مقدمة الرسالة
كتب الرسـول بولس هذه الرسـالة ورسائله إلى كولوسي وفيلبي وفليمون أثناء سجنه الأول في رومية، ومع أننا لسنا نعلم علم اليقين وبالتحديد تاريخ كتابة هذه الرسالة، إلا أنها كتبت على الأرجح ما بين سنة 60 و64 ميلادية لقد كتب الرسول هذه الرسالة ورسائله الأخرى سالفة الذكر وهو " أسير في سلاسل " في سجن رومية، فكأن الرب قد سمح للسلطة الرومانية الغاشمة بأن تلقي عبده وخادمه الأمين في ذلك السجن لكي يعطيه هذه الفرصة الذهبية الثمينة التي فيها يكتب هذه الرسائل القيمة ولا سيما هذه الرسالة الغنية بالحقائق الإلهية. وهذا يفسر لنا قول المرنم في أحد المزامير " لأَنَّ غَضَبَ الإنسان يَحْمَدُكَ. بَقِيَّةُ الْغَضَبِ تَتَمَنْطَقُ بِهَا " (مز 76 : 10) لقد استخدم الله غضب الإنسان الذي قذف برسوله إلى السجن ليؤول إلى حمده ومجده. ولقد تنطق ببقية ذلك الغضب إذ منح عبده وخادمه الأمين نعمة خاصة في كتابة هذه الرسالة.
أن موضوع هذه الرسالة ليس هو ما يحتاج اليه الإنسان كخاطيء وعلاج الله لهذه الحالة الذي نجده في الرسالة إلى أهل رومية، كمـا أن موضوعهـا يختلـف
يظن بعض المفسرين أن هذه الرسالة كتبت سنة 62م
اختلافا كليا عن موضوع الرسالة إلى أهل غلاطية التي فيها يقاوم الرسول بكل شدة خطأ الرجوع إلى الناموس، سواء من الناحية الفرائضية أو الوصايا والمباديء الأدبية، كما ينبر فيها على النعمة التي في المسيح المصلوب والمقام من الأموات وإلى الوعد الذي أعطى قبل الناموس وأكمل في المسيح دون سواه، وبذا تجري البركة إلى الأمم ويقبل الروح القدس بالإيمان. وتختلف كذلك عن الرسالة إلى أهل فيلبي التي فيها يرى المسيحي الحقيقي كسائح يركض ويسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع، كما أن الرسالة إلى أهل كولوسي لا تصل بالمؤمنين إلى السمو الذي في رسالة أفسس، فإن المؤمن يرى في رسالة كولوسي كمن مات مع المسيح وقام أيضاً معه ولكنه لا يرى فيها كمن أجلس في السماويات في المسيح يسوع، الحق الذي نراه في رسالة أفسس دون بقية الرسائل.
ويبدو أن حالة المؤمنين الروحية والأدبية في أفسس وقت كتابة الرسالة كانت سامية، وانه لم يكن هناك ما يعيق أو يعطل الروح القدس من أن يقدم لهم وبالتالي لكنيسة الله في كل الاجيال الإعلانات الإلهية السامية التي في هذه الرسالة. لقد كان هناك توافق وتجاوب بين حالة الكنيسة في أفسس وبين الحقائق الإلهية الفريدة التي في هذه الرسالة التي كتبت اليهم ونحن بدورنا لا نستطيع أن ندرك سمو الحقائق الإلهية ونتمتع بها اختباريا الا إذا سمت حالتنا الروحية. ليعطنا الرب بنعمته أن نكون كذلك.
تنقسم هذه الرسالة إلى قسمين رئيسيين : فالثلاثة الاصحاحات الأولى هي القسم التعليمي، والثلاثة الاصحاحات الأخيرة هي القسم العملي. في القسم الأول يبين الروح القدس غنى نعمة الله، وفي القسم الثاني يقدم التحريضات العملية لمن قبلوا هذه النعمة الغنية. أعني المقام أولاً ثم المسئولية، أو الامتيازات ثم الالتزامات أو بالأحرى المقام السماوي من ناحية، ثم السلوك الذي يوافقه ونحن هنا على الأرض من الناحية الأخرى. وهذا هو الترتيب الإلهي في كل كلمة الله.
ليتنا لا نفرح فقط بما أجزلته لنا نعمة الله بل لنسلك كما يحق لغني هذه النعمة.
- عدد الزيارات: 10052