: 16، 18).
فالمؤمنون ليسوا من العالم كما أنه ليس من العالم لأنهم مولودون ثانية ولهم حياته فيهم. هم فيه وثابتون فيه لذلك ينبغي أن يسلكوا كما سلك هو.
قال الرب يسوع "في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم" (يو 14: 5) المسيح فيَّ وأن فيه. ليس ذلك فقط لكن ثابت فيه قريب منه وملتصق به دائماً.
للرسول يوحنا كلمات خاصة معروفة عنه في الإنجيل وهنا في الرسالة:
فهو يتكلم كثيراً عن المحبة وعن الحق وعن الثبات "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو 15: 4) ويقول في ع 5 "أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي يثمر كثير. لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً". الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا فيَّ. الذي يثبت في المسيح ينبغي أن يسلك كمل سلك هو.
ما دام الغصن ثابتاً في الكرمة فضرورة حتمية أن يأتي بثمر وأيضاً ما دام المؤمن ثابتاً في المسيح فضرورة حتمية أن يسلك كما سلك هو. يتمثل به في سلوكه.
طالما الغصن ثابت في الكرمة يأخذ من عصارة الكرمة فيأتي بالثمر تلقائياً. لما نثبت فيه نسلك مثله لكن لا نصبح مثله فهو ليس فيه طبيعة فاسدة ولا يعرف خطية ولكننا سنكون مثله عندما يجيء وتبطل الخطية ويغيِّر الأجساد ونكون على صورة جسد مجده. أما الآن فنقتفي آثار خطواته ونسلك كما سلك هو وذلك بقوة الثبات في الرب.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ. الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْبَدْءِ. (عدد 7)
شكراً للرب من أجل عطاياه للكنيسة من أجل الذين وهبهم موهبة تفسير ما نجد صعوبة في فهمه. يقول هنا في ع 7 "الوصية القديمة هي الكلمة التي سمعتموها في البدء". ويقول في ص 3: 11 "لأن هذا هو الخبر الذي سمعتموه من البدء أن يحب بعضنا بعضاً" متى سمعوا هذا الخبر؟ سمعوه من الرب في حياته من البدء أن يحبوا بعضهم بعضاً وذلك حين قال لهم "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً" (يو 12: 34). فالوصية القديمة هي الكلمة التي سمعوها من البدء وهي الخبر الذي سمعوه من البدء.
"أن يحب بعضنا بعضاً" – لماذا يقول الرسول يوحنا "وصية قديمة"؟ لأنهم سمعوها من البدء.
لما قالها الرب كانت وصية جديدة فقال وصية جديدة أن أعطيكم. لكن لما يستشهد بها يوحنا هنا يقول وصية قديمة لأنها كانت عندكم من البدء.
ما هو البدء هنا؟ هو بدء وجود المسيح في الجسد على الأرض كما يقول في فاتحة الرسالة "الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه". لماذا قال الرب وصية جديدة أنا أعطيكم؟ لأنها لم تكن موجودة قبل ذلك. الوصية التي كانت موجودة هي "تحب قريبك كنفسك". هذه الوصية الناموس. لكن يقول الرب وصية جديدة: أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا. وصية جديدة في نوعها ومقياسها. مقياسها ليس "كنفسك" لكن "كما أحببتكم أنا". والمحبة ليست للقريب فقط. "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاً لبعض" (يو 13: 35). هذه هي الوصية الجديدة التي أعطاها لهم خلافاً لوصية الناموس.
أَيْضاً وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌّ فِيهِ وَفِيكُمْ، أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. (عدد 8)
هذه الوصية جديدة لأن الرب لم يسبق أن قالها وهذه الوصية هي "ما هو حق فيه وفيكم أن الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يضيء". الوصية القديمة عندما أعطاها الرب لهم كانت حقاً فيه هو فقط. لم تكن حقاً فيهم. أعطاهم وصية "تحبوا بعضكم بعضاً" لكن هذه الوصية لم تكن حقاً فيهم ولم يتمموها لأنه بعد أن قال لهم هذا حدثت بينهم مشاجرة من يكون أعظم. فهل هذه هي المحبة التي قال أن مقياسها محبته لهم؟ متى تكون حقاً فيهم؟
قال لهم "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها (يكون الحق هو وحده وليس فيهم) لكن إن ماتت تأتي بثمر كثير". والثمر يأخذ نفسي حياته هو – حياة الحبة التي ماتت وقامت. يكونون مثله يأخذون حياة القيامة ويكون ما هو حق فيه يصبح حقاً فيهم. فالرب يسوع لما أعطاهم الوصية أن يحبوا بعضهم بعضاً لم يكن قد مات بعد. لكن الآن يقول الرسول ما هو حق فيه وفيكم لأن الرب مات وقام وأعطاهم حياة القيامة وأصبح ما هو حق فيه هو حق فيهم أن الظلمة قد مضت ويقدرون الآن أن يحبوا بعضهم بعضاً ويتمموا الوصية القديمة بواسطة النور الذي صاروا فيه الآن.
هل التلاميذ بعدما قام الرب وأرسل الرسالة مع مريم المجدلية "اذهبي إلى أخوتي وقولي لهم أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" وجدت فيهم المحبة التي فيه؟ نعم. ما هو الدليل؟
لم يتشاجروا بل وقفوا (الاثنا عشر) صفاً واحداً كرجل واحد وقالوا قولاً واحداً ولم يخافوا من اليهود وكان عندهم كل شيء مشتركاً وكانوا يواظبون كل يوم في الهيكل بنفس واحدة.
