مقدمة الكاتب
استحضرت أمامنا الرسالة الأولى كنيسة الله باعتبارها بيت الله، كما وضعت أمامنا الترتيب الإلهي بحسب فكر الله. وأقرت بأنه كان هناك قوم قد زاغوا وانحرفوا إلى كلام باطل يريدون أن يكونوا معلمي الناموس، وهناك أيضاً من انكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان. ثم أعطت كذلك التحذيرات من أولئك الذين سيرتدون في الأزمنة الأخيرة عن الإيمان.ومع كل ذلك فإن المسيحيين بصفة عامة – في الرسالة الأولى – منظور إليهم كمن يقومون بمسئولياتهم في حفظ ترتيب بيت الله. والغرض العظيم أمام روح الله في الرسالة الأولى أن يعطينا التعاليم التي ترتبط وهذا الترتيب الإلهي، وكذلك السلوك الذي يتفق معها في كل تفاصيل هذه الوكالة على الأرض.
أما في الرسالة الثانية إلى تيموثاوس فقد تغير كل شيء. والكنيسة كبيت الله لم تعد ترى كمن تحفظ الترتيب الإلهي، بل نراها وقد سقطت في التشويش بسب فشل الإنسان. وبسبب فشل الكنيسة وتشويشها يكتب الرسول إلى تيموثاوس ليشجعه ويعلمه ويحرضه في زمن الخراب، وبالأولى يحذره من استمرار الشر ونموه المضطرد في هذا التدبير، الذي سيظهر في أردأ صورة له في آخر الأيام.
وإذ نتقدم في الرسالة نتعلم أنه في زمان الرسول كان الإنجيلي بعاني من مقاومات وأحزان، فالكارز للأمم كان محبوساً في السجن، ولقد انشق القديسون عنه ذلك الذي قدم لهم الحق الكامل للمسيحية (ص 1). كما برز معلمون كذبه في وسط المسيحية المعترفة، وكانوا بالكلام الباطل والدنس يدخلون التعاليم المضللة والشريرة التي تقود إلى الفجور، والنتيجة أن أصبح بيت الله مثل بيت كبير يضم أواني للكرامة مرتبطة مع أواني للهوان (ص 2). وفضلاً عن ذلك، فإن كانت الحالة في بدايتها - في زمن الرسول- هكذا, فستتبعها بالضرورة حالة أسوأن ففي الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة عندما تتصف جموع المسيحية المعترفة بصورة التقوى دون قوتها. وفي حالة كهذه فإن الناس الأردياء سيتقدمون إلى أردأ حتى لا تعد جموع المسيحية المعترفة قادرة أن تحتمل التعليم الصحيح. ولهذا فإن كانت الرسالة الأولى ترى المسيحيين من منظور أنهم لا يزالوا أمناء، ففي الرسالة الثانية لا تجدهم هكذا, بل تراهم وقد فشلوا كجموع عام باستثناء أفراد باقين يعيشون في أمانة وصدق بحسب اعترافهم المسيحي (ص 3 و4).
هذا بالإضافة إلى أن الرسالة ترينا انه عندما هبت عاصفة الشر، فإن الشخص الذي كان قد ألحق الهزيمة بالعدو وأمكنه أن يقود القديسين أصبح الآن على وشك أن يستبعد من المشهد. فالرسول كان سيأخذ من الأرض (بالاستشهاد) في اللحظة التي كان فيها وجوده بينهم يمثل احتياجاً ملحاً وأهمية بالغة.
ومع كل هذا, فالظروف التي تجمعت معاً – هبوب عواصف الشر مع غياب الشخص الذي كان بمقدوره أن يواجه تلك العواصف – قد استخدمها روح الله ليبرهن للأمناء في العصور المسيحية التالية، أنه مهما كانت أهمية العوامل الإنسانية، فإن الله قادر على مواجهة كل ظرف دعي إله المؤمنون، بالاستغناء عن هذه العوامل.
وإذا كان بولس على وشك الرحيل، متطلعاً بكل يقين إلى إكليل البر في يوم الرب، فإن الرسول لم يستطع أن يحتمل، بل كان يشعر بعميق الفشل إزاء ما استخدمه الله لكي يؤسسه على الأرض. وكل أسى قلبه هذا كان يبثه في أذني ابنه الحبيب في الإيمان – هذا القلب الذي لم يحتمل – وهو قلب الرسول – الذي أفضى بشجونه إلى تيموثاوس ولقد استخدمه روح الله من جهة لكي يحذر المؤمنين من فسد المسيحية التي تزداد باضطراد، ومن جهة أخرى لكي يضع أمامنا عظمة وغنى مصادرنا بالله والمسيح، وفي الكتب المقدسة، لكي نؤازر بها في وسط الشر ونسير بحسب فكر الله في الأزمنة الصعبة.
ويمكن أن نرتب تعليم الرسالة كالآتي:
أولاً- في ص 1 التعزيات الباقية للتقي في زمن الخراب
ثانياً- في ص 2 طريق التقي في زمن الخراب
ثالثاً- في ص 3 مصادر التقي في الأزمنة الأخيرة
رابعاً- في ص 4 التوجيهات الخاصة لخدمة الله في الوقت الذي لا تعد فيه جموع المعترفين بالمسيحية قادرة أن تحتمل التعليم الصحيح.
- عدد الزيارات: 3302