Skip to main content

مصادر التقى في مواجهة الشر

(ع 10- 17) في النصف الأخير من الأصحاح نتعلم من هذا الجزء الذي يمدنا بغنى وفير كيف أن الله يمنحنا هذا الإمداد لكي يحفظ شعبه من فساد المسيحية والوضع الذي يكون عليه إنسان الله في الأيام الأخيرة

(ع 10و11) أولاً يقال لنا بالتحديد أن الأمان العظيم ضد كل ما هو خاطئ يكون في معرفة ما هو حق. لهذا أمكن للرسول أن يقول لتيموثاوس "أما أنت فقد تبعت (أو عرفت تماماً) تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبتي وصبري واضطهادي وآلامي". وليس من ضرورة تحتم معرفتي التامة للشر، بل بمعرفة الحق نستطيع أن نتبين ما هو خطأ وما هو مضاد للحق. وعندما نتبين الشر فإن التحريض ليس بأن ننشغل به بل بأن نعرض عن أولئك الذين يسيرون فيه.والحق مطروح أمامنا في تعليم الرسول الذي نجده في رسائله ويمكن تلخيصه بأنه الاستبعاد التام للإنسان وهو في الجسد بسبب خرابه الكامل ووجوده تحت سيادة الموت، كذلك دينونة الإنسان العتيق في صليب المسيح واستحضار الإنسان الجديد في الحياة والخلود في المسيح المقام والممجد، والتي أصبح المؤمنون فيها من اليهود والأمم متحدين معاً في جسد واحد للروح القدس.

وأمكن للروس بولس أن يقول لتيموثاوس عن هذا التعليم "وأما أنت فقد تبعت". فبقدر ما نتعلم وندخل تماما إلى تعليم بولس بقدر ما نكن أكثر تحديداً في أن نتبين هذه الشرور في الأيام الأخيرة ونتحول عنها.

وثانياً أمكن للرسول أن يحتكم إلى أسلوب حياته أو "سيرته" فقد كانت حياته في تمام التوافق مع التعليم الذي يعلم به. وبلا شك فقد كانت هناك مباينة أشد ما يمكن ما بين الرسول والمعلمين الأشرار الذين يتكلم عنهم. فقد كان حمقهم واضحاً كما كانت حياتهم تكشف عن التضاد الهائل للتقوى التي كانوا يعترفون بها. وقد تبين للجميع أن اعترافهم بصورة التقوى لم تكن لها قوة على حياتهم. ولكن ما أبعد الفارق مع الرسول. ففي تعليمه أعلن الدعوة السماوية للقديسين، وكانت "سيرته" أو أسلوب حياته في تمام التوافق مع تعليمه إذ كان غريباً ونزيلاً لأن سيرته (أو مواطنته) في السماء. إنها الحياة التي كان يحكمها الغرض أو القصد عند الرسول، فعاش "بالإيمان" مظهراً صفة المسيح في كل "أناة" و "محبة" و "صبر" "آلام" و "اضطهادات".

ولذلك فإن الأمان العظيم من شر الأيام الأخيرة يكون أولاً في معرفة الحق، وثانياً في الحياة التي تتوافق مع الحق. وثالثاً في مؤازرة الرب لنا. وفي هذه استطاع بولس أن يشهد من اختباره الشخصي وهو يتحدث عن الآلام والاضطهادات التي تغلغلت في حياته، وأمكن أن يقول "ومن جميعها أنقذني الرب". فإذا اجتهدنا أن نعرف التعليم، وتم إعدادنا لكي نحيا حياة متوافقة مع هذا التعليم، عندئذ سنتحقق من مؤازرة الرب. ولربما يتركنا الآخرون كما فعلوا مع الرسول، حتى أن الناس تظن أننا نتخذ موقفاً متشدداً وأننا نرفض الحلول الوسيطة، ولكن إذ ندافع عن الإيمان سنجد أن الرب يقف معنا كما وقف معه، وأن الرب يقوينا كما قواه، ويمكننا في إعلان الحق وينقذنا من فم الأسد ومن كل عمل ردئ ويخلصنا لملكوته السماوي كما فعل معه (3: 11. 4: 17، 18).