"إن الظلمة قد مضت" – أليس في العالم الآن ظلمة؟ العالم كله ظلمة وهو موضوع في الشرير والشرير هو سلطان الظلمة. لكن يقول الرسول بولس "شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة" (كو 1: 12، 13) وأيضاً "كنتم قبلاً ظلمة أما الآن فنور في الرب" (أف 5: 8). الظلمة مضت عن المؤمنين وليس عن العالم ولا عن المعترفين بالاسم. الظلمة بالنسبة لنا قد مضت والنور الحقيقي الآن يضيء. لما جاء المسيح إلى الأرض يقول الكتاب "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه". ليس فقط لم تدركه بل حاولت أن تطفئ النور لأن الذي يسلك في الظلمة يبغض النور. إن أعمال الذي يبغض النور شريرة لذلك لا يحب النور لئلا توبخ أعماله.
لكن المؤمن الحقيقي يحب النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة.
مَنْ قَالَ إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. (عدد 9)
هنا الامتحان الثالث: المحبة.
الامتحان الأول في ع 4 الطاعة أي حفظ الوصايا.
الامتحان الثاني في ع 6 السلوك كما سلك هو.
الامتحان الثالث في ع 9 يحب أخاه.
هذه هي اختبارات صحة مسيحيتنا: الطاعة، السلوك في النور، المحبة – محبة الأخوة، عدم محبة الأخوة هي العلامة المؤكدة بأننا في الظلمة.
الذي يدعي أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو لا يزال في الظلمة أي غير مؤمن لم ينتقل من الظلمة إلى النور بل هو أعمى – في الظلمة يسلك ولا يعمل إلى أين يمضي لأن الظلمة قد أعمت عينيه.
المحبة والنور يسيران معاً – كلاهما أظهر في المسيح فهو نور ومحبة. الذي لا يحب أخاه فهو غير مؤمن لأنه لم يأخذ طبيعة الله التي هي محبة.
مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ.
"ليس فيه عثرة" – أي لا يعثر الآخرين. الذي يحب أخاه يثبت في النور وأما الذي يخاصم أخاه وليست بينه وبين أخيه محبة بسبب عثرة. لأن الدليل على أننا تلاميذ الرب هو محبتنا بعضنا لبعض[4] "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاً لبعض".
قال واحد من المفسرين أنه أحياناً توجد صعوبة في أن يحب واحد أخاه بسبب وجود الفاسدة التي تظهر فيه أحياناً وتظهر أثمارها الردية فتسبب للأخ إرهاقاً في أن يحتفظ بالمحبة لأخيه. لكن لا يجب أن تقف هذه الصعوبات عائقاً في سبيل المحبة ولا تجعل شيئاً يعطل جريان المحبة نحو أخي الذي مات المسيح من أجله بل في عرش النعمة العلاج لكل هذه الأمور.
أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. (عدد 12)
نقرأ في ع1 "يا أولادي"، وهنا في ع12 "أيها الأولاد". وفي ع38 "أيها الأولاد".
"الأولاد" في هذه المواضع الثلاثة تعني الأولاد الأحياء الأعزاء وهي تنطبق على جميع أولاد الله – جميع المؤمنين أي كل عائلة الله. أما قوله "أيها الأولاد" في ع13 وفي ع18 فهي كلمة أخرى. في الأصل اليوناني تختلف عن الكلمة الأولى التي في المواضع الثلاثة.
وهنا تعني الأولاد الصغار أي الأطفال في المسيح. فهو يكتب هنا في هذا العدد لك عائلة الله لكل أولاد الله ويقول لهم:
"لأنه قد غفرت لكم الخطايا" – كل أولاد الله مغفورو الخطايا. يا له من خبر مفرح وامتياز ثمين – كل أولاد الله على اختلاف درجاتهم يشتركون في هذا الامتياز "لنا فيه الغداء بدمه غفران الخطايا" (كو1: 14). (آف 1" 7).
قال الرب للمفلوج "مغفورة لك خطاياك". تذمر الكتبة فقال لهم: هل أنا أقول كلاماً ليست له قوّة؟ مغفورة لك خطاياك فعلاً والدليل: قم واحمل سريرك وامش. قام وحمل سريره ومشى. ظهرت قوّة كلامه وصدقه في شفاء المفلوج وعلى ذلك غفران خطاياه صحيح وأكيد. "طوبى للذي غفر إثمه وسترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب الرب له خطية" (مز 32: 201). إنه أسعد إنسان" يغني بين الناس فيقول قد أخطأت وعوجت المستقيم (ليس كالذين يدعون ليس لنا خطيّة) ولم أجاز عليه (لأن بديلي قد جوزي بالنيابة عني)" (أي 33: 27)." إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح "لأن المسيح حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة" (رو 8: 1, إبط 2: 24) عائلة الله عائلة سعيدة. كل أولاد الله مغفورو الإثم.
غفران الخطايا عند كثيرين من المسيحيين غرض يسعون إليه يريدون الوصول إليه ويقولون ربنا يعطينا غفران الخطايا. يقول الواحد منهم لا أقدر أن أقول الآن أني مغفور الخطايا. أنا أتمنى أن أكون كذلك.
متى تعرف إذاً أن خطاياك غفرت؟ يقول ليس الآن لكن عندما أصل إلى النهاية أتأكد أني مغفور الخطايا ويبقى هكذا معذباً كل حياته. هذه إهانة للمسيح, كأن عمله غير كاف وكلامه غير صادق.
