تطبيقات
وعند قراءة نبوة عوبديا، سوف نلتقي بتطبيق رمزي وآخر طبيعي. فما يقال عن أدوم يتفق مع دينونة الجسد ونهايته، ذلك الشيء الكريه الذي طالما تجبَّر وادّعى، حتى في المؤمن وهو يحمله بين جنبيه، متعالياً على كل ما هو من الله. لكنه الشيء نفسه الذي سوف يباد بتمامه، ويصبح وكأنه لم يكن. كما أن نصرة بيت يعقوب القادمة، في يوم مجد الملكوت، تحدثنا عن التوسع والامتداد الأخير والبركة حينما ينهزم الجسد إلى الأبد، ويبقى الإنسان الذي بحسب الله وحده.
من عند الرب جاء خبر عن أدوم، ونتيجة له أرسل سفيراً بين الأمم لينهض جيوشهم ضد جبل عيسو. ومع أنه كان يوماً ما قوياً، فإنه سوف يصبح صغيراً بينهم، محتقراً جداً.
لطالما كان أدوم عدواً لإسرائيل، كما أن الجسد يشتهي ضد الروح؛ فحين تقع الكارثة على بيت يعقوب كان أدوم يبتهج. أما الآن فقد حقت عليه دينونة لا تشفق. وهذا - بلا ريب - يستمر حتى زمن النهاية، فإنه قبل تأسيس الملكوت، تنكسر شوكة أدوم. ذلك بأنه سيكون من ذريته قوم يسكنون أدومية في يوم التجمع العظيم ضد إسرائيل؛ لكنهم سوف يتحطمون. وعندما تدخل بقية العالم في البركة تحت ملك المسيا، سوف يمحون من تحت السماء.
وكما مع الجسد هكذا أيضاً مع أدوم، فكبرياؤه لا تحتمل. فإذ كان يسكن في مرتفعات أدوميه وحصونها الصخرية، ظن نفسه ناجياً، بمأمن من كل هجوم. لكن الله يعلن «تكبر قلبك قد خدعك… إن كنت ترتفع كالنسر وإن كان عشك موضوعاً بين النجوم، فمن هناك أحدرك» (ع3،4). ولن تفلح قوة ما حينما يأتي وقت الرب المعين لهلاكه. فقد سقط أدوم في دينونة إبليس إذ عظَّم ذاته وطلب مجد نفسه. وهذا من جانب المخلوق عصيان ضد الله، ولا يمكن إلا أن يُعاقب.
وخرابه لن يكون كما لو أن لصوصاً اقتحموا للسرقة، وإذ أخذوا بأيديهم الكثير فلم يسرقوا الكل؛ ففي يوم تُفحص مخابئ عيسو سوف لن تبقى فيها باقية. ومعنى هذا أن خرابه سيكون شاملاً (ع5،6). لقد خدعه كل حلفائه ومعاهديه، وغدر به من وثق بهم. ولسوف يبيد الحكماء من جبل عيسو، وأبطال تيمان يرتاعون ويخزون. لن يبقى أحد، بل ينقرض الكل بالقتل (ع7-9).
إن ظلمه لأخيه يعقوب استحق هذه المعاملة العنيفة الصارمة. فحين خرج إسرائيل من مصر، لم تؤثر الروابط الأخوية على قلب ملك أدوم ليشفق على الرُّحل القاصدين كنعان، بل اضطرهم لأن يدوروا بأرضه، الأمر الذي زاد مشقة على متاعب رحلتهم. ومن ذلك اليوم فصاعداً أصبح نسل عيسو أعداءً لشعب الرب المفرز.
وعندما دقت ساعة مصيبة يعقوب، وقف أدوم موقف الشامت، مسروراً بالعار والفضيحة التي أصابت أخاه. وخراب أورشليم لم ينشئ في نفسه أسى بل بهجة، فاشترك مع البابليين في إلقاء قرعة لأجل حصة من الأسلاب (ع10،11).
كل ذلك رأته عين الرب وكان أليماً في نظره، إذ هو على النقيض تماماً من المحبة التي لا تفرح بالإثم بل تسر بالحق. وهذا حكمه «ويجب أن لا تنظر إلى يوم أخيك يوم مصيبته، ولا تشمت ببني يهوذا يوم هلاكهم، ولا تفغر فمك يوم الضيق. ولا تدخل باب شعبي يوم بليتهم. ولا تنظر أنت أيضا إلى مصيبته يوم بليَّته ولا تمد يداً إلى قدرته يوم بليَّته. ولا تقف على المفرق لتقطع منفلتيه. ولا تُسلِّم بقاياه يوم الضيق» (ع12-14) وإذ عمل هكذا، ضداً لكل غريزة أخوية، فلابد أن يحصد ما قد زرع، والدينونة الكاسحة التي لا تشفق سوف تأخذه على غرة، حتى يقال عن أدوم «يكونون كأنهم لم يكونوا» (ع15،16). فبينما تدخل أمم مثل مصر وأشور، بل وسدوم وعمورة، فإن أدوم يسقط ولا يقوم.
- عدد الزيارات: 3541