(ع 12و13). وثالثاً يذكرنا بمدى حاجتنا إلى مؤازرة الرب لنا, إذ يأتينا التحذير أن "جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون." أما صور الاضطهاد فتتباين مع الأزمنة المختلفة والأماكن المختلفة، ولكن الحقيقة تبقى أن من يريد أن ينفصل عن شرور المسيحية ويجتهد للتمسك بالحق فإنه يجب أن يعد نفسه للإهانات والأذى والترك وحيداً. وإلا فكيف نجد في المسيحية ذاتها "الناس الأشرار يتقدمون إلى أردأ مُضلِين ومُضلَين"؟

(ع 14) ورابعاً في مواجهة الشر فإن التقى يجد الأمان والمؤازرة بثباته في ما تعلمه من الرسول. ولذلك يكتب إلى تيموثاوس "وأما أنت فاثبت على ما تعلمت وأيقنت، عارفاً ممن تعلمت". وهنا نجد لثالث مرة في هذا الجزء القصير من رسالة بولس أنه يؤكد أهمية، ليس فقط أن نمتلك الحق بل في نواله من مصدر الوحي الذي نتمسك به بيقين كامل (أنظر 1: 3، 2: 2).

وبالاختبار تبرهن أيضاً أن المؤمنين ليس بمقدورهم مواجهة الشر لأنهم ليسو متيقنين تماماً من هذا الحق. ونحتاج في مواجهة الشر خاصة الشر الممتزج بالحق أن يكون لدينا تأكيداً مطلقاً بأن ما تعلمناه هو الحق. وهذا اليقين يمكن أن نمتلكه بمعرفة الرسول الذي سلمنا الحق والذي تحدث بسلطان الوحي. أما المعلم فيمكنه أن يستحضر الحق أمامنا, مع أنه ليس هناك معلم يمكنه أن يتكلم بسلطان الوحي، إذ عليه أن يوجهنا إلى كتابات الرسل الموحى بها إذا كان علينا أن نتمسك بالحق في الإيمان واليقين. وفي مواجهة الأشرار والمزورين الذين يتقدمون إلى أردأ ويستحضرون أشكالاً جديدة للشر، فإنه علينا أن نتحذر جيداً من الذين ينادون بأفكار جديدة لكي نثبت فيما تعلمنا.

(ع 15- 17) ولذلك فإن الأمان في النهاية ضد الشر هو في وحي الكتب المقدسة وكفايتها أما الناس فلا تكف عن النظريات الجديدة والمتغير والتي لا تنتهي، ولكن في الكتاب المقدس لنا كل حق نافع ومحفوظ في صبغة دائمة، محروسة من الشر بالوحي، ومستحضرة لنا بسلطان إلهي.

وبلا شك فإن الكتب المقدسة التي عرفها تيموثاوس منذ طفولته كانت هي أسفار العهد القديم، ولكن إذ يقرر الرسول أن "كل الكتابات هي موحى به من الله"، فإن ذلك يتضمن العهد الجديد مع كل الكتابات الرسولية. ونعرف أن بطرس يضع كل رسائل بولس مع الكتب الأخرى (2بط 3: 16).

وعلاوة على ذلك فإنه يضع أمامنا الفائدة العظيمة للكتاب. فأولاً تعطينا المقدرة أن نكون حكماء للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع، وثانياً فهي تقودنا إلى المسيح لنجد فيه الخلاص لنكتشف أن كل الكتابات هو نافع للمؤمن، كما أن ناموس موسى والأنبياء والمزامير نجد أن فيها أموراً تختص بالمسيح (لوقا 24: 27و44).

كذلك كم يكون مفيداً الكتاب للتوبيخ وللأسف قد نكون في عمى تجاه أخطائنا أو قد ننحصر في ذواتنا فنصم آذاننا عن اعتراضات الآخرين ولكن لو خضعنا للكلمة سنجد أن الكتاب يستحضر لنا التوبيخ لأنها "كلمة حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين ومميزة أفكار القلب ونياته".

وفضلاً عن ذلك فإن الكتاب لا يدين فقط ولكنه نافع أيضاً للتقويم، وليس التقويم فحسب بل التأديب أو تعليمنا الطريق الصحيح. وإنسان الله يمكنه بكتابات الوحي أن يبنى في الحق لمواجهة الشر المتزايد ليكون "كاملاً ومتأهباً لكل عمل صالح" في اليوم الشرير.

  • عدد الزيارات: 3334