هل يقول الرسول أنه غفرت لكم الخطايا لأنكم صالحون؟ كلا. بل "من اجل اسمه" هذا هو سبب الغفران. وفي الإنجليزية for his names sake أي من أجل خاطر اسمه. "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أع 10: 42). "لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص "(أع 4: 12). لا يوجد غفران خطايا إلا من أجل اسمه. لماذا؟ لأنه هو حمل خطايانا فهو يعطي الغفران. يقولون: لم يذكر هنا أية خطايا! عندما يقول "الخطايا" فالمقصود كل الخطايا على إطلاقها. مكتوب "مسامحاً لكم بجميع الخطايا" (كو 2: 13) أي الماضية والحاضرة والمستقبلة. كيف تقول المستقبلة وهي لم تعمل بعد؟ الله يعرفها وقد وضعها كلها على المسيح كما هو مكتوب "والرب وضع عليه إثم جميعنا" (اش 53: 6). مع أننا لم نكن قد وجدنا بعد ولا عملنا خطايا. لكن الله يعرفها ووضعها عليه والمسيح حملها – خطايا جميع المؤمنين لأنها معروفة عنده ووضعها على المسيح والمسيح حملها على الصليب له كل المجد.
يقولون: المسيح حمل الخطية الأصلية فقط أما الخطايا الأخرى فحسابها مع الكاهن الذي يعطيه الغفران عندما يعترف بها لأنه قال "من غفرتم خطاياه تغفر له، هل كان يتكلم عن الغفران الأبدي؟ كلا. لكن هذا غفران من التأديب والرب أعطى هذا السلطان لبطرس ثم لكل الرسل ثم للكنيسة مجتمعة معاً باسمه. قال بطرس "يا حنانيا لماذا! ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟ فوقع ومات وهكذا أيضاً حدث مع سفيرة امرأته (أع 5).
وقال بطرس أيضاً لسيمون الساحر "فتب عن شرك واطلب إلى الله عسى أن يغفر لك فكر قلبك لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم" فقال سيمون لبطرس ويوحنا: أطلبا أنتما من أجلي لكي لا يأتي عليّ شيء مما ذكرتما (أع 8).
قال شاول الذي هو بولس لعليم الساحر الذي أراد أن يفسد الوالي عن الإيمان "هوذا يد الرب عليك فتكون أعمى لا تبصر الشمس إلى حين. ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمساً من يقوده بيده" (أع 13). وكانت هذه آيات صنعها الرسل في بداية عمر الكنيسة لتأييد تعليم الرب عندما كان شفوياً وقبل أن سجل بالوحي في الكتاب.
وقال الرسول بولس للمؤمنين في كورنثوس بخصوص الرجل الذي أخذ امرأة أبيه أن يجتمعوا باسم الرب ويعزلوا الخبيث من بينهم (اكو 5) ولما حزن حزناً مفرطاً قال لهم في الرسالة الثانية اقبلوه ومكنوا له المحبة لئلا يبتلع من الحزن المفرط. ففي الأول أمسكوا عليه خطيته وعزلوه وحكم عليه الرسول بسلطانه الرسولي أن يسلّم للشيطان لهلاك الجسد ولما تاب رد إلى الشركة.
هذا السلطان لم يعطه الرب لفئة معينة من الناس بل للرسل ثم بعد ذلك للكنيسة. من هي الكنيسة؟ المؤمنون باسم الرب. "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون وسطهم" (مت 18: 20).
"إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه... إن سمع منك فقد ربحت أخاك وإن لم يسمع فخذ معك واحداً أو اثنين وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة. وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار. كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء" (مت 18: 15-18).
فالكنيسة مجتمعة باسم الرب لها سلطان منه أن تمسك الخطية على الشخص الغير تائب من حيث التأديب وليس الغفران الأبدي. عندما يرجع يرفع التأديب. وليس هذا سلطان شخص معين يحرم الآخرين من دخول السماء. أما الغفران الأبدي فيعطى من الله للشخص التائب مرة واحدة عند قبوله المسيح ولا يضيع هذا الغفران إلى الأبد.
الخطية الأصلية لا تغفر. هل أنا فعلتها حتى تغفر لي؟ لا. هي الخطية التي ورثتها من آدم وأنا مولود بها. "هأنذا بالاثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" (مز 51: 5) فهي الشجرة الرديئة التي تصنع أثماراً رديئة – هي النبع الفاسد فينا. وقد دينت في صليب المسيح فليس لها عليّ سلطان. يقول الرسول بولس "فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية (إنهاء مشكلتها) دان الخطية في الجسد" (رو 8: 3). أي أن الخطية التي في جسدي دانها الله في جسد المسيح وأصبح محكوماً عليها بالموت وأنا عليّ أن أنفذ في أعمالها حكم الموت[5].
هذا هو العلاج الإلهي الكامل:
بالاختصار: - الخاطئ يقبل المسيح مخلصاً ويؤمن بحمله على الصليب فتغفر له جميع الخطايا.
لنفرض أنه بعدما غفرت له الخطايا وقع في خطية ماذا يفعل؟ يقول الرسول يوحنا "أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عن الآب يموت المسيح البار وهو كفارة لخطايانا" (1 يو 2: 1) ولنا شفيع في داخلنا هو الروح القدس الذي يعمل فينا ويجعلنا نعترف فتغفر لنا خطايانا وهذا ليس الغفران الأبدي بل الغفران الأبوي (غفران من التأديب) الآب يرضى علينا ويردّ شركتنا ويعود لنا الفرح. هذا هو موضوع الخطية كله: جميع الخطايا تغفر مرة واحدة عند الإيمان القلبي بالمسيح وذلك من أجل اسمه وعلى أساس دمه المسفوك على الصليب – الدم الذي يطهر من كل خطية.
والمؤمن لا يفقد غفران الخطايا إذا أخطأ لكن يفقد استمرار الشركة وهذه تردّ له عندما يعترف بخطاياه.
شكراً للرب من أجل علاج الله الكامل ومن أجل راحة الضمير الكاملة التي أعطاها لنا المسيح بواسطة كمال عمله على الصليب له كل المجد.
أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الآبَ. (عدد 13)
يذكر الرسول هنا ثلاث درجات للنمو الروحي في عائلة الله: الآباء في المسيح – الأحداث في المسيح – الأولاد والأطفال في المسيح.
أولاً: الآباء – ما الذي يميز الآباء؟ هو أنهم عرفوا الذي من البدء أي الرب يسوع من بدء تجسده. نلاحظ أنه لا يقول "عرفتم الذي في البدء" فمعرفة الذي في البدء تعني معرفة المسيح في لاهوته وهذا لا يعرفه إلا الآب وحده "ليس أحد يعرف الابن إلا الآب" (مت 11: 27) – هذه معرفة الآب في لاهوته.
لكن يقول "قد عرفتم الذي من البدء" أي المسيح من بدء حياته على الأرض. الذين عاشوا معه عرفوه وشهدوا أنهم الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. رأوا الحياة الأبدية مجسمة في شخصه وتأملوا وتفرسوا فيه ولمسته أيديهم.
هؤلاء الآباء يا أحبائي هل ولدوا آباء؟ لا. كانوا أولاداً صغاراً ثم نموا روحياً وصاروا أحداثاً وبعد التدريب وخطوات في طريق الإيمان وصلوا إلى درجة الآباء.
يقول الرسول بولس "فليفتكر هذا جميع الكاملين منا" (في 3: 15) والمقصود بالكاملين البالغين أي الناضجين في الحياة الروحية. هل تريد أيها الأخ أن تكون من الآباء؟ اعرف الذي من البدء – المسيح. تأمله في كل أدوار حياته في الأناجيل. وكلما تأملت فيه تنضج صورته عليك "ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2 كو 3: 18).
يقول الرسول بولس "يا أولادي الذي أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غلا 4: 19).
نتأمله في طفولته حيث كان خاضعاً لوالديه وكان يساعد أباه في عمله كنجار. ولما كان عمره 12 سنة ذهب إلى الهيكل ولما بحث عنه والداه قال لهما: ينبغي أن أكون فيما لأبي. وفي الهيكل كان في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم فتعجبوا من فطنته وأجوبته فكان يوصل إليهم التعليم لذي لا يعرفونه عن طريق الأسئلة – كان مثالاً للآداب السامية.
"رأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (يو 1: 14) ليتنا نتتبع خطواته ونتمثل به في كل شيء. هذه هي معرفة الآباء للذي من البدء.
"عرفتم الذي من البدء" – أي المسيح في حياته على الأرض. عرفوه لا معرفة عقلية فقط لكن امتلأت به عيونهم وقلوبهم وشبعوا به. "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع" (عب 12: 2).
توجد سحابة من الشهود في طريق الإيمان لكن ظهرت منهم ضعفات عدم الإيمان. ابراهيم أبو المؤمنين نفسع فشل في الإيمان! لكن الرب يسوع وحده فهو الكامل الأبرع جمالً من بني البشر.
يتكلم الرسول بولس عن فضل معرفته للمسيح فيقول: "بل أني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه... لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته" (في 3: 8- 10) فهو لم يكتفِ بمعرفته للمسيح لكن يريد أن يعرفه أكثر وليس يريد أن يتشبه بحياته فقط لكن أيضاً بموته لأنه عندئذٍ لا يخسر شيئاً بل سيبلغ إلى قيامة الأموات.
ما يتميز به الآباء هو أن يكون لهم غرض واحد وهو معرفة المسيح – لا أنا بل المسيح – المسيح الكل.
نعرفه، ونعرفه معرفة أعمق ونتكل عليه وعليه وحده ولا يغيب عن نظرنا. وهذا أقصى ما يبلغ إليه المؤمن.
يقول الرسول بطرس "ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح" (2 بط 3: 18).
ثانياً: الأحداث – الذي يميز الأحداث أنهم أقوياء وقد غلبوا الشرير (إبليس) وسر الغلبة هو كلمة الله التي كانت ثابتة فيهم "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى" (كو 2: 16).
ثالثاً: الأولاد – (الأطفال في المسيح) – هؤلاء هم المتجددون حديثاً الذين لم يختبروا الطريق بعد لكن عرفوا الله كالآب وبحق ولادتهم من الله صار لكل منهم الحق في أن يصرخ بالروح القدس يا أبا الآب.
يقول الرسول بولس "أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب والروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله فإن كنا أولاد فإننا ورثة أيضاً ورثة الله ووارثون في المسيح" (رو 8: 15- 17).
كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. (عدد 14)
الآباء – يكتب إليهم ثانية نفس الكلام ولا يضيف شيئاً "عرفتم الذي من البدء" – لا يوجد أسمى من ذلك. هذا أسمى ما يمكن أن يصلوا إليه. حسب الفكر البشري كان عليه كان عليه أن يكتب لهم عن أشياء أكثر عمقاً لأن مستواهم عالٍ. لكن أهم درس نتعلمه هو "المسيح" المسيح هو الدرس الأول وهو الدرس الأخير. الرب يعيننا لكي نتعلم المسيح ونمتلئ منه ونشبع به ويكون المسيح وحده مالئاً قلوبنا وأفكارنا وعيوننا. بقدر ما ننسى ذواتنا ونحوّل أنظارنا عن أنفسنا بقدر ما نمتلئ بشخص الرب يسوع المسيح.
الأحداث – يكتب إليهم لأنهم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيهم".
الرب يسوع المسيح له المجد لما كان هنا أخذه إبليس ليجربه في البرية. بماذا غلبه الرب؟ بسلاح واحد في كل التجارب هو "مكتوب". جرَّبه بحاجة الجسد – الأكل إذا جاع أخيراً فقال له إبليس أن يقول للحجارة أن تصير خبزاً. فقال له الرب: مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله.
جربه في طريق الإيمان والثقة في الله وقال له ارم نفسك من فوق جناح الهيكل. قال له: مكتوب لا تجرب الرب إلهك. جرِّبه بتعظم المعيشة فأراه ممالك العالم كلها وقال له أعطيك هذه كلها إن خررت وسجدت لي. قال له مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. سلاح واحد به غلب الشرير وهو كلمة الله.
في كلمة الله العلاج الكافي لكل ما يقدمه لنا الشيطان من إغراءات. نيتنا نتمثل بالرب في استخدام المكتوب لصد هجمات إبليس.
نشكر الله لوجود كلمته بين أيدينا لكن أيضاً نريد أن نخبئها في قلوبنا. جميل أن أواظب على قراءتها فتكون لي خبرة كافية فيها حتى عندما أكون في مشكلة أرجع إليها وآخذ منها ما يشجعني ويعزيني. لكن أجمل منه أن تكون الكلمة ساكنة في قلبي وثابتة فيَّ. يقول داود بروح النبوة عن الرب يسوع المسيح "وشريعتك في وسط أحشائي" (مز 40: 8) نحن في أنفسنا ضعفاء لكن نتقوى في الرب وفي شدة قوته وبثبات كلمة الله فينا نصبح أقوياء ونغلب الشرير.
لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. (عدد 15-17)
لماذا يحرضنا الرسول أن لا نحب العالم؟ لأنه يقول "نعلم أننا من الله والعالم كله قد وضع في الشرير" (1 يو 5: 19). ويقول يعقوب "أيها الزناة والزواني (المتحولون عن الرب) أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله فمن أراد أن يكون محباً للعالم فقد صار عدو الله" (يع 4: 4) وهذا مبدأ عام: لا نقدر أن نخدم سيدين. لا نقدر أن نحب الله والعالم معاً.
كيف نحب العالم الذي رفض ربنا يسوع المسيح وصلبه؟ للمؤمن أعداء ثلاثة: العالم وهو ضد الآب، الشيطان وهو ضد الابن، الجسد وهو ضد الروح القدس.
يقول الرسول بولس "لا تشاكلوا هذا الدهر (العالم)" (رو 12: 2) ويقول الرسول يوحنا "ولا الأشياء التي في العالم".
ما هي الأشياء التي في العالم؟ شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة. أول ما يتبادر إلى الذهن أن "شهوة الجسد" هي الشهوات الشبابية لكن يقول أحد المفسرين المشهورين: لقد قال لهم أولاً أنهم أقوياء وقد غلبوا الشرير والآن يقول لهم لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم التي هي شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة. ويقصد بذلك العالم في كل وجوهه: العالم الديني – العالم الاجتماعي – العالم السياسي – العالم التجاري... إلخ العالم له نظام وله أيضاً ديانة. التدين العالمي يغذي الجسد ويشبع الميول البشرية ويوجد التعظم والكبرياء وحب الظهور والأشياء التي يميل إليها الجسد وكل هذا لا يتفق مع محبة الآب.
ليتنا نتذكر دائماً قول الرب "ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم" (يو 17: 16). لقد أنقذتنا نعمة الله من سلطان الشيطان وأفرزتنا لله. ويقول الرسول بطرس "لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة" (2 بط 1: 4) وأدخلتنا نعمة الله في دائرة أخرى مركزها وقوة جاذبيتها شخص ربنا يسوع المسيح.
"والعالم يمضي وشهوته" – يقول الرسول بولس "الوقت منذ الآن مقصّر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم... والذين يشترون كأنهم لا يملكون والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لأن هيئة هذا العالم تزول" (1كو 7: 29- 31).
"وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" – ما الذي يثبت؟ يقول الرسول بطرس "وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد" (1بط 1: 25) ومن يفعل مشيئة الله يثبت أيضاً إلى الأبد.
أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. (عدد 18)
سبقت الإشارة إلى أن "الأولاد" هنا هم الأطفال في المسيح. ومن العجيب أيها الأحباء أن الروح القدس يكلم الأطفال عن أمور كبيرة وعميقة! عن التمييز بين الحق والضلال. لكن هذا ليس غريباً لأن أولئك الأطفال:
1- لهم مسحة من القدوس (مسحة الروح القدس) وهي تعلمهم عن كل شيء (ع20).
2- عندهم الكلام الذي سمعوه من البدء (ع24)
لذلك يقدرون أن يميزوا روح الحق من روح الضلال ثم يقول لهم أنكم سمعتم أن ضد المسيح يأتي والآن قد صار أضداد كثيرين للمسيح. على أي شيء يدل ذلك؟ يدل على أنها الساعة الأخيرة.
ونلاحظ قوله "الساعة" وليس الأيام الأخيرة لأن الوقت قريب ووجود الضلال دليل على أنها الساعة الأخيرة. كما يقول الرسول بولس "هذا وأنكم عارفون الوقت أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم" (رو 12: 11).
يظن البعض أن هذه النظرة نظرة تشاؤم فالعالم في رأيهم يتقدم والإنجيل يمتد وينتشر والمعرفة تزداد لكن الحقيقة أن العالم يسير من سيء إلى أسوء والضلال والارتداد يزدادان بشكل مخيف وهذه علامة الساعة الأخيرة.
بدأت الساعة الأخيرة من أيام أن كتب الرسول يوحنا هذا. وعندما يتكلم الكتاب عن طول أناة الله يقول "سنة الرب المقبونة" لكي يعلن رحمته ونعمته. أما عن الانتقام فيقول "يوم انتقام لإلهنا" لأن القضاء هو عمله الغريب. لكن نحن المؤمنين نعلم أن مجيء الرب قد اقترب فقد تناهى الليل وتقارب النهار ونحن في اللحظات الأخيرة. وتتصف الساعة الأخيرة بوجود أضداد كثيرين للمسيح.
عبارة "ضد المسيح" تعني شخصاً واحداً هو الأثيم وإنسان الخطية وابن الهلاك (2 تس 2) وهذا سيظهر بعد اختطاف الكنيسة وهو المسيح الكذاب – الوحش الثاني الطالع من الأرض (رو 13).
لكن أضداد المسيح الذين كانوا من أيام يوحنا ويزدادون يمهدون الطريق لشخصية ضد المسيح. وقد سمح الرب بوجودهم في أيام يوحنا ليعطينا العلاج في كلمته.
مِنَّا خَرَجُوا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا. لَكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا. (عدد 19)
من هم الذين خرجوا؟ هل كانوا مؤمنين حقيقيين؟ كلا. كانوا مسيحيين معترفين لكنهم أضداد للمسيح. من الذي أخرجهم؟ خرجوا من أنفسهم لأنهم لم يكونوا منا. لو كانوا منا لبقوا معنا لكن هؤلاء لما اعتنقوا التعاليم الضالة انسحبوا وخرجوا لأنهم لم يحتملوا النور.
والآن الأضداد الكثيرون للمسيح ملأوا المسيحية الاسمية. عندما كانوا قليلين في أيام الرسول يوحنا انسحبوا وخرجوا أما الآن وقد أصبحوا أكثرية. فالمؤمن الحقيقي هو الذي يجب أن ينفصل "فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة (محلة النظام العام للمسيحية) حاملين ماره" (عب 13: 13).
كل التعاليم الضالة خرجت من وسط المسيحيين وليس من الخارج وهذا مقاله الرسول بولس لقسوس كنيسة أفسس "ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم" (أع 20: 30).
من الأساقفة خرج معلمون كذبة وهذا ما حدث في المسيحية بعد رحيل الرسل. ألم يكن أريوس المفضل الكبير الذي أنكر لاهوت المسيح من الأساقفة الكبار في زمانه.
"منا خرجوا" – لم يقدر الظلام أن يبقى في وسط النور فخرجوا. لكن يستدرك الرسول فيقول أنهم لم يكونوا منا. كانوا في وسطنا لكن لم يكونوا منا لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا. علامة المؤمن الحقيقي أنه يثبت لأن الله قادر أن يثبته.
هل يمكن أن يرتد المؤمن؟ غير ممكن. الذي يرتد هو غير المؤمن أصلاً. "وأما نحن فلسنا من الارتداد بل من الإيمان لاقتناء النفس" (عب 10: 39).
وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ. لَمْ أَكْتُبْ إِلَيْكُمْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ الْحَقَّ، بَلْ لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَهُ، وَأَنَّ كُلَّ كَذِبٍ لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ. (عدد 20، 21)
"وأما أنتم" – بعد أن يتكلم الرسول يوحنا عن أضداد المسيح يقول: وأما أنتم. يوجد خط فاصل بين هؤلاء وبين المؤمنين الحقيقيين كذلك الرسول بولس مثلاً في آتي 3 بعد أن تكلم عن الأيام الأخيرة والأزمنة الصعبة يقول لتيموثاوس "وأما أنت فقد تبعت تعليمي وسيرتي..." (آتي 3: 10).
"فلكم مسحة من القدوس" – ما هي المسحة؟ هي الروح القدس وهو ختم علامة الملكية مثل الدمغة على الذهب مثلاً تثبت أنه ذهب حقيقي. كذلك المؤمن ختم بالروح القدس "إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا..." (أف 1: 13، 14) فالروح القدس ختم لإثبات الملكية، وعربون لامتلاك الميراث.
يقول الرسول بولس "إن كان أحد ليس له روح المسيح (الروح القدس) فذلك (الشخص) ليس له (للمسيح) (رو 8: 9). فالذي ليس له الروح القدس ليس ملك المسيح في العهد القديم كانت المسحة يمسح بها الكهنة ويمسح بها الملوك. والمؤمنون في العهد الجديد ملوك وكهنة "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه" (رو 1: 5، 6).
"وتعلمون كل شيء" – قال الرب يسوع للتلاميذ: "وأما متّى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو 16: 13).
مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ، إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هَذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ، الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالاِبْنَ. كُلُّ مَنْ يُنْكِرُ الاِبْنَ لَيْسَ لَهُ الآبُ أَيْضاً، وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِالاِبْنِ فَلَهُ الآبُ أَيْضاً. (عدد 22، 23)
يتكلم الرسول يوحنا عن الكذب كثيراً وبغاية الشدة كما يتكلم أيضاً عن الحق. انظر ص1: 6، 8، 10، ص2: 4، 8، 21، 22، 27.
أطلق الرب على يوحنا وأخيه يعقوب اسم "بوانرجس" أي ابني الرعد. فمع أن يوحنا رقيق إلا أنه عند الكلام عن المضلين والكذبة يتكلم بكل شدة.
من هو الكذاب؟ الذي ينكر أن يسوع هو المسيح.
قالت المرأة السامرية "نحن نعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي ومتى جاء يخبرنا بكل شيء. قال لها يسوع أنا الذي أكلمك هو" (يو 4: 25، 26). لقد أتى المسيح فعلاً لكن أنكروا أنه هو المسيح وقالوا ألعل هذا هو المسيح؟ فتشككوا فيه مع أنهم رأوا أعمال وقالوا: هل المسيح عندما يأتي يعمل أعمالاً أكثر من هذه؟
المسيح إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. وكانوا لا يزالون ينتظرون وسيأتي لهم المسيح الكذاب لأن المسيح الحقيقي قد جاء.
"هذا هو ضد المسيح الذي ينكر الآب والابن" – معرفة الآب والابن هي امتياز المسيحية ومعرفة المسيح كالمسيا هو امتياز اليهود "وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1 يو 1: 3).
"الذي ينكر الابن ليس له الآب أيضاً" – "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو 17: 3) أي أن الذي يؤمن بالله فقط بدون الإيمان بالمسيح ليس له حياة أبدية. بواسطة المسيح نعرف الله وبه نقترب إلى الله "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر (أعلنه)" (يو 1: 18) وهو الذي قال "ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بني" (يو 14: 6). "فمن ينكر الابن ليس له الآب ومن يعترف بالابن فله الآب أيضاً". الآب أرسل الابن والابن أعلن الآب. أما هؤلاء فأنكروا الآب والابن أي أنكروا المسيحية.
في أيام الرسول يوحنا كان لأضداد المسيح صفات معينة. وما هي صفات أضداد المسيح في الأيام الحاضرة؟ إن الضلالات المنتشرة الآن في المسيحية تشيب لها الولدان! هذه الضلالات لم تدخل الكنيسة التقليدية لكن دخلت مع الحزن الشديد في الكنائس التي كان لها النور وفيها أناس حصلوا على دكتوراه في اللاهوت. هؤلاء قالوا أن المسيح إنسان في مرتبة سامية super man لكنه ولد ولادة طبيعية وهو مثل أعلى في الأخلاق والآداب السامية وفي التعاليم أنكروا ولادته من عذراء وبالتبعية أنكروا لاهوته. واليهود أيضاً ينكرون هذه الحقائق.
عندما كنت في أمريكا تقابلت مع سيدة يهودية آمنت بالمسيح. قالت لي: إني أريد أن أكلم أقاربي عن المسيح في التوراة. هل تقدر أن تدلني على الفصول التي أكلمهم عنها. قلت لها مز 22 مثلاً يقدم المسيح الذي قال إلهي إلهي لماذا تركتني ثقبوا يديّ ورجليّ وعلى لباس ألقوا قرعة. وأيضاً اش 53 الذي فيه "مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا". قالت لي بالأسف اليهود ينكرون هذين الإصحاحين. ولا يطبقونهما على المسيح ويمنعون قراءتهما بحجة عدم فهمهما – البرقع موضوع على قلوبهم.
بكل حزن وأسى نقول أن علماء المسيحيين العصريين في الخارج في هذه الأيام ينكرون اش 53 – وينكرون الكفارة ويستهزئون بالصليب والدم والذبيحة ويقولون أن المسيح تعليم!
قال نيقوديموس قديماً للمسيح "يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه" أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو 3: 1-3) وأضاف "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان (على الصليب) لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 14) وكأن المسيح يقول لنيقوديموس التعليم لا ينفعك. أنا لم آت لأعلم لكن أتيت مخلصاً – والخلاص بالإيمان.
لكن المصريون أنكروا كل ما جاء في هذه الرسالة أن الحياة الأبدية كانت عند الآب وأظهرت لنا وأن لنا شركة مع الآب ومع الابن وأننا نملك في النور. لقد أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة فبقوا في الظلمة والظلمة أعمت أعينهم.
أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذاً فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضاً تَثْبُتُونَ فِي الاِبْنِ وَفِي الآبِ. وَهَذَا هُوَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. (عدد 24، 25)
لماذا ينبر الرسول يوحنا على "ما سمعوه من البدء"؟ لأنه يوجد فلاسفة قالوا أن التعليم الذي سمعوه من البدء هو تعليم ابتدائي وأنه توجد إعلانات أخرى! لكن حاشا فإن كلمة الله كاملة وكافية ولا يضاف عليها شيء ولا يحذف منها شيء. يقول الرسول "لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب إن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة" (رو 22: 18، 19).
"ما سمعتموه من البدء فليثبت فيكم. إن ثبت فيكم فأنتم أيضاً تثبتون في الابن وفي الآب" – يقول الرسول بولس لتيموثاوس "تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع" (2 تى 1: 13). وأيضاً "وأما أنت فاثبت على ما تعلمت وأيقنت عارفاً ممن تعلمت وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة... كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم..." ( 2 تى 3: 14-16).
"وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحياة الأبدية" – لاحظوا يا أحبائي أن الحياة الأبدية عطية حاضرة يمتلكها كل مؤمن إذ يقول الرب "من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية (أي الآن وليس أنه سيأخذ حياة أبدية) ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" (يو 5: 24).
ويقول الرسول يوحنا "كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية" (1 يو 5: 13) ومع أن الحياة الأبدية عطية حاضرة إلا أن ذاكرتها واسعة تشمل بركات حاضرة ومستقبلة، ولذلك هي أيضاً وعد بالتمتع بكامل البركات الروحية يقول الرسول بولس "على رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها الله المنزه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية (قبل الأزمنة أزلياً)" (تى 1: 2).
كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هَذَا عَنِ الَّذِينَ يُضِلُّونَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هَذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌّ وَلَيْسَتْ كَذِباً. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ. (عدد 26، 27)
كتب الرسول هذا كله ابتداءً من ع18 حتى ع27 ليس للآباء ولا للأحداث بل للأطفال في المسيح ليؤكد لهم أن ما سمعوه يثبت فيهم وهم يثبتون في الابن والآب والمسحة التي أخذوها ثابتة فيهم أي الروح القدس الذي يسكن فيهم. إن المسحة التي كان يمسح بها الملوك في العهد القديم لم تكن ثابتة لذلك يقول داود "روحك القدوس لا تنزعه مني" (مز 51: 11) لكن الروح القدس لا ينزع من مؤمني العهد الجديد كما يقول الرب لتلاميذه قبل أن يمضي إلى السماء "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يو 14: 16). يوجه الرسول بكتابته هذه الأقوال تحذيراً للمؤمنين من المعلمين الكذبة الذين يضلونهم.
توجد عطايا من المسيح لكنيسته "صعد إلى العلاء. سبى سبياً وأعطى الناس عطايا... رسلاً وأنبياء ورعاة ومعلمين... لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح" (أف 4: 8-12).
فهؤلاء بركة من الله للمؤمنين. وتوجد مواهب عظيمة معطاة من الله للذين كتبوا تفسير الكتب المقدسة نحتاج إليها لكن لا نحتاج إلى أولئك المعلمين الكذبة المضلين. والروح القدس يعطينا التمييز بين روح الحق وروح الضلال. هو يرشدنا ويعلمنا من كل شيء وهو حق. الروح هو الحق والمسيح هو الحق فهو الذي قال "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14) وهو الإله الحق. والكلمة هي الحق "كلامك هو الحق" (يو 17: 17).
وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ. (عدد 28)
"والآن أيها الأولاد" – هنا أيها الأولاد الأحباء – أي جميع أولاد الله – عائلة الله. انتهى الكلام الخاص بالأطفال في المسيح في ع27. والآن يوجه الكلام إلى كل أولاد الله. ما هو التحريض الذي يقدمه هنا؟ "اثبتوا فيه حتى إذا أظهر يكون لكم ثقة" لكن يكون لنا ثقة نحن الذين بشرناكم وخدمناكم ولا نخجل منه في مجيئه.
في 1تس 2: 19 يقول الرسول بولس "لأن من هو رجاؤنا وفرحنا وأكليل افتخارنا أم لستم أنتم أيضاً أمام ربنا يسوع المسيح في مجيئه".
يقول الرسول: من هو أكليل افتخارنا في يوم ظهور المسيح؟ ألستم أنتم؟ أنه في الظهور أمام كرسي المسيح يكون المؤمنون الذين آمنوا على يد الرسول سبب فرحه وأكليل افتخاره.
ولا يقصد الرسول بكلمة "إذا أظهر" أنه يوجد شك في ظهوره. حاشا. لكن عند ظهوره يكون لنا ثقة انظر أيضاً ص3: 2. يقول الرسول بولس "جاهدت الجهاد الحسن... وأخيراً وضع لي أكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً" (2 تس 4: 8) جميع المؤمنين يحبونالاختطاف لكن الذين يتعبون في الرب يحبون الظهور.
إِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ بَارٌّ هُوَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ الْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ. (عدد 29)
"إن علمتم أنه بار هو" – المؤمن يعلم أن المسيح هو البار الذي لم يعرف خطية (2كو 2: 23) والذي ليس فيه خطية (1يو 3: 5) "فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه" – هل نحن مولودون من المسيح؟ لا. نحن مولودون من الله الآب كما نرى ذلك في 1 بط 1: 3 ولكن لأن المسيح هو الله يقول الرسول "منه" لأن عادة الرسول يوحنا لكونه ممتلئاً من المسيح ومن الله ينتقل من الآب إلى الابن ومن الابن إلى الآب بسرعة.
هل نستطيع أن نصنع البر بطبيعتنا القديمة؟ غير ممكن. فالطبيعة القديمة فاسدة لا يمكن أن تنتج براً. "قد صرنا كلنا كنجس وكتوب عدة كل أعمال برنا" (1ش 64: 6) لكن يوجد مصدر واحد للبر الحقيقي وهو الطبيعة الجديدة ولا يمكن أن يصنع البر إلا المولود من الله. ومن علامات المولود من الله أن يصنع البر – هذا من الناحية الإيجابية ومن الناحية السلبية لا يفعل خطية (ص 3: 9). وتوجد علامات أخرى سنأتي إليها في بقية الرسالة.
[1] لا يقدر الشيطان أن يعمل شيئاً للمؤمنين دون أن يطلب ويأخذ الإذن.
[2] التيس الأول الذي خرجت قرعته للرب كان يذبح ويدخل بدمه إلى الأقداس ويحرق جسمه خارج المحلة كذبيحة خطية. والثاني كان يعترف عليه رئيس الكهنة بخطايا الشعب ويرسله إلى البرية بعيداً رمزاً لغفران خطايا الشعب وإبعادها عنهم. وهنا نرى الفرق بين الكفارة والنيابة. فالكفارة عامة لكل العالم لأنه فيها رد مجد الله الذي أهين، أما النيابة فهي خاصة بالمؤمنين فقط حيث ناب المسيح عنهم وسدد للعدل الإلهي حساب جميع خطاياهم وهذا واضح في التيس الذي يقر عليه هرون بخطايا الشعب ويُرسل في مكان مقفر وبعيد.
[3] ومثالاً لذلك عندما تأوه داود وقال من يسقيني ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب، فشق الأبطال الثلاثة محلة الفلسطينيين واستقوا ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب وحملوه وأتوا به إلى داود (أحم 23: 15، 16) عرّضوا أنفسهم للخطر دون أن تكون لديهم وصية لهذا العمل ولكنهم عرفوا رغبة داود فقط.
[4] نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الأخوة. (1 يو 3: 14)
[5] "بالروح تميتون أعمال الجسد" (رو 8: 13) وأيضاً "فأميتوا أعضائكم التي على الأرض الزنا النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كو 2: 5) وأما الطبيعة نفسها فليس لها غفران بل لها صليب لذلك يقول الرسول "مع المسيح صلبت" (غلا 3: 20) وأيضاً "الذين هم للمسيح قد صلبوا (شرعاً) الجسد (أي الطبيعة الفاسدة) مع الأهواء والشهوات" (غلا 5: 24).
- عدد الزيارات: 